الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة اسرائيلية 100%: القصف الاسرائيلي اليومي لغزة هو سبب الحرب، إنها حرب إعادة احتلال شاملة

ميشال فارشافسكي

2006 / 7 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


على اثر عملية عسكرية نفذتها بمهارة منظمة المقاومة الوطنية اللبنانية حزب الله، وأسر سجيني حرب، قام الجيش الاسرائيلي بقصف العاصمة اللبنانية ومواقع اخرى عديدة بجنوب لبنان. ولحظة كتابة هذه الاسطر تقوم الحكومة الاسرائيلية بمناقشة مدى ملاءمة اجتياح التراب اللبناني في عملية قصيرة الامد. طبعا ما زالت ذكريات الاخفاق الدامي الذي مثله غزو لبنان في 1982-1985 حية في ذاكرة جنرالات الجيش الاسرائيلي، الذين كانوا انذاك مجرد ضباط ثانويين، لكن الاهانة التي مثلتها عملية حزب الله قوية والتوق الى الانتقام راسخ في رؤوسهم البليدة لدرجة ان احتمال هكذا اجتياح غير مستبعد.

وكما اشار الشيخ نصر الله، قائد حزب الله، لم يكن تاريخ الهجوم على الدورية الاسرائيلية محددا من قبل، بل نتج عن تصادف جملة ظروف ملائمة مع انها غير مرتقبة. لكن لم يكن ثمة شك ان ليس بوسع حزب الله البقاء مكتوف الايدي لمدة طويلة، بينما الجيش الاسرائيلي يواصل تقتيل سكان غزة منذ اشهر عديدة.

من المحتمل ان ينتقل مركز ثقل الصراع العربي –الاسرائيلي في الاسابيع المقبلة من غزة الى لبنان. لكن حذار من الخطأ: انها نفس الحملة، بمبادرة اسرائيلية 100%، في اطار ما يسمونه حكام اسرائيل انفسهم، على اثر سادتهم بالبيت الابيض، " حرب دائمة واستباقية ضد الارهاب"

يجدر اذن اعادة الامور الى نصابها، و وضع الاحداث في سياقها الزمني: ليست العملية العسكرية التي قام بها قبل 3 اسابيع فدائيون فلسطينيون واختطاف العريف Gilad Shalit هو ما حدا بالحكومة الاسرائيلية الى شن هجومها الدموي علىسكان قطاع غزة ، بل ان القصف اليومي للمدفعية الاسرائيلي وعشرات القتلى الفلسطينيين، اغلبهم مدنيون واطفال عديدون، هو ما دفع هؤلاء المناضلين الفلسطينيين الى خرق الهدنة المعلنة من المنظمات الفلسطينية الرئيسة والملتزم بها بدقة منذ ما يفوق العام.

إن فك اسر الجندي Gilad Shalit هو اخر انشغالات السلطات الاسرائيلية، ويدرك جيدا حتى اكثر الوزراء بلادة ان الهجمات العسكرية تمثل خطرا ومن شأنها ان تسبب اقدام مختطفيه على اغتياله. الشيء الوحيد الذي يهم الجنارلات الاسرائيليين، والإمعات التي تمثلهم بالحكومة،هو " تلقينهم" ماذا يعني ضرب اسرائيل."تلقينهم" هو المفهوم الاكثر استعمالا في التصريحات الرسمية للقادة المدنيين والعسكريين، طبق اكثر الاساليب الاستعمارية ابتذالا. ولبلوغ هذه الغاية تستباح كل الوسائل, ولا مجال ثمة لاي تحفظ أو اتفاقية دولية او قوانين حرب.

وكما اعادت سويسرا الى الاذهان، تتالف العملية الجارية في غزة من جرائم حرب وانتهاكات منظمة ومعممة لكل قواعد القانون الدولي. اولا لأن الامر يتعلق بعقاب جماعي: وجب على سكان غزة بكاملهم "تعلم" حسن التصرف، رغم انعدام أي علاقة لهم بالقبض على سجين حرب اسرائيلي. وثانيا لان الامر مذبحة حقيقية، اذ لا ثمة تناسب بين عدد الضحايا المدنيين "الجانبيين" وعدد الضحايا " المستهدفين".

الى جانب الموقف السويسري، يبدو صمت الاتحاد الاوربي معبرا، ويمثل طباقا لدعم الادارة الامريكية المعلن للعدوان الاسرائيلي. ويندرج هذا الدعم في استراتيجية صدام الحضارات التي يدعو اليها قسم من محيط جورج بوش: ليس المطلوب انقاذ الجندي الاسرائلي، ولا معاقبة الفدائيين المسؤولين عن اختطافه، وليس حتى حزب حماس او الحكومة التي يقودها هما المستهدفان بالعقاب بل الشعب الفلسطيني ذاته، هذا الشعب المارق المنتمي الى حضارة يمثل الارهاب احدى خصائصها.

قام هذا الصباح احد قدماء المخابرات الاسرائيلية بشرح مطول لكون المشكل الاسرائيلي العربي مشكلا ثقافيا بالمقام الاول: بينما ليس للحياة الانسانية" بنظرهم" أي قيمة ذاتية، نعتبر نحن كل فرد ذي قيمة. وبالتالي ليس ثمة ابدا أي تفاهم ممكن بين اعضاء حضارتين ذات قيم متناقضة، ولذلك فالحرب دائمة.

بسماع هذا الشخص، المعبر عن رأي شائع جدا بين الطبقة السياسية-العسكرية الاسرائيلية، لا يدرك المرء لما السعي الى " تلقينهم" أي شيء: من الناحية الثقافية لا يقيم العرب، وبوجه عام الحضارة الاسلامية، أي اعتبار للحياة الانسانية، ولن يغير ما لا يحصى من ضحايا القصف بغزة ولبنان توجههم.

طالما بقي عرابو اسرائيل الامريكيين في استراتيجية صدام الحضارات والحرب الشاملة والدائمة، فليس منتظرا اي انعطاف في السياسة الاسرائيلية، وستواصل "الحرب"- التي من الافضل نعثها بالتهدئة الدائمة- ضد الفلسطينيين، وبوجه عام ضد العرب- مسارها، مع ما تجر من عدد ضحايا متنام، حتى من الاسرائيليين.

هذا ما يتعين ان تأخذه الحراكة الاجتماعية الدولية، سيما حركة التضامن،بعين الاعتبار: لسنا جميعا بوجه حدث، ايا كان طابعه المأساوي والدامي، بل بوجه حرب طويلة الامد. وهذا الواقع يستدعي استراتيجيات على المدى البعيد ونفسا. كما يستوجب الفعل وفق منظور شامل. فبوجه حرب شاملة لاعادة استعمار العالم، لم يعد اعادة بناء حركة مناوئة للحرب تشمل فلسطين بما هي احدى الاهداف الاكثر رمزية ترفا قابل للتأجيل، بل مسألة ملحة لسكان كوكبنا.

نحو اجماع فلسطيني جديد؟

بقدر امكان ادراك الاهداف السياسية لاحتدام العنف الجاري في قطاع غزة، يمثل افشال اتفاق حماس –فتح احداها. فطيلة اشهر عديدة عمل الوزير الاول الفلسطيني اسماعيل هنية من حماس ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من أجلف صياغة وثيقة برنامجية مشتركة، بناء على ما سمي" وثيقة الاسرى". تحدد هذه الوثيقة، التي وضعها قادة القوتين السياسيتين الفلسطينيتين المعتقلين بسجون اسرائيل، اطارا لاجماع سياسي فلسطيني جديد على اساس النضال من اجل دولة فلسطينية، حرة ومستقلة، بالاراضي المحتلة عام 1967، وهو ما يعني ضمنيا الاعتراف بدولة اسرائيل في حدودها بتاريخ 4 يونيو 1967.

بنظر سلطات تل ابيب يجب الا ترى هكذا وثيقة النور، لانها ستزيل مبرر رفض الاعتراف بالحكومة الفلسطينية والحرب الدائمة ضد من تجرؤوا على انتخاب اغلبية من حماس الى البرلمان الفلسطيني.

لقد وضع الهجوم المذهل على غزة نهاية للمفاوضات بين عباس وهنية، بينما كانت الصحف تعلن التوصل الى اتفاق...في اليوم الموالي. لكن هذا الهجوم ذاته قد يتيح اجماعا فلسطينيا آخر: اجماع مقاومة موحدة ضد الحرب الاسرائيلية، دون وهم حول احتمال ارادة تفاوض من جانب تل ابيب مقابل مساومات فلسطينية جديدة. هكذا اجماع فلسطيني جديد هو بكل الاحوال ما تعمل لتحقيقه منظمات اليسار الفلسطيني، التي تتوسط، منذ مدة، بين الحكومة والرئاسة، ولا سيما بين حماس وفتح.

مقاومة

عند مقارنة احداث الاسابيع الاخيرة- الهجمات الوحشية ضد غزة، ثم ضد لبنان- باحداث شبيهة خلال العقود السابقة- قمع شرس للانتفاضة الاولى(1988-1990) واجتياح لبنان(1982)- تُلاحظ فورا ثلاث فروق كبيرة: الغياب الكلي لأي تحفظ من لدن القوات المسلحة الاسرائيلية، غياب ضغط دولي، وحتى احتمال هكذا ضغط، وغياب حركة جماهيرية في اسرائيل منددة بوحشية العمليات العسكرية.

هذه العناصر مترابطة في الواقع: كان "التحفظ" ( النسبي طبعا) من جانب القوات المسلحة الاسرائيلية ينتج عن وجود قواعد دولية يجب على اسرائيل الا تبتعد عنها كثيرا، بفعل المخاطرة المزدوجة بالتعرض لضغوط دولية و معارضة داخلية. اما الحركة الجماهيرية المناهضة للحرب، فقد نتجت عن عوامل منها صغط دولي، او بالاقل، شعور بالقطع مع قواعد الحرب ومصالح الديبلوماسية الدولية.

ومع زوال الاتحاد السوفييتي، وبروز الولايات المتحدة الامريكية بما هي قوة دولية وحيدة، دخلنا طورا تفكيك للقانون الدولي ولأنماط تصرف الدول كما تحددت اثر دحر الفاشية (اتفاق جنيف، ميثاق الامم المتحدة، مختلف مقررات الامم المتحدة). وحلت مكانه شريعة الغاب وقانون الاقوى، والاحادية وارهاب الدولة المنفلت من العقال بمبرر الحرب الدائمة والاستباقية ضد الارهاب.

وبسرعة جرى استبطان هذه القيم من طرف الغالبية العظمى من المجتمع الاسرائلي التي استشعرت انها في طليعة حرب الحضارة ضد الارهاب، الذي تجري مماثلته مع العالم الاسلامي. هذا ما يفسر زوال الحركة الجماهيرية المناصرة للسلام.

لم يبق وجود لحركة "السلام الآن" التي نجحت في تعبئة مئات الاف الاسرائيليين والاسرائيليات ضد القمع في الاراضي المحتلة وضد الحرب بلبنان. لم تشهد اسرائيل منذ 2000 أي مظاهرة جماهيرية ما خلا لدعم "مبادرات سلام" ...ارييل شارون، و اليوم، بينما المذابح في غزة ولبنان، ما من صوت داخل اليسار الصهيوني يدين هذه الجرائم ويطالب بوقفها الفوري.

وحدها مختلف منظمات الحركة المناوئة للاستعمار تحتج، بعزم وشجاعة، وُتسمع، على نحو مضاد للتيار، صوت الحق واحترام الحياة. إن تحالف النساء من اجل سلام عادل، ومختلف منظمات جنود الاحتياط الرافضين خدمة الاحتلال، والفوضويين ضد الجدار، وحركة التعايش، ومركز المعلومات البديلة، وحركة الحاخامات من اجل حقوق الانسان، هي التي ضاعفت في الاسابيع الاخيرة جهودها وتعبئتها: تجمعات، مظاهرات، سد شوارع رئيسية بتل ابيب، حملة كتابات على الجدران، الخ.

مهما كانت تعبئة القوى المسماة راديكالية هذه مشرفة، فانها غير قابلة للمقارنة بتعبئات 1982 او 1988، ليس بعدد المشاركين( إذ انه عمليا اكبر من مثيلاتها في العقود الماضية) بل لأن فعاليتها كانت تنبع من القدرة على حفز قوى اكثر اعتدالا واقوى بكثير في حركة السلام الاسرائيلية. حاليا ومع الاسف، لم يبق وجود للعجلة الكبيرة– حسب تشبيه الصحفي المناضل يوري افنيري- التي مثلتها حركة "السلام الآن"، مما جعل عجلتنا، التي كان دروها تحريك العجلة الكبرى ، تدور في فراغ.

ان شجاعة وعزم بضع الاف من المناضلين والمناضلات الذي ينددون اليوم بالعدوان الاسرائيلي جدير بالثناء، لكن لا بد من الاعتراف ان حكومة اولمرت-بيرتز- بيريس طليقة، من زاوية الجبهة الداخلية، في مواضلة آثامها.
تعريب المناضل-ة 20 يوليوز 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!