الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى العاشرة لثورة يناير ودروس الهزيمة

الاشتراكيون الثوريون

2021 / 1 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مر عقد من الزمن منذ الحدث الأهم في تاريخ مصر الحديث منذ ثورة 1919. هُزِمَت ثورة يناير 2011 ومازلنا ندفع ثمن تلك الهزيمة حتى الآن. ربما كان عنف وهمجية الثورة المضادة المستمران حتى اليوم رغم مرور كل تلك السنوات خير دليل على حجم الزلزال الذي أحدثته ثورة يناير والرعب الذي لا يزال يملأ قلوب وعقول الطبقة الحاكمة ودولتها. فلأول مرة منذ 1919 تتدخَّل الجماهير في محاولة لتغيير مسار التاريخ في أول مواجهة ثورية مع دولة ما بعد الاستعمار.

ولكن ثورة يناير قد هُزِمَت.. وبدون فهم أسباب تلك الهزيمة لن نتمكن من التقدم خطوة واحدة نحو تجاوز الكابوس الذي نعيشه منذ انقلاب 2013. فالثورة لم تُهزَم فقط بسبب الخيانات المتتالية والتي بدأت بتحالف الإخوان مع العسكر بعد سقوط مبارك على أمل مشاركتهم في السلطة وانتهت بتحالف ما سمي بالقوى المدنية الديمقراطية مع نفس العسكر للتخلص من الإخوان وتأييد تلك القوى للانقلاب في 2013 وللمذابح التي تلته.

إن الأسباب الأعمق لهزيمة الثورة تكمن في عدة معضلات واجهتها القوى والحركات السياسية التي شاركت في الثورة ونتج عنها نقاط ضعف مكَّنت أعداء الثورة من الانقضاض عليها وتصفيتها.

فأولًا، ظلَّت شعارات الثورة شديدة الإبهام والمثالية (عيش، حرية، عدالة اجتماعية). فماذا كنا نعني على سبيل المثال بالحرية؟ أي نوع من الديمقراطية كنا نريد وأي نوع من التحرر؟ هل مجرد ديمقراطية برلمانية؟ أم شكل أعمق وأكثر مباشرة من الديمقراطية يتحقَّق من خلاله تحرر حقيقي لكل المضطهدين (النساء والأقليات الدينية على سبيل المثال)؟ هل كنا نريد تطهير وتفكيك وإعادة تشكيل أجهزة الدولة من قضاء وشرطة، إلخ؟ أم مجرد الحصول على بعض التنازلات الشكلية من تلك الأجهزة؟ كالتغيير الهزلي لاسم جهاز أمن الدولة؟

وماذا كنا نعني بالعدالة الاجتماعية؟ أهي مجرد تقليص للفساد والمحسوبية وحد أدنى للأجور مع زيادة “واقعية” للضرائب على الشركات والأغنياء دون المساس بجوهر سياسات الليبرالية الجديدة؟ أم تأميم الشركات الاحتكارية ووضعها تحت سيطرة ديمقراطية؟ بعض الإصلاحات المحدودة للسياسات الرأسمالية أم محاولة جادة لتجاوز الرأسمالية؟ أو ربما شكل ما بين المطالب “الواقعية” والمطالب الجذرية؟ وإذا كنا لم نطلب إلا بعض الإصلاحات للحد من آثار الليبرالية الجديدة على الفقراء والطبقة المتوسطة، فما هو الثوري في ذلك؟

تنوعت التصورات لمعنى الحرية ومعنى العدالة الاجتماعية، ليس فقط بين القوى المختلفة بل داخل صفوف كل من تلك القوى.

ثانيًا، ورغم الدور الكبير الذي لعبته الإضرابات العمالية في إسقاط مبارك ورغم التأثير المتبادل بين الحركة السياسية في الشوارع والميادين وبين الحركة العمالية في المصانع والشركات وأماكن العمل، فقد ظل هناك انفصال شبه تام بين الحركتين. ظل الحراك العمالي في حدود المطالب الاقتصادية والنقابية ولم يتحول إلى فاعل مؤثر في الساحة السياسية. وذلك مع العلم أنه حتى في التجارب غير الثورية للتحول من الديكتاتوريات إلى الديمقراطيات البرلمانية لعبت الحركات العمالية دورًا مركزيًا سياسيًا لم يكن ذلك التحول ممكنًا دونه (البرازيل، وكوريا الجنوبية، وجنوب إفريقيا). إن فهم الأسباب الموضوعية والذاتية لضعف الدور السياسي للحركة العمالية في ثورة يناير ومحاولة تجاوز ذلك الضعف ربما يكون من المهام الرئيسية لليسار المصري في السنوات القادمة.

ثالثًا، لم تنتبه القوى المشاركة في الثورة للعمق الاجتماعي للثورة المضادة، فقدرة العسكر على تعبئة قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى بشعارات حول خطر الفوضى وخطورة الانزلاق في حرب أهلية (أمثلة ليبيا وسوريا) واستثمار مشاعر عدم الأمان ليس فقط في أوساط الطبقة الوسطى، ولكن أيضًا لدى كثير من الفقراء، لعبت دورًا كبيرًا في إنجاح الثورة المضادة وخلق ظهير جماهيري لمشروعها. لم تتمكَّن القوى المشاركة في الثورة من خوض المعركة الأيديولوجية الضرورية لكسب قلوب وعقول الكثير من هؤلاء وهو أمر لا يمكن لثورة أن تنتصر دونه.

رابعًا، لم تقدر القوى المشاركة في الثورة حجم دور القوى الإقليمية كظهير وحليف للثورة المضادة وكمصدر لا ينضب للتمويل لمشروع وأد الثورة. فتصور أن العدو هو فقط الطبقة الحاكمة المصرية ودولتها هو تصور مثالي عانت منه القوى الثورية. وقد أكدت تجربة يناير وما تلاها دون شك أن الثورة لا يمكن أن تنجح في مصر دون التفاعل والتضامن مع الحركات الديمقراطية في الخليج العربي.

خامسًا، لعبت حالة الإسلاموفوبيا التي يعاني منها القطاع الأوسع من القوى الليبرالية واليسار و”المثقفين” بشكل عام دورًا لا يُستهان به في ارتماء الكثير منهم في أحضان النظام وكأنه حصنًا للعلمانية والحريات في مواجهة “الفاشية” الإسلامية.. وقد رأينا في الأعوام السبعة الأخيرة عمق الرجعية والمحافظة بل العداء للعلمانية والحريات لدى النظام ولدى القطاع الأوسع من الطبقة الحاكمة. إن تذيل قطاع واسع من اليسار المصري والليبراليين والقوميين للدولة البرجوازية بحجة الخوف من الإسلام السياسي هي إحدى نقاط الضعف القاتلة والتي لعبت دورًا مهمًا في هزيمة الثورة.

وأخيرًا وعلى المستوى الإستراتيجي، كانت ثورات التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي واضحة المعالم من حيث المطالب والأهداف: التحرر من الاستعمار والتخلص من سيطرة الطبقات التقليدية (كبار ملاك الأرض مثالًا) والمضي قدمًا في مشروع طموح للتنمية والتصنيع المستقل بقيادة الدولة (ما اعتبره المفكر الماركسي الراحل إبراهيم فتحي في الحالة المصرية “الحلقة الثانية” من الثورة البرجوازية). ولكن ماذا بعد انتهاء تلك الحقبة من التحرر الوطني والتحديث الرأسمالي واستقرار حكم البرجوازية المحلية؟ ما هي أهداف ومطالب الثورة على تلك الطبقة؟ هل نريد تجاوز حكم تلك الطبقة أم مجرد أن تعطف علينا ببعض الإصلاحات؟ هل يمكننا فعلًا تخيل بديل ديمقراطي حقيقي يخلصنا من ذلك التحالف الفاشل من عسكر ورجال أعمال؟ ذلك التحالف الذي آلت إليه دولة ما بعد الاستعمار في مصر؟ وهل يمكن نجاح ثورة بدون التحضير لذلك البديل الجذري؟ إن ثورات القرن الواحد والعشرين لا يمكن أن تنجح وهي مازالت محصورة في حدود أفكار ومشاريع برجوازية ما بعد الاستقلال في القرن العشرين.

ربما حان الوقت بعد مرور عقد كامل على ثورة يناير للنقاش الجاد حول نقاط الضعف التي ساهمت في هزيمتنا والعمل على بلورة رؤية وإستراتيجية جديدة تمكِّننا بحق من إعادة بناء المعارضة الجذرية للنظام والتحضير لثورتنا القادمة. هذا ما ندين به لشهداء ثورة يناير ومذابح السيسي ولرفاقنا وزملائنا وإخوتنا وعشرات الآلاف الذين لا يزال يحتجزهم في سجونه عقابًا على ثورة يناير وخوفًا من ثورتنا القادمة.

الاشتراكيون الثوريون
28 يناير 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم