الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمرات تحت الرماد

محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)

2021 / 1 / 21
الادب والفن


استيقظ على صوتها وهي تهز كتفه برفق:
إسماعيل ! ..أفق!!.. الفطور جاهز والساعة تجاوزت الثامنة..
بتثاقل فتح عينيه ، جلس على طرف الكنبة التي قضى الليل عليها متعمدا ألا يتطلع اليها بنظر ، ثم مد يده ليبعدها عنه ؛
حاولت أن تمسك بيده، فدعَّها بقوة وهو يستقيم في مكانه متوجها الى الحمام..
لم يطل به مكوث ، بسرعة تناهى الى سمعها وقع اقدامه عائدا ، غير ملابسه ثم خرج تاركا دوي الباب وقد صفق عنيفا خلفه..
"سلوك بدائي من عيب أعمى لا يري الا ما يريده ، رجل لا يعرف حدود نفسه فكيف يمكن ان يحدد سلوكه " هكذا صارت تفكر جاهدة في حبس صرة غيم من أن تنفتق في عيونها ، تاركة لصدرها أن يتنفس غصة تطرد بها وحلا تفجر كاشفا عن عقلية توهمتها فيه موؤودة ، فمظهره لا يعكس عناكب عقله ..سنتان وهي في صدره كنار خامدة ،أو نوم عميق لم تومض لها حفرة الا مع رسالة باغتتها على هاتفها ..
لماذا ؟ هي لم تخف عليه شيئا من ماضيها ، وعلاقتها بخطيبها الأول لم تكن غائبة عنه ؟ لا ..لن تستسلم لشكوكه وسوء ظنه ، فتسمح له أن يسلب منها ثقة النفس التي نشأت عليها ، ولن تصير حصاة في يده يدحوها كلما اثقلت عليه بريبة ، هي اقوى من تقليعات مخه الرجعي ،و من دموع قد توهمه بضعفها..
جلست الى المائدة التي أعدتها قبل ان تتوجه لايقاضه ، تناولت فطورها برغبة وهدوء نفس ، ولئن خرج غاضبا بلا فطور فهذا شأنه، وهو وحده يتحمل جوع بطنه .. تبسمت للغباء الذي قد يركب بعض الأزواج ، كأن الزوجة ملكية خاصة، الزوج وحده المتحكم فيها حسب مزاجه ، لم يكلف نفسه حتى تحية الصباح يرميها في وجهها..
ـ "لن أكون له أمة تعيش معه بأعراف السمع والطاعة ، ولعناده لن أزند الحطب ، أنا لم أخف عنه خطبتي الأولى ، ويعلم اني أنا من تخليت عمن قبله لبخله ، وسوء اهتمامه بنفسه وهندامه ، و الوساويس التي كانت تأكل صدره.."
خمس سنوات مرت على انفصالها عن خطيبها الأول ،فمن ذكر هذا الغبي بها حتى يفاجئها برسالة على الواتساب تحرك جمرا تحت رماد غير مرئي ؟ !! .. من اوحى له باسترجاع طيفها وقد طردته من حياتها ؟ربما عاد من الغربة فتعمد معاكستها بعد ان وجدها قد تزوجت.. وماذا بعد؟ ربما خيرا فعل ؛ رب ضارة نافعة ، فالرسالة قد كشفت مستورا كان يلزم ان يظهر من مدة ..
كانت مع زوجها إسماعيل في السيارة عائدين من زيارة حماتها ، خرج غاضبا عنها لأنها انشغلت بهاتفها في حضرة أمه ،وهذا في شرعه قلة احترام منها لأمه ، أما عندها فقد كان نوع من عدم التدخل في حديث سري هامس بين أم وابنها حاولا معا ألا تسمع منه شيئا .. أصدر هاتفها رنة ..لابَ إسماعيل اليها ، فوجدها تبتسم ، وكأن بسمتها قذيفة بركان أصابته في أقداسه، شرع
صدره يغلي وعيناه تلتهم الهاتف بنظرات شزرة، ..تغاضت عن حركة من يده كادت تفقده السيطرة على السيارة وهو يسأل بغير قليل من عنف :
ـ ممن الإشارة ؟
اتسعت ضحكتها والرسالة تفرك أعماقها باستهزاء من صاحب الرسالة ، مما عمق الشك في نفس إسماعيل ،توهما أن الضحكة منها رغبة وسعادة خالجتها ..
انتبه للطريق أمامه ثم تابع بتسرع وهو يحرك عجلة المقود بعنف : مابك تترنحين ؟ قلت لك ممن الإشارة ،ألا تسمعين ؟
رمى عبارته بنفس قوة ردة فعل القذيفة التي أصابته حين سمع إشارة الرسالة ..هل كان يتصيد لها زلة؟ ، لا شيء قد صدر منها ؟ ولا تظن ان التسلية بهاتفها حين كان في حديث سري مع أمه قد يبيح له هذا السلوك ، لكن من يومين وهو يحدجها بنظرات غريبة ،وكانه ارتكب جرما يتستر عليه ، أو يخطط لامر لا تعرفه ، او ربما ينبش عن شيء لم يعرفه فيها،لكنها ظلت تداري ذلك باهمال..
ردت وكأنها تحدث نفسها ،عيناها مشدودتان الى صاحب الرسالة وقد جمعت مابين حاجبيها متناسية عبارة زوجها "تترنحين: "
ـ غريبة ، من دله على رقم هاتفها الجديد وقد غيرته بمجرد الافتراق عنه ؟
وكمن يطوح بحجر وبدون اصطبار مد إسماعيل يده ، خطف الهاتف من يدها بهمجية آلمتها ،ثم وضعه في جيب سترته ،"سلوك همجي حيواني" ، رددت في نفسها ،وحيث انه يسوق السيارة ، فقد فضلت ألا تثير زوبعة على شيء هو تافه بالنسبة لها ،وان كشف لها عدوانية ترفضها...
شرعت تلملم صورا من خمس سنوات مضت ، تقارن بين رجل شكاك قتير أراد أن يستغل مال ابيها ، وهذا الذي ارتضته بعد سنتين من فك خطبتها الأولى بين خشية ويأس ، كأن الرجال صاروا كأقمار عرجاء ...كلهم سواء ،وان اختلفوا مظهرا فأعماقهم لا تعلن الا لازمة واحدة ..لاثقة في أنثى.. !!
ترجلت من السيارة الى باب العمارة وقد تأخر عنها ، يقرا رسالة الهاتف ويبحث عن رقم هاتف صاحبها قبل ان يغادر مقعد السيارة ..وهما في المصعد قال : متى راسلته حتى رد عليك اليوم ؟
فاجأها سؤاله ، و فاجأتها أكثر كلمة " راسلته" بل ذبحها الصدى وطريقة السؤال التي ألقاه عليها وكأنها يخاطب عدوا لا زوجة .. قالت وهي تنسل من باب المصعد:
سؤالك لا يليق برجل واع ،واثق من نفسه ومن غيره .. لا تنس اني زوجتك وشرف وجهك، فكيف ترميني بسوء الظن ؟
هاجمها بحدة تشي بغير قليل من عناد وغرور : هروبك من الرد معناه أنك قد راسلته من قبل.. !!
حدجته بنظرة تصغير قبل ان ترد:
طريقة انتشال الهاتف من يدي كلص مباغت ، او حيوان مهاجم ،ثم سؤالك الآن دليل هيمنة وبسط نفوذ ..أرفضهما..
صمتت قليلا ثم تابعت وهي تلج البيت :
سلوك من أزمنة متاحف القوة والعنف ؟ !! .. يجب أن احتاط له ،وأنا أكره هذا من رجل متعلم واخطر منه يعمل في ميدان التربية .. أنصحك أن تعود لنفسك ولا تحاكمني حسب هواك وعناكب عقلك المتخلف .. المهم تصبح على خير.. قالتها وهي تلج غرفة نومها ..شرعت تغير ملابسها ثم ارتمت على السرير..
كان جسدها يرتعش من شكوكه التي أثارت انتباهها من مدة وهي تجد أثر العبث في دولاب ملابسها عند غيابها ، ومن مراقبة هاتفها كلما جلس بجانبها متظاهرا بأنه يتسلى ببعض ألعاب الهاتف ، كانت تحمل كل ذلك على حسن الظن و عدم الاكثرات ، فليس في حياتها أسرار يمكن أن تثير شكوكه .. اهتز جسدها لحظات قبل ان تستعيد هدوءها ..
لا تدري كم مر من الوقت على انتظاره قبل ان تغيبها نومة الى الصباح...
تكره أن تصير صورة للشك وقلة الثقة ، أو أن تعيش على أفكار العصور البائدة ومحاكم التفتيش، هي لم تخف عنه خطبتها ولا سبب فراقها مع خطيبها الأول ، بل فصلت له وبكل ثقة في نفسها وبما قد يرضي غرورا لم يظهر عليه حين خطبها ، انها كرهت في خطيبها الأول صورة نمطية تسكن مخياله و حاول أن يصبغها عليها ..كان بإمكانها ان تسامح لو اعتذر أما وقد هجر السرير وتركها وحيدة فلن تتنازل ، اليوم مد يده وأخذ هاتفها بغير اذن ولا لباقة ، واستاثر به في جيب سترته ، رغم أن كل مخزونات الهاتف من خصوصيتها ، وغدا قد تغريه قبضة يده ..لا.. أنا قبلت به زوجا كرجل تربية ،حمال حضارة وثقة بنخوة الرجال حسب ما تظاهر به وأطلق للسانه العنان بادعائه، لا بقبلياته التي حركته ولم يستطع تجاوزها...
تذكرت سلوكا كان قد بدر منه مع زوجة أخيه حين صادفها مرة تمد يدها بالسلام في الشارع العام الى زميل لها في العمل ، كاد أن يتسبب في طلاقها
لو لا معرفة أخيه بالزميل وأخلاقه..
لم تسأله عن سلوكه ذاك ، فقد اعتبرته عابرا لا تعلم له قبليات رغم انها أوعزته الى عناد زوجة أخيه كما ادعى وكراهيتها له لانه عارض زواج أخيه بها ، كانت إشارة وسلوك أمس احدى تجليات نفسه المريضة..
لم يتعود ان يتغيب عن الغذاء معها ، ثم يقيل قليلا قبل ان يعود لعمله ، بلغت الساعة الرابعة ولم يعد ، يبدو انه كان يترقب اعتذارا منها ؛ هذا عناد ، لقد أخطأ في حقها و هو من كان عليه أن يبادرها باعتذار ،فهو من افتعل غضبة اثر حادث كان عليه الا يتسرع في حكم عليه ، لن تكون المبادرة بمصالحته ، فقد أتت اليه صباحا ،وكان أمامه الليل بطوله ليستكين ويدرك عمق الجرح الذي سببه اتهامه لها..
حين عاد مساء كانت تتابع شريطا ضاحكا على التلفاز ، قصد غرفة النوم مباشرة ،ودون أن يكلمها ..
لم تعر الأمر اهتماما فكل انفعال سابق قد خف في نفسها ،والهدوء ما يغمر دواخلها ، حتى أنفاسها كانت منتظمة وهي تترقب خروجه من غرفة النوم والاقبال عليها ، حالة الصفاء التي تلفها جعلتها مستعدة أن تنسى اساءته اليها لو أتى معتذرا..
تبسمت حين دلف الى الحمام ، ورغبة الى الحديث معه قد انتابتها ، فحوار بسيط وهادئ قد يعالج الامر نهائيا..
عاد الى غرفة النوم ، انتظرت اقباله عليها!!..
ماذا يعمل ؟ هل يترقب اعتذارها ؟ أعوذ بالله من رجل عنيد؛ تحاملت على نفسها ، تحركت من مكانها حائرة .. هل يريد أن يذلها ؟ أم انه وجدها فرصة ليعودها على الطاعة والخضوع ؟ بدأت الأسئلة تتناسل في عقلها ،تتقافز باحثة عن رد مقنع لسلوكه هذا.. !!
لم يغب عنها أنها في مجتمع ايمانه بالتقاليد وعمله بالعادات اقوى من ايمانه الديني ، لتحتمل فهي تملك من القدرة والذكاء ما يساعدها على رتق العيوب ..
دخلت عليه غرفة النوم ، وجدته جالسا على حافة السرير يرد على رسالة هاتفية وقد استنارت على وجهه بسمة سرعان ما انطفأت حين فاجأه
ظهورها أمامه ، ودون ان يرفع لها بصرا كشر قائلا :
ـ هل تطمأنت على الحبيب العائد؟
غلا الدم في راسها وأحست برعشة قوية تسري في كل جسدها ، كل سكينة نفسها صارت مرجلا يغلي ، وبجرأة انفجرت في وجهه وقد غاضها ان يتسلى مغتبطا بالحديث على هاتفه ويتركها ، ثم تأتي اليه بهدوء نفس فيواجهها بغضبه و حقده :
وبعد هل يهمك ؟ كنت أظن ان الامر قد انتهى مع غيابك طيلة اليوم لان من تسأل عنه ماض راح وانتهى ، ولك علم بكل تفاصيله ، الا اذا كنت تعاقبني على انشغالي بهاتفي في حضرة أمك وانتما معا من قلل من احترامي حين اصررتما على تبادل حديث سري عمدي ، دون اعتبار لوجودي ، أما وانت مصر على عفن عقلك فلا أخال أن الأمر لازال يهمك.. تابع رسالتك وضحكاتك !! لقد ظهر السبب "عيبك يا الولية رديه ليا"
شرعت يداه ترتعشان، وقد كره ان تضبطه في حديث مع غيرها ، أو تهزم عناده ، رمى بالهاتف فوق السرير ، وصارت عيونه جمرة نارية ترمي شررا غريبا .. اللحظة فقط ادركت حقيقة الرجل الذي قبلت به شريك حياتها ، المرة الأولى مع زوجة أخيه وهذه الثانية معها ..تذكرت تحذير أخيها قبل أن توافق عليه :
فكري مريم كثيرا قبل ان تعيدي تجربتك الأولى ، الرجل تجاوز الأربعين ، ذو طبيعة بدوية وثقافة دينية لا تؤمن بالاختلاف، سبق له أن كان متزوجا ، ونحن اسرة متحررة ، فلا تغامري....
كانت تعرف انه حامل متون دينية وقد استطاع بعد ارث من أبيه ان يقدم استقالته من التعليم العمومي ويؤسس مدرسة حرة ، ولا شك ان معارفه المتجددة واندماجه في سلوكات القطاع الخاص قد تكون إشارة على تغييره مهما كانت هيمنة البداوة والتقاليد عليه.. لم تفكر يوما أن لسانه رحى ترمي ما لا تؤمن أو تحس به ..
فكرت أن تنسحب من غرفة النوم حتى لا تضاعف من انفعالاته وغضبه ، وهي تستدير نحو الباب سمعت صوتا نسويا يصدر من الهاتف : "إسماعيل أين أنت ؟" ارتمى عليها من خلف وقد أمسك بكتفها في عنف آلمها وهو يصرخ وكأنه يريد أن يغطي على الكلمات الصادرات من الهاتف :
حين أكلمك ،تسمري في مكانك وواجهيني ، لي كل حق عليك ،ومهتم بكل صغيرة وكبيرة تصدر عنك أنا زوجك !! .. احترامي وطاعتي مفروضان عليك..
ارتعبت ، وقد لفحتها رائحة خمر من أنفاسه ،أحست فعلا انه كان منشغلا مع أنثى غيرها و انه ينوي على شر ، يلزمها ان تسايس ، لأول مرة تعرف انه يتناول خمرا ، وان له علاقة غرامية خارج بيتها .. كيف استطاع أن يخفي عليها كل هذه السلوكات طيلة سنتين من زواج ؟
مخاتل ،مظهري بلا رجولة
شدها من كتفها فتنثرت منه ، دون أن تنبس بكلمة ، توهم صمتها ضعفا منها ورضوخا،فشد بخناقها ، وقبل أن يرفع قبضته نحو وجهها مهددا ،ودفاعا عن نفسها كانت يدها قد عالجته بلطمة على الوجه جعلته يترنح ويسقط .. وقبل ان يعاود الوقوف كانت تسد عليه الباب بالمفتاح وتبادر الى مهاتفة ابيها وأخيها وفي رأسها تلعلع فكرة : ماعاد رجل يملأ عمر أنثى ،عانس بعناية أفضل من زواج في ذُل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-