الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إثارة الكراهية بين الشعوب ... لمصلحة من ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


يتداول البعض عبر قنوات الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة بوعي أو بدونه , خطابات الحقد والكراهية تجاه شعوب أخرى من منطلقات عنصرية بغيضة أو أحقاد نفسية دفينة , محملا أجيالها الحالية ما يعتقده أخطاء أجيالها السابقة بحق أو بدونه . وبعضها شعوب تربطها ببعضها روابط كثيرة , أبرزها وأهمها رابطة الجوار الجغرافي الذي لا مفر لأي منها منه شاءت أم أبت ذلك, حيث تقتضي الأعراف والمصالح بين الدول ,علاقات حسن الجوار وتبادل المنافع والتعامل بالحسنى ضمانا لأمن وآمان كل منها , وقطع سبل التدخل الخارجي للعبث بأمنها والإضرار بمصالحها , فضلا عن روابط ثقافية وإجتماعية كثيرة توطدت بينها عبر عصور طويلة .
ليس من مصلحة أي شعب من الشعوب نبش الأحقاد وإثارة الضغائن, وإستذكار كل الأحداث السيئة في التاريخ التي مرت بها في فترات سابقة ,جراء تصرف هذا الحاكم أو ذاك , فتاريخ كل أمة من الأمم لا يخلو من تلك النماذج القبيحة , وليس هناك أمة سمتها بالخير وأخرى الشر, كما تروج لذلك جماعات الحقد العنصري البغيض والتمايز القومي التافه بين الشعوب . لا يعني هذا نكران الماضي , ولكن يمكن إستحضار كل ما هو خير فيه لتعزيز أواصر المحبة والتعاون بين الشعوب على أساس المصالح المشتركة , ونبذ كل الأحداث والفضائع المؤسفة التي إرتكبت في الماضي والتي لا يخلو منها تاريخ كل أمة, بهدف تجنبها وعدم تكرارها حاضرا ومستقبلا.
لم تخلو العلاقات بين الدول كبيرها وصغيرها من صفحات بيضاء ناصعة وأخرى سوداء داكنة في تاريخها, تخللتها مشاكل وصراعات وربما حروب طويلة ,من أجل التوسع والهيمنة والتحكم بمقدرات الشعوب الأخرى بذرائع شتى ودعاوى مختلفة , لتحسم بعدها الصراعات لصالح الطرف الأقوى. وهكذا هي قوانين الأرض عبر العصور المختلفة تؤكد دوما أن البقاء للأقوى, وإن كان الأقوى لا يبقى أقوى مدى الحياة , كما تؤكد تلك قوانين الطبيعة إذ أن بقاء الحال من المحال , فمن كان قويا بالأمس لابد أن يصبح ضعيفا في يوم آخر. وهذه الشواخص والوقائع التاريخية جميعها تؤكد ذلك , إذ يكفي أن نشير إلى صعود وسقوط الإمبراطوريات العظمى, الرومانية والفارسية والإسلامية والبريطانية وغيرها التي حكمت العالم ردحا من الزمن وتركت بصمات واضحة في الكثير من الدول حتى يومنا هذا.
شهدت دول العالم المختلفة حروبا كثيرة , نجمت عنها خسائر بشرية ومادية جسيمة وحفرت في ذاكرة شعوبها ندبا وآلام كثيرة , والأمثلة على ذلك كثيرة , نكتفي بذكر الحروب الدامية التي تعرضت لها الدول الأوربية( التي تعد اليوم مركز الإشعاع العلمي والفكري والحضاري في العالم) وإحتلال بعضها البعض الآخر , فقد غزت الجيوش الألمانية النازية فرنسا ومعظم دول أوربا في الحرب العالمية الثانية التي إندلعت عام 1939 وإمتدت لغاية العام 1945,راح ضحيتها ملاين البشر وتسببت بدمار شامل وخسائر مادية هائلة , لكن هذه الدول قد نفضت عن كاهلها غبار الحرب , لتعيد إعمار ما دمرته الحرب , بدلا من البكاء على الأطلال وندب حضها العاثر وتراشق خطابات الأحقاد والكراهية فيما بينها , تحالفت فيما بينها كدول صديقة في إطار حلف شمال الأطلسي , وبعدها توحدت إقتصاديا في السوق الأوربية المشتركة , ومن ثمة تقاربت أكثر في إطار الإتحاد الأوربي الذي ينسق سياساتها وينظم مصالحها تجاه الدول الأخرى , وربما تتوحد في إطار دولة كونفدرالية مستقبلا.
وكذا فعلت اليابان مع الولايات المتحدة الأمريكية عدوها اللدود, الذي قصفت حكومتها مدينة هيروشيما أحد أكبر المدن الصناعية اليابانية بأول قنبلة ذرية في التاريخ عام 1945, حيث دمرتها تدميرا كاملا . وبرغم ذلك بعد أن أدركت اليابان حدود قوتها , إستسلمت للأمر الواقع , وقبلت بشروط الإذعان الأمريكي , لتصبح دولة صديقة لها ألأمر الذي مكنها لتصبح دولة صناعية وإقتصادية كبرى في العالم , حيث إحتلت المرتبة الثانية بين دول العالم الأقوى إقتصاديا عقودا طويلة من الزمن بعد الولايات المتحدة الأمريكية, وها هي اليوم تعد أحد أهم الإقتصادات في العالم بعد أن وجهت قدراتها العلمية والتقنية لبناء دولة مزدهرة ينعم شعبها بالأمن والآمان , على الرغم من إفتقارها للمواد الأولية ومصادر الطاقة الضرورية للصناعة. لم تسعى اليابان ثانية لبناء ترسانتها العسكرية تمهيدا لجولة عسكرية أخرى مع الولايات المتحدة , للثأر منها والدخول في دوامة حروب مدمرة الله يعلم نتائجها.
من ذلك نخلص أن الصراعات وحتى الحروب بين الدول , لا ينبغي أن تؤسس لعلاقات حقد وكراهية دائمية فيما بينها , والأهم من ذلك أن لا تؤسس لعلاقات حقد وكراهية بين الشعوب قد تترك ندبا في ذاكرتها ليس من السهل نسيانها , بل يترك للزمن أن تندمل فيه الجروح وتحل الصراعات سلميا طبقا لعدالة السماء ومبادئ القانون الدولي الذي ينبغي أن تسنده قوة وإرادة شعبية عاقلة ومدركة جيدا لمصالح بلدانها وضمان تنميتها في جميع الأحوال, وتشيع مفاهيم الوفاق والتعايش السلمي فيما بينها.
ونقول هنا أنه لن يكون هناك رابحا من النفخ في الرماد ,لإشعال نار الفتن تحت هذه الذريعة أو تلك , وكأننا نستعيد معارك داحس والغبراء بين الشعوب دون هوادة , حيث يحترق فيها الزرع والضرع عبثا. ولا بد أن نتذكر أن معظم الصراعات الدامية والحروب المدمرة بين الدول ,غالبا ما تتم نتيجة طيش سلطات حاكمة , لصرف نظرشعوبها عن مشاكلها الداخلية بإفتعالها أزمات خارجية ,وتتطلع للتوسع والهيمنة على بلدان أخرى لنهب ثرواتها , وقد لا يكون لشعوبها أي دخل فيها سوى جعلها وقودا لها . والأهم من كل ذلك أن ندرك أن الشعوب باقية إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا , بينما الحكام ونظمهم السياسية زائلة طال الزمن أم قصر. لذا ينبغي المراهنة على العلاقات الحسنة بين الشعوب , بدلا من اللهاث وراء سراب الصراعات والحروب بين الدول .
ورب قائل يقول أن الشعوب وحكامها , هما وجهان لعملة واحدة وبخاصة في الدول الديمقراطية التي يتم فيها تداول السلطة سلميا عبر صناديق الإقتراع , وبذلك تكون الشعوب مسؤولة تماما عن تصرفات وسلوك حكامها تجاه الشعوب , إذ أنها هي من أوصلتهم إلى السلطة , وهي من تستطيع محاسبتهم وإزاحتهم عنها . وهنا نقول وإن كان ذلك يبدو صحيحا إلى حد ما للوهلة الأولى , ولكن بنظرة فاحصة أكثر دقة , يتضح لنا أن من يشاركون عادة بالإنتخابات في أعرق الدول ديمقراطية, لا تتجاوز نسبتهم الخمسين في المائة ممن يحق لهم التصويت أو بأكثر قليلا في أحسن الأحوال , ناهيك عن شريحة الشباب التي تشكل نسبة عالية من إجمالي السكان , دون سن الثامنة عشرة الذين لا يحق لهم التصويت . ولا يكترث الآخرون بنتائجها لأسباب مختلفة, وأن نسبة من يفوزون بالسلطة عادة ما تكون بحدود نسبة ( 50 إلى 60% ) من عدد المشاركين بهذه الإنتخابات في أحسن الأحوال . وبذلك لا تمثل هذه الحكومات غالبية شعوبها تمثيلا حقيقيا كما يعتقد البعض, بل تمثل نسبة منهم لا تزيد على ربعهم أو ثلثهم .
وبرغم ذلك لا نقول أن ذلك يعفي الشعوب من تحمل تبعات تصرفات حكوماتها إطلاقا , إنما ما أردنا قوله هو أن هناك جماعات كثيرة لا تتفق مع سياسات حكوماتها , بل وتعارضها عبر المظاهرات والإحتجاجات السلمية والتي قد ترافقها بعض أشكال العنف والمصادمات المسلحة أحيانا, فضلا عن المواقف الإيجابية للكثير من المثقفين ورجال الفكر المتنورين تجاه قضايا الشعوب الأخرى . لذا لا يصح أبدا زجهم جميعا في خانة واحدة من العداء والتعامل السلبي . والأهم من كل ذلك أن الشعوب باقية ما بقيت الحياة , فالعداء الدائم بينها كالبراكين المستعرة التي تقذف حمم الكراهية بين حين وآخرلا يخدم أيا منها . والأصح معاداة حكوماتها ونظمها السياسية القابلة للتغير وتصحيح مساراتها بما يمكن أن يعود بالمنفعة على جميع الشعوب , وبخاصة أن تلك الحكومات تقيم علاقاتها مع الدول الأخرى, على وفق مبدأ أن لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة إنما هناك مصالح دائمة.
ولا شك أن الحال أسوء كثيرا بالنسبة لحكومات الدول ذات النظم الإستبدادية الشمولية , حيث يتحكم بمصيرها حاكم فرد مستبد , وقد يقودها إلى مغامرات عسكرية وإرتكاب فضائع بحق شعوب أخرى , بعد أن يكون قد أحكم قبضته على شعبه . فكيف يمكن والحالة هذه تحميل شعبه المغلوب على أمره أصلا , تبعات مغامرات حكامه الطائشين تجاه الشعوب الأخرى.وقدر تعلق الأمر بنا , نرى أن من مصلحة العراقيين , نبذ كل أشكال الحقد والكراهية وعدم الإنتقاص من كرامة الشعوب الأخرى , تحت أي ظرف أو ذريعة أو مسوغ , وذلك تجسيدا لقول الله تعالى في الآية الكريمة ( 13 ) من سورة الحجرات :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
وهذا يتطلب العمل على مد الجسور مع جميع شعوب الأرض قريبها وبعيدها , لتوطيد أواصر التعاون في جميع مجالات الحياة على أساس تبادل المصالح المشتركة في إطار علاقات دولية متوازنة , وعدم التدخل بشؤون الآخرين , والتأكيد على حق كل شعب العيش في وطنه آمنا وسعيدا وسيد نفسه دون الإتكاء على أحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة