الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثالثا: الصحراء والمنهج الوعظي الخطابي

فارس تركي محمود

2021 / 1 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن البيئة الداعمة لفلسفة العقل الجمعي والبيئة المشجعة للسلوك الديكتاتوري سيزدهر فيها بالتأكيد المنهج الخطابي الوعظي ، فالبيئة الصحراوية تسلب من الإنسان أية قدرة أو إمكانية على تطوير عقلية نقدية تحليلية تجريبية وتجرده من أغلب قدراته الفكرية ولا تبقي له سوى القدرة على الكلام المرسل الخطابي ، لأنها - وبحكم ما تطرحه من تحديات قاهرة لا يمكن تكوين استجابات منطقية لها – تجبر العقلية النقدية على الانزواء والتراجع والتلاشي فهي لا مكان لها ولا نفع منها في البيئة الصحراوية بينما العقلية الوعظية والمنهج الخطابي الوعظي يسود ويتجذر ويصبح هو الميدان الوحيد الذي تتركز فيه كل القدرات الفكرية والعقلية والإبداعية لأبناء المجتمع الصحراوي ليتحول إلى مجتمع كلامي لا يتقن إلا فن الكلام المرسل والوعظ والخطابة بغض النظر عن مدى تطابق أو تصادم هذا الكلام مع العقل والمنطق ، وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود أية أدلة وبراهين علمية تثبته أو تنفيه فكل هذا غير مهم ، المهم أن يكون الكلام كلاما بليغاً جميلاً مؤثراً مشحوناً بالعواطف مليئاً بالانفعالات والمقولات الأخلاقية والثنائيات الأخلاقية كالخير والشر والأبيض والأسود ونحن وهم ، وأن يستخدم المتكلم أو الخطيب أساليب التهديد والوعيد ويعتمد على الصراخ والزعيق ويستثير حماس المستمعين وعواطفهم ويخاطب غرائزهم بدل عقولهم ويمنِّيهم بالأحلام الوردية والوعود المعسولة وكل ذلك بدون أن يكون هناك حد أدنى من العقل والمنطق ، وبدون وجود أية أدلة أو براهين تؤكد ذلك الكلام أو تنفيه فهو كلام وحسب كلام مرسل ؛ أي مجرد أصوات تخرج من الأفواه لتستقر في الأذان والأسماع ، وقيمة هذا الكلام لا يحددها ميزان العقل والمنطق والأدلة والبراهين العلمية والعملية بل تحددها القدرة الكلامية للخطيب أو الواعظ والمهارات اللغوية والبلاغية التي يملكها ، لذلك كانت المهارة الكلامية ولا زالت إحدى أهم الصفات الإيجابية التي يمتدح بها الإنسان في الجغرافيا الصحراوية وشبه الصحراوية فيقال أن فلان خطيب مفوه أو متكلم بارع ، ولا تجد فيها أبداً من يتغنى بالمنهج العقلي التحليلي التجريبي لأن هذا المنهج يعد صفة سلبية يذم بها الإنسان في البيئة الصحراوية ، فلا تسمع من يقول مثلاً أن فلان مفكر بارع أو منطقي متمكن أو صاحب عقلية نقدية برهانية ، وإذا ما وجد مثل ذلك الشخص فسينظر إليه بعين الشك والريبة وعدم الرضا بل وحتى الاتهام ، بينما يحتفل مجتمع البادية والصحراء ويحتفي إذا ما ظهر شاعر أو خطيب من بين أبنائه لأنه سيكون خير سفير لهم وخير معبر عن عقليتهم الوعظية ومنهجهم الخطابي الإنشائي .
بالإضافة إلى ذلك فأنه وباستثناء أوقات الحروب فإن ابن الصحراء والبادية يمتلك وقت فراغ طويل جدا وممل جدا لا يجد ما يملأه به إلا الكلام والكلام فقط ، فليس في الصحراء إلا الكلام يزجى به الوقت ويطرد به السأم سواء من خلال القصص والحكايات والملاحم والأساطير والأشعار والقصائد ومآثر الأجداد وميراث القبيلة وحروبها وأيامها مما يساعد على تعزيز وتدعيم العقلية الوعظية والمنهج الخطابي الوعظي . كما إن ظروف الصحراء ومشاهدها المملة تؤدي إلى ضيق الأفق وضيق دائرة التفكير الأمر الذي يضيف سبب آخر لإجهاض نمو المنهج التحليلي التجريبي لصالح المنهج الخطابي الوعظي . لأجل ذلك كله فإن المجتمع البدائي الذي يستوطن الصحراء لن يجد أبداً ما يدفعه أو يغريه لاستبدال عقليته الوعظية بعقلية تحليلية تجريبية ، بل على العكس سيجد كل ما حوله يهيب به ويدفعه باتجاه المزيد والمزيد من الإيغال في العقل الوعظي والمنهج الخطابي الإنشائي ، فهو المنهج الذي يحقق أعلى الأرباح ويبعد شبح الخسارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا