الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية حقبة الحياة مفاوضات

عصمت منصور

2021 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


نهاية حقبة " الحياة مفاوضات"
عصمت منصور*

يمكننا النظر إلى العاشر من نوفمبر من العام الماضي، وهو اليوم الذي توفي فيه كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، في مشفى هداسا في القدس متأثرا بإصابته بفايروس كورونا، على أنه اليوم الذي أسدل فيه الستار على المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية بشكل رمزي، لتنتهي معه حقبة سياسية هي الأطول والأكثر تعثرا في مسيرة نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية.
على خلاف التفاؤل الذي بدأ يسري في مفاصل السلطة الفلسطينية المتكلسة والمهمشة، بفعل سياسة ترامب العدائية ضدها وضد مشروعها السياسي المبني على المفاوضات وحل الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام، وهي أسس تمسكت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وإن بشكل لفظي وإعلاني فقط، أدار ترامب وفريقه في البيت الأبيض الظهر لها، وأظهروا انحيازا مطلقا لإسرائيل مع تبني مقاربات اليمين الإسرائيلي القائمة على فكرة الضم وشرعنه الاستيطان والتنكر لمبدأ حل الدولتين.
التفاؤل الذي أبدته السلطة الفلسطينية بعد إعلان فوز جون بايدن، وتبنيه العلني لحل الدولتين، سابق لأوانه ولا يأخذ بالاعتبار الوقائع على الأرض، والمياه الكثيرة التي جرت في النهر خلال العقد الأخير من حكم نتنياهو واليمين والتي تم تتويجها بسنوات ترامب العجاف، وهي تغيرات تشي بأن عهد المفاوضات التي ميزت المرحلة السابقة قد ولى بلا عودة.
إن أحلام العودة للمفاوضات وإعادة إحياء عملية السلام، ستتبدد أمام الواقع الذي تكرس على الأرض والثقافة الجديدة التي تهيمن في إسرائيل، التي يتنافس فيها ( في انتخابات يغيب عن جدول أعمالها أي ذكر للقضية الفلسطينية) عتاة رموز اليمين المتطرف ممن يؤمنون بأرض اسرائيل الكاملة، ولا يعارضون فقط، بل بنوا سيرتهم السياسية على فكرة محاربة حل الدولتين.
لا يعتبر جدعون ساعر ونفتالي بينت اللذان يقفان على يمين نتنياهو وينافسانه على رئاسة الحكومة من دعاة الضم ومعارضي العودة للمفاوضات فقط، بل هما من وقف في وجه نتنياهو عندما تراجع عن الضم مؤقتا لصالح اتفاق التطبيع مع الإمارات، وهما من عارض وهاجم خطاب "بار ايلان" الشهير الذي تبنى فيه نتنياهو لفظيا وتحت ضغط إدارة أوباما حل الدولتين، كما أن لهما سجلا حافلا في دعم الاستيطان وتنفيذ أجندة اليمين، وهو ما خلق مفارقة تبدو كواحدة من سخريات القدر، بأن يتحول نتنياهو إلى كونه الشخص الأكثر اعتدالا من داخل طيف اليمين الآخذ في الاشتداد في اسرائيل.
اليمين الذي يؤمن بإدارة الصراع وخلق الحقائق على الأرض، تلقى دفعه قوية ليس من الجمهور الذي يصطف خلفه ويعيد انتخابه كل مرة من جديد فقط، ولا من الأحزاب التي كانت تتأرجح في مركز الحلبة السياسية وباتت تقترب من اليمين في خطابها وبرامجها وشعاراتها لدرجة اعلن فيها رئيس بلدية تل ابيب روني خولدائي زعيم حزب "الإسرائيليين الجدد"، والذي يعد آخر أمل لعودة بعض الروح لأحزاب الوسط ان الوضع (الذي يمكن الحديث فيه عن حل الدولتين قد انتهى) بل من الدول العربية التي هرعت للتطبيع مع دولة الاحتلال، ونفضت يدها من القضية الفلسطينية التي غاب ذكرها تماما في اتفاقياتها مع نتنياهو.
إن الجملة الأكثر تكرار لدى نتنياهو في سياق تباهيه بهذه الاتفاقيات التطبيعية المجانية بين دولة الاحتلال والدول العربية هي (السلام مقابل السلام) وأن القضية الفلسطينية لم تعد عقبة أمام التطبيع العربي الإسرائيلي، وهو بذلك يهيل آخر ذرة تراب على النهج السابق وعلى أي أمل بإمكانية العودة للمفاوضات المقرونة (بتنازلات) عن الأرض أو إخلاء للمستوطنات، وكل هذا بدعم شعبي داخلي آخذ في الازدياد ومباركة عربية.
أمام تحطم آمال الحل السلمي من خلال مفاوضات ذات مرجعيات متفق عليها تلبي الحد الأدنى من تطلعات الفلسطينيين، بمعول أمريكي ويد إسرائيلية وتواطؤ عربي، تقف القيادة الفلسطينية عند ذات النقطة الزمنية التي استدارت فيها عقارب ساعة الواقع إلى الاتجاه المعاكس لحركة مشروعها، ولا تفتأ تجتر ذات اللغة الخشبية الميتة، على أمل أن تحدث المعجزة المنتظرة على ركام الانقسام وارتفاع منسوب التذمر الشعبي وفقدان الثقة بها وتآكل شرعيتها، وهو مشهد مهين تصبح فيه كلمة العودة إلى المفاوضات أشبه بنداء استغاثة مفعم باليأس ودون أي مقومات أو روافع.
إن الحل الإسرائيلي الوحيد المطروح على جدول الأعمال يتراوح بين الضم كما يراه اليمين، وما بين التوافق مع إدارة بايدن على استراتيجية قائمة على مبدأ الانفصال السياسي والجغرافي والديمغرافي عن الفلسطينيين، وهي كلمات منمقة تشير بشكل مبطن إلى حل سقفه حكم ذاتي محدود على السكان، وهي إستراتيجية أوصى بها مركز أبحاث الأمن القومي الذي عارض الضم ويعتبر أحد مراكز التفكير الاستراتيجي المعبر عن تطلعات اليسار التقليدي وحزب العمل في آخر تقاريره لهذا العام.
لن تكون القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات بايدن، ولن تجد دعوات بايدن إذا ما أطلقت أي استجابة في إسرائيل، وهو ما يفرض على السلطة الفلسطينية بدل أن ترسل رسائل اقرب الى الاستجداء لعودة المفاوضات، أن تعيد النظر في سياساتها وخطابها وأولوياتها وان تعيد بناء علاقاتها الداخلية مع شعبها وبقية الفصائل على أسس جديدة قائمة على الشراكة والإعداد لمواجهة سياسية وميدانية طويلة النفس من اجل إعادة فرض مشروعها المحمي شعبيا والمتوافق عليه داخليا والمحمول على اسس مؤسساتيه متينه ومنتخبة.
إن إنجاز هذا الانقلاب الذي لا يحتمل التأجيل، سيمكن الفلسطينيين من البدء بالبحث عن حل لا يقوم على المفاوضات بصيغتها السابقة، وهي صيغة ماتت وشبعت موتا، بل على أسس تستند إلى صيغ مؤتمر دولي أو حشد دعم عالمي وعربي لمبادرات فورية التنفيذ أو أية صيغة تنتج عن الحالة الديناميكية التي ستولد اذا ما قطعت القيادة الحالية شعرة معاوية التي تحاول من خلالها ان تمسك الواقع الذي ولّى وأن تحجب واقعا داخليا لا زال في طور المخاض رغم مرور موعد الولادة.
*كاتب وروائي، عضو المجلس الوطني الفلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع