الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع التنوير في فكر الدكتور محمد حسن كامل ..

السيد إبراهيم أحمد

2021 / 1 / 24
الادب والفن


المقدمة:

على الرغم من أن الدكتور محمد حسن كامل متوسطي الثقافة ينتمي إلى ثقافة البحر المتوسط التي تربط بين ثقافتين: ثقافة شمال المتوسط وهي الثقافة الأوروبية/الغربية، وثقافة جنوب المتوسط وهي الثقافةالعربية/الإسلامية، إلا أنه خير من يمثل الثقافتين معًا لأنه يتمثلهما ميلادًا ومقامًا، حيث شهدت الثقافة العربية/الإسلامية ميلاده وانتماؤه، بينما شهدت الأخرى مقره عملاً وسكنًا وتأثرًا وتأثيرًا، ومع هذا انحاز للتنوير الإسلامي دون التنوير الأوروبي الغربي، وقد سبقه إلى هذا المنحى والاتجاه رواد في مجال الفلسفة والفكر الإسلاميين والأدب.

إن تعويل المفكر الراحل محمد حسن كامل على أن التنوير إسلامي في جوهره أو منبعه إلا أنه لا يرفض التنوير على إطلاقه، كما أنه لم ينكر دور من قام ويقوم بأدوار مماثلة في نفس الاتجاه من منطلق مشروعه التنويري الذي يعمل في إعادة صياغة العقل العربي ليكون متفاعلا مع الحداثة والأصالة معا، كما يعمل على إعادة تصحيح الصورة الذهنية الخاطئة لدى دول العالم عن العرب والمسلمين بشكل عام.

ولقد سبقت العديد من المؤسسات العاملة في مجال التنوير اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب في طرح العديد من الآليات الداعية والداعمة له على المستويين التنظيري والتطبيقي؛ فقد كرس المغفور له دكتور محمد حسن كامل طاقته الفردية من أجل نشر ودعم مشروعه، دون وضع آلية جماعية تضم أعضاء الاتحاد أو عددًا منهم من أجل خلق تصور عام وشامل يتبنى التنوير كمفهوم عام وكمشروع خاص بالدكتور محمد حسن كامل وهو ما سيتم تفعيله خلال الفترة القادمة من خلال احتواء مشروع التنوير بالاتحاد لكافة الجهود على كافة الأصعدة الفكرية التي تتبنى التنوير من خلال المنطلقات الفكرية الخادمة للمرتكزات الدينية واحترام العقل والنقل معا دون الخروج على فكر الأمتين العربية والإسلامية وثوابتهما.

دكتور السيد إبراهيم أحمد

رئيس قسم الأدب العربي ومدير مشروع التنوير

اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب



التنوير: المفهوم والنشأة

يرى عالم اللغويات وعالم النفس الكندي الأمريكي "ستيفن آرثر" بينكر في كتابه "التنوير الآن" بأنه لا توجد إجابة رسمية حول تعريف التنوير، غير أنه من المتفق عليه أنه كان في الثلثين الأخيرين من القرن الثامن عشر الميلادي؛ فقد جاء انبثاقا عن الثورة العلميى وعصر العقل في القرن السابع عشر الميلادي واستمر حتى أوج الليبرالية الكلاسيكية في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

وطبقا لهذا التعريف يصبح التنوير موضوعا أوروبيا خالصا من حيث الجغرافية والأحداث الدافعة لظهوره والتي سادت مجتمعات القارة الأوروبية، كما أن ظهور التنوير جاء انعكاسا لهيمنة الكنيسة الغربية المفرط على أجواء الحياة العقلية والفكرية والثقافية، فكان التنوير في بروزه ثورة مضادة لتقليص دور الدين أو بالأحرى إقصائه وتحجيمه داخل جدران الكنائس، ويحرم من المساهمة في أمور الحياة؛ فالتنوير جاء من قلب العصور المظلمة الأوروبية التي مارست فيها الكنيسة على الشعوب والعقول الكثير من صنوف الاستبداد والقهر، ووأد عقول العلماء التي تناهض ما كانت تنشره أو ما كانت تتبناه من أباطيل وخرافات.

لم تتفق الأدبيات الغربية على بداية عصر التنوير، هل بدأ من منتصف القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر؟ أم إلى عصر ديكارت تزامنًا مع خطابه الذي نشر في 1637م؟ أم بدأ مع الثورة في بريطانيا عام 1688م؟ أو مع نشر اسحق نيوتن مبادئ الرياضيات الذي ظهر أول مرة عام 1687م؟ كذلك لم تتفق الآراء حول بداية عصر التنوير في مجتمعنا العربي أو المصري بشكلٍ خاص، فهناك من يرجع ببداية ظهور التنوير إلى بداية عصر الإسلام، ومنهم من يقصرها على انفتاح الدولة المصرية في مطلع القرن التاسع عشر بالتحديد على أوروبا وخاصة فرنسا وانجلترا.

ولا شك أن مقدم الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798م، وانبهار المصريين بجهود علماء تلك الحملة وما حملوه معهم من تقدم علمي، أعقبه تولي محمد علي حكم البلاد ومحاولته المستميتة من أجل بناء دولة حديثة على أساس اقتصادي سياسي وعسكري قوي، الأمر الذي دفعه إلى استقدام النظام التعليمي الغربي الحديث بكامله، ثم إرسال البعثات العلمية إلى أوروبا وخاصة فرنسا، وماولده ذلك من ميلاد حركة التنوير في مصر وأشهر أقطابها: رفاعة رافع الطهطاوي، علي باشا مبارك، محمد عبده، مصطفى كامل.

يرى البعض أن مصطلح التنوير كان موجودا في التراث الإسلامي في عناوين بعض المؤلفات، ومنها: "تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك"، و"التنوير بأصول التفسير"، و"التحرير والتنوير"، و"تنوير الأذهان بالبرهان إلى ما في عقائد الكنيسة الغربية من البهتان"، و"التنوير في الاصطلاحات الطبية"، و"تنوير المقباس من تفسير ابن عباس"، و "تنوير الغبش في فضل السودان والحبش" وغيرها من الكتب ومنها الذي ارتبط بالتراث الصوفي الذي يأتي مخالفا لتنوير العقل بل تنوير القلب بالأوراد والأحوال.

يقول الدكتور محمد السيد الجليند في كتابه "فلسفة التنوير بين المشروع الإسلامي والمشروع التغريبي": (إن مصطلح التنوير ـ كغيره من المصطلحات العَلمانية ـ وفد إلينا من الغرب ضمن مجموع المصطلحات التي غزت ثقافتنا المعاصرة خلال حركة الاتصال الحديثة بين مصر والعالم الغربي ـ خاصة فرنسا ـ خلال القرنين الأخيرين).



مفهوم التنوير وبدايته في مشروع الدكتور محمد حسن كامل للتنوير

إن التنوير ـ في مفهوم الدكتور محمد حسن كامل ـ اسم مصدر من نوّر التنوير.. من النور التنوير مفرد، أيضاً النور مفرد.. النور لا مثنى ولا مؤنث ولا جمع له في القرآن الكريم، لن نجد هذه الكلمات "نوران" أو "نورين" أو "أنوار" ربما على المستوى اللغوي، أما على مستوى القرآن النور فقد جاء فقط بصيغة المفرد، لأن الله هو نور السماوات والأرض مفرد.. الله واحد أحد .. ومن ثم النور في القرآن ضد المثنى والجمع.

التنوير مشتق من النور.. والنور نقيض الظلام، ظلام العقل قبل ظلام العين.. ظلام في الإدراك يعقبه ظلام في الوجدان ويختم عليه ظلام النزوع...ويأتي التنوير مرادفاً للمعرفة بداية من الإدراك مرورًا بالوجدان ثم استقرارًا في مقصورة النزوع شريطة سلامة المنهج المتبع.

التنوير إضاءة للعقل وخروجه من قصوره الذاتي وحالة الكسل والفوضى والجبن لإعادة ترتيب الصور الذهنية في العقل ومناقشة مصادرها وآلياتها وإعادة صياغتها بمنهج علمي حديث يستخدم آليات العصر من استباط فكر ووضوح رؤيا تدفع البشرية للرقي والتقدم.. وهذا ما جاء به الإسلام دون تعصب أو ميل أو هوى، وهذا ما ترجحه المناهج العلمية الحديثة بلغات متعددة.

ويتفق الدكتور كامل مع من قالوا بأن التنوير مصطلح أُطلق في بداية القرن الثامن عشر، ومعناه هو خروج العقل من قصوره الذاتي الذي ارتكبه في حق نفسه، أي فطام العقل وخروجه من التبعية للغير وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الألماني "إيمانول كانت" في بداية القرن الثامن عشر، كما يرى أن التنوير الأوروبي كان ثورة ضد الكنيسة، ضد سطوة رجال الدين في أوروبا، ضد الوصاية الفكرية، والدعوة لإعمال العقل، وقراءة المعطيات بكل ما فيها من معلومات وتحليلها ثم إعادة ترتيبها بحيث تحقق أفضل فائدة للإنسان.



· ﴿اقْرَأْ﴾: حجر الزاوية في إدراك الدكتور محمد حين كامل لمشروعه التنويري:



يقول الدكتور كامل موضحا كيف اختار التنوير الإسلامي ليغاير التنوير الأوروبي في المفهوم والمنهج: (وإذا كانت نواة التنوير دعوة صريحة لتحرير العقل من سطوة الآخر ومن الخرافات، فقد قادنا هذا المفهوم إلى التنوير الإسلامي ـ ولعل الرسالة واضحة ـ وشمعة التنوير مضيئة من خلال أول كلمة في القرآن الكريم "اقرأ" تلك الكلمة التي أضاءت العالم في القرن السابع الميلادي، بينما الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت سائق قاطرة التنوير الأوربي أجاب بوضوح عن سؤال: ماهو التنوير؟ جاءت إجابة "كانت" بعد إحدى عشر قرناً بعد ظهور التنوير الإسلامي.



غير أنه لم ينكر افتتانه بالتنوير الأوروبي في بادئ الأمر: (من القرارات التي أثنيتُ على نفسي فيها خيرًا أذكر منها قرار سفري لبلاد الفرنجة قاصدًا عاصمة النور باريس، وهنا تبدأ الحكاية : كنتُ مفتونًا بحركات التنوير في العالم، التنوير الذي يحرر العقل والفكر من براثن التبعية والتخلف، التنوير الذي يرسم ملامح الشخصية حينما تسافر للماضي للبحث عن صورة ذهنية ومثل أعلى ذات قيمة وقامة، ومنارة وعلامة، وراية ودراية).

على الرغم من أن المفكر الموسوعي العالمي الكبير الدكتور محمد حسن كامل، رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، هالني أن الرجل مازال كما هو لم يغير جلده، على الرغم من كونه عاش معظم عمره في مدينة النور باريس؛ فلا يتقعر بإدراج لفظ أو مصطلح أجنبي أثناء حديثه وهو الذي يجيد التحدث بعدة لغات ويرطن بها بطلاقة، بل هو لا يلجأ إلى الغرب ليقبس شعلة التنوير من شعلته، كما فعل بعضهم، فشعلة التنوير عند الرجل تبدأ منذ اللحظة التي نزل فيها رسول السماء أمين الوحي جبريل عليه السلام على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وكان مفتتح التنزيل: ﴿اقْرَأْ﴾.

التنوير عند "كامل" لا ينبني على مجرد آراء وأقوال تتمترس بالتنظير، ولكنها عنده مشروع عملي حضاري له بداية وله غاية، أنه "مشروع مشعل التنوير العربي" الذي يخطط له، ويبشر به، ويرى فيه الهدف إلى العودة لأصول البحث العلمي بمراحله المتعددة من "فرضية ونظرية وحقيقة"، الفرضية التي تولد من قراءة المعطيات المطروحة لأي فكرة ودراستها واستخرج أفضل نتيجة منها.. مشعل التنوير الذي بدأ مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بكلمة ﴿اقْرَأْ﴾.

يقول الدكتور محمد: (سافرت كثيرًا بين حضارات ومنارات، وأقلام وأعلام، في سراديب التاريخ، وأروقة الأحداث، بعدة لغات ولهجات، وتقاليد وعادات.. امتطيتُ جواد اليراع من ذرة إلى مجرة، من العودة للمستقبل للسفر في الماضي، من المقام إلى الترحال ومن حال إلى حال حتى حطّت راحلتي وبركتْ ناقتي على شاطئ القرآن الكريم عند أول شجرة وظل.. وهناك وجدت الماء والكلأ والثمار والظل للكل، واحة خضراء في قلب الصحراء هي واحة: ﴿اقْرَأْ﴾، فعل أمر مبني على السكون تكرر في القرآن ثلاث مرات بالترتيب التالي: سورة الإسراء الآية (14)، وسورة العلق الآية (1)، وسورة العلق الآية (3)، وجدتُ أن أول آية في القرآن حسب الترتيب: ﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ﴾، تتوسط الأيتين: ﴿ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ﴾ العلق الآية (3)، الآية (14: ﴿اقْرَأْ﴾) ﴿ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ سورة الإسراء، وتلك هي الآيات الثلاثة التي ذكرت فعل الأمر﴿اقْرَأْ﴾، أول كلمة في القرآن وأول واحة خضراء اهتديت إليها وربطت راحلتي في ظلالها).

ثم يتابع فيقول: (ترتيب كلمة اقرأ حسب ذكرها في القرآن الكريم :﴿اقْرَأْ﴾، من هنا أدركتُ التاريخ الحقيقي للتنوير الذي جاء مع أول كلمة في القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ﴾، وليس كما يدعي الغرب أن عصر التنوير بدأ في القرن الثامن عشر .. إذن للتنوير عصرين” :تنوير إسلامي “أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وله السبق على مستوى العالم، لم نقرأ في أي رسالة من قبل عن تنوير عملي مثل تنوير القرآن.. وهناك” تنوير غربي" وهو تنوير ضد قيود الكنيسة في أوروبا وظهر في بداية العصر الثامن عشر ومن ثم كان عليّ أن أسافر لبلاد الفرنجة وعاصمة النور باريس لأصحح تلك المعلومة التاريخية التي روّج لها الغرب ومحو وطمس التنوير الإسلامي في أول شعاع من نور جاء من السماء في مطلع الوحي بكلمة: ﴿اقْرَأْ﴾ التي تكررت في القرآن الكريم ثلاث مرات تتساوى تماماً مع مراحل الشعور في الإنسان) .

يرى الدكتور محمد حسن كامل أن الشعور يبدأ بالإدراك عن طريق أي حاسة من الحواس، مثلاً رؤية زهرة هذا إدراك، والوجدان ولد شعورًا نحو تلك الزهرة بالإعجاب مثلا هذا يسمى وجدان، والنزوع هو التحرك بالقول أو الفعل نحو الزهرة مثل قطف الزهرة مثلًا.. كذلك القراءة تبدأ بإدراك كما قال الحق في مطلع سورة العلق: ﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ﴾، بدأ بآية الإدراك ثم آية الوجدان وهي المشاعر الناتجة عن تلك القراءة وهي الآية الثانية التي حملت كلمة "اقرأ" من حيث الترتيب في التنزيل: ﴿ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ﴾.

ينتهي كلام الدكتور محمد ليعلن في النهاية: (أن الآية الأخيرة التي ورد فيها فعل الأمر: ﴿اقْرَأْ﴾ هي الآية (14) من سورة الإسراء، تحمل النزوع والحركة معًا، وهي: ﴿ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ هذا المنهج الشعوري للنور والتنوير أتى به القرآن الكريم لم ينتبه إليه أحد، بينما راحت أبواق الغرب تروج لفكرة ظهور عصر التنوير على أيديهم في بداية القرن الثامن عشر، الأمر الذي يجعلنا أن نطرح سؤالاً على بورصة المعرفة في العقل عن ماهية التنوير أو تعريف التنوير؟).

ركائز مشروع التنوير في فكر الدكتور محمد حسن كامل:

تقوم ركائز مشروع التنوير في فكر الدكتور محمد حسن كامل في ضرورة أن يعيد التنوير للإسلام روعته وحسن مخاطبته وحواره مع الآخر بالتي هي أحسن، لا بسفك الدماء والجور على الناس، مشعل التنوير عودة لقيم الحب والفن والجمال والكمال وإدراك مكارم الاخلاق وقيم الجلال تلك القيم التي ساهمت في نشر الحضارة العربية الإسلامية في العالم. مشعل التنوير لتصحيح الصورة الذهنية التي صدَّرها أعداء الدين من الإرهابيين للناس، وبالقضاء على الجهل والخرافات التي تسيطر على السلوك الإنساني والوجداني.

فالمفكر كامل يرى أن: (الأمة الإسلامية سادت العالم بالفن والحضارة والفكر والعلم والأمانة والصدق وحرية الكلمة ورفعة الأخلاق، مشعل التنوير حينما يزور كل محافظة وقرية ونجع وكفر، وحينما يطوف العواصم العالمية لتقديم صورة الهوية الشخصية للثقافة العربية، نحن بهذا المشروع نحاول أن نشارك في إعادة صياغة الوعي الفردي والقومي والجمعي والعالمي وأيضًا الوعي الكوني لعبادة الله الواحد الأحد).

كما بين أهم الخطوط العريضة لمشروعه التنويري: (مشروعي للتنوير العربي يعمل في اتجاهين: الأول: إعادة صياغة العقل العربي ليكون جاهزاً للتفاعل مع الحداثة وأيضاً مع الأصالة، والاتجاه الثاني: إعادة تصحيح الصورة الذهنية المؤسفة لدى دول العالم عن العرب والمسلمين بشكل عام، وخاصة بعد أن لوث الإرهاب صورة المواطن العربي أو المسلم).

ثم يقول: (دافعت عن صورة الإسلام الحضارية في حفل تنصيبي سفيراً للسلام العالمي في فيدرالية السلام العالمي بالأمم المتحدة بتلك الجملة: "ما تفسده السياسة تُصلحه الفنون والثقافة").

لكن الغاية من مشروع تنوير دكتور محمد حسن كامل: (مما تقدم تعلمتُ أن تكون خطواتي تتقدم من خلال مشروع حضاري علمي ثقافي لبني وطني بل وللعالم كله أجمع .هذا المشروع هو "مشعل التنوير" الذي يبدأ بأهمية قراءة المعطيات المطروحة أمامنا بتأمل وتدبر، وفهم المعاني والمباني، ومسايرة التطور الحضاري والاتصال مع الأصل الفكري).

إن غاية مشروع التنوير عند الدكتور محمد حسن كامل هو بناء البنية الأساسية للإنسان العربي، وإعادة صياغة الهوية العربية مرة أخرى، فمشروعه حضاري بأقوال ثقافية وأدبية وعلمية وفنية تقرب القاصي ليصبح دانيًا في بوتقة السمو بالوطن ضد كل المحن، على أن يطوف هذا المشروع الحضاري بشعلة التنوير كل دول العالم، ليقدم الصورة الحقيقية للفكر والثقافة والفن والحوار والعقل والمنطق ويصحح مفهوم تصنيف العالم العربي من دول العالم الثالث؛ فهو يرى أن مشروعه ذات خيوط طويلة ومتينة تجعل هناك تواصلا بين الشعوب بعد فشل بعض الحكومات لإجراء هذا التواصل.

ثم يقرر في ثقة واطمئنان: (ببساطة مشروعنا يقدم للعالم العربي والإسلامي وللعالم أجمع النسبة الذهبية للعيش سويًا في ظلال السلام بدعائم قيم الجمال والكمال والجلال، مشروع يقدم جنة من الحب والسلام بعد العداء والخصام).



واقعية مشروع تنوير دكتور محمد حسن كامل

إن أغلب الأسئلة التي فجرها رجال عصر النهضة منذ أواخر القرن التاسع عشر بوجه خاص، لا تزال في الجوهر نفس الأسئلة التي تحتدم بها الثقافة العربية في أيامنا هذه ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين، ونتساءل بحثًا عن تفسير ذلك:

كيف تظل نفس الأسئلة دون تغيير على الرغم مما تحقق في البلاد العربية عامة من تغيير وتحديث وتنوير بدرجات متفاوتة طوال هذه السنوات؟ هل معنى هذا أن التغيير والتحديث الذي تحقق هو تغيير وتحديث سطحي وبراني لا يمس جوهر الأوضاع العربية، وأن التنوير الذي انتشر هو تنوير محدود بحدود بعض النخب المتعلمة والمثقفة، ولم يبلغ الهياكل والجذور الشعبية والاجتماعية الأساسية؟

كيف لم تزل قضية مدنية الدولة أو دينية الدولة مثار خلافات فكرية وسياسية؟ كيف مازلنا نتعثر في قضية الوحدة العربية؟ كيف لم تزل الدعوة إلى الإصلاح الديني أو ما يسمى بتجديد الخطاب الديني في مرحلة الشعار لم ترتفع إلى مستوى المشروع المتكامل؟ لماذا لم تتحرك قضية التنمية الاقتصادية ـ الاجتماعية الشاملة، بل مفتقدة على الرغم من قيام ثورات ما يسمى بالربيع العربي؟ لماذا مازال الخلاف قائمًا في قضية العلاقة بين التراث والمعاصرة، والتقليد والتحديث، ووضع الحدود الفاصلة بين العقل والنقل وعلاقتهما ببعضهما؟

لا تزال العلاقة بين الأنا القومي والآخر الغربي موضع تفسيرات ومواقف مختلفة تتراوح بين الدعوة إلى الاندماج المطلق على حساب خصوصيتنا القومية، أو الرفض المطلق على أساس طائفي، ولا تزال قضايا الحرية والديمقراطية والاستنارة العقلية وحقوق الإنسان تعاني من أشكال مختلفة من القمع والتسلط، وقضايا المرأة التي لم تحسم بعد.

غير أن الأهم يتمثل في أن التنوير العربي قد وقع على أزماته، من دون أن يتحقق التنوير حقيقة، أي أننا نعاني من أزمات التنوير على الرغم من عدم وجود تنوير، فالذي نراه أمامنا ما هو إلا مظاهر التنوير التي أوجدتها السلطات المتحكمة بقيم المعرفة، أو العقل، والتي حولتها إلى المجالات الخاصة في حين تم نفي العناصر القادرة على إحداث التغيير. هل ثمة تنوير في العالم العربي؟ أم هل ثمة أسئلة تتعلق بالتنوير؟ كما يسأل الكاتب الفلسطيني الأردني رامي أبو شهاب في القدس العربي.

بينما تسأل الدكتورة منى أبو سنة في مجلة روز اليوسف القاهرية، عدة أسئلة أسردها بإيجاز: لماذا يغيب التنوير في البلاد العربية؟ إذا كانت شروط التنوير تتسم بالعالمية وتتجاوز ما هو محلي وخاص, لماذا تحققت فى أوروبا ولم تتحقق فى المجتمعات العربية؟ ماهى الإمكانات التى طرحت تاريخيا من أجل تأسيس حركة التنوير فى المجتمعات العربية, وكيف تم إجهاضها؟ وما هى طبيعة الأزمة المترتبة اليوم على هذا الإجهاض؟ هل تختلف طبيعة الوصاية ومن ثم الأوصياء فى المجتمعات الأوروبية عنها فى المجتمعات العربية؟

لم يكن الدكتور محمد حسن كامل بعيدا عن الإخفاقات التي رصدها الكثير من الكتَّاب والمفكرين والتي لا يتسع المجال لعرضها، غير أن الذي الأسباب من وجهة نظر مفكرنا الموسوعي الراحل قد أوجزها في التالي:

ـ وجود فجوة وانقطاع بين المسلمين المعاصرين وبين شريان التنوير الإسلامي الذي أضاء العالم في عصور الظلام الأوروبية.

ـ عدم الدعوة لعبادة التأمل والتدبر وإعمال العقل بالعقل .

ـ عدم تنقية كتب التراث من أفكار لا تتفق مع القرآن الكريم والعقل والمنطق.

ـ عدم الإلتزام بقواعد البحث العلمي وآداب الحوار .

ـ زرع الخلافات بين الكتب السماوية الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن.

ـ وجود فجوة فكرية بيننا والآخر.

ـ عدم رعاية الفنون والآداب الرعاية الكافية وعدم الاهتمام بالارتقاء بالذوق العام .

ـ التنوير من النور والنور ضد الظلام والأوهام.

ـ تراجع دور المؤسسات الثقافية ولا سيما في عصر التلوث الرقمي .

وبنفس الواقعية يسلط مفكرنا محمد حسن كامل الضوء على نجاح التنوير في أوروبا وأمريكا للأسباب التالية:

ـ أوروبا نقلت العلم من العالم العربي والإسلامي وطورته.

ـ الثورة على الكنيسة لظلم الكنيسة للناس.

ـ بزوغ عصر النهضة في إيطاليا ثم انتشارها في سائر أوروبا.

ـ ثورة الفنون وتألقها.

ـ بدء قاطرة الثورة الصناعية في أوروبا.

ـ تعدد المدارس الفكرية والفلسفية واختلاف مناهج التفكير.

ـ ثورة التفكير والاختراع والإنتاج والتصدير.

ـ الدعوة لإحياء قيمة الإنسان كإنسان دون النظر للدين أو اللغة أو العرق.

لم يتوقف المفكر العالمي التنويري دكتور محمد حسن كامل على رصد الأسباب لإخفاق التنوير في بلاد العرب والمسلمين، مع كونهم من أولى الناس به لكونه بزغ في سمائهم وعلى أرضهم، ونجاحه في بلاد الغرب مع كونه نشأ نشأة بشرية، بل قرأ الواقع العربي والإسلامي بعناية ليقف على مكمن البداية في العودة بالأمة من جديد نحو ينبوع تنويرها الأصلي نحو القراءة.

ولذا فهو يرى القراءة ثورة علمية ضد الجهل والأمية، حيث أن فعل الأمر بالقراءة شامخاً عبر الزمان والمكان حتى وُلد التطور الحضاري من رحم القراءة:

يبين دكتور محمد حسن كامل أهمية القراءة في مشروعه التنويري فيقول: (القراءة عبادة للعقل والتامل والتدبر، القراءة سباحة وسياحة في فضاء العلم .. القراءة هي الصك الشرعي للمعرفة، والمعرفة هي الصك الشرعي للحرية، والقراءة هي حرية العقل وتفعيل قدراته وهذا مقصود "التنوير".

ثم يطرح من جديد مفهومه عن التنوير وغايته في مشروعه، وغاية مشروع التنوير، فيقول: (التنوير الذي يعيد للإسلام رونقه وبهائه وجماله، ومخاطبة الآخر بالمنهج الإسلامي الأصيل "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، ونشر قيم التسامح والحب والتعاون من أجل عمارة الكون وسعادة الإنسان دون النظر إلي لونه أوجنسه أو دينه، وتصحيح الصورة الذهنية السلبية التي صدًّرها أعداء الدين من الإرهابيين والمتطرفين).

كثيرا ما كان يندد بهجر القراءة وكان يدهشه أن هناك فجوة بين اقرأ.. وأمة لا تقرأ!، وكان يخطب المسلم والعرب على حد سواء: (فقط اقرأ .. تحرير العقل من أي عقيدة وفكر .. اقرأ فعل محايد، مثل العامل المحايد في الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء .. يبدأ القرآن بهذا الفعل المحايد في سورة العلق).

وهو يرى أن الأمر بالقراءة أمر بقراءة كل شي في الوجود. قراءة القرآن المنظور بالنظر في الكون والتأمل في صنع الله، وقراءة القرآن المسطور المحفوظ في الصدور وإذا كان التنوير هو العقل نفسه وتحرير العقل وإدارة العقل فإنه بدأ في عام ٦١١ ميلادية مع نزول القرآن والأمر الإلهي إقرأ.

ولذا فقد انطلق مشروع التنوير الخاص بالمفكر محمد حسن كامل من نفس انطلاق الدعوة الإلهية للإنسان بالقراءة، ولذا فقد ىعانق الواقع مشروعه التنويري حين دعا إلى:

ـ أن يفقه الدعاة فقه الواقع لا أن يعيش العالم في وادي والدعاة يعيشون في وادٍ آخر.

ـ مراعاة فقه الأولويات ومآلات الأحكام.

ـ التسلح بكل المعارف والعلوم ومخاطبة العالم بفكره وبلغاته وبمنهجية علمية، مع إقامة الأدلة والبراهين على صحة الدين وحاجة الناس إليه.

ـ علاج الفجوة والانقطاع بيننا وبين شريان التنوير الإسلامي الذي أضاء العالم في عصور الظلام الأوروبية.

ـ الدعوة لعبادة التأمل والتدبر وإعمال العقل بالعقل، وذلك عن طريق تنقية كتب التراث من أفكار لا تتفق مع القرآن الكريم.

ـ ضرورة إعمال العقل والمنطق والتوأمة بين العقل والنقل.

ـ الإلتزام بقواعد البحث العلمي وأداب الحوار، وإتقان الدعاة لطرح الأسئلة وفرض الفروض والبحث العميق الذي سيوصل حتما إلى نتائج مبهرة تسهم في بناء الأمة وتقدمها.

ـ نشر مواضع الاتفاق والقواسم المشتركة في الكتب السماوية الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن، مثل: الإلتزام الأخلاقي والحفاظ علي الإنسان وسائر القيم الإنسانية كالتسامح والتعايش مع الغير.

ـ إزالة الفجوة الفكرية بيننا والآخر وترسيخ قبوله والتعاون المشترك معه من أجل عمارة الكون وإسعاد البشرية.

ـ ضرورة تقديم النموذج الإسلامي الأصيل للعالم الغربي مُستمدًا من نور القرآن العظيم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الانغلاق على الذات والمبادأة بتقديم علاج الإسلام لمشاكل البشر المعاصرة.

ـ الإلتزام بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا لإظهار التطبيق العملي للإسلام، لا أن يكون هناك انفصام بين العلم والعمل، وعدم وجود فجوة بين النظرية والتطبيق.



الأسباب الداعية لمشروع تنويري في فكر الدكتور محمد حسن كامل

سألت الدكتورة رانيا الوردي الوردي نائب رئيس قسم اللغة الألمانية سابقا بكلية التربية جامعة عين شمس دكتور محمد حسن كامل في حوارها معه في جزئه الأول والمعنون: "التنوير بين الأصالة والحداثة"، هذا السؤال:

ـ ما هى الظروف والملابسات التى دفعت حضرتك لصياغة مشروع ثقافى تنويرى لدعم إعادة بناء العقلية الثقافية المصرية والعربية؟ وما هى الإجراءات التى اتخذتها لطرح هذا المشروع الثقافى التنويرى على الساحة الثقافية المصرية والعربية؟

وقد جاءت إجابة الدكتور كامل موضحة الملابسات على النحو التالي:

الظروف والملابسات التي جعلتني أن أفكر في مشروعي التنويري ”إعادة بناء العقل العربي بين الأصالة والحداثة”، مما لا شك فيه أن أي صرح حضاري عصري لابد أن تكون له مقومات ودعائم وهي: [التقدم العلمي + الرقي الأخلاقي + الفن الجيد + الاقتصاد القوي + الحوار المستنير + حرية التعبير]، تلك معادلة فكرية حضارية تساند صرح الحضارة لتوليد الإبداع والإبتكار .

هناك تراجع في بعض لبنات تلك المعادلة الحضارية في بلادنا، تراجعت دولة العلم والبحث العلمي في الوطن العربي ومن الحرج أن اتحدث عن ترتيب بلدنا في معايير جودة التعليم على مستوى العالم، تراجعت الأخلاق في الشارع المصري، في الماضي كانت الشهامة والرجولة والإيثار وإنكار الذات وتوقير الكبير ومساعدة الصغير، تلاشى نسيج الفضيلة الذي كان يغطي الشارع العربي إلا من رحمه الله، أما دولة الفنون فقد أعلنت إفلاسها من تقديم فنون جيدة، تلك الفنون التي كانت بمثابة القوىَ الناعمة لتهذيب النفوس، مازلنا نعتمد على رصيد الماضي من فنون جيدة تُرثي حال الحاضر، غير أني لا أنكر أن هناك محاولات جادة لإعادة دولة الفن ولكنها محاولات يائسة بائسة لا تكفي لغطاء الحاضر، تراجع دولة الإقتصاد لزيادة الإستهلاك دون إنتاج، نحن ـ للأسف ـ دول مستهلكة أكثر من أننا دول منتجة، الميزان الإقتصادي مقلوب لابد من التوازن أولا بين الإنتاج والإستهلاك، ثم ترجيح كفة الإنتاج على كفة الإستهلاك.

الإعلام في العصر الحالي فشل أن يقدم نوعاً من الحوار المستنير يقبل الرأي والرأي الآخر، تلاشت قيم الحوار وآدابه وأصبحت وسائل الإثارة هي الهدف الوحيد لتحقيق أكبر نسبة من المشاهدة أو المتابعة، أما حرية التعبير فسَّرها المواطن بشكل خاطئ حينما يعتدي على حقوق الآخر بدعوى الحرية، أدى هذا التفسير الخاطئ إلى اختلاط الأمور بين الحقوق والواجبات لتخلق فوضى نحن في غِنى عنها.

في هذا الجزء من الإجابة يبين الدكتور محمد حسن كامل الدور التطبيقي من أجل تحويل مشروعه التنويري من التنظير، فيقول:

حينما نعود إلى مقومات الحضارة نسأل السؤال العاصف للذهن: أين نحن من مقومات الحضارة؟ ماذا لنا وماذا علينا؟

بالتأكيد الكل يعلم أين نحن من جدار الحضارة الإنسانية ومن ثم تفتحت براعم شجرة التنوير، مشروع تنوير العقل العربي بين الأصالة وأيضاً بين الحداثة حتى تكون لنا ملامح واضحة بين الأمم، لقد ناديتُ بهذا المشروع منذ نحو أربعة عقود من الزمن، حتى أعتبرني جوجل العملاق من رواد التنوير في العصر الحديث، وبالفعل كافحتُ لبناء اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، وفتحتُ مدرسة العصف الذهني لدعوة العقل العربي لقراءة المعطيات جيدًا، واستخراج زوايا جديدة ومناقشة المسلمات بالعقل لا بالنقل، حينما نداعب تاريخنا العريق نشم عبق الحضارة ونتسأل أين كنا، وأين نحن؟ سؤال يحتاج الصراحة لتحديد موقعنا على خريطة العالم الحضارية .



الإسهام الفكري للدكتور محمد حسن كامل في مشروعه التنويري

لم يكتفِ المفكر الموسوعي العالمي التنويري دكتور محمد حسن كامل بالدعوة إلى التنوير في العصر الحديث بل قدم مجموعة من المقالات والمرئيات واللقاءات التلفازية والإذاعية التي امتلأت بها الساحة الفكرية على محرك البحث جوجل في كثير من المواقع ومنها اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب، ومن هذه المحاور التطبيقية التي تعد خير دليل على جدية الرجل وإيمانه العميق بمشروعه، كما تعد من بعده أدلة تشير وتعين من حاول أن يبني على ما أسسه واستكمال المشروع من حيث توقف ويكفيه أن كانت منه المبادرة على مستواها التنظيري والتطبيقي:

ـ حوار كاتب السطور معه أكثر من خمس أعوام كان يريد تركها على جدارية الزمن من بعده لكافة الآجيال القادمة، لكي تشير أن هناك من أتى للدنيا وترك وراءه مشروعا فكريا تنويريا صالحا ونافعا للأمة.

ـ حوارات كثيرة مع عدد من الأكاديميين والإذاعيين والكتاب والأدباء والإذاعيين.

ـ مجموعة من البرامج التلفازية التي أجراها بالحضور في العديد من دول العالم، ومنها مصر، ومنها ما أجراه عبر الإسكايب والكونفرانس، ومنها ما أنشأه بنفسه من برامج هامة موجودة على "قناة الكاتب والمفكر محمد حسن كامل"، ومنها وأشهرها برنامج "أبواب الجنة" الذي نشره على أجزاء، كما قدم بعض من مشواره الحياتي والفكري سواء في مصر أو في فرنسا.

ـ قدَّم الكاتب والمفكر الدكتور محمد حسن كامل عددًا من المقالات التي حاول فيها أن يمزج بين العصرانية والأصالة، وبين العلم الحديث ومعطيات القرآن الكريم بما يعني محاولته تنوير التفسير القرآني في ثوب قشيب جديد وتقريبه من مفاهيم المعاصرين، كما استخدام حساب الجمل من أجل الوصول إلى نتائج جديدة على الأذهان، عبر التأمل الهادئ والتفكر العميق، وقد لفتت الأنظار لما أورده لجديده وجديته، ومنها:

ـ تأسيس علم النسبة الذهبية في النصوص القرآنية والسنة النبوية.

ـ دكتوراه في رمضان والقرآن يحققان معجزة النسبة الذهبية.

ــ استخدام حساب المثلثات في تفسير القرآن الكريم في العالم.

ــ إثبت واقع الرقم الذهبي للقرآن الكريم.

ـ استخدام تطبيق النسبة الذهبية في القرآن الكريم.

ــ استخدام مثلث فيثاغورس في القرآن الكريم.

ـ مثلث فيثاغورس في القرآن الكريم بين ضلعي التوحيد ووتر الوحي.

أسس مدرسة العصف الذهني في اتحاد الكتاب والمثقفين العرب.

ـ خواطر نحو القرآن الكريم برؤية عصرية حديثة منها:

سر الشجرة التي أخرجت أدم من الجنة.

13 حرف تجمع أسماء أهل الجنة من الإنس والجن أجمعين.

أول فنانة تشكيلية دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فجر الدعوة.

الماء يفهم كل لغات الكائنات.

إبليس أستاذ للكيمياء.

حمار يسبق أينشتاين ود زويل في إكتشاف الفيمتوثانية.

سرعة الضوء معادلة المستحيل 4 ـ 7 = 1.

والعديد من الموضوعات العالمية التي يمكن رصدها عبر جوجل بكتابة اسم مفكرنا الراحل.

ـ يشكل الحوار مكانة متميزة وملحوظة في فكر الدكتور محمد حسن كامل في مشروعه التنويري، وهو العمود الفقري لمنهجه الفكري القائم في التواصل مع الآخر أيًا كان انتماؤه وهويته ودينه وجنسه، وذلك من خلال أسئلة العصف الذهني التي يطلقها، ولا يحتكر فيها الإجابات لنفسه ولكن يستحث فيها عقول قارئيه، وكان يرى أن الحوار منهج قرآني، ولهذا يصل إلى نتيجة مؤداها أن الحضارة الإسلامية على مدى التاريخ هي حضارة الحوار.

ـ لقد كان الوعاء الأكبر لمشروع التنوير للدكتور محمد حسن كامل هو تأسيس اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب الذي حاول فيه اختيار القامات الفكرية والأدبية والدينية والعلمية والفنية التي أثْرَت وأثرَرَت في محيطها المجتمعي والعالمي، من أجل المشاركة في نهضة فكرية عربية تدعم مشروعه التنويري من أجل تقديمه للعالم، وذلك نابع من إيمانه بالتلاقح الفكري والتنقيح الثقافي، وهو الذي استمر بعد وفاته وتسلمت رايته الكاتبة والبروفيسور نوجة إدريس وهو ما يعني استمرار شعلة التنوير، ولقد كان من أولى اهتماماتها حين أصبحت "أمين عام اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب أن أصدرت قرارها بتعيين الدكتور السيد إبراهيم أحمد رئيس قسم الأدب العرب مديرًا لمشروع التنوير العربي، وذلك من أجل متابعة خطة برنامج التنوير، ولهذا جاء إنشاء هذا الكتيب الذي سيكون نواة لمشروع التنوير العربي المستمد من فكر المفكر الموسوعي التنويري الراحل دكتور محمد حسن كامل.



خلاصة مشروع التنوير في فكر الدكتور محمد حسن كامل

تقول الكاتبة ماجدة محمد حافظ الدسوقي، سفيرة بنت الحجاز الثقافية في بلجيكا، في مقال منشور لها عبر مدونات "فرانشيفال" الفرنسية الناطقة بالعربية، بعنوان "إعادة تنوير الفكر": (جرى حوار بيني وبين معالي السفير البروفيسور الدكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين ورئيس اتحاد سفراء فوق العادة ـ باريس حول إعادة تنوير الفكر في المجتمع، وكان الحوار شيقا ومن ثم تبلورت الفكرة في ذهني لتناول هذا الموضوع:

التنوير الفكري مهمة شاقة جدا في الوقت الحالي لان أنماط التفكير في بلادنا أصابها العقم والبلادة والترهل ، ولكي يقوم المثقفون بحملة تنوير عقلانية فهم بحاجة الى قنوات إعلامية وبرامج ثقافية لمحو ما تَركز في العقل العربي منذ حوالي قرن كامل من تشويش فكري وخلط مفاهيم . المثقف التنويري واقع بين السنديان والمطرقة ، اذا هاجم الحكومة للتقصير والتقاعس في هذا المضمار فسوف يُقابل بالتنكيل وغضب السلطات الرسمية عليه وأن هاجم فكرا ضلاليا من فئة معينة فله الويل كل الويل حيث انه يوضع على القوائم السوداء ، كل هذايجعل المثقف التنويري قابعا في مكانه فلا خطوة للأمام .

ولكن السؤال المهم هو كيف سيطر هذا الفكر اللاعقلاني على الناس؟ لو فرضنا أن المثقفين المصريين نجحوا في ترميم عمليات التنوير العقلية، فكيف سينجحون في كسر هذا الكم الهائل من الظلام العقلي والفكري الوارد من جهات متعددة من خارج الحدود؟

هنا في أوروبا لا أحد يخشى سلطة الدولة ولا سلطة اي حزب كان من ناحية ما يُطرح من الأفكار . الكل يقول رأيه ولا يخشى الآخر ولكن نحن لا نقبل ولا نتقبل الرأي الآخر إذا كان معارضًا للنظام أو لسطوة جماعة دينية أو حزب ما . هذه الإشكالية أي إشكالية الخوف من قول ما يريده الشخص معدومة هنا في أوروبا ولكن في بلادنا فالخوف من مصير مظلم هو رأس الحكمة للحصول على لقمة العيش والسكينة النفسية والهدوء الاجتماعي .



في بدايات القرن الماضي كان الفكر الضال محاصرا ومحصورا في فئة قليلة جدا ولكن منذ حوالي ثلاثة عقود رسم طريقه بوضوح ووضع خططه وتمارس في أساليب تشويه الفكر الإنساني، وهكذا أصبح خطره كبيرا وهداما . منذ بداية ما يُسمى بالربيع العربي تعالت الصيحات والمطالبات بتغيير الخطاب الديني ولكن لا حياة لمن تنادي! يؤم المساجد الكثير من المصلين الذين يسمعون الأئمة والذين غالبا ما يحشون عقول الناس بتفكير نمطي ديني مشوش . والأغرب أن هؤلاء الأئمة يغلقون أفواههم في المسائل السياسة التي تحتاج لتنوير الناس .

إذن فليبدأ المثقفون التنويريون بإزالة العفن المتراكم ليحل محله نقاء الفكر التنويري العقلاني دون اللجوء لمهاجمة نصوص قرآنية أو أخري دينية، عليهم دائما التركيز على الجوانب الإيجابية .

إن الحل الأمثل للتنوير العقلي والفكري هو تضافر الجهود من المثقفين وفتح أبواب قصور الثقافة المهجورة حاليا، وإقامة الندوات على مستوى الجمهورية لمحو وإزالة الأنماط الفكرية اللاعقلانية السابقة، والتركيز على القيم والمبادئ التنويرية وعدم الخوض في السياسات، وهذا يتطلب مجموعة من هؤلاء المثقفين والاُدباء والباحثين من الذين تشربوا القيم العقلانية الفكرية والتفكير السوي) .



مقتطفات من أقوال المفكر محمد حسن كامل حول التنوير

لا أجد ضرورة لنقل المحاورة الخاصة بالتنوير من كتابي: " محاورات مع مهاجر في بلاد الجن والملائكة"، غير أن من الأهمية بمكان أن أنقل بعض من مقولاته التي أراها متممة لمشروعه التنويري، والتي يجب أن تضم في هذا الكتاب أو الكتيب الذي يتناول المشروع التنويري للكاتب الراحل، ومن هذه المقولات:

(التنوير يبدأ بفن قراءة المعطيات المطروحة في أي موضوع، ورفع تلك المعطيات والمعلومات لمنصة العقل دون تحيز أو تميز .التنوير يبدأ بقراءة معطيات العالم الخارجي من الكون كله إلى العالم الداخلي للإنسان لتكوين صورة ذهنية واضحة الخطوط والمعالم والألوان ..التنوير هو العلم القويم والسليم المُعَبر عنه بلغة سليمة لا إعوجاج فيها) .

(مشعل التنوير: مشروع حضاري إنساني، يهدف لتنوير العقول ووضعها على خريطة الفكر العالمي والإنساني، جميل أن نفتخر بأجدادنا بناة الاهرامات وصُناع الحضارة .. جميلٌ أن نداعب تاريخ العلم والفكر والثقافة والإبداع .. جميلٌ أن نقدمَ الفعل الناسخ "كان" في صيغة الماضي المبني على الفتح، ماضي مبني لا يتحرك ولا يتحلحل ..فعلُ لا يقبل الصرف حتى ولو تغير الظرف والعُرف) .

(التنوير من النور، والعلم هو النور، والكتاب هو النور، والكُتَّاب كان نور، واقرأ هي نواة النور، والقرآن اسمه ذكرٌ ونور، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي ورسول النور ..لماذا لا تدرك أبصارنا النور؟ لن تشرق شمسُ التنويرِ إلا في :سماء العلم، وأرض العمل، وبلاط العدل، ومسرح الفن، وأجنحة السلام، وقلب الحب، وجدار الإبداع، ونافذة اليراع، والإيمان بالوطن، رغم كل المحن، انتظروا شمس التنوير، افتحوا نوافذ العقل، وازرعوا الروابي والجبال والسهول والهضاب والقلوب ببذور الحكمة من روح الأثير).

(التنوير بناء حضاري قوامه :التقدم العلمي، الرقي الأخلاقي، التذوق الفني، التفوق الإقتصادي، نظام سياسي عادل، حوار عالمي يمكن ان نعبر به حواجز اللغة والعرق والدين واللون، وعي جمعي لمواجهة مخاطر تواجه كوكب الأرض كله، وعي كوني لإجادة لغة الحوار مع أسرار الكون) .

(حينما أردت أن أبسط بساط التنوير رأيت من الإنصاف أن نتحدث عن اللبنة الأولى وهي لبنة :التقدم العلمي، هذا التقدم الذي شارك في بناء هرمه الشامخ قيم بشرية ذات تأثير وأثر عبر التاريخ , هذا التقدم العلمي الذي أستقطب العقول من كل حدب وصوب , ومن كل لغة ولهجة , ومن كل دين ودولة .. بسط العلم بساطه الأحمر القرمزي لكل باحث ومفكر ومتأمل ومتدبر، الكل يشارك في بناء صرح الحضارة الإنسانية دون مرجعية دينية أو صبغة سياسية أو هوية عرقية، كانت دولتي الفرس والروم قبل الإسلام من أصحاب التقدم العلمي، ولما جاء الإسلام رفع العقل سلطاناً في بلاط العلماء).

(بدأ القرآن بكلمة "اقرأ" فعل أمر لا ميل له .. أداة لتحرير الفكر والعقل، وكأن تلك القراءة هي الباب السحري لمدينة العجائب، أقصد مدينة العلوم، واكتشاف عظمة صنع الخالق .. اقرأ منهج تجريدي، التجريد من كل معلومة، مسح شريط الانتماء الفكري السابق، والقراءة يعين واعية مبصرة، القراءة هي السياحة المجانية في دنيا المعرفة، لقد تم تسجيل تاريخ القراءة وإعمال العقل بنزول تلك الكلمة التي توقد مشعل التنوير عام 611 ميلادية، هذا هو التنوير التاريخي الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا التنوير الذي يسعى الغرب أن يحجبه بما يسمونه التنوير الغربي ولا سيما في مطلع القرن الثامن عشر، ومما لا ريب فيه أن القراءة هي جواز السفر في شرايين العلم وأوردة المعرفة).

(التنوير الإسلامي بدأ في القرن السابع الميلادي تبعاً لبعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والتنوير الغربي الذي بدأ في القرن الثامن عشر، الفرق الزمني أكثر من ألف ومائة عام بين التنوير الإسلامي والتنوير الغربي، التنوير في أوروبا كان ضد الكنيسة وسطوة الكنيسة التي كانت حائط ضد التقدم الفكري والحضاري، الكنيسة التي كانت تحارب العقل والعلم والفكر، أما اللتنوير الإسلامي فقد جاء ليحرر العقل بالعلم والقراءة والتأمل والتدبر، مازال الغرب يروج للتنوير الذي بزغ نوره من دياره , في الوقت ذاته يطمس حقيقة السبق للتنوير الإسلامي) .

(لن نستطيع أن نختصر التنوير بالتاريخ أو الجغرافيا ولكن نستطيع أن نطلق العنان لطرح السؤال عن دوافع التنوير، وماهي فلسفة التنوير؟وكيف ولدت الفكرة؟ وكيف تبلورت ثم جاءت لحيز الوجود .. الإنطلاق من إخطبوط التراث ....فتح نوافذ العقل وأبواب الحوار وهدم أوثان العصر التي تسكن العقول والقلوب والأفئدة).

( كانت كلمة "اقرأ" كلمة مجردة من كل هوى بل هي تجربة شخصية تدعو الإنسان للتفكير العقلي قبل اعتناق منهج نقلي ..الدعوة للعلم ...للتلقيح الثقافي للبشرية.. ليست الدعوة خاصة لجنس دون آخر وليست مختبرات العلم مفتوحة لفصيل ومغلقة لفصيل آخر).

(الغرب مازال يدافع عن جدار التنوير المزعوم بناءه في القرن الثامن عشر ويحاول طمس التنوير الإسلامي، نحن لسنا ضد الحركات التنويرية في الغرب ولكن ينبغي علينا أن نصحح سطورًا في التاريخ المغلوط .. مما لاشك فيه أن التلقيح الثقافي الإسلامي بعد الفتوحات الإسلامية أهدى للعالم الإسلامي جينات عبقرية لها الأثر في حقول العلم والقائمة طويلة مثل ابن سينا والقزويني والإدريسي وغيرهم، إن تراث الفكر الإنساني يمتزج العرق فيه العرق العربي وغيره ومن ثم يحقق منظومة انفراج التقدم العلمي للعرب وغيرهم).

(دعونا نطرح الأسئلة العاصفة للذهن: هل التقدم العلمي هو الخيط الوحيد للتنوير؟ وهل ترجمة أقوال أئمة عصر التنوير يستحضر روح التنوير من الملكوت الأعلى؟ هل هناك فلسفة من تلك الحركات التنويرية؟ وإذا تمكنا من تحضير روح المغفور له "التنوير" هل يمكنا أن نجد العقاقير والأدوية والأجهزة لبقاء روحه على قيد الحياة؟).

ويجيب رحمة الله على السؤال الأخير الذي طرحه:

(الإجابة لن تنبع إلا من رحم الوعي الجمعي للأمة، مدى رغبة الأمة الملحة لإستقطاب روح التنوير من مقابر التاريخ .ومن ثم ينبغي علينا أن نهتم بالوعي الفردي الذي يُشعر الفرد بقيمته وأهميته في الحياة، وأيضاً تدشين مشروع التنوير في سماء الوعي الجمعي للأمة أي يصبح مشروع التنوير مشروع وطن واجب الضرورة، على الأجهزة المعنية رعاية الفكرة ومحاربة كل من يتصدى لها، التنوير مشروع قومي يخص الأمن القومي للأمة، التنوير هو مقياس ريختر الذي يقيس درجة العلم والتقدم والحضارة بين الأمم).

(مما لاشك فيه أن للتقدم العلمي السبق في إضاءة واحة التنوير ولاسيما وإن كان التقدم العلمي يقترب من المعرفة بالله وفك خيوط العلم المتشابكة، ولكن العلم وحده لا يكفي لأن التقدم العلمي يخدم معسكري الخير والشر، ومن ثم كان الرقي الأخلاقي هو الجناح الثاني الذي يحفظ توازن طائر التنوير ليحل ضيفاً على العالم حينما تتوفر البيئة الصالحة لاستقباله، ومن هنا ندرك قيمة إرسال الرسل والأنبياء والمصلحين لإصلاح ما فُسِد في دنيا الأخلاق) .

(هل ترجمة أقوال أئمة عصر التنوير يستحضر روح التنوير من الملكوت الأعلى؟ بالطبع الترجمة عامل مساعد وليست هي الاساس في فهم لغز التنوير في معامل الكيمياء قد نستخدم الاكسجين مثلا في بعض عمليات الاكسدة ثم نتخلص منه مرة أخرى، الترجمة حالة وصورة صامتة تعكس حركة نشوء عناصر التنوير في تراكيب فكرية مختلفة تلك الترجمة تجعلنا أن ندرك حدوث الحدث ولكن لابد أن نفهم فلسفة ميلاد الحدث نفس).

(التنوير حركة عالمية دعا إليها الإسلام العالم كله، لم يكن التنوير الإسلامي محلي المكان أو الزمان ولكن كلمة اقرأ تبرهن على عالمية التنوير دون أي مناقشة .التنوير الإسلامي دعوة للقراءة وإعمال العقل ولكننا لم نعِ هذا المفهوم، وقف العقل العربي وتراجع بعد أن أحرز نهضة علمية أضاءت العالم كله في الوقت الذي كانت أوروبا تغط في سُبات عميق وظلامية من الجهل، لقد نقلت أوروبا علوم العرب واستمرت في التعديل والتطوير في الوقت الذي أُصيب العالم العربي بانسداد في الشريان التاجي للتنوير. حدث انقطاع في أوردة الفكر، هذا الانقطاع الفكري والتاريخي أدى إلى ضمور أوردة الإبداع والابتكار).

(نعم، نحن أصحاب قاطرة التنوير ولكن إلى أين نحن نسير؟ قاطرة التنوير مازالت تطلق صفارتها وتخلف من وراءها دخانها لتنطلق من عصر إلى عصر ومن فكر إلى فكر، أما نحن مازلنا نبكي على دخان قاطرة التنوير التي انطلقت من بلادنا يوماً ما .. لقد فسر المسلمون القرآن تفسيراً محلياً من زوايا ضيقة، الدين الإسلامي يحث على العلم والبحث والفكر والتأمل والإبداع واليراع، العلم والقرآن توأمان وخطان متوازيان لكلا منهما ظلٌ على الآخر، لابد من إعادة تنقية التراث الديني من كل شوائب لا تتفق مع القرآن والعقل والمنطق، لابد من الوقوف مع النفس لإعادة صياغة الهوية الفكرية التي تتنفس من شهيق القرآن وزفير العلم .. العيب في المسلمين لا في الإسلام).

وأخيرا قال رحمة الله عليه في حزمٍ ويقين:

(التنوير إضاءة للعقل وتقويم للسلوك، حينما نترك للعقل حريته للتفكير، وحينما نسلك السلوك الإسلامي القويم نكون على درب التنوير).



قراءة في مشروع الدكتور محمد حسن كامل للتنوير

خاطبته أثناء حواري معه: المفكر والموسوعي التنويري الكبير الدكتور محمد حسن كامل إن شئت أن أضيف إلى ما حباك الله به من ألقاب؛ فألقبك ممثل التنوير الإسلامي في العالم الغربي في الوقت الراهن، وأن عقلانيتك الإسلامية الهادئة المتوازنة بين معرفتك بالغرب، وتفهمك لمقاصد دينك، تؤهلك تمام التأهيل لتناول تلك المحاور وعرضها في إطارها الذي تدفع به عن الإسلام ما حاول الغرب المتطرف من استشراق وغيره أن يلصقه به، وأن تأخذنا إلى المناطق التي تخفى علينا من محاسن الغرب، وأن تجهر بما جهر به قبلك الإمام محمد عبده، حين قال: (إن الإسلام أطلق سلطان العقل من كل ما كان قَيَّده، وخلَّصه من كل تقليد كان استعبده، وردّه إلى مملكته يقضى فيها بحكمه وحكمته، مع الخضوع مع ذلك للَّه وحده، والوقوف عند شريعته، ولا حدَّ للعمل في منطقة حدودها، ولا نهاية للنظر يمتدّ تحت بنودها).

وإني سيدي لفي شوق إلى تلك السياحة الفكرية الشيقة العميقة في أجواء التنوير كما يطرحه مفكرنا الكبير، وإني لموقن بأن دومًا تحت إهابك الجديد، والمفيد، والمبهر من الرؤى والأفكار، والزوايا التي تغيب علينا، وتفطن إليها بحكمتك.. حامل مشعل التنوير الحقيقي للغرب والشرق بورك في تقييمكم، وتوصيفكم، وتعديلكم للمسار الجائر، في تناول المسائل، والنظر إلى قضية التنوير بزوايا غير مطروقة، وأدلة غير مسبوقة.

ولعل من سيطالع ما تقدم بيانه حول التنوير في فكر المفكر الموسوعي التنويري محمد حسن كامل سيجد أن تنويره يدخل ضمن دائرة "التنويريون الجدد" الذين تابعوا رواد النهضة الأوائل مثل رفاعة الطهطاوي والإمام محمد عبده وأديب إسحق وأحمد فارس الشدياق والدكتور عثمان أمين؛ فصنعوا صنيعهم وساروا على هدي مسيرتهم حيث لم ينقلوا كتابات فلاسفة التنوير الغربي من أجل الترويج لثقافة الآخر، بل أعادوا بناء التنوير لصالح التنوير العربي والإسلام، وبرهنوا عليه ببراهين مؤكدة من ثقافتهم وتراثهم العربي الإسلامي.

ذلك أن الدكتور كامل كان قد قرأ تجربة بعض رواد التنوير الذين أخفقوا حين داروا في فلك "النموذج الغربي" الذي يجعل العقل وحده المرجعية النهائية، ومصدر القيم، ومركز الكون، مع أن هذا النموذج الغربي يستبعد الدين ويقصره على مجرد علاقة شخصية بين الإنسان وربه، ولا يجعل له علاقة بمنظومات الإنسان المعرفية والأخلاقية والاجتماعية كما رصد الدكتور عبد الوهاب المسيري ذلك في كتابه "فكر حركة الاستنارة"، وحين نقلوا كل ما كتب فلاسفة التنوير الغربي دون العودة أو إعادة بناء التراث العرب القديم، وهو ما رصده الدكتور جلال أمين في كتابه "التنوير الزائف" من محاكاة التنويرين العرب للتنوير الغربي وتبنيَهم شعاراته، وتمترسوا خلف مقولاتهم حتى اتخذوا موقفا معاديا أو ، على الأقل ، سلبياً من الدين، بلغ حد الاستهانة به كما تناولوا المقدسات الدينية بغير كثير من الاحترام.

لذا جاء رد الفعل على هذا "التنوير" العربي المتغرب برفضه تماما ليس من قبل التيارات الدينية الأصولية فحسب بل من التيارات الإسلامية من غيرها بل من عموم الأمة، ومن هنا كان الاتجاه المعادي للتنوير الغربي المستعلي بالعودة إلى التراث القديم والعمل على إحيائه دون مسه أي النهل منه بلا نقد أو قيد أو شرط ناهيك عن تنويره.

فقد قر في أذهانهم أن مواصفات المسلم "التنويري كما يقول عبد العزيز كحيل تحت نفس العنوان في مقاله المنشور بشبكة الألوكة: ("هو إنسان يحمل اسمًا من الثقافة الإسلامية؛ مثل: محمد وعبدالرحمن وجمال، يتكلّم كثيرًا عن الإسلام ويكتب فيه ويجادل، سِمتُه الأولى أنه مجتهد في الدين بل ومجدّد له، يفهم دقائق القرآن أكثر من جميع المفسرين؛ لأنهم مجرد حمَلة لثقافة التَّكرار والترديد بلا نقد ولا إضافة ولا فَهم دقيق، حجَبَهم التشبّث بالنصوص عن إبصار حقائق الكتاب ومقاصده التي ليست في النهاية سوى الثقافة "الإنسانية" التي يقوم عليها الغرب منذ عصر النهضة، أما السُّنة، فهو لا يعبأ بها، بل يطّرحها بالكلية؛ لأنها ليس فيها شيء كثير ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم (التنويري لا يستعمل هذا التعبير؛ بل يقول: محمد).

لقد جاء مشروع التنوير العربي في فكر الدكتور محمد حسن كامل يحمل الطابع الإنساني، ويقوم على الإسلام بركيزتيه من القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولا يرفض النقل أبدا بل ينادي بتوأمة النقل مع العقل، وهو عين ما قامت عليه فلسفة ابن رشد من التوفيق بين الشريعة والحكمة بالأدلة والبراهين المنطقية والعقلية بغير إجحاف بالدين أو مغالاة في العقل؛ فالدين وهو الإسلام دين لايحارب التفكير ويحض عليه، والتاريخ يقول أن أساس الانقسامات في الدين هو التأويل الخاطئ بين المؤمنين به، والفلسفة التي يمكن أن تقدم الحل في جمع هذه الآراء على صحة النص الديني من خلال فكريته المحورية في عدم اختلاف العقل مع الدين أو تضاد الحق بين ما هو منقول وما هو معقول ذلك أن الحق لا يضاد نفسه.

كما أن مشروع الدكتور محمد حسن كامل التنويري مشروع جمعي، وقد كان يقول عنه أحيانا (مشروعنا) ليس على سبيل الـ "نا" الدالة على التعظيم بل الدالة على ضمير الجمع، ولهذا أسس اتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب من أجل حشد كافة العقول والطاقات والقامات من الأجيال الكبيرة والصغيرة لتقوم بمثل هذه المهمة في حياته مثلما بدأها في حياتها، ولو لم يتمها فقد نجح في تمكين الذين سيتناولون المشعل من بعده في أماكن كثيرة في العالمين العربي والغربي.

إن المطالع لكتابات الدكتور محمد حسن كامل سيجد التنوير يشع من جنباتها؛ فلم تكن مقصورة على الجانب الديني بل على الجوانب الدنيوية المتصلة بكثير من المعارف والعلوم، وقد كان أكثر ما تتميز به كتاباته الدينية أن للعلم ونظرياته وفرضياته له مكان كبير فيها، كما أن مشاركاته في دنيا الناس المتصلة بالقضايا الحياتية الجارية، والموضوعات السياسية المحتدمة له فيها رأي ومقال، وهو ما يعني أن التنوع مسموح به ومقصود في جغرافية مشروع التنوير العربي الذي أطلقه دكتور كامل.

كما أن التنوع العمري في المشروع له أيضا مكانه، والتنوع من حيث المشارب كذلك والتناول، والرجل لم يكن ديكتاتورا على الإطلاق تجاه ما يثار من قضايا ولو اختلف معها فيترك لها مساحتها من النشر على صفحات الاتحاد، ويترك الأمر بين الأعضاء في التعليق عليها بالاستحسان أو الاستهجان، ولا يتدخل إلا في فض الاشتباك حتى تأخذ الأمور مسارها من جديد.

فصل الخطاب في نهاية الكتاب

أنهي هذا الكتاب حول مشروع التنوير العربي للدكتور محمد حسن كامل بكلماته التي تبين هدفه من إطلاقه:

(الهدف هو أعلى قمة في هرم الحياة، ليس بعد القمة قمة، القمة هي رضا الله تبارك وتعالى تلك القمة تتجلى في نظري بالسجود تحت عرش الرحمن حبّاً لله في الآخرة..

أما هدف الدنيا؛ فنشر العلم والفكر والثقافة والإبداع وأناقة الفنون من خلال المشروع الذي أحمل لواءه، وهو مشروع: "التنوير العربي" ويتلخص في: إعادة صياغة العقل العربي بين الأصالة والمعاصرة، وتصحيح الخلل في منظومة التفكير في الداخل، وتصحيح الصورة الذهنية عن المواطن العربي في الخارج، مشروع التنوير العربي هو الصدقة الجارية التي أود أن أحيا بها حتى بعد رحيلي).



(مشروع التنوير العربي هو الصدقة الجارية التي أود أن أحيا بها حتى بعد رحيلي)



الخاتمة والمقترحات:

في نهاية هذا الجهد الذي أجدني شغوفا بالقيام به لأمرين:

أولهما:

وفاءً لأخي وابن جيلي والذي لا يفصلني عنه في الميلاد سوى عامين، مما أوجد بيننا ألفة وحميمية طوال أعوام من الحوارات والمحادثات والتعليقات والنشر واللقاءات؛ فكان لزاما عليَّ أن أقدِّم فكره التنويري كما عاينته منه حول مشروعه للأمتين العربية والإسلامية عبر اتحادنا الأغر.

ثانيهما:

بناءً على التكليف الصادر من أمين عام اتحادنا البروفيسور نوجة إدريس، وهأنذا قد أنجزتُ ما كلفتني به، وسأرفعه إلى سيادتها لترى فيه رأيها.

وأقترح على سيادتها الآتي:

ـ تخصيص مكان منفصل بالاتحاد لمشروع التنوير.

ـ أن يشارك كافة أعضاء الاتحاد بالكتابة فيه طبقا لرؤية مفكرنا الراحل حول التنوير، أي التنوير الذي لا يعادي الدين أو يهون منه، أو يهاجم ثوابت الأمة ومقدساتها.

ـ نشر ما يتصل بالتنوير العربي من مقالات ودراسات وكتب ولو بالنقل أو بالإعداد أو بالإيجاز.

ـ فتح باب المقترحات حول نشر الفكر التنويري للدكتور محمد حسن كامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح