الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرملة في بازار … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 27
الادب والفن


تعود أسماء الى اهلها وحيدةً الا من لقبها الجديد .. أرملة المرحوم سعد بعد أن دهس الموت زوجها في حادث سير مروع ، ولم تمضي على زواجهم الا بضعة أشهر ، لم تذق فيها طعم الامومة ، وكانوا فيها زوجين سعيدين لا ينقصهما شئ ، وفي عمر لحظة تهاوى كل شئ ، فاصبح زوجها أسيراً في قبضة القبر ، تاركا صمتا ثقيلا يغلّف حياتها ، وبموته مات جزء جسيم منها .. لا يعوض !
تُعيد الحياة دورتها الاعتيادية من جديد ، لكن ليس كما كانت قبل الترمل ، تباشر أسماء عملها بقلب كسير ، وروح منهزمة .. تحاول ان تستعيد حياتها من جديد ، لكن هيهات ، فشبح الفاجعة التي اودت بحياة زوجها لا تزال عصية على النسيان ، يراود الدمع اجفانها ، كلما جرفها تيار خواطرها بعيداً .. الى تفاصيل حياتهم ، وكم كانت حلوة ، ومليئة بالذكريات الجميلة التي لا تُنسى !
واليوم وبعد تراكم الايام والشهور وحتى السنين .. لابد للحياة ان تعود ، ولابد لها ان تستمر .. بها او بدونها ، فعادت ابتسامتها العذبة تشرق على وجهها الجميل ، وبدت اكثر قبولا للحياة ، واكثر استعداداً لبداية جديدة ، فليس هناك ما يمنع ، فهي لا تزال في ريعان الشباب ، ولاتزال محتفظةً بجمال صافٍ لم يعكره مرور الزمن ، وغير مقيدة باطفال .. ولكن كيف لها أن تعرض نفسها ومواصفاتها وكأنها سلعة في بازار ؟
تقدم لها رجال لا تتوفر فيهم الشروط التي وضعتها في زوج المستقبل ، ترى منهم نصف الحقيقة ، ونصف الكذب … فكان الرفض هو الجواب ، فمرارة خسارة الزوج لا تزال عالقة في أطراف فمها ، ولا تريد تكرارها في تجربة فاشلة هذه المرة .. يلاقي رفضها هذا معارضة شديدة من اهلها الذين لا يكفون عن تذكيرها بان تضع عامل الزمن الخطير في حسابها ، وانهم ليسوا دائمين لها ، والزواج في مجتمعاتنا لا يأتي بكبسة زر ، أو بلمحة سحرية ، وحسب الطلب ، ومنطق الاختيار فيه من الطرفين يبدو مختلفاً ، واحياناً غريباً ، ولا يخضع لمقاييس معقولة !
مرت الأيام في ضجر ، وقد شارفت على الاربعين ، آه ما أقسى مرارة الوحدة ، وما اكثر الشوق الطبيعي لرجل ، وزوج يحميها ، ويشاركها أعباء الحياة ! كم اشتاقت للحب وللمساته ، وسحر تلك الرغبة الخفية التي تدب في كل خلية من خلايا الجسد … ! وفي الاعلى .. النجوم باردة شحيحة الضوء ، تكاد أن تنطفئ .. تُزيد من احساسها بالوحدة .. لم يبقى من خيار امامها الا ان تكون زوجة ثانية او بديلة عن أخرى رحلت او انفصلت عن زوجها !
تقدم لها تاجر أرمل ليس له الا بنتين متزوجات وتعيشان في بلد آخر ، في عقده الخامس ، ممتلئ الوجه ، مشدوده .. قليل التجاعيد .. تحاصر وجهه لحية كثة ، شعر خفيف يخالطه الشيب ، فيه مواصفات الزوج المطلوبة لارملة ، وافقت على طلبه للرؤية الشرعية ، يتفحصها بعيني تاجر خبير ، وعيناه تتسكعان في ملامح وجهها دون وجل ، وكأنه يقلب سلعة يروم شرائها .. يبدو انه كان يجيد اختيار صفقاته ، راقت له كثيراً بجمالها الطبيعي ، وبابتسامتها الآسرة ، وقوة شخصيتها ، وتم القبول المبدئي من الطرفين ، لكن شرطا حال دون الموافقة النهائية ، فهو يريدها ان تتنقب ، وان تترك وظيفتها فهو ليس بحاجة الى أموالها ، فلديه الكثير .. كان محدداً ، وكلماته مباشرة ، وكأنها مشدودة على لسانه يصعب فصلها ، وتغيير قناعاته الراسخة ، مضى يفسر قوله متبسطا في الشرح لعله يليّن من موقفها الذي فضحته تعابير وجهها ، استمعت اليه دون ان تناقشه .. لكنها قد اتخذت قرارها ، ولم تعد هناك اهمية للكلمات ، كانا من عالمين مختلفين ، تيقنت انه بحاجة الى جارية ، وليس الى زوجة ! رفضت شروطه ، ورفض هو التنازل عنها ، شرب قهوته حتى آخر رشفة ، انسحب وهو يتمتم في غيظ ، معلقاً على وجهه ابتسامة باردة غير مفهومة … !
اختنقت الفرحة في قلبها ، وشعرت بالهزيمة ، راودها احساس غامر بالقهر عندما وجدت نفسها فجأةً محاصرة بقيم ثابتة لا تريد أن تتزحزح ، وتسائلت في صوت خافت : هل يمكن لنا .. أن نُخرج الحاضر يوماً من أسر الماضي دون عودة ؟ ثم .. بكت قدرها الذي غدر بها في منتصف الطريق بلا مبالاة .. آه يا ربي ! منذ متى وانا لم ابكي بهذه الحرقة ، وهذا الفيض من الدموع ؟! كم كانت بحاجة الى صدر دافيء تبكي عليه ! ما يؤلم .. أن الظفر بشئ من احلامها الصغيرة .. في زوج وبيت وأسرة ، بات شبه مستحيل ، فأي عقاب قاسٍ هذا الذي توقعه عليها الأيام ؟ لا لذنب اقترفت ، ولا لجريمة ارتكبت … آمال ضاعت ، واحلام اختنقت ، ورغبات في النزع الاخير تُسحق ، وتتهدم أمام عينيها كأنها خيوط عنكبوت ! تجتاحها مخاوف باردة ، وهي تشعر بأن سعيها كل هذه السنين قد خاب فعلاً … !
كم كانت تتمنى ان يكون عندها ولد او بنت لعلهما يكونان لها زاداً ايام الوحدة الباردة التي تعاني منها منذ فقدانها لزوجها ، هل مقدر عليها ان تفقد الاثنين .. الزوج والامومة ؟! لو سارت الامور معها بطريقة طبيعية لتزوجت ، وانجبت اولاداً وبنات !
تحركت بها الايام تنقلها من حال الى حال ، فكانت اولى الإضافات الاصطناعية على شكلها الجميل الذي بدء يترنح تحت ضربات الأيام والسنين .. عندما أخذت تصبغ الشعيرات البيضاء التي أخذت تنبت فجأةً ، ثم تتناسل وتتكاثر ! توقفت أحلامها عن الجريان كما كانت ، وفقد كل شئ رنينه وبريقه ، بعد أن تداخل كل شئ مع بعضه ، وتلاشى الخط الفاصل بين الحلم واليقظة ، بين الحقيقة والخيال !
كانت قبل أن يجف عودها تسير بخطى خفيفة لا تكاد تلامس الارض برشاقتها ، ولا يكاد يُسمع لها صوت ، واليوم زاد وزنها ، وثقلت خطواتها وتباطأت حركتها ، وشارف حسنها الوداع .. تبدو وكأنها قد انهزمت امام العمر ، واستسلمت للواقع ، وخضعت لجبروته وطغيانه .. تجاوزت الاربعين بمشوار ، ولا تدري اين تبددت كل تلك السنين ، وتلك الليالي التي نامتها بلا أحلام .. !
تبتعد الشمس رويداً ، ولا يبقى من اشعتها الا حزماً قليلة واهنة ! إيه يا دنيا ! ما هذا الألم فوق الاحتمال ! والان لا تزال واقفة في محطة الحياة ، لم تتخلى عن حلمها الاخير .. بأن يمر بها قطار العمر يوماً ، ويقلها الى عش الزوجية مع رجل تستحقه ، ويستحقها !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا