الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان: حرب اسرائيل الاستباقية الدائمة وحدود الأحادية

ميشال فارشافسكي

2006 / 7 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


نحن في حرب!" ، هذا ما تعلنه اسرائيل منذ خمس سنوات. نوع فريد من الحرب: حرب من جانب واحد، حيث طرف واحد-اسرائيل- يحارب ويضرب ويدمر ويغتال ويعتقل ويعذب. والآن فجأة يرد الطرف الآخر بمهاجمة جنود بمراكز اسرائيلية متقدمة ومصفحات، وعندما أسر الطرف الاخر سجناء حرب لم ُيعتبروا محاربين اعداء بل ارهابيين يهاجمون بلا سبب دولة ذات سيادة.

--------------------------------------------------------------------


" ان خمس سنوات من عنف يكاد يكون أحادي الجانب بالكامل توهم الفاعل انه وحده على الساحة، وان كل الاخرين ليسوا اكثر من اشياء سلبية ازاء الشراسة احادية الجانب. وبعد الوهم تاتي المفاجأة، والآن زوال الوهم.

فوجئت مصالح المخابرات الاسرائيلية بالهجوم الفلسطيني الظافر بالمركز العسكري Kerem Shalom ، وكذا بهجوم حزب الله على الحدود جنوب لبنان، وفوجئ الموساد بالقوة الضاربة للحزب ذاته على المدن الاسرائيلية الكبرى بالقذائف والصواريخ. إن المفاجأة تمثل دوما ثمن الغطرسة الاستعمارية وعجزها البنيوي عن النظر الى المستَعمرين بما هم بشر قادرون على التفكير، ووضع خطط، واعمال وردود فعل.

لا يدرك الاسرائيليون، رغم انهم لا يكفون لحظة عن الحديث عن " العرب" و " الخطر العربي" و" العدو العربي" و"الخطر الاسلامي"، الخ، تلك الصلة الجلية بين المذابح التي يقترفها جيش اسرائيل بغزة وهجوم الناشطين اللبنانيين المضاد. وبالتالي فانهم بالاجماع تقريبا تحت وقع المفاجأة و مهانين جدا: كيف تجرؤ منظمة لبنانية على ضرب المدن الاسرائيلية، بلا سبب، ولا استفزازا لها من جانبهم؟ ان سكان دولة اسرائيل، وقد تعودوا على استعمال العنف من جانب واحد، حائرون بلا وجهة هذه الايام، وكالعادة يتملكهم شعور بانهم ضحايا، ضحايا الحقد العالمي على اليهود بما هم يهود.

يتمثل الرد الاستراتيجي للقيادة العسكرية الاسرائيلية في مضاعفة استعمال العنف، بالاستناد الى التصور العسكري القديم والبليد الذي مؤداه : " ما لم يتحقق بالقوة، يجب ان يحقق بمزيد من القوة". ليس لديهم اقل فكرة عما قد تؤدي اليه عمليات قصف البنى التحتية المدنية اللبنانية من خطر على استقرار النظام، ويحلمون بمهاجمة سوريا، دون أي تقدير جدي لقدرة ايران على الرد على هكذا هجوم، بما فيه تفجر انتفاضة شيعية ضد القوات الامريكية بالعراق. انهم يريدون، مثل كل جيش استعماري،" تلقين درس" للعرب، او للمسلمين بواسطة تفوقهم العسكري.

خلال هذا، وحدهم الاسرائيليون ياخذون درسا شاقا مفاده ان استعمال العنف من جانب واحد يؤدي، آجلا أو عاجلا، الى استعمال العنف من الجانب الاخر، وانهم سيتلقون في مستقبل قريب درس ان نزاعا محليا بالشرق الاوسط قد يتحول الى حرب اقليمية. ان قدرة منظمة لبنانية صغيرة محكمة التنظيم على الحاق اضرار جدية بقلب اسرائيل تمثل ضربة مرعبة لقوة الردع لدى الدولة العبرية، ولن تفلح اطنان القنابل الملقاة على جنوب لبنان في تغيير هذا الواقع الجديد.

لم تنته الازمة الراهنة لثلاثة اسباب: اولا ليس ثمة أي امارة استسلام بالاراضي الفلسطينية المحتلة ولا بلبنان. ورغم أن انظمة عربية عديدة، سيما المملكة السعودية ومصر والاردن، وقسم من النخبة المسيطرة بلبنان، استاءت من الهجوم المضاد لحزب الله ، سرعان ما خلقت شراسة العنف الاسرائيلي عداوة عربية واسعة ضد العنف الاسرائيلي ودعما للمقاومة. ثانيا، لانه ليس ولن يكون ثمة ضغط دولي على اسرائيل: حتى الاتحاد الاوربي سائر الى اعتبار اسرائيل ضحية لها حق الرد المشروع... وإن على نحو متناسب. ثالثا لأن سكان اسرائيل لا يعتبرون موت اسرائيليين فشلا لسياسة حكومتهم وحافزا لحركتهم الجماهيرية ضد الحرب، كما كان الامر خلال حرب لبنان في 1982-1985. ان اغلبية الرأي العام الاسرائيلي، بعد استبطانها نظرية صدام الحضارات، وبالتالي الحاجة الى حرب استباقية دائمة، تعتبر سقوط ضحايا من الاسرائيليين، مدنيين وعسكريين، أمرا طبيعيا وحتميا. أي بعبارة اخرى ليست السياسة الحكومية مسؤولة حقا عن معاناة سكان اسرائيل المعتبرة ثمنا لا بد منه لحماية اسرائيل بما هي قسم من "العالم المتحضر" بوحه الهمجية الاسلامية. ان الصعوبة البالغة لاعتبار"صدام الحضارات" منطقا خاطئا، الراسخة في الرأي العام الاسرائيلي منذ 1996، امر أكده الانهيار التام لحركة السلام الآن، اكبر منظمة جماهيرية اسرائيلية مناصرة للسلام، وصمتها خلال الحرب التدمير الوحشية التي شنها شارون بين 2001 و2005، ودعمها اليوم للهجوم على غزة ولبنان.

لهذا لم يتظاهر، بخلاف سنة 1982، سوى 800 امرأة ورجل مساء أمس بتل ابيب ضد العدوان الاسرائيلي على لبنان وسياسة السيطرة الاسرائيلية. وليس بوسع ناشطي الحركة المناوئة للاستعمار هؤلاء ، ايا كان عزمهم وجراتهم، تغيير خط عمل الحكومة وسيرها نحو حرب دائمة بالمنطقة. لكن بالاقل تمثل معارضتهم للسياسة الحربية لحكومتهم حجة حية على انه ليس ثمة " صدام حضارات" ولا ما يجري ترويجه بوسائل الاعلام من" مشكل ثقافة عام" بين اليهود والعرب. طبعا ثمة صدام، صدام بين من يخوضون، في واشنطن كما بتل ابيب، غزوا استعماريا للعالم تحت سيطرة الشركات العالمية الكبرى والامبراطورية الامريكية من جهة وبين شعوب العالم المتطلعة الى حرية حقيقية واستقلال سيادي وحقيقي.

ميشال فارشافسكي

القدس 18 يوليو 2006

المصدر : مركز المعلومات البديلة
www.alternativenews.org

تعريب جريدة المناضل-ة عن النص الفرنسي بجريدة le Grand Soir info



المناضل-ة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