الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسامي ال(أنا) في مجموعة (طائر الملكوت) للدكتور مجبل المالكي

أحمد السعد

2021 / 1 / 28
الادب والفن


في مجموعته الجديدة ،يعود مجبل المالكي الى تقنية القصيدة القصيرة الموجزة المكثفة بثيمتها الفريدة ولكن الدالة والمعبرة والعميقة في دلالاتها وتوجهها وأدائها لغرضها المنشود في ذهن القاريء ووعيه وتسم قصائد هذه المجموعة سمة غالبة ان قصائد المجموعة قصائد ذاتية ، فيها الشاعر يجوب معنا خرائط عالمه مستعيدا مرارة التجارب والخسارات ، فالشاعر امامنا مباشرة دون قناع ودون حواجز ودون رمزية تثقل النص ودون ايماءات وأيحاءات سردية سوى بالقدر الذي يخدم توجه القصيدة وغرضها وأنسيابها بنعومة الى الذهن .
عنونة القصائد هنا تكتسب اهمية قصوى فهي مدخلنا الى القصائد وباب الولوج اليها وهي (الدالة) والموجهة لكي نتهيأ ذهنيا لخوض التجربة مع الشاعر وهي (اي العنونه) " احد موجهات قراءة النصوص ، والعتبة التي تستقبل القاريء عند تخوم النص الأولى ، وتتعداها غالبا لتكون جزءا من بنية النص لايمكن استكمال اظهار دلالاته وتبين شعريته الا بالتوقف عندها ، فهي تشرك القاريء او تقحمه في عالمها " – حاتم الصكر (مقدمة كتاب الجنوب )
فالشاعر – وفي مجموعته السابقه ( أنشاد في حضرة ملك الطير ) ايضا – مسكون بروح وأيحاء كتاب فريد الدين عطار ( منطق الطير ) حيث تختار الطيور في رحلتها نحو قمة جبل (قاف) في بحثها عن السيمرغ ، تختار الهدهد ملكا عليها وتلبسه التاج فيقودها في طريق الخطر والأهوال عبر سبعة وديان حتى لايصل منها سوى ثلاثون طيرا . فكرة ملك الطير ( الهدهد ) والذي ذكره القرآن الكريم في قصته مع الملك سليمان الحكيم فكان الهدهد من دل سليمان على الماء وهو الذي دعا ملكة سبأ الى الأيمان بالله (حسب ماورد في القرآن) -سورة النمل 20 .
وضعت عنوان هذه المقالة ووضعت نفسي ضمن حدوده الضيقة ومع اني سأتجاوزه بين الحين والآخر الا اني سأعود اليه مركزا على (أنا) الشاعر وكيف تسامت عن الـ(انا) الضيقة وعن النرجسية وتضخيم الذات ، فالشاعر في مجموعته هذه يكتب عن نفسه ويجد فيها حقله الفسيح وملعبه الواسع المخضب بالتجارب القاسية لحياة حفلت بالترحال والغربة والخسارات والهزائم والنكسات والجروح والألم والفقدان فالشاعر و(اناه) يصبحان شخصين يخاطب أحدهما الآخر وبتساؤل يتوجه الشاعر الى (اناه) بالسؤال الذي يفتتح به المجموعة :
" أتراك تغوص الى اعماق رؤاي ،
وتستبطن مافي قيعان هواي الضمآن ،
أتراك ....
وأنت تحلق فوق سماوات هابطة
وتظل تراوح
مثل طيور النورس
فوق ضفاف الشطآن ؟"
هنا ، تحتك (انا) الشاعر بالآخر (القرين ) فهو هنا مخاطبا نفسه في تساؤلات ليس لها اجابات وهي اسئلة وتساؤلات بقيت بلا اجوبة وتركها الشاعر مفتوحة على كل الأجابات . الأمل والأنشداد للغد وللحياة وترك النوافذ مفتوحة على نسائمه ، ميزة ظاهرة للمجموعة ، فالشاعر لم يصبه القنوط واليأس بعد مشاق الحياة ومتاعب الطريق وقسوة الظروف والأخرين فنوافذه مازالت مشرعة على الأمل ومازال في قلبه متسع لأستقبال الغد بما يحمل :
" ستظل اناي،
ولن تفنى في هذا العدم المجهول .
طافية روحي بين سماوات هواي وكلي يفلت كالطائر ،
من قفص الظلمة
حتى يرقد فوق حرير ضفاف
وحقول "
فهذا الطائر القمين بسماء عالية يحلق فيها مزهوا بحريته وبفضاءاته المفتوحة بلا حدود رافضا ان يحتويه قفص وسيجد حريته وحياته وقدره ومصيره على ارض اخرى اكثر دفئا وحميمية وهي ارض (ضفاف وحقول ) . هذه الـ(انا) المنطلقة الى عالم الحرية والأنعتاق لن تقبل بأقل من ان تسبح قرب ضفاف خضراء ملونة بالأزاهير والآمال تحفها المياه والسماء الزرقاء . هي نفس الشاعر المتطلعة للحرية والصفاء والنقاء الذي في الطبيعة فسجن المدينة الكبير بما يحتويه من أدران وفوضى وخراب وبما فعله (الآخرون ) من تخريب وتدمير وتزييف وبهتان . الشاعر ينأى بنفسه عن عالم هو (عدم مجهول) ، هو منفلت عن عالمه (العدم) الى حيث يجد حريته وأنسانيته فوحدها الطبيعة حيث السلام والصفاء والنقاء هي القمينة بأن يسلمها روحه في رقدته الأخيرة. هذه الرومانسية المفرطة تعيدنا الى عالم (والت ويتمان ) في أغنيته الى نفسه :
" ثمة عالم واحد يعلم بي ، وهو – لي – العالم الأكبر
أنه نفسي
وسواء بلغت منزلتي اليوم ، او بعد عشرة آلاف سنة
او عشرة ملايين سنة
فأني استطيع ان آخذها – فرحا – الآن
وبالفرح نفسه استطيع ان انتظر " – أوراق العشب /ترجمة سعدي يوسف ص90 -
* الروح الباحثة عن الدفء والحب والتي تحوم كفراشة حول قرار وأرض تحتويها وفضاءات رحبة بها تستكين واليها تنتمي ، هذه الروح التي لاتنتمي لعالم الفوضى والخراب والجدب ، انها روح عالية ، سامقة في تطلعها ، سامية في انشدادها للحب والجمال والخير والحق والحرية ، هذه الروح الملتاعة المنكوية بسوءات هذا الزمان بما فيه من خواء ترنو الى انعتاقها وتريد استعادة ادميتها فتتقد جذوة الحياة فيها فتغالب حزنها ووحدتها وتقاوم موتها وفناءها بالحب والأمل :
" ربما يستحيل الردى املا
بالنجاة .
من حياة تشظى بها البؤس
واخلولق العمر
والعصر
واحتد هذا الخراب الذي
طوق الأفق
واغتال شمس الحياة "
أعود الى موضوعة العنوان فمجبل المالكي يضعنا في قلب القصيدة ويدخلنا من باب العنوان اليها فندرك اننا نعرف مسالكها ونسير فيها مطمئنين فالطريق الى القصيدة سهل ميسر وهي طوع يديك ، تمنحك نفسها بتلقائية ومحبة ، ففي قصيدتي (خارج اسراب الطير)و(بوح طائر فريد) يعود الشاعر لموضوعة (منطق الطير ) وأجواء فريد الدين عطار وقصة (السيمرغ ) ولكنه ينحرف بها بأتجاه آخر ، فهو وأن كان محشورا في رهط الطير الا انه :
" لكني حين اعانق مرمى الشمس
بأعلى القمة
او حين اتوج مرقاى الى الملكوت
ابقى في الظل وحيدا ،
ثم اموت !!"
فهو طائر وحيد وأن كان يطير مع السرب فهو في عالمه الخاص حين يبلغ في مرقاه الى الملكوت حيث تتسامى الروح وتتطهر من آثامها وتصبح اقرب الى الله من حبل الوريد تبقى محتفظة بخصوصيتها وفردانيتها وأستقلالها وتفردها وحيدة في الظل حتى تموت فالشاعر يخطو وحيدا وسط الجموع وكما قال سعدي يوسف ( اسير مع الجميع وخطوتي وحدي ) ، هذه الفردانية المعتدة بالنفس الواثقة من خلاصها وقربها الى النقاء بعد ان تطهرت في رحلتها الطويلة نحو السمت حيث يكون الله ، تكون الروح وحيدة خالصة متخلصة مماعلق بها في رحلة العمر وكأن المعاناة والألم والقروح والجروح والندب والدم والدمع والأنتظار والجوع والفقر صبت جميعها فتقدمها الروح قربانا للمعشوق الذي سيصطفيها حين ترقد في الظل بسلام ، هذا الطائر الفريد الذي لايشبه الاخرين في شيء لأن :
" عشي في اعلى قمم الأبنوس
وأغصان الطيب ،
احيط بزهر رحيقي
كل يباب الأرض
فتخضر بأثواب السندس والياقوت "
فهنا تتضخم الـ(ألذات) في بلوغها سمو النقاء والصفاء بعد رحلة التطهر الطويلة مستعيدة صفاءها فتنفتح امامنا في قصائد ( رؤياي انا )،(لشموخي اغني)،(طائر الملكوت)،(طقوس شاعرية ،( نجمة رؤياي)،(احتفي بانتظاري) و(ماتبقى من العمر) حيث تكون الذات الموضوعة تحت المجهر وتحت الضوء المركز مكشوفة واضحة المعالم تتجلى اساريرها وما حملت من تجارب وما حفرت فيها السنون من ندب وقروح لكنها في تساميها وتطهرها سائرة في طريقها دون ان تلتفت الى الوراء ودون ان تنقطع عن تاريخها . ذات الشاعر المختزنة لتجارب جمة والمجتازة لمفازات ومسالك الوجع والأسى ومرارة الماضي وعبثية العيش في مناخات خانقة لاهواء فيها ، تتشوق الروح الى نسائم الطهر والصفاء فتفرد اجنحتها كطائر الملكوت محلقة بسماوات ليست واطئة .
* الذات والأنا ليسا مفهومين متطابقين ، تأتي الذات بعد (الأنا)، لأن (الأنا) "موجودة منذ لحظة الولادة إن كانت واعية أو غير واعية، أما معرفة الذات ونمو وعيها فسيكون لاحقا عليها وتدريجيا وصولا إلى لحظات اكتشاف العالم عبر الزيادة بالمعارف، وتحسس الوجود، حينها سيكون هنالك لقاءٌ تعارفيٌّ بين الذات والأنا داخل النفس البشرية، لتكون الأنا الحلقة الرابطة بين الذات الداخلية والآخر الخارجي، وسبيلها لمعرفة المحيط والوجود" – عامر موسى الشيخ/ مجلة المثقف -العدد 5258 ، نفهم من هذا ان الذات تتحقق من خلال الصلة التي يقيمها الشاعر بين (ذاته) وبين الآخر ( القرين) وهذه الصلة التي يكون حبل الوصل فيها قدرة الشاعر على التواصل مع الآخر (المتلقي) ، هذه الوشيجة الموصلة بين وعيين متقابلين : وعي الشاعر ووعي المتلقي .
* هناك لمحة سوداوية يلحظها قاريء مجموعة مجبل المالكي هذه ، تتجلى في قصائد كثيره كـ ( بقايا انسان ) ،( افول ) ، ( اقبية الشتات ) ، (الهيكل والروح ) ،( لا احد يأتي ) ،( صاع خبز شعير وماء ) ،( في خاتمة الرحلة من يرثيك ) ، ( حياتنا العرجاء ) وفي غير ماذكرت ايضا ولكنك تجد ومضات الأمل والأشراق والتعلق بالحياة في قصائد كثيره ايضا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??