الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: وحديث عن - الاحتجاجات -

الطايع الهراغي

2021 / 1 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


" وليس يصحّ في الأفهام شيء // إذا احتاج النّهار إلى دليل "
-- أبو الطّيّب المتنبّي --

أيّها المتسلّلون إلى ساحات حزن انتشلناه من مخالبكم حتّى لا يلوّثه روث حزنكم أما آن أن تنصرفوا. نهشتم لحمنا ودمنا، نهشتم حزننا وحلمنا ، وهزّكم الطّرب إلى منازعتنا في وهمنا . اذهبوا إلى أيّة قبلة غير قبلتنا.
أيّها الحالمون بنبش الباقي ممّا تبقّى ممّا خسرنا من رهاناتنا ارحلوا ، انتشروا في أيّ برّ غير برّنا ، أبحروا إلى أن تبلغوا ما وراء بحر الظّلمات، استملكوا حتّى بلاد " الطّرّرني" ، رتّلوا كلّ بيانات الولاء ، سبّحوا كيفما شئتم لمن ركب رقابنا من أولي الأمر منكم . لكم ما لكم ، ولنا بعض الحياء . اتركوا لنا ما قلّ من الخجل من دماء الشّهداء. لكم سطوة الدّولة، ولنا وهج الثّورة.
لكم كلّ الحاضر وكلّ الماضي وماضي الماضي ، ولنا الحلم الآتي والوهج الآتي .
........................................
كنا أشّرنا في مقال سابق على أنّ حرّيّة الرّأي والتّعبير والتّعدّد الإعلاميّ تظلّ مكسبا مهدّدا طالما بقي اليمين متربّعا على هرم السّلطة والمؤسّسات وشدّدنا على أنّ الدّيمقراطيّة في بعدها السّياسويّ البحت هي إلى التّرف الفكريّ أقرب وتتعقّد إشكاليّاتها ما لم تترجم في رفاه اجتماعيّ ملموس، هذا إذا لم تتحوّل إلى مدخل للانتكاس والارتداد .
الاحتجاجات التي تشقّ البلاد بليغة الدّلالة في هذا المجال بالذّات. امتحان ومحاسبة لعشريّة من حكم التّرويكات ودليل قطعيّ على فشل المؤسّسات الثّلاثة ، مؤسّسة الرّئاسة الغارقة في خطاب شعبويّ
-- وبالمعنى المرذول للكلمة -- ، خطاب مكرور يدور حول نفسه عائم ، همّه تدبّر طهوريّة بها يبزّ خصومه ومنافسيه -- حتّى الافتراضيّين منهم -- ، خطاب يقزّم الجميع فلا يؤذي أحدا ويجرّم الكلّ فيبرّئ موضوعيّا الكلّ ، مؤسّسة البرلمان المزهوّة بالتّمرّن على فنون التّسابب وترذيل الفعل السّياسيّ بشتّى المثالب، وبعض مكوّناتها مفتون بإبرام زواج متعة بين الأضلع الجديدة للائتلاف " الثّوريّ" الجديد المتلهّف لإحكام الطّوق على رئيس الحكومة والمولع بشطحة التّنطّع على الرّئيس . مؤسّسة الحكومة -- كسالفاتها ممّا تناسل من حكومات -- قلّت نجاعتها عكسا من عددها واستعصى تفصيلها وانعدم تحصيلها، غثّها كثير وسمينها أقلّ من القليل، اختزلت بوعي مهمّتها في تصريف الأزمة فانحدرت إلى ما دون مرتبة حكومات تصريف الأعمال ، أقصى اجتهادها التّجريب وليس التّجربة. فباتت أحد أكبر عناوين الأزمة. .
تصدّع العلاقة بين مؤسّسات الرّئاسة الثّلاث هو أحد عناوين انسداد الأزمة وانغلاقها على نفسها . وهو نتاج طبيعيّ وليس سببا لأنّ المهووسين بالحكم -- بل بالتّحكّم -- هم عادة " ثوّار" هواة مسكونون بذهنية العهد و المبايعة التي تجعل من الانتخابات بيعة، معاهدة ، معاقدة موجبة للطّاعة ، بها يستعصم الحاكم . فيتحوّل أيّ احتجاج نقضا وردّة ، حجّة ضدّ المبايع ( النّاخب ) وعصمة في يد من وقعت مبايعته ( الحكّام ).
........................................
*** في دلالات الاحتجاجات
شكّلت الاحتجاجات الأخيرة الحدث ( وليسا حدثا ) وترجمت عمليّا ما أجمعت عليه كلّ الأطراف من استفحال الأزمة التي تحوّلت إلى معضلة ، بقطع النّظر عن مستوى التّباين في المنطلقات والمقاربات والمداخل والخلفيّات . فكيف وقع التعامل معها من " حكومة الثّورة " وأنصارها والمتزلّفين إليها ( الخطاب الرّسميّ / المنابر الإعلاميّة / وسائل الإعلام مرئيّها ومسموعها / ... ) ومن بعض ديمقراطيّي وثوريّي آخر زمان ؟ طبيعة الاحتجاجات من حيث التّوسّع والوضع الاجتماعيّ للفاعلين فيها والفئة العمريّة القادحة لها تقف دليلا دامغا على حالة إفلاس للسياسات المستنسخة . وبأكثر الأشكال سوءا . حالة من التّرهّل والتّعطّل والاستعصاء والتّراجع حتّى عمّا كان سائدا أيّام حكم بن علي في ما يجب أن يعدّ إساءة لثورة أرادت نفسها قطيعة مع التّهميش وانسداد الآفاق . الاحتجاجات -- أيّا كان الموقف منها -- شهادة إدانة ، حكم على أوضاع نقدت نفسها بنفسها. أمّا توقيتها ومسارها وزمنيّتها ( ليلا ) فمسائل عرضيّة ومتغيّرة ، واتّخاذها ذريعة للشّيطنة والمحاكمة (السّياسيّة ) فضيحة حتّى بالمعنى الأخلاقيّ ودليل إضافيّ على طفوليّة سياسيّة عمادها الاستسهال والاستهتار الأرعن والتّبرير ومشرعة الحلول الأمنيّة ( المدرسة التي تخرّجت منها بامتياز تعبيرات الأنظمة الأكثر رجعيّة وتخلّفا ) المسحورة بنظريّة المؤامرة كأسهل وأبخس وصفة للتّنصّل من أيّة مسؤوليّة . فلا يعود الأمر تلمّسا لحلول أيّا كانت محدوديّتها وإنّما تصدّيّا لمؤامرة توجب الدّفاع عن الموجود . لم يبق للحكومة ومريديها إلاّ الجزم برفع راية الدّفاع عن مكتسبات الثّورة والتّصدّي للثّورة المضادّة . في هذا الإطار يفهم التّهويل والاتّهام بالتّوظيف والاندساس والتّغرير وتحريف الاحتجاجات في تماه مع مدوّنة متوارثة يرثها بحرفيّة وبالحرف الخلف عن السّلف ممّا تعاقب من حكومات النّكد والغطرسة والاستبداد المولعة بعقليّة تتراوح بين إنتاج ، إعادة إنتاج ، رسكلة أو استنساخ هرميّة ترسّخ التّرا تبيّة وتفرّخ التّمييز والتمايز وتحتكم إلى ذهنيّة التنافر والضّدّية :
.....................................
*** وقل لمن يدّعي في العلم فلسفة....
خطاب رئيس الحكومة النّاطق الرّسميّ باسم الائتلاف الحاكم سليل، ما تناسل من حكومات، شهادة حيّة على بؤس التّبصّر حتّى بشهادة بعض من " عشيرة " حكمه ، خطاب لا لون ولا طعم ولا رائحة، يذكّر بدون كبير عناء ببكائية بن علي " فهمتكم " المتأّخّرة عن زمانها ، مع خلوّه من أيّ مقترح
-- أيّا كانت تفاهته -- والتّفاخر بحرفيّة " قوّاته " الأمنيّة . خطاب مقروء يشي بالطّابع الرّسميّاتيّ ويفضح نزعة التّصنّع والتّعالي . خطاب الضّرورة. إنّه بالفعل ، بالمعاينة والمشاهدة استهتار بالحدث ، استهتار بالشّعب التّونسيّ وبالمحتجّين ، استهتار بالفاعلين السّياسّين وبأبجديّات الخطاب -- أيّ خطاب -- وأفظع منه تعمّد تبرئة جهة السّاحل من المشاركة في الاحتجاجات والتّهجّم على الوافدين عليها ( اقرأ النّازحين إليها ) وتحميلهم مسؤوليّة الوقوف وراء المظاهرات، تصريح جوهره استنقاص من " السّواحليّة " من حيث أراد الإشادة بهم واعتبار الوافدين دخلاء وأغرابا ، في إحالة -- بقطع النّظر عن إدراكها والوعي بها من عدمه – إلى مخزون ثقافيّ في المدوّنة التّراثيّة العربيّة الإسلاميّة : الأعراب رديف الهمجيّة والتّخريب ونقيض الحضارة والتّمدّن ، والشّعوبيّة المتّهمة بالتّسلّل إلى الحضارة والثّقافة العربيّة على أيّام الخلافة العباسيّة لتدنيسها وتخريبها ، وأكثر من ذلك شناعة تجاهر أحد قياديّي النّهضة بتحريض أتباع حزبه على التّصدّي للمتظاهرين في إحياء سافر لمدوّنة حزب الدّستور وجنيسه التّجمّع الدّستوريّ الدّيمقراطيّ الذي اتّكأ كلاهما على الميليشيّات الحزبيّة في قمعه لأكثر من تحرّك ، متناسيا أنّ احتكار العنف ( المشروع ) من مهامّ أيّة دولة تحترم نفسها . إنّه الدّليل الدّامغ على بؤس الحسّ السّياسيّ وفقر المخيّلة السّياسيّة وخوائها. وأكثرمنه فظاعة " تفاعل " البعض ممّن يصنّفون أنفسهم بتفاخر ضمن النّخبة ( شاكر نفسه مرّ من هنا / مادح نفسه يقرئكم السّلام ) : لم يجدوا أيّ حرج في اعتماد الاحتجاجات برهانا ودليلا لإثبات فساد النّظام السّياسيّ والنّظام الانتخابيّ . هذا اسمه البكاء على اللّبن المسكوب ، " يدعو لأندلس إن حوصرت حلب " في إحالة ساخرة لمحمود درويش ، وبلغة الشّاعر عمر بن أبي ربيعة :
"كلّما قلت متى ميعادنا / / ضحكت هند وقالت بعد غد "
.......................................
*** في المروق عن السّياقات الخوض في أيّ شأن سياسيّ مجتمعي والتّعاطي معه رصدا وتحليلا وتناولا وعلاجا خارج سياقات الثورة و تطلّعات الحالمين باستكمالها أو باستئنافها فعل غير مسؤول، استفزازيّ، لا تاريخيّ، ارتداديّ نكوصيّ ، مستهتر باستحقاقات فرضت نفسها فرضا ، قبلته الماضي وليس الحاضر، متخلّف عن زمانه إن لم يكن في قطيعة مع الزّمنية .
الاحتجاجات الأخيرة بقطع النّظر عن وجاهتها ومشروعيّتها تؤكّد جملة من الحقائق الصّادمة : تشبّع الطّبقة السّياسيّة الحاكمة بخطاب رسميّ وتماثلها معه وتماهيها مع متطلّباته في تحدّ استعراضيّ صارخ يستعجل طيّ صفحة الماضي ( العشر سنوات الأخيرة ) بتمييع كلّ حديث يحيل أو يذكّر بالثورة وإدانة كل الفعاليّات المرتبطة بها . الحكومة وحزامها المعلن وطوابيرها المتعدّدة اصطفّت جهارا نهارا وبتبجّح في خندق التّنكّر للثورة ومعاداتها . بهذا المعنى يكون الاحتجاج -- دع عنك " التّفلسف " حول طبيعته وماهيّته -- إصرارا على انتزاع الاعتراف بالحقّ في مقاومة التّهميش واليأس والإحباط والإحساس بالحقرة والدّون ورفض وصاية من اعتلى دفّة السّلطة ب " بركات " الثورة ليبتزّ أجهزة الدّولة ومؤسّساتها في إجهاض الثورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا