الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بليغ النَّغم: قراءة جديدة في تجربة بليغ حمدي الفنيَّة والانسانيَّة(3)

سيمون عيلوطي

2021 / 1 / 18
الادب والفن


(نجاة الصغيرة تقاضي بليغ حمدي وتحجب "العيون السُّود")

من المعروف أنَّ المطربة نجاة الصغيرة تعاونت منذ بداية انطلاقها في عالم الغناء مع العديد من الملحنين، غنَّت من ألحان محمَّد عبد الوهَّاب، رياض السُّنباطي، كمال الطَّويل، محمَّد الموجي، محمود الشَريف، الأخوين رحباني، وغيرهم، غير أنَّ الموسيقار بليغ حمدي كما جاء في الحلقة السابقة، كان مِنْ أهم الملحِّنين المبدعين في مشوارها الفنِّي، وأبرز مَنْ ساهم في تشكيل هويَّتها الفنيَّة، وتخليد أسطورتها في الغناء، وبأسلوب يحدِّد شخصيَّتها، ولونها الغنائيّ المميَّز، ما جعلها تصمد في منافسة غيرها من المطربات اللواتي رسَّخن خطواتهنَّ على طريق الغناء والطَّرب.
والحقيقة أنَّ وصول هذا الملحِّن الشَّاب، وهو لم يزل في الخامسة والعشرين من عمره، إلى قمَّة الهرم الغنائيّ العربيّ، أم كلثوم، كان بمثابة المعجزة التي لم تجعل نجاة تخرج عن طرها خوفًا من أن تفقد ملحِّنها فحسب، بل أربك الوسط الفنِّي في مصر برمَّته، حيث جاء وقعه على كبار الفنانين مدوِّيًا، إذ كيف تُغنِّي أم كلثوم من تلحين "ابن مبارح"، وتتجاهل عمالقة التَّلحين في مصر والوطن العربيّ؟!... عبد الوهَّاب أرسل لأم كلثوم من يبلغها عن رغبته بالتَّعاون معها، غير أنَّ اللقاء بينهما لم يتحقَّق إلَّا بعد أن تدخَّل عبد النَّاصر وطلب شخصيًا من "السِّت" أم كلثوم أن تغنِّي من ألحان الوهَّاب، فكانت "أنت عمري" سنة 1964، بداية التَّعاون المثمر بين هذه القطبين الكبيرين، الوهَّاب والسِّت.
من جهة أخرى: فإنَّ محاولات فريد الأطرش مع أم كلثوم، وحثِّها على أن تغنِّي من ألحانه، لم تتحقَّق، وذلك لأسباب سوف أتوقَّف عندها لاحقًا، ولكنَّني أودُّ أن أنوِّهَ في هذه العجالة أنَّ التَّعاون الذي تَمَّ بين حمدي والسِّت؛ لم يرق لرياض السُّنباطي لاعتباره أنَّه هو صاحب الامتياز الأوَّل في التَّلحين لأم كلثوم بعد محمد القصبجي، وزكريَّا أحمد، ما حدا به إلى أن يخرج عن وقاره المألوف، ويذهب للسِّت قائلًا: "هوَّ في أيه يا ست... ده انتي هتجري ورا عيال ولَّا إيه؟". (يقصد تعاونها مع بليغ حمدي وعبد الوهَّاب محمَّد في أغنية حُبِّ إيه)، فقالت له: "تعال شوف العيال دول عملو إيه".
بالعودة إلى موضوعنا: فإنَّنا حين ننظر إلى علاقة هذا الثُّنائي، المكوَّن من بليغ ونجاة، نراها تتراوح دائمًا بين مدٍّ وجزر، تشوبها رغم المحبة خلافات تصل أحيانًا حدّ القطيعة، ثمَّ ما تلبث أن تعود علاقتهما إلى الانسجام والوئام مرَّة أخرى، وهكذا...
اسجِّلُ هنا: أنَّ الخلاف الحاد الذي وقع بين هذا الثُّنائيّ الجميل سنة 1960، ووصل الى حرب كلاميَّة؛ تناقلته وسائل الإعلام في حينه بشكل واسع، بسبب "حُبِّ إيه"، انتهى وزال تمامًا بمجرد اتِّصال الموسيقار الكبير، حمدي، بالمطربة الصغيرة اسمًا، والكبيرة قدرًا، إلَّا إنَّ خلافهما عاد من جديد، ولكنَّه هذه المرَّة كان أشد وأعنف من سابقه، ولم يحسم إلَّا بالقضاء.
