الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيجارة اخيرة

البتول المحجوب

2006 / 7 / 22
الادب والفن


نفث دخانا من سيجارته ، تمدد على الأرض . عيناه شاخصتان لسماء وطنه،وطن أحبه دوما..
عشقه حدالثمالة، يحتضن الأرض، فتحتضنه بحنان أم ثكلى.. يعانق تربتها بشوق ابن جاب وديانها وشعابها، ثم عاد ليأوي إلى أحضانها ..
ينظر للسماء بعينين حالمتين..يتبسم بحزن . يتذكر كلاما أمه الذي لا يزال يرن في أذنيه:
- لا ترحل .. لمن تتركني ؟! ..الحياة مريرة لاترحل..
كلماتها توجعه . يغمض جفنيه عله ينسى ..صوتها المبحوح الشجي يلح عليه. يصم أذنيه ويغمض جفنيه من جديد ليهرب من رجاء أمه..تتراى له صورة رفيقته تطل عليه كحلم جميل استحال تحقيقه..يبتسم بسخرية متذكرا حديثهما ذاك المساء:

-أنا لست إلا بقايا إنسان جريح، لفظته الأقبية الباردة المظلمة بعد أن أصبحت عظامه هشة من برودة الدهاليز..إنسان لايرى إلا الظلام بعد أن أفقدته عتمة الزنازين نور عينيه، بقايا إنسان فقد وفقد.. فما تراك فاعلة به ؟! ...
يتذكر كلامها الدافئ..تدعوه للحياة.. تنتابه مشاعر مختلطة..صورة الأم الطيبة..يحن لصدرها.. يحلم بصورة رفيقته أيضاً..يشعر بالحصار .. عيناه تبحثان عن خلاص..عن أمل ما..أي قدر ساقك ذاك المساء المشؤوم إلى مدينة منسية على المحيط..؟ عشت عذابات مدينة جريحة....لفظتك الحياة سنينا طوالا فكيف تسمح لهاأن تهشمك..لا تنكسر أرجوك..تردّد هاته الكلمات عليك ..ترجوك بصوت دافئ طالما أسرك..
-رحيلك متعب، مرعب.. لا ترحل. كلماتها الجميلة عبر ابتسامة حزينة..دعنا نحلم بحياة أرقى وأسمى من نهاية مفجعة..الحياة تعاش مرة واحدة..عشها..
..تبتسم لها من جديدا تأخذ نفسا من سيجارتك..ينفث دخانا على وجهها صورة ضبابية بعد تألقها
تبادرها قائلا:
-بل تافهة..لا تستحق منا أن نذرف دمعة واحدة عليها..الحياة دخان في دخان مثل دخان سيجارتي هاته..تنظر إليك باستغراب تذكرك قائلة:
-انتظرت طويلا..حلمت يوما بك..بلقائك..بدفء حنانك....حلمت..وانتظرت..
فلما تحرمني متعة الحلم..متعة لقائي..متعة الانصهار معك..التوحد فيك..لماذا..؟..؟
كلمات تتسرب إليك بنشوة تكاد تضعف أمام كلماتها..تشعر بألم ما..تلوم نفسك..
يتذكر صوتها الشجي..صوتاً تخنقه أدمع طالما مسحها عن خدها الشاحب..يتذكر نظراتها الحزينة..شموخها..حلمها بغد أفضل..يردد كلماتها بصوت خافت..
لكنه يهب واقفا لحظتها..يشد على يديها، ويضغط على أناملها الرقيقة بحب..بدفء..يدعها في حيرة من أمرها، ويرحل..
متزودا بأعين دافئة حزينة..رحل بعيدا عنها..لفحته شمس الأصيل..تمدد على الأرض..نفث دخانا من سيجارته الأخيرة بعد أن وضع قبلة دافئة على ثغر أرضه الطيبة..
أرض أحبها..جاب وديانها..دندن بصوت شجي..شم رائحة الثرى المبتل..تمتم بصوت خافت:
-آه ياأرضا عشقتها دوما.. ياوطنا مدفوناً في رمال الصحراء..
مسك حفنة من تراب وطنه في كفه، قبلها بشوق مودعا..أغمض جفنيه ..تذكر صوتها..كلماتها ترن في أذنيه..
-.. مؤلم رحيلك هذا..موجع،مفجع.. يكسرني ..آه يا وجعا لم أشف منه بعد..ياجرحا..يا حزنا جميلا كان..يا حلما مغتالا..يا عينيه الدافئتين.. الشاخصتان للسماء..بحثا عن خلا ص ما..تراك ما حلمت لحظتها..بعد سيجارة أخيرة أطفأت شعلتها وأطفأت معها أخر بريق لنا..

البتول المحجوب- طنطان-المغرب-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل