الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديخ مقراطية عراقية من فرن العم سام !

وليد سلام جميل
كاتب

(Waleed Salam Jameel)

2021 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


في سنة 2006 ، بعد سقوط نظام الحكم في العراق بثلاث سنوات ، كنتُ حينها في الصف السادس الإبتدائي ، في مدرسة الغفران الإبتدائية للبنين في قضاء الحر التابع لمدينة كربلاء . كان معلم اللغة العربية في مدرستنا ، معلماً عاشقاً لدرسه ، حتى أنّه يعنّف التلاميذ بصوته المرعب أو ضربهم بكفّ يده العريضة ، مقارنة بوجوه الطلاب الصغيرة ، في حال أصابوا اللغة العربية بنزف جديد ، نتيجة تغربنا عن اللغة !. أحببتُ هذا المعلم كثيراً ، وما زلتُ أحبُّه وألتقي به ، فهو مَن غرس حبّ اللغة العربية في قلبي . هذا المعلم ، الأستاذ طالب ، طيب الذكر ، كان يردد على مسامعنا كلمة لم نكن نفهم معناها في وقتها ، كنّا نتصوّر أنّه يستخدمها من باب المزاح أو ( التحشيش ) باللسان الشّعبيّ !.
في بداية الأمر ، الكثير من العراقيين الطيبين ، كانوا يزغردون ويحيّون القوات الأمريكية ، التي أزاحت كابوس الحاكم ( الخالد ) على كرسيه ، في الشّوارع والسّاحات ، بابتسامة يملؤها التفاؤل والأمل . لقد جاء الخير في جيوب قوى المعارضة ، القوى التي تركب في الدّبابات الغازية ، التي تجتاح بغداد والبصرة وعموم محافظات العراق . ألقوا علينا كلمة الشفاء أو جرعة السّمّ الكاذبة ، صاحوا ، ( الديمقراطية ) معنا ، ستكونون شعباً حرّاً متحضراً ، ستبنون البيوت الفارهة ، ستملّون من نور الكهرباء ، ستفيضون بمياه الخير ، ستشرق الشمس من دون غياب ، سيحكمكم المخلصون ، الذين باعوا دنياهم من أجل أن يجلبوا لكم السعادة ، سيتلقى أبناؤكم أفضل تعليم في أحدث المدارس ... يا لها من أماني كبيرة ، كانت مجموعة كلّها في مفردة جديدة ساحرة ، مفردة ( الديمقراطية ) ، التي لم نسمع بها من قبل ورددناها بسذاجة ، لأنها غريبة غربية ، وهي خير ما جاء به الأنبياء !.
أكادُ أجزم ، أن العراقيين ، الذين رددوا هذه المفردة ، لم يكونوا يفهمون ما تعني أصلاً ، ونحن الصغار ، بالتأكيد ، لم نكن نفهمها أيضا . كان الإستاذ طالب ، الذي تحدثتُ عنه في البداية ، يكرر في درسه كلمة ( الديخ مقراطية ) ، ويضرب يداً بيد متحسراً ، عارفاً بالخدعة الكبيرة ... كم تحملُ من السحر هذه الكلمة ! ، يا لجمالها ! ، الآن يمكنكم تكرار الكلمات السّحرية السّهلة ، ( حرية .. ديمقراطية .. ) ، وسترون كم هي جميلة أخّاذة للعقول !. سترون ، بعد أن تغمضوا أعينكم للحيظات ، حمامات السّلام ، تحوم فوق رؤوسكم ، والشّعب يعيش البهجة في كلّ ربوع بلاد ما بين النّهرين . لا تنسوا بأنّ تجربة إغماض العينين خدعة أيضاً !.
حينما أقرأ الدستور العراقيّ الآن ، الدّستور الذي يمثل الديمقراطية أو ( الديخ مقراطية ) ، يصيبني نوبة من الإكتئاب والغثيان ، فالمشرّعون ، وهم مجموعة من القانونيين والسّياسيين ورجالات الدّين المعروفين وغيرهم ، يكتبون في الدستور ، في مادته الثانية ، أن الإسلام دين الدّولة الرّسميّ ، ويلحقون المادة بفرعين متناقضين ، ينصّ الأول على عدم جواز تشريع القوانين المتعارضة مع ثوابت أحكام الإسلام ، فيما يشير الثاني لعدم جواز معارضتها لمبادئ الديمقراطية !.
هل تجتمع ثوابت أحكام الإسلام مع مبادئ الديمقراطية ؟ يكفي مطالعة بسيطة ، لنفهم أن ذلك وهم وكذب وخديعة ، فالتعارض كبير جداً ، لكنّ المشرّع كان يقصد ( الديخ مقراطية ) كما يبدو !. نفس المشرّع ( الديمقراطي ) ، يهاجم ثوابت الإسلام ، لتعارضها مع الحضارة الحديثة برأيه ، وكذا صديقه المشرّع الإسلاميّ ، يهاجم مبادئ الديمقراطية ، المتقاطعة مع ثوابت الإسلام !. نعم يمكن الدّمج والتقريب بينهما ، لكن على أسس مبادئ ( الديخ مقراطية ) ، حسب تعبير معلمنا العزيز ، الأستاذ طالب ...
قبل اسبوع تقريباً ، بالتحديد يوم 14.01.2021 ، في برنامج إنذار أبيض مع علي جواد ، كان الضّيف ، السّياسيّ ( غالب الشابندر ) ، الذي كتب مذكراته ، في كتابه الصادر قبل مدّة ، ليست بطويلة ، بعنوان ( خسرتُ حياتي ) ، يتحاوران عن ( دور النخب ) ، محور الحلقة . انتقد الشابندر التغوّل الأيدلوجيّ ، حسب تعبيره ، الذي أثّر سلباً على النّخب وقيّد حرياتهم الفكرية ، ووصف الشابندر سياسية النظام السّابق بسياسية ( التّبعيث ) ، ولا أعتقد أنّ صدام حسين ، مارس سياسية ( التبعيث ) ، بل ذهب أكثر من ذلك ، كان صدام حسين صدّامياً فقط وفقط ، كان البعثُ صدامياً في حكم صدام ، ولم يكن صدّام بعثياً !... قضى صدّام حسين على فكرة الإنسان الحرّ ، صانعاً دولة الرّعب والإنسان الخائف دوماً . وما زال تأثير ذلك سارياً لهذه اللحظة ( الديخ مقراطية ) . لقد خسر الشابندر حياته ، وخسرنا جميعاً كلّ شيء في هذا النّظام الفاشل . لم نرَ حرية المثقف الفكرية قد أُتيح لها أن تغرد كيفما تشاء ، بل كان القتل وتكميم الأفواه حاضراً بقوة ، وفي ذكرى المغدور هشام الهاشمي مثالاً جليّاً .
( قد لا نحتاج إلى أمل ) ، هذا هو فصل من فصول كتاب ( التّداوي بالفلسفة ) ، لكاتبه ( سعيد ناشيد ) ، كتاب أنصح بقراءته ، يبيّن معنى أن تكون ( بسيطاً ) ، بلغة رائعة وتساؤلات فلسفية ، تنساب بسرد جميل . يقول سعيد في هذا الفصل : " على شاهد قبر الرّوائيّ اليونانيّ الشهير نيكوس كازانتزاكيس ، مكتوبة العبارة التالية : " لا آملُ شيئاً ، لا أخشى شيئاً ، أنا حر " . مغزى العبارة ، أن الأمل يمثّل خطراً على الحرية . ومجمل القول ما قاله مولانا جلال الدين الرومي : " هناك الكثير من الأمل في غياب الأمل " .
هذه ليست دعوة لليأس ، بل دعوة للإتزان بالأمل وعدم الإفراط فيه . أنتجت ساحات الإحتجاج الشعبي في العراق ، خطين متعارضين ، يدفع الأول بأمل كبير نحو الإنتخابات ، فيما يدفع الثاني بيأس مفرط للمقاطعة . سيخسر الأول كثيراً من طاقته وحيويته ، في أول صدمة ستواجهه ، بسبب كمّ طاقة الأمل المفرطة ، فيما يستنزف الثاني كلّ طاقته بيأس أكبر من اللازم . الإتزان ما بين الأمل واليأس ، يخلق لنا رؤية ووضوحاً ، تساهم في إعادة التفكير ، وبرمجة الآليات المناسبة ، فما أتعس أن ينتهي كلّ شيء ب ( خسرتُ حياتي ) ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت


.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة




.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟


.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال




.. رساي?ل خاصة ا?لى طلاب الجامعات الا?مريكية من نازحين في رفح