حكاية هذا الخلاف يلخِّصه الفنَّان سمير صبري، ضمن حلقات برنامج "ذكريات" الذي كان يُبثُّ عبر قناة TEN، يقول: " في عام 1972 اتَّفقت الفنَّانة نجاة مع الشَّاعر الغنائي محمَّد حمزة على كتابة أغنية جديدة لها، فقدَّم لها مذهب أغنية "العيون السُّود"، وطلبت منه أن يكملها على أن يتولَّى بليغ حمدي تلحينها. في هذا العام توجَّه بليغ إلى الجَّزائر لتقديم لحن "من بعيد أدعوك يا أملي" الذي ستغنيه الفنَّانة وردة في عيد استقلال بلادها. وبعدها طلب بليغ من وردة العودة إلى الغناء والرُّجوع إلى مصر بعد انقطاع دام عشرة أعوام"، ويتابع: "حب بليغ لمعشوقته الأبدية وردة جعل مشاعره تطغى عليه، فأمسك بورقة وقلم وكتب: "وْعملت إيه فينا السِّنين/ فرَّقتنا لا، غرَّبتنا لا/ ولا دوِّبت فينا الحنين/ لا الزَّمان... ولا المكان/ قدرو يخلّو حبِّنا... ده يبقى كان".
ووفقًا لشبكة "سكاي روك"، "فإن بليغ قام بدندنة المقطع على العود بينما هما في بيت وردة" التي تأثَّرت كثيرًا وتَرَقْرَقَت الدُّموع من عينيها، ثمَّ قالت له: "حلوة أوي يا بليغ كمِّل"... فقال: "أنا كنت كاتب دول بس"، فردَّت: "لو كمَّلتها هأسمع كلامك وأرجع مصر أغنِّيها"، فأدمعت عيناه فرحًا ".
من جانبه، فإنَّ الشَّاعر محمَّد حمزة أكمل كتابة الأغنية بأسلوب يناسب الفنَّانة وردة، ويعبِّر أيضًا عن حب بليغ الجامح لها، حيث جاءت الكلمات وكأنَّها بلسان الملحِّن العاشق نفسه.
عند عودة وردة إلى مصر وجدت الأغنية، موضوع حديثنا، جاهزة، بعنوان: "العيون السُّود"، وقد استطاع بليغ حمدي أن يبدع لحنًا لكلماتها، جاء متناغمًا تمامًا مع صوت وردة الذي لمسنا عذوبته حين غنَّتها في أوَّل حفل أقيم لها في مصر بعد العودة، نهاية العام 1972. النَّجاح الكبير الذي لاقته الأغنية، دعا المخرج حلمي رفلة أن يستغل نجاحها، فيطلب من وردة أن تغنيها في أوَّل أفلامها "صوت الحب"، وهذا كان.
الفنانة نجاة الصغيرة عندما سمعت الأغنية بصوت وردة جُنَّ جنونها، فأقامت دعوى في المحاكم لإثبات حقِّها في أغنية "العيون السُّود"، وبحسب "الموجز-صحافة جيل جديد"، فإنَّ "نجاة ربحت القضيَّة، ومنعت وردة من غناء هذه الأغنية مره أخرى في مصر، فحدثت قطيعة فنيَّة كبيرة بين ألحان بليغ وصوت نجاة الصغيرة، وبعدها بمدَّة تمَّ التَّصالح بينهما بعد مكالمة من نجاة لبليغ، جاءت بعد منتصف الليل، حيث اتَّفقت معه عبرها على العودة مرَّة أخرى لألحانه، وهكذا أفرج عن "العيون السُّود"، وغنَّتها وردة في حفلاتها داخل مصر، وخارجها بطبيعة الحال.
المستغرب هو: لماذا لم تفعل نجاة مع عبد الوهَّاب كما فعلت مع بليغ ووردة حين تعرَّضت لموقف مماثل مع موسيقار الأجيال، عبد الوهَّاب، وذلك عندما سحب منها أغنية "كل ده كان ليه" ليغنَّيها هو بنفسه في الإذاعة، وفي حفل أقيم له بمناسبة ذكرى انتصار ثورة يوليو سنة 1954، بحضور الرَّئيس الرَّاحل جمال عبد النَّاصر، وأعضاء مجلس قيادة الثَّورة، وقد تمَّ ذلك بعد أن قام بمنح نجاة هذه الأغنية، كأوَّل لحن من الأستاذ إلى تلميذته.
(الأغنية على الرَّابط التَّالي:)
https://www.youtube.com/watch?v=KOnNaDUDAdk
مطربتنا القديرة قامت في نفس السَّنة 1954، باعتبار أنَّ الأغنية خاصَّة بها؛ بتسجيلها في اذاعتي مصر وسوريا، ومن ثَمَّ عرفت أنَّه لم يعد بمقدورها أن تغنِّي تلك الأغنية في حفلاتها المقبلة، لا سيَّما بعد أن استعادها منها ملحِّنها ليحتفظ بها لنفسِه. أما هي: فلماذا بيقت صامتة، متسامحة مع صاحب "كل ده كان ليه"، وبشكل يتناقض تمامًا عمَّا بَدَرَ منها بحق بليغ؟!! عجبي!!
(تنويه:)
سأخصص لاحقًا مقالة حول علاقة حب بليغ حمدي ووردة الجَّزائريَّة، لما فيها من تفاصيل كثيرة، اوحت لبليغ عشرات ألحان الأغاني الخالدة.
العيون السود:
https://www.youtube.com/watch?v=wh5woJKJ6CE

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة