الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداول السلطة

إياد الغفري

2021 / 1 / 21
كتابات ساخرة


تداول السلطة في العالم العربي لا يختلف كثيراً عنه في العالم الغربي، تاريخياً لم يكن التداول للسلطة سلمياً كما هو الحال عليه الآن، طبعاً باستثناء غزوة الكابيتول التي حاول بها أصحاب ترامب تثبيت مؤخرته على كرسي الحكم، ولم يكتب لهم -الحمد لرب العرش- النجاح.

مؤخراً فقط وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح تداول السلطة متحضراً في الغرب الذي يدعي التحضر، بينما كان قبلها مرتبطاً بالدسائس والمؤامرات، وشكلت أنظمة الحكم الملكية الخيار الأسهل للانتقال السلمي للسلطة.

"مات الملك، عاش الملك"
هي الجملة التي يتم ترديدها عند انتقال الحكم بوفاة الملك الحالي لخليفته، جملة بقيت مسيطرة لعقود طويلة في تاريخ الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

قبل أيام خرجت عن طوري عندما اعترض أحد طالبي اللجوء على استخدامي لكلمة الاحتلال العثماني، وبدأ يسرد فضائل السلطنة على الإسلام.
طلبت من الداجن الذي يدعي أنه طالب لجوء وثائر سابق، أن يذكر لي اسم واحد من سلاطين بني عثمان لم يقم بقتل أشقائه وأبنائه لتأمين كرسي السلطنة.

***
قانون نامة، هو التقنين الذي رسخه محمد الفاتح لتصفية المنافسين من العائلة، ونقول رسخه لأن الممارسة كانت موجودة قبل القانون.
خلال البحث عن بعض المعلومات التاريخية، تعثرت بصفحة عصمنلية نزت النص التالي:

***
"حوادث القتل على السلطة في الدولة العثمانية تم التلاعب بحقيقتها ودوافعها في كثير من الأحيان، وتم اجتزاء بعضها من سياقها التاريخي، لتُظهر في النهاية أن السلاطين العثمانيين كانوا يقتلون المنافسين المُحتملين على السلطة دون مبررات قانونية.-ليس العثمانيون وحدهم من وقعت بينهم حوادث القتل لكي يتم تسليط الضوء عليها بهذه الصورة المغرضة التي ترمي إلى إسقاط فضائل الدولة عن طريق الطنطنة حول مثالبها، وإن كنا لا نبرر لأي منها فعل ذلك.-القانون المعروف بقانون قتل الإخوة الذي أصدره محمد الفاتح مقيد بإيقاعه بحق من يعلن العصيان ويحاول مغالبة السلطان بالسلاح للاستيلاء على الحكم أو التعاون مع أعداء الدولة، وله مرتكز شرعي فقهي، وهو مسألة الخروج المسلح على الحاكم الشرعي."


***

هناك دفاع تقليدي نجده هنا كما نجده في الصفحات التي تنفي شبهة الغزو الاستيطاني عن الفتوحات الإسلامية، والتي تبرر لكل جريمة قتل في تاريخنا المجيد بأن الآخرين فعلوا ما يندى له الجبين وأن الصليبيين كانوا أخوات شليتة.
الدفاع الأذكى هو إيجاد الركيزة الفقهية الشرعية لهذه البربرية، وتجيير الأمر لمسألة الخروج المسلح على الحاكم الشرعي.

جمالية الطرح الثاني، تكمن في استخدام الشريعة فهي السلاح الفتاك القادر على اغتيال فكرة الديموقراطية قبل ولادتها، وينسب لصاحب قانون نامة السلطان المعظم محمد الفاتح أنه ضمن قانونه جملة:

"يُمكِن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء".

وهو بهذا لا يبرر جرائم فحسب بل يؤكد على أن السلطة واستلامها هو هبة من الله لحكمة لا يعلمها إلا هو، المغفور له بجملة أكد على الحق الإلهي وبرر الفظاعات، وهذا هو الإعجاز بعينه، أفلا تعقلون؟
***

إن كان التخلص من أفراد العائلة مقبولاً ويتم الدفاع عنه بعد قرون، وإن كان أحفاد ضحايا السفربرلك وفظائع الاحتلال العثماني، ينتفضون غضباً للدفاع عن عصمنليتهم، فلا حرج على أي نظام إقصائي أن يقضي على معارضيه بحسب قانون نامته الخاص.

تجريم المنتسبين لحزب الإخوان المسلمين والحكم عليهم بالإعدام في ثمانينات القرن المنصرم، كان قانون نامة حافظ الأسد، وهناك جحافل من الفقهاء الذين برروا له كما برر سابقيهم للسلطان خاقان البحرين:

"الفتنة أشد من القتل ونحن نأخذ أهون الضررين"

***

أجمل أمثلة التداول السلمي للسلطة في تاريخنا العظيم، هي لحظة اعتماد ولاية العهد كوسيلة للتداول السلمي للسلطة، حيث سلم الخليفة الأموي الأول الحكم لابنه يزيد بن معاوية، ويمكن لمن يقرأ التاريخ بمعزل عن فكرة الصراع السني الشيعي، أن يتأكد من أن معاوية قد حاول إيجاد فكرة التوريث بطريقة ديموقراطية للغاية، فهو قد اعتمد الشورى ليرسخ فكرة تولية ابنه كخليفة له، وأنهى بذلك نصف قرن من التخبط بعد وفاة الرسول العربي مؤسس الدولة.
من منظور سني بحت، يمكن القول إن الخلافة الراشدة اتسمت بالتوتر، ولم تكن تصلح لتطوير الدولة التي ستصبح لاحقاً إمبراطورية، حيث أن قضية الشورى ومهزلة الانتخابات أثبتت فشلها منذ اجتماع السقيفة سيء السمعة، ومنذ استبعاد الأنصار وحصر السلطة بالقرشيين، ومنذ أن قرر اليمين استبعاد القطب الاشتراكي الذي كان سيسبب لهم الأرق بالتأكيد، وهذا هو ما فعله في النهاية، بعد أن جر صراعه على الكرسي الذي تولاه رابعاً ليستمر بعد وفاته ليومنا هذا.

الدولة الأموية كانت العمود الحجري الأول الذي قام فوق لبنات طينية عملت على بناء الدولة الإسلامية.

في مسرحية الشورى حول توريث يزيد تكلم العديد من الخطباء، الضحاك بن قيس، عمرو بن سعيد والأحنف بن قيس.
كلامهم كان على قياس خطبة عبد القادر قدورة العصماء، وشابه خطاب الرئيس الذي سلم مقاليد السلطة للوريث.

بالمناسبة، من شبه عبد الحليم خدام بالخليفة الخامس لم يخطئ إلا في النهاية، فالحسن بن علي لم يغادر مكة لباريس ولم ينعم برغد الحياة في قصور آل الحريري، ومات بالسم اغتيالاً ولم يمت بالتخمة.
***
أفصح الكلام ما قل ودل:

ورد في العقد الفريد الخلاصة العروبية للتداول السلمي للسلطة على لسان بن المقفع.
"قام يزيد بن المُقفّع فقال: أمير المؤمنين هذا وأشار إلى معاوية فإن هلك فهذا وأشار إلى يزيد فمن أبى فهذا وأشار إلى سيفه.
فقال معاوية: اجلس فإنك سيّد الخطباء."

***

رجالات التاريخ لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لكن أن تجد أنجال يزيد بن المقفع فراس بن يزيد ومناف بن ابيه في مقهى باريسي يحتسون القهوة مع ثائر متكرش من مهرجي السلطان سابقاً، وراع إبل يحسب نفسه على الله غيفارا بني عبس بينما كانت أجل غزواته شمطاء إيطالية انتشلته من قضيبه من مستنقع الغبار ومنحته وسيلة أخرى للارتزاق، فهذا والله منكرٌ منكرٌ منكرْ.
هؤلاء هم سقط التاريخ ولا يحابيهم إلا ابن زانية.



وأستغفر الله على ما تقدم وما تأخر من ذنوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي