الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتلال واعادة انتاج شبيبة التلال

عصمت منصور

2021 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كان يمكن ليوم الاثنين، الحادي والعشرين من كانون الأول، أن يكون يوما عاديا، وأن يسجل واحدا من عشرات حوادث الطرق التي تقع على الشوارع بشكل يومي، لولا ان هذا الحادث نتج عن مطاردة كانت الشرطة الاسرائيلية هي الطرف الأول فيها، أما الطرف الآخر المستهدف بالملاحقة فقد كانت مجموعة من الفتية الذين ينتمون الى ما بات يعرف بـ"شبيبة التلال"، وهي مجموعات تعد بالمئات من الجيل الثاني من المستوطنين ممن كرسوا جل وقتهم ولاءموا حياتهم وشكلهم الخارجي ونمط معيشتهم من أجل تحقيق هدف واحد وهو: احتلال التلال والاستيطان في كل بقعة ارض ممكنة في الضفة الغربية (إسرائيل التوراتية) وفرض أمر واقع استيطاني على الأرض يكبل الدولة ويجعل قرارها بالانسحاب من مستوطنات الضفة بلا اي قيمة فيما لو قررت يوما ما ذلك.
الحادث الذي انتهى بشكل تراجيدي بموت اهوفيا سندك، وهو أحد أعضاء شبيبة التلال، فجر موجة من ردود الفعل الغاضبة لدى المستوطنين وقادتهم ممن تظاهروا في القدس لأيام للمطالبة بالتحقيق في الحادث الذي يعتبرونه جريمة مقصودة تترجم حالة التوتر والعلاقة المركبة بين شبيبة التلال والمنظومة الامنية والشرطية في دولة الاحتلال، متجاهلين تماما رواية الشرطة التي تلقي اللوم على المستوطنين الذين رفضوا الانصياع للأوامر وفضلوا الهرب بعد ان نفذوا اعتداء بالحجارة ضد سيارات فلسطينيين في أحد شوارع الضفة الالتفافية.
موجة الاحتجاجات والغضب وما رافقها من حالة من التعاطف مع اهوفيا اعادت الى الواجهة من جديد نشاط مجموعات شبيبة التلال التخريبي في الضفة المحتلة وتاريخهم الحافل بالصدام مع قوات الجيش والشرطة والعلاقة المعقدة بينهم وبين قادة المستوطنين والصهيونية الدينية.
لقد احتل الحادث الذي جاء بالتزامن مع انهيار الائتلاف الحكومي والتوجه الى انتخابات جديدة، عناوين الاخبار لأيام، واستقطب ردود فعل متباينة من قبل سياسيين واعضاء كنيست وحاخامات، وملأ مساحة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما ينذر باستغلال حالة التعاطف التي نتجت عنه وعن موت اهوفيا من أجل إعادة تقديم هذه المجموعات بشكل إيجابي وإضفاء شرعية على وجودها ونشاطها، والتشجيع على المزيد من التغاضي عن اعتداءاتها اللفظية والجسدية ضد الشرطة وقوات الأمن.
إن هذه الخشية أصبحت أكثر ملموسية، وتم التعبير عنها صراحة من خلال نشر التصريحات المسربة التي نقلتها صحيفة هآرتس على لسان قادة كبار في الشرطة، ممن تذمروا وانتقدوا بشدة غياب الدعم العلني والصريح من قبل المستوى السياسي لأفراد الشرطة الذين يتصدون لمظاهرات ونشاط المستوطنين وتحديدا من قبل وزير الأمن الداخلي، الذي فضل زيارة عائلة اهوفيا وامتنع عن التعليق على الاتهامات التي وجهوها بحضوره للشرطة وأفرادها.
الشرطة التي وجدت نفسها دون دعم وغطاء واضح وقوي من المستوى السياسي في مواجهة اتهامات واعتداءات المستوطنين، وموجة التحريض والشيطنة التي تتعرض لها، ويقودها أعضاء كنيست مثل بيتسليل سموتريتش الذي حاول ان يخترق منع الشرطة والتوجه الى مكان الحادث لمساندة المستوطنين المتواجدين هناك، وحاخامات كبار أمثال حاخام مدينة صفد المعروف بمواقفه العنصرية المتطرفة شموئيل الياهو، والذي وجه في أحد دروسه الدينية التي نشرت صحيفة اسرائيل هيوم مقاطع منها، اصبع الاتهام لأفراد الشرطة واتهمهم بالانتقائية وطالب بإقالتهم ومحاسبة من أعطاهم الأوامر، مقابل مطالبته بالانحناء احتراما أمام ظاهرة شبيبة التلال. كل هذا دفع مصدرا أمنيا إسرائيليا أن يصرح لقناة "كان"الإخبارية أن الشرطة الإسرائيلية فقدت السيطرة أمام عنف شبيبة التلال، وان العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الشرطة الإسرائيلية "تتخلله عمليات دفع وشتم ولكمات، وإلقاء حجارة، وانهم تمكنوا من ردع عناصر الشرطة، وباتت عناصر الشرطة تخاف من الخروج من مركباتهم لاعتقال مثيري الشغب" وان هذا "الاجرام سيؤدي لعمليات انتقامية " في ظل وقوف، قيادات المستوطنين جانباً، وصمتهم على العنف، وان هناك حاجة لاتخاذ إجراءات لمنع استمرار العنف الذي سيؤدي إلى كارثة وموت".

جيل ثان أكثر عدوانية
الى جانب المظاهرات التي احتشد فيها مئات المستوطنين من مختلف مستوطنات الضفة امام مقر الشرطة الإسرائيلية في القدس، اقدمت مجموعة صغيرة من شبيبة التلال على إقامة بؤرة استيطانية جديدة في المكان الذي وقع فيه الحادث الذي أدى إلى موت اهوفيا على أراضي قرية فلسطينية مسالمة هي قرية ديرجرير شرق مدينة رام الله.
إقامة البؤرة الجديدة يعتبر الرد التقليدي الذي يميز سلوك وايديولوجيا شبيبة التلال، وهو استغلال حالة الارباك واللحظ "التراجيدية" وانشغال الإعلام من اجل تدفيع الفلسطينيين الذين لم يكن لهم أي ذنب ولا يعتبرون طرفا في الحادث (إلا لكونهم ضحايا اعتداءات هذه المجموعات) الثمن، وزرع مزيد من الحقائق على الأرض وفرض واقع استيطاني جديد بعيدا عن المؤسسة ومنظومتها واولوياتها واعتباراتها الداخلية والخارجية.
البؤرة الجديدة تحولت خلال ساعات الى بؤرة مواجهة بين سكان القرية مالكي الأرض والمستوطنين الذين ضرب الجيش طوقا امنيا حول بؤرتهم لحمايتها، والتصدي لاحتجاجات أصحاب الأرض وهو ما حقق الهدف التالي لشبيبة التالي من خلال رفع مستوى التوتر وحالة الصدام مع جيش الاحتلال.
تعد مجموعات شبيبة التلال من أكثر المجموعات إثارة للشغب، وهي تقف خلف أكثر العمليات دموية واجرامية مثل إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما في العام 2015، وإحراق الطفل محمد أبو خضير في القدس، وهي التي ثبتت معادلة تدفيع الثمن وجرائم الكراهية، كإحدى أبرز طرق عملها، وهو ما جعلها التهديد الذي يؤرق حياة المواطنين الفلسطينيين وأحد مصادر التهديد اليومي على الطرق الالتفافية، ذلك أنهم يعتبرون أن عمليات الاعتداء والانتقام من الفلسطينيين، سواء كان هذا ردا على أي عملية فلسطينية أو ردا على عملية أمنية ضدهم أو إزالة إحدى بؤرهم الاستيطانية، إحدى الوسائل للانتقام من الجيش والدولة، وأيضا محاولة لجرها إلى مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين تمكنهم من المضي قدما في مشاريعهم الاستيطانية وسرقة المزيد من الأرض والسيطرة على التلال.
"اهوفيا"تجسيد للجيل الجديد
استضافت القناة 13في برنامجها الصباحي يوم الاربعاء 30-12-2020 والدي الفتى القتيل اوهافيا سندك، للحديث المشحون بالعاطفة والاحتضان عن الفتى (17عاما) الذي كرس حياته القصيرة للعيش في التلال والتنكيل بالفلسطينيين ووجد نهايته في حادث أودى بحياته أثناء ملاحقة الشرطة له ولثلاثة من زملائه بعد تلقي شكوى تفيد بإلقائهم حجارة على سيارات مواطنين فلسطينيين.
العائلة التي حظيت خلال فترة الحداد بزيارات رموز اليمين والدولة، تحدثت بإسهاب عن "مأساة" اهوفيا التي "بدأت منذ لحظة اقتلاعه من تجمع جوش قطيف الاستيطاني الذي تم إخلاؤه من قبل رئيس الحكومة الأسبق ارئيل شارون في العام 2005" وكيف ترك هذا "الاقتلاع" ندوبا وأثرا انعكس على سلوك اهوفيا ومصيره واهتماماته التي "لا تشبه اهتمامات ابناء جيله الذي يقضي وقته امام شاشات الهاتف المحمول" معتبرين انه هو وزملاءه يجسدون "قيم الانتماء والحب والعمق".
نمط حياة شبيبة التلال التي يجسدها اهوفيا، تتميز بالعزلة والحياة الأقرب الى البداوة والترحال ورعي الأغنام وفلاحة الأرض والعيش في مجموعات صغيرة في خيام متنقلة على التلال، مع زهد وتقشف في وسائل الحداثة وحد أدنى من التواصل مع المجتمع، وهو نمط حياة حولهم الى مجموعة مغلقة، غير منضبطة، مسلحة بأيديولوجيا دينية متشددة ونزعة عنيفة، مع تعلق بشعار أرض إسرائيل التوراتية، دون أن يقيم وزنا للمؤسسة الحاكمة بل ويعاديها ولا يثق بها انطلاقا من صدمة "الاقتلاع" التي عاشها في جوش قطيف، وهو ما بات يشكل خطرا ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على العلاقة المعقدة بين أذرع الأمن والمؤسسة الحاكمة وبين قادة المستوطنين، الذين لا يعرفون كيف يحتوونهم.
هذه النظرة الطهرانية الأقرب الى نمط الحياة الصوفية، والتي حاولت عائلة اهوفيا ان تسوقها للجمهور الإسرائيلي وان تسحبها على بقية أفراد شبيبة التلال، لا تتوافق مع نظرة أجهزة أمن الاحتلال لهم والتي ترى فيهم خطرا أمنيا جديا وتهديدا للاستقرار الهش في الضفة المحتلة وعامل احتكاك وتوتير دائم مع الفلسطينيين، ولا حتى مع الصورة التي كونها الإعلام الذي يرى فيهم مجموعات فوضوية عنيفة ومتطرفة لا تنصاع للقانون، والأهم انها تتنافى مع نظرة قادة المستوطنين أنفسهم والذين يكنون لهم مشاعر متناقضة ومتضاربة تتراوح بين التبني والإعجاب، وما بين اعتبارهم مجموعة منفلتة وغير ناضجة، وتعيش في خطر وحالة من الانحراف وهو ما يجعلها بحاجة الى إعادة تأهيل من جديد في أطر تربوية ومؤسساتية خاصة كما حدث مع تجربة مؤسسة "إتجار بيت ايل" التربوية التي تختص بمعالجة المتسربين من الأطر التعليمية والتي حاولت ان تدمجهم في مؤسسات الدولة التعليمية وان تحفزهم للعودة الى المدارس وفق ما نشره موقع زمان يسرائيل.
مناخ مؤات
يتكرر منذ حادثة مقتل اهوفيا مشهدان متوازيان يختصران الحالة العامة التي وصلت إليها إسرائيل ومدى القوة في فرض اجندة شبيبة التلال على المؤسسة والرأي العام:
الأول للمواجهات شبه اليومية بين سكان قرية ديرجرير وقوات جيش الاحتلال التي تحرس البؤرة الاستيطانية التي اقيمت في مكان الحادث. والثاني للمظاهرات والصدامات التي يشارك فيها مئات المستوطنين في القدس احتجاجا على مقتل اهوفيا، وفي المشهدين تتجسد الأرضية الخصبة التي تجعل ظاهرة شبيبة التلال تعيش أفضل مراحل انتعاشها وإعادة انتاجها وانتاج صورتها من جديد.
في المشهد الأول يتجسد مأزق الجيش والإدارة المدنية والشرطة التي تجد نفسها في وسط ساحة مواجهة عنيفة وغير متوقعة ولا مبررة تستنزفهم وتفرض عليهم أجندة أمنية مختلفة تتنافى مع توجهات منظومة الأمن واولوياته التي تسعى الى تسكين الضفة ومنع انفجار الأوضاع الأمنية فيها، وكل ذلك بسبب سلوك شبيبة التلال وقرارهم استغلال اللحظة المواتية لفرض أمر واقع جديد.
أما المشهد الثاني فيجسد حالة التراخي والوهن السياسي وعدم الرغبة التي تصل الى حد التواطؤ في التصدي الحازم لادعاءات المستوطنين وهجومهم على الشرطة وعدم الدفاع عن روايتها وهو ما أكسب شبيبة التلال المزيد من الالتفاف حولهم وقطع حالة التردد التي كان يعاني منها قادة المستوطنين والتسلح بجرأة نحو الاقتراب أكثر في احتضان هذه الفئة.
المسؤول عن هذه الحالة هو دون شك الحالة السياسية العامة التي تشهدها إسرائيل منذ عقد من الزمان من حكم اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو والذي وجد في المستوطنين والأحزاب الصهيونية الدينية والقومية حليفا استراتيجيا وطبيعيا من اجل ضمان بقائه في الحكم، وتبنيه خطابا شعبويا تحريضيا معاديا للسلام ولمنظومة القضاء ومنظومة إنفاذ القانون وشنه حربا علنية على الإعلام وهو ما دفع نحو الانحدار أكثر نحو الفاشية وعزز من حضور وهيمنة اليمين على مفاصل الدولة الحساسة في ظل انحسار وتلاشي دور وحضور القوى اليسارية والليبرالية عن المشهد.
هذه السياسة التي أوجدت الأرضية الخصبة أمام هذه الجماعات كي تنتعش وتعيد تجديد نشاطها، تكثفت بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين، بسبب الأجواء الانتخابية التي تعيشها إسرائيل ومنافسة انحصرت بين تيارات كلها محسوبة على اليمين أو اليمين المتطرف، والذي يتنافس على نفس القاعدة من الأصوات وتحديدا أصوات المستوطنين، وأيضا بسبب تبني خطة الضم للأراضي المحتلة وإشاعة أجواء معادية لحل الدولتين ولإمكانية الانسحاب من الأراضي المحتلة ولو نظريا، وتحويل موضوع الضم في شكله ومساحته وموعد تنفيذه إلى العنوان رقم واحد في الاجندة الانتخابية لدى احزاب اليمين، وهو ما اعطى شرعية أكبر لفكرة الاستيلاء على الارض واحتلال التلال والتضييق على الفلسطينيين واستسهال الاعتداء عليهم والمس بهم.
عامل آخر ربما سيساهم في إعادة إنتاج هذه الجماعات لذاتها ولخطابها الفاشي وممارساتها العنيفة، هو طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لصفقة القرن التي أعطت شرعية للاستيطان والضم على حساب الحل السياسي، والتي تبعها توقيع اسرائيل اتفاقيات تطبيع علاقات علنية مع عدة دول عربية بدءا من الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومن ثم السودان والمغرب.
ان هذه الاتفاقيات التي خلت من أي ذكر لحقوق الفلسطينيين المشروعة، والتي فشلت في انتزاع اعتراف من نتنياهو بالمرجعيات الدولية وحل الدولتين، وتجاهلت ممارسات الاحتلال ولم تشترط إنهاءه ولا طالبت بإخلاء المستوطنات، أعطت جرعة قوية لليمين للتمادي في ممارساته وفرض الوقائع على الأرض، والتسامح أكثر مع ظواهر كانت تعتبر شاذة وهامشية ومضرة مثل ظاهرة شبيبة التلال، التي سينظر لها على أنها طليعية ورأس حربة في المسعى المحموم لكسب الوقت والقضاء على فرص الحل فيما تبقى من عمر حكم اليمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار