الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقاد البؤرة في مجموعة (لاجنة خارج النافذه) للشاعر سهيل نجم

أحمد السعد

2021 / 1 / 24
الادب والفن


في التأليف الموسيقي ، تتكون السيمفونية عادة من اربعة حركات : الحركة الأولى : الأفتتاحية overture او ( السوناتا) وتكون عادة قوية وذات حركة سريعه Allegro والثانية بطيئة وتسمى ِAdagio أما الحركة الثالثة وهي قلب العمل الموسيقي والتي تدعى Scherzo والتي يحشد فيها المؤلف كل امكانيات آلات الأوركسترا ويختم بالحركة الرابعة التي تكون ايضا بطيئة وشاعرية او راقصة احيانا وتسمى Rondo . سيمفونية سهيل نجم الشعرية تكونت من ثلاث حركات جاءت حركته الأولى ضاجة تندفع في افقك وتشق طريقها الى وعيك وقلبك فتخترق حواجز صمتك وتدخلك في لجة اصطراع الأشياء والحيوات ويختلط المعقول بالهيولى في تدفق اخاذ :
"أنا العشبة الأخيره
وأنا اللهب اللاهث الى الفردوس
أنا بلاد يتفجر ابناؤها ويقومون
كالمطر،
أنا الأرض الأولى
ولم اتكئ الا على دمي "
هذا الدخول القوي الى عمق المجموعة وهي في حركتها الأولى تتماهى الفكرة مع تصاعد الموسيقى حيث تتجلى القصدية في تشظي الصور وتلاحقها ويشتغل المدرك الحسي مع انعكاس الزمان والمكان في الوعي ليخدم توجه القصيدة وبلوغها عقل المتلقي .
الشاعر وزع قصائد مجموعته على حركات موسيقية ثلاث ويبدو انه لم يلتزم بالتوزيع الموسيقى للحركات في السيمفونية الموسيقية التي غالبا ما تلتزم اربع حركات وكان توزيع قصائده على الحركات الثلاث قصديا فوضع قصائد : الأرض الأولى وغربة ونهاية الحكاية وجدب وشارع في بريهه ورقية الغياب وسبع محاولات ومن اوراق دفتر الغياب ضمن الحركة الأولى وهي في التأليف الموسيقي كما قدمت الأفتتاحية وهي الحركة السريعه Allegro التي تتميز بدخول قوي وسريع ولكن القصائد التي ضمنها الحركة الأولى لم تكن جميعها بذات الحركة والأندفاع الذي تقتضيه الأفتتاحية فنلاحظ :
" غربة في المنزل ، في غرفة المعيشة
وأمام التلفاز ...الخ "
" الرسائل المرمية في الركن
مشحونة بجمر الماضي ،
من بينها يسيل خيط من الدمع،
وقبلة ضائعة لمن احب "
" المدينة صاخبة ألاه،
الأشباح النائمة بين جدرانه
منذ امد سحيق ،
كانت تنشر رائحة صمت
لاقرار له "
في هذه القصائد ، لانعثر على الدخول القوي المفترض بالحركة الأولى من السيمفونية Allegro حيث ان القصائد التي تضمنتها الحركة الآولى تميل الى السكونية ، وهي محض استعراض لحالة ذهنية وعقلية ونفسية في مواجهة وضع غير طبيعي وغير اعتيادي ، فهي تصورات وأسقاطات لتجارب مر بها الشاعر ومشاهدات او معايشات أجترحها وهو ينقب عن سر يكمن في عمق السكون الذي يلف الشارع الذي ينفرد بصمت اشبه بالصمت الجنائزي وسط صخب المدينة وهو في القصيدة الأولى يستعرض تاريخ بلد خرج من عمق المأساة نازفا ولكنه لم يتكأ الا على دمه في اشارة الى ما مر به الوطن من محن وحروب لم يقف معه فيها احد وتخلى عنه الجميع وعاش أبناؤه أسوأ الأزمنه بين حصار وجوع وتشرد وقهر وقمع ولكن الوطن الجريح الخارج للتو من حرب منهكة لم يجد غير جرحه ليتكأ عليه . هذه مجموعة من الصور الماساوية يتناولها الشاعر بسوداوية واضحة في تعميق لفداحة المأساة وعمق الألم وفي غربة الشاعر الطبيعية حين يغيب الأمل ويصبح كل شيء غريبا ويستحيل المألوف مملا ومكررا والحياة تسير ببطئها المقرف فيبحث الشاعر عن الجديد فلا يبجده ويفتش عما يعيد اليه الأمل بالحياة ، عن نقطة ضوء ، عن ومضة فرح فلا يجد عندئذ يتحول الأحساس بالأشياء من حوله الى قرف وأشمئزاز فهو غريب عنها وهي غريبة عنه ، حتى اثاث عالمه المفروض عليه يصبح غريبا وغير اعتيادي وممل ولاجديد فيه . الشارع خال ومقفر كالحياة . الصورة هنا متحركة وضاجة تتقاطع الصور وتتركب فتخرج منها حالة لأنعكاس الجدب والخواء على الشاعر :
"خذ حلمك المجفف
وأدخره لأيامك القادمة "
في قصيدة (سبع محاولات في رسم مشهد السيد الرئيس ) ، يعرض الشاعر لمرحلة تاريخية من تاريخ العراق ، حين كان الدكتاتور يتصور انه هو محور الكون وكل شيء يجري بأمره وهنا يستحضر الشاعر روح (الجنرال) في رواية ماركيز (خريف البطريرك ) . فالرئيس في القاعة وحيدا وفي يده كأسا حمراء وخلف النافذة جثث متناثرة وأشجار مجندلة وطلاب تتجول مسعورة – تلخيص لالة الدكتاتورية الفردية التي فرضت على العراق منذ 1978 حتى سقوط الدكتاتور على يد الأميركان الغزاة في 2003 . صورة ناطقة :
"منتفخ مثل تفاحة فاسدة
تخرج من ثقوبه
أفاع سود وأسرار زائفه "
الأنزياحات التي يعمد اليها الشاعر بنوعيها التركيبي والدلالي وتشكيله للصور الشعريه وأستخدامه المتفنن للمفردات تحريك مدلولاتها ومواضعها يمنح القصائد قوة ومتانة وعمقا بل وغموضا احيانا فنحتاج الى سبر اغوارها بالبحث والتقصي والمراجعة وأستحضار المشاهد والعودة بالتاريخ وتحليل الوقائع لنحصل على الصورة بجميع تفاصيلها ودقائقها :
" كي تشمي اصطيادي ،
وضعتني في علبة المنفى
مخبئا في الملفات السرية للزمان .
حريتي مع الحروف الأسيرة ،
للمصادفة
ولساني تكبله العادات ، والخوف من الزلل .
هل علمت بأن الكمان ،
كان يحفر في الهواء
ضحكات الألوان
حتى تبعثر بياضك
على لمعة الماء
وصرت موجة تتكسر
كل حين ؟"
فهذا الغنى والتدفق للصور والمشاعر تنزاح فيه الكلمات عن مواضعها وتتلبس دلالات اراد لها الشاعر ان تحل في عقل القارئ وقلبه ووعيه لتأخذ مساراتها الخاصة مهيأة الذهن للأنسياب خلف وجهة القصيدة وبوصلتها فيتحقق المعنى والهدف من امتزاج الصور والدلالات في تشكيل فريد مشهود لسهيل نجم في القدرة الفريدة على نقل الوقع الدرامي الى سمت التاثير وقوته .
عندما استقى بيتهوفن روح نشيد الفرح Ode To Joy للشاعر الألماني شيللر في تأليفه لسيمفونيته التاسعة ، وضع لمساته في الـScherzo وأعاد تموضعها في قلب الحركة الثالثة لترتفع الدلالة الى سمتها :
" من يُـقِـمْ في الحلقة الكبيرة،
فليُعـلنْ انتماءه إلى العاطفة!
التي تقوده إلى النجوم
حيث المجهولُ على عرشه.
الكائنات كلّها تنهل الفرحة
من أثداء الطبيعة،
كلّ الأخيار وكلّ السيِّئين،
يقـتـفـون أثرَ ورودها.
أعطتنا قُـبَلاً وأعطتنا نبيذاً،
صديقاً مُختَبراً في الموت،
سعادةً أعطِـيَـتِ الدودةُ،
والمَلَـكُ يقف أمام الإلـه "
حركة سهيل نجم الثالثه جاءت بسبع قصائد كانت آخرها قصيدة ( لجنة خارج النافذه ) والتي حملت المجموعة عنوانها وكانت ىختام المجموعة بأكملها ولعل سهيل اراد بذلك ان يلفت انتباهنا الى تلك القصيدة بالذات وما تحمل من دلالات . ففي الحركة الموسيقية الثالثه تتهيأ الآذان للأستماع حيث تدخل الأوركسترا بقوة فتفرض سطوتها على الجمهور وتؤسس ناموسها الخاص فتفتح المغاليق ممهدة لأنفتاح على عالم من الخيال والجمال والتسامي فوسط صمت القاعة المطبق يتحرك صوت الموسيقى مالئا كل زوايا القاعة وينهمك العازفون وتئن الآلات مستجيبة لنداء المايسترو وحركاته فتضج الموسيقى وتتعالى فندخل الى المشهد بصمت طقوسي خالص : النافذة موصدة وقاتمه ، وفي الخارج ثمة اصوات :
" ثمة انفعال راح ينتشر على الورقة
وثمة رصاصات ضايقها الزحام والصدأ
حين يأتون
او يهبطون
سأطلق لهم
أم اطلق روحي ؟
الحروف شظايا زجاج جارحة
ليتني ادركت من قبل
ان الأعداء ليسوا وهما
كانت المسافة تضيق حين امست القصيدة تشرب حبرها
من ماء يديه
جنتي هنا لا خارج النافذه
خمول عذب راح يسيل على الأشياء "
بهذه السردية ينقلنا الشاعر الى عوالم رواية (وقائع موت معلن ) لماركيز ، الأعداء خلف النافذه والمشاهد ترتبك والصور تتداخل ونحن مشدودون الى المشهد يتلاعب بنا الخيال والترقب والتساؤل فالفعل الدرامي التصعيدي الذي خلقته ( ثمة انفعال راح ينتشر على الورقة ) الى ( خمول عذب راح يسيل على الأشياء ) في انتقالة سريعة ومفاجئة تنهي المشهد وتضعنا اما تساؤلات كثيره فيتركنا الشاعر نواجه تساؤلاتنا لينقلنا – دون ان نشعر- لنشاركه في تساؤلاته :
" أي هواجس كانت تترعرع
تحت عباءة المحتمل ؟
لماذا تخذل الكلمات شروط لذاتها ؟
ولماذا تكون الكلمات وحدها الرهان ؟
ولماذا يكون التقاطع
حكرا على الشوارع المجنونة ؟
بهذه التساؤلات ، ينقلنا سهيل نجم من احتدام المشهد ودراميته الى سكونية التساؤل المرير ويتركنا نبحث عن الأجوبة في نفوسنا ووعينا وضمائرنا وتجاربنا .
أن تجربة سهيل نجم في مجموعته (لا جنة خارج النافذه ) لهي من التجارب الشعرية الناضجة والمختزنة للكثير الكثير من الدلالات وتشي بموهبة شعرية غامرة وعميقة ورصينه وقدرة خلاقة في التوغل الى اعماق اللغة وأستحداث معجم بلاغي وصوري غني وناضج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??