الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائر الفلامنكو يحط في روضة الشاعر- قراءه في مجموعة الشاعر كاظم اللايذ (مثل طائر الفلامنكو...احجل على ساق واحده)

أحمد السعد

2021 / 1 / 24
الادب والفن


يقول بول ايلوار ( مهمة الشاعر ان يمنح الناس الرؤية ) فالناس تبصر ولا ترى ، وحده الشاعر من يرى ! فهو يرى ببصيرته الثاقبة ويستشعر بمجساته الظواهر والآحداث والتي تستصرخنا احيانا حد الآيذاء عندما يخلد الجميع الى نوم الحواس يستيقظ الشاعر ليقول ما يرى وما يستبصر وما يتمخض عنه وجدانه وضميره وشاعريته وحسه الآنساني العالي فيصرخ فينا موقظا .
المجموعه تنوعت في مضامينها بين قصائد الرثاء وقصائد تضج بفرح وأمل فاستهل المجموعة بقصيدة (اني اشفى من احزاني ) وأعتقد ان اختيارها كفاتحة للمجموعة كان موفقا لآنه بذلك يفتح شهية القارئ لمتابعة قراءة المجموعه .
" الآحزان تغادرني
وتحط بعيدا
هذا قلبي منبسط
وفسيح
يمتد كما البرية بيسبح فيها الطير
وتسرح فيها الغزلان "
استهلال موفق بدأ به الشاعر مجموعته يضج بالآمل والتفاؤل فيعلن انه غادر حزنه وكآبته وشيخوخته وفتح باب الحياة امام القادم من ايام حياته مستقبلا ما يأتي له به الزمن غير آبه بما سيكون عليه غده ، انه الآنتصار على الزمن وتحديه فلم يعد لديه ما يخسره وهو مستعد لمواجهة ما سيأتي .
الرحلات سمة اخرى يتميز بها شعر كاظم اللايذ حيث يأخذنا معه في رحلاته الى بلاد الله ويشركنا في المشهد الذي عاشه وعايشه ليكون القارئ شاهدا ومشاهدا للواقعة وللحظة حيث يتنقل الشاعر (بكاميرته) بين ارجاء الآمكنه مضيئا تاريخها وكاشفا أنعكاس تلك التفاصيل في نفسه فهو يسحبنا معه اينما ذهب ويجلسنا في مقابل كرسيه وهو يحتسي قهوته في مقهى في باكو ينزل اليه بسلم وبأسلوبه السردي نتخيل الصوره التي يضعنا فيها المقهى الذي في القبو والناس الذين فيه كالتماثيل والتاريخ المرسوم في اللوحات ، تاريخ بلاد مر بها طريق الحرير القديم وداست رمالها القوافل في طريقها الى اواسط آسيا :
"تجار بعمائم من اهل الشرق
يقودون جمالا
ارجلها تسحق رمل الآفق
زمانا بعد زمان "
هذه الآرض التي وطأتها اقدام التجار العرب والفرس والهنود يحملون التمور والحبوب والسيوف والخناجر والحلي ذاهبين بها في اقاصي الآرض ، هذه الآرض صارت بلادا يؤمها السياح الذين ينزلون الى مقاهيها الهادئة بينما صار التاريخ لوحات معلقة على الحيطان . لكن الشاعر ينقلنا فجأة الى صورة اخرى : أنه ينزل الدرجات – وهو في خريف العمر – ليشرب القهوة (الساده ) حيث ان التاريخ البشري كله – وليس تاريخه هو فقط او تاريخ تلك القوافل التي عبرت تلك الآرض وداست على رمالها ما انفك ( ينزل درجات السلم نحو النسيان ).ويلاحظ القارئ ان الشاعر استعمل كلمة (دركات) بدلا من (درجات) السلم ولهذا الآستبدال دلاله يؤكده في آخر القصيده – كما اشرت -
وفي قصيدة ( الشيخ النجدي) يعيدنا الشاعر الى التاريخ : تاريخ مدينة البصره حين وفد محمد بن عبد الوهاب اليها متتلمذا على يد الشيخ محمود بن الشيخ عبد الكريم المجموعي البصري أحد اعلام الفقه والحديث في البصره ، الشيخ النجدي (محمد بن عبد الوهاب ) :
"صار يقلب في الكتب المأثورة
يسخر من اسطرها
ويشيع كلاما ، لم يألفه الناس
ويماحك فيما يطرحه الشيخ على المنبر"
حتى وصل الآمر بعبد الوهاب للخروج عن تعاليم الشيخ فـ
" ضج الناس وأسر البعض له شرا"
فغادر البصره متخفيا ولكنه ترك فيها اثرا كان كالجدري كالبقع التي :
"كان يبعثرها حيث يحل
ويتركها في كل مكان "
فالشاعر- السارد – اتخذ موقفه المسبق من الشيخ النجدي وهو موقف شخصي يعكس ازدراء الشاعر – الآنسان – للفكر المتطرف وتكفير الناس وأثارة الفتن والآقتتال وهو ما انتجته الحركة الوهابيه من خراب ودماء . ثم يعيدنا مرة اخرى الى التاريخ ومن خلال شخصية اخرى هي شخصية الحسن البصري الآمام والفقيه وصاحب المدرسة المعروفة في علم الحديث والفقه فيستعير الشاعر من اقوال الحسن البصري ليضمنها قصيدته وفي اثناء تجوالنا في القصيده يأخذ الشاعر مكانه بين تلاميذ الشيخ :
" هذا ما كان الحسن البصري يلقنني
منذ فتحت الكراسة
في اول يوم من ايام الكتاب "
ثم يعود الشاعر – وعلى لسان التلميذ – الى السرد ليروي لنا كيف سارت امور الناس والمدينة عند رحيل الحسن البصري حتى عندما أذن للصلاة لم يكن في المسجد من احد فقد امتلآت المقبرة بالناس وخلت الآسواق من المارة .
لغة لشاعر في هذه القصيده تشعرك بتلك الآجواء التاريخيه فهو يميل الى اسلوب الرواة العرب عند استذكارهم او توثيقهم لحدث جلل .
الأستهلال المتفائل الذي بدأ الشاعر به مجموعته يتلاشي او يختبئ في قصائد اخرى ففي قصيدة (خالاتي الجهيرات الصوت )
" مثل اي رجل في السبعين
مهدد في اية لحظة
بقرض بطاقته المدنية من زاويتها العليا "
فهو يعود مرة اخري الى ثيمة الموت التي نجدها واضحة في مراثيه لأصدقاءه الذين غابوا (مجيد الموسوي ) و(صلاح شلوان ) و(معين المظفر)
فالثلاثه رحلوا دون ان يأخذوا من (البستان الا بقدر ما يأخذه العصفور ) والثلاثه رحلوا وهم معوزين وهذا ما يحزن الشاعر اشد الحزن فصلاح في قصيدة ( صلاح يغط في النوم ) يعود من الآسر ليعاود عيش حياته غير أن المرض يهاجمه فأسلم الروح معوزا حتى لم يتمكن من (تدبير) مبلغ العمليه الجراحيه التي كان يمكن ان تمد بعمره بضع سنين ولكن " ما ارخص الحياة ياصلاح " وكأن الشاعر يريد ان يقول (ما اثمن الحياة حيث ان بضعة ملايين كانت يمكن ان تعيد صلاح حياته وما ارخص الموت فهو يجئ مجانا وسريعا ) أو وكأنه يريد ان يقول ( ما ارخص الآنسان ) .
في قصيدة (خارج الآسوار) يأخذنا الشاعر ثانية عبر اسفاره الى البلاد التي زارها بعد ان تحرر من (ثياب المسجونين ) وأنطلق مثل غيره يجوب بلاد الله متحررا من نير الدكتاتوريه وسجنها ليرى ويستطلع ماكان محرما عليه وعلى غيره رؤيته لتكون اسماء الآماكن التي ترد في القصيده دلالات رمزيه ذات عمق تاريخي فـ ( تبريز) و (بلاد الآرمن ) و(آرارات ) و(اكرا) و(شيراز) و(موسكو) و(سريلانكا) و(طنجه) محطات عبر منها ومن خلالها نحو حريته وأنعتاقه فلكل اسم من تلك الآسماء بصمة في الذاكره ارتبطت وتماهت مع ذكريات وخلجات ومشاهدات ولحظات تأمل وحسرة على الشباب الذي مضى الى غير رجعه فأنت ترى مدنا بعيون (شيخ في السبعين) ليس مثلما كنت لتراها وانت في مقتبل العمر لكن تلك الآسماء المحفورة في الذاكرة والتي لم تكن بالنسبة للشاعر مجرد اسماء لآماكن زارها بل اضحت مراحل في رحلة حياته على (طريق حرير) اختطه لنفسه لايبدأ من نقطة على خارطة العالم لينتهي عند اخرى بل يتخطى الجغرافيا ليمتزج الزمان بالمكان فتخرج الآسماء مسبوكة بكل العناصر التي أضفاها عليها الشاعر من وجدانه وعشقه للآمكنة وأستنطاقه مكنوناتها تاريخا وحضارة ومعالم وجمالا ليمنحها حياة تتعدى حدود الآسماء أو تتعدى كونها نقاطا على الخرائط لتكون قصائد وأغنيات وآهات وذكريات .
في قصائد اخرى يواجهنا الشاعر بصرخة أمتعاض وأدانة وسخط ازاء صمت العالم عما يجري من انتهاكات للحياة الآنسانيه فقصة الطفل السوري الغريق تثير في الشاعر كما اثارت في نفوس الجميع الأحساس بالسخط ازاء ما يجري من ذبح لبلد وشعب وأستهداف لحضارته وعمرانه وثروته وتشريدا لشعبه وتمزيقا لوحدته الوطنيه . الشاعر بأسلوب ساخر تهكمي يهزأ بالكيانات الهزيله التي لم يعد لها موجب عندما فقدت مصداقيتها وقدرتها على الفعل فكل الكيانات والأنظمة العربيه سقطت في امتحان وضعتها فيها قوى التسلط العالمي ومثلما ضيع العرب قضاياهم المصيريه في فلسطين ضيعوها في سوريا وضيعوها في اليمن فتحالف المال والمكر وتجار السلاح وصانعوا الآزمات وتجار الحروب أجمعوا على تدمير سوريا واليمن وقتل شعبيهما بدم بارد مثلما قتلوا العراقيين والليبيين . هذا الحلف المجرم المشبوه مازال الى الآن يمارس قتل الشعب اليمني وسط سكوت مخز من كل العالم حيث يموت الآلاف يوميا بقنابل تلقيها طائرات العرب المسلمين على مدن اليمن المنكوبة بالفقر والعوز فنجد في قصيدة (الطيارات على صنعاء) :
"ليس مهما ما ترسم او تهدم
ما دام مليك الحرمين يباركها
وتباركها دار الأفتاء
ودار السادة في (البنتاغون)
وجامعة الدول العربيه "
فأمام هذا التحالف القذر من يردع تلك الطائرات المغيره من أن تلقي آلاف الآطنان من القنابل المصنوعة في اميركا على العزل من اطفال اليمن ونساءها وشيوخها ، اليمن التي كانت تسمى ذات يوم باليمن السعيد لم تعد سعيده ففي كل بيت عزاء وحزن وبكاء ودموع . والشاعر في حزنه المقيم وكمده وعجزه حتى عن السكوت :
" دعنى اهذي وحدي
مأخوذا بالهم وبالحمى
فأنا مهموم
وأكاد اموت من الغيظ
أحدق في الشاشة كل مساء
في المنكوبين بزلزال الطيارات
يزيلون الآنقاض عن القتلى
ويلمون اللحم البشري بطست
مثل اضاحي العيد "
في هذا الزمن الفاجر حيث تنهار قيم الآنسانيه وتنسحق تحت وطأة وقسوة أنظمة القهر وماكنات الحرب والمال اين يقف الشاعر ؟ انه وحيد منسحق يعتريه الغضب ويأخذ الحزن بتلابيبه فيشتم ويلعن ويتألم وينزف فهذا ديدنه فهو كطائر الفلامنكو (يحجل على ساق واحده ) يواجه العالم الفاسد الذي نخره العطب وتسلل اليه الخواء والزيف بالقصائد والآغاني تارة وبالحزن تارة .
" ليست منا
تلكم الطيور التي لاتعرف التحليق الا في الآعالي
ليست منا
تلكم الطيور التي تنتظم في اسراب
مهاجرة الى بلاد بعيده
ولاتلك التي
تحلق فوق الجثث
بعد ان تتركها السباع ممزقة في البراري "

*عندما يقترن المكان بواقعة تاريخيه او حدث تاريخي يريد الشاعر اضاءته او استعادته بتصوير شعري ويحاول من تركيز بؤرته على مركز معين ومحدد من الصوره لابد من ترك الحرية للقارئ ان يبحث ويستقصي عن الحقيقة التاريخية او الحدث التاريخي الذي افضى وأنتج تلك الصورة الشعريه . ففي قصيدة الشاعر( جسر على نهر كواي) وهو عنوان يذكرنا بفلم سينمائي انتجته هوليود اخرجه البريطاني دايفيد لين وكان من بطولة وليام هولدن في العام 1957 صور الوقائع التاريخيه لمعسكر للقوات اليابانيه اثناء الحرب العالميه الثانيه عندما ارادت اليابان فتح جبهة ضد الحلفاء في الآراضي التايلنديه فشرعت ببناء سكة حديد بورما مستخدمة اسرى الحرب البريطانيين ولكن الجسر نسف اثناء عبور اول قطار يحمل المعدات والآسلحه التي اراد اليابانيون نقلها الى الضفة الآخرى من النهر . الشاعر اراد ان يكثف المشهد الذي شاهد فيه النهر لآول مره مستعرضا ذلك التاريخ الدموي والمأساوي لآولئك الضحايا ( الذين لازالت قبورهم موجوده في مقبره خاصه قريبة من موقع الجسر ) فيروي لنا حكاية مشاهداته لنماذج من الناس الذين رافقوه في زيارته لذلك الموقع التاريخي : الزوجان اليابانيان والمرأة الجامايكيه لكن الشاعر يعود الينا بعد تصفح تلك الوجوه الى ما اكتنزه من انطباع واستحضره من تاريخ ليقول :
"رحل المحتلون
وتلك مقابرهم في السفح
كمثل الندبة في جسد الأرض
اما نهر كواي
فقد ظل يسير
يردد باللغة التايلندية ما انشده الاجداد
يمرق من تحت الجسر
ويرفع كفيه لالاف السياح
ويصيخ السمع
لقهقهة مرأة من جامايكا "
في هذه الصورة يمتزج التاريخ بدمويته وعنفه وقسوته بالحاضر بلااباليته حيث تحول المكان الذي شهد المأساة الآنسانيه الى منتجع سياحي يأتيه السواح من مختلف الجنسيات ليلتقطوا الصور التذكاريه ويشربوا البيره ويقهقهوا أما الموتى فلا يتذكرهم سوى النهر وهو يسير قدما نحو البحر حاملا تاريخا طويلا من المآسي والدماء .
- ملاحظات :
(1) الشاعر يستخدم الآسطوره لكنه يتلاعب بها ليدخلنا في اجوائها من خلال استحضار ملامح الآسطوره وتفاصيلها والشاعر يطوع الآسطوره لخدمة غرضه في القصيده ففي قصيدة (تسمع الآرض تبكي) يستخدم الشاعر مسرحية سوفوكليس (اوديب ملكا) لكنه استبدل (ابي الهول) ب ( الحرس الملكي) حين يوجه سؤاله الى أوديب على اسوار طيبه وهو في طريقه ليقتل اباه الملك (لايوس) ويتزوج من امه (جوكاستا) غير عالم بحقيقة الآمر فالشاعر يضع (مجيد الموسوي ) بدل (اوديب ) والحرس الملكي هم من يوجه السؤال له ليتوج ملكا عليهم ولكنهم اخلفوا الوعد .
(2) وفي قصيدة اخري يستخدم الحادثة التاريخيه يوم توفي الحسن البصري فحزنت المدينة حتى امتلآت المقبرة بالناس فخلت الجوامع من المصلين والطرق من المارة والآسواق من البائعين والشارين .
(3) لكن الصورتين الشعريتين ليستا (استاتيكيتين) وأنما حركيتان بل ومفعمتان بالحركة والحياة ونرى ذلك بوضوح اكثر في قصيدة (جسر على نهر كواى) والعنوان مستوحى من فيلم سينمائي أنتج في العام 1957 وأخرجه دايفيد لين عن معسكر للقوات اليابانيه اثناء الحرب العالمية الثانيه كان معسكرا لآسرى الحرب البريطانيين عندما استخدمهم الجيش الياباني لمد سطة حديد بورما عبر نهر كواي ليعبر عليه قطار المؤن وامعدات العسكريه من اجل فتح جبهة جديده شرق النهر داخل الآراضي التايلنديه لكن الجسر نسف بعد ان اكتمل بناؤه الذي تم بعد معاناة الآسرى وموت الكثير منهم جوعا وحرا وتعبا ومرضا . تلك المأساة الآنسانيه التي طبعت ذلك المكان عبر منها الشاعر ليصف لنا المشهد الذي عاشه : الوجوه التي التقاها ( الزوجان اليابانيان والمرأه الجامايكيه ) . في القصيده نوع من التناقض Contradiction يتجلى في التاريخ المأساوي لذلك الجسر والحاضر المختلف تماما : معسكر الآعتقال صار كازينوهات ومقاه والناس هناك لم يكونوا جنودا بريطانيون ولا يابانيون بل سواح جاءوا ليلتقطوا الصور التذكاريه ويشربوا البيره ويقهقهوا بينما يحتفظ النهر وحده بتلك الذكريات الآليمه فيواصل سيره باتجاه البحر ملقيا التحيه على السواح ومصغيا لضحكات المرأه الجامايكيه .
أن اثارة هذا التناقض بين ماضي الآنسانيه الملطخ بدماء الآبرياء وعار الحروب والجوع يستبدل اليوم بالصور التذكاريه والقهقهات يشير طبعا الى
موقف الشاعر من قضية الحرب وكل ما و لا انساني فهو يمجد الحياة (استمرار النهر في المسير) و( ضحكات المرأة الجامايكيه ) البشريه قد رمت
الحروب خلف ظهرها لتواصل حياتها بالفرح والقهقهات .
(4) التحول من الأستهلال المنفتح على الحياة والمشرع على الآمل الى نوع من السوداويه والقنوط يتضح من قصائد مثل (غنائم الحروب ) و(الطيارات على صنعاء )و(من القى بالطفل الى البحر ) مختلطا بغضب وسخط على واقع يعيشه الشاعر وتعيشه جموع الناس في هذه المنطقة من العالم المبتلاة بالكوارث والحروب والنزاعات والتردي . في قصيدة (غنائم الحروب) :
" لنا من غنائم الحروب....القبور
تمتلئ بها البراري
لنا اليتامى
تحتشد بهم الآزقة
والكراجات ، ودور الآصلاح
لنا الآرامل
يفترشن الدكات
على ابواب دوائر التقاعد
لنا المعاقون بأرجل اصطناعيه يحجلون على الآرصفه
لنا المتسولون.. تعجز عن احصائهم الحواسيب
لنا من المفاخر المقابر "

* الشاعر يجرجرنا خلفه ويقحمنا في حكاياته وأسفاره حتى ندخل معه في الحكايه ونعيش اجوائها ومناخاتها فيعود بنا التاريخ وتعود بنا الجغرافيا عبر خطوط الطول والعرض الى بلدان ومدائن تارة يغوص في التاريخ مسلطا ضوءه على حدث بعينه ولكنه ليس لحدث بذاته ما يعني الشاعر بل مخرجات الحدث وتداعياته بل وظروفه وتفاصيله الدقيقه والصغيره ففي قصيدته (جسر على نهر كواي) يقودنا الشاعر عبر تاريخ المكان ليسلط ضوءا آخر على وجوه مرت به وهو يتواجد في المكان مستحضرا تاريخه وكأنه يقول لنا أن هذا المكان الذي شهد مأساة انسانيه خلال الحرب العالميه الثانيه أصبح منتجعا سياحيا لايلتفت التاس فيه الى تاريخه بل الى حاضره فهم يقهقهون ويلتقطون الصور ، وحده نهر كواي من يتذكر تلك الآرواح التي تألمت وهو في رحلته نحو البحر يلقي بالتحية على الناس ويختزن في ذاكرته ما حدث في تلك الفترة القاسيه من تاريخه ولكنه "يصيخ السمع لقهقهة امرأة من جامايكا"

الشاعر كسارد
* تتسم اللغة الشعريه بسمات يلخصها مارتن هيدغر بالقول ان الشعر هو " تأسيس الوجود باللغة" فالسرد اسلوب شعري قديم يستخدمه الشاعر ليس اعتقادا منه بجهل القارئ بالتاريخ ولكنه يتعامل مع الحدث التاريخي من خلال رؤيته هو ومن خلال توظيف السرد في خدمة القضيه التي تنشغل بها القصيده وهذا التكنيك الشعري ابتعد عنه بعض الشعراء الكبار وأكتفوا بوضع هوامش او اشارات في آخر المجموعات تشير الى الحدث او تستعرضه تعريفا به وتذكيرا للقارئ ببعض التفاصيل التي تحاول القصيده اضاءتها أو التركيز عليها . فكاظم اللايذ يستخدم هذا التكنيك بكثره في معظم دواوينه فهو شخص عاشق للتاريخ والحكايات والطرائف التاريخيه ويستخدم اسماء الآمكنه ليستطرد بسرد تاريخ يتعلق بها او يضيء جانبا من جوانب الحياة فيها ، هذا العشق للتاريخ والحكايات اصبح سمه مميزه لشعر اللايذ . ففي هذه المجموعه نجد التاريخ حاضرا في قصائد عديده ( جسر على نهر كواي ) ، ( الحسن البصري ) ، ( الشيخ النجدي ) (حمامة في قبو) ، (ميراثي العضوض )،( بالآسود والآبيض) ولكن الشاعر لايعمل كمؤرخ وأنما كسارد ، كمحدث لآنه يختار من التاريخ احدى حكاياته ، حكاية أثارته وطبعت في وجدانه صورة أو بصمة ما فيحاول ترميم الصورة التاريخيه كلوحة قديمه ليعيد عرضها بالشكل الذي انطبعت في ذاكرته وبالآثر الذي تركته في وجدانه . ولكنه يتحرك في هذا التاريخ بحرية وبخفه فيسحبنا معه ونحن شهوده على الوقائع التي تضيئها القصيده فيدخل فيها ويتدخل بتفاصيلها كما فعلل في قصيدة ( تسمع الآرض تبكي ) حيث يستخدم الشاعر شخصية أوديب ليسقطها على الشخص المرثي فيستبدل ( ابي الهول) بـ( الحرس الملكي ) حين اوقف اوديب على اسوار طيبه ليوجه له السؤال – الآحجيه
" فما كائن في الصباح
يسير على اربع
وعند الظهيرة يمشي على قدمين
وحين يحل المساء
تكون له قدم ثالثه ؟ "
فأوديب دخل طيبه وقتل اباه وتزوج من امه دون علمه وأنتهى به الآمر الى ان يفقأ عينيه لكن الشاعر لم يستخدم تلك النهايه في قصيدته بل قال :
" حللت لهم لغزهم
ولكنهم اخلفوا
لم تعش ملكا او اميرا "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد