الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع المتواصل بين الديمقراطية الليبرالية والاستقراطية اليمينية ...

مروان صباح

2021 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


/ ليس أبداً بالسجال الجديد لكي يعتقد المرء أن مبعثه اليمين المتشدد بل هو عتيق حسب سجلات التاريخ والاعتقاد السياسي ، وهي ايضاً فلسفة اختص بها التيار السياري قبل الاحزاب الأخرى ، لقد جرت العادة بين أوساط التيار اليسار والاشتراكية أكثر من اليمين المحافظ أو المتشدد ، بدفع إلى قائمة الانتخابات شباب أعمارهم قريبة من طلبة الجامعات من أجل كسب اصواتهم التى تعتبر حاسمة في أي منافسة انتخابية ، لكن مؤخراً انتبه اليمين لهذه الميزة التى تنامت في القارة الأوروبية وباتت تشهد سياسين صغار سناً كما هو حال الرئيس ايمانويل ماكرون وقبئذ في الولايات المتحدة ، الرئيس اوباما وأبعد من ذلك الرئيس المغتال جون كينيدي الذي سجله التاريخ كأصغر رئيساً بين الرؤوساء الذين تعاقبوا على ادارة البيت البيضاوي ، في المقابل ، بدأ اليمين في الغربي بدفع على سطح المشهد السياسي شخصيات ايضاً شبابية ، تحديداً في فرنسا ، قد بدأ بالمرشحة السابقة للرئاسة مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية واليوم أصبح الناطق الرسمي للحزب جوردان باديلا المرشح الاوفر حظاً ، تلك الشخصية التى بدأت تثير جدلاً واسعاً بين الشرائح الشبابية ، والذي لم يتجاوز عمره 23 عاماً ، ففي مدة قصيرة أصبح نائب لزعيمة الحزب وعضواً في البرلمان الأوروبي ، فالرجل عرف بطلاقة لسانه أمام الصحافيين وايضاً بمواقفه العنصرية التى بات في الآونة الأخيرة يتجنبها مثل انتقاده للمنتخب الوطني الفرنسي لكرة القدم ، عندما قال بالحرف ، تحول إلى تكني كلر كفصل الربيع ، ( المنتخب يجمع ناس ملونين ) ، كما أنه أطلق توصيف صريح وقاسي على ساكن قصر الإليزية ، إذ لم يسلم منه ايضاً الرئيس الأسبق ساركوزي عندما وصفه بالأجنبي لأنه يهودي .

في الحقيقة مازلتُ حتى الآن أطرح على نفسي السؤال إياه ، هل من سبيل للسياسي تحقيق السعادة للناس أم وظيفته تقتصرعلى تكملت آلام ، وبالتالي لم تنحسر في حقيقة الأمر التغيرات في حزب الجبهة الوطنية الفرنسي ( اليميني ) على الفئة العمرية بقدر أن لوبان الابنة أدركت مؤخراً أن محاكاة الشعب لا تبدأ إلا من تغير الخطاب التقليدي والانفتاح إلى كافة الفئات المتنوعة ، وهذا استدعى اولاً أن تقدم على خيارات صعبة ، كان المؤتمر العام للحزب الأخير قد أبعد الكثير من مفاصل الاساسية والمراكز القوى للحزب ، والذين اشتهروا بخطاباتهم المتطرفة تجاه المهاجرين وفي مقدمة هؤلاء والدها المؤسس للحزب ، جان لوبان ، فهؤلاء إعتاد الشعب الفرنسي على لغتهم الحادة والتى انحسرت بين الترويج لكراهية المهاجرين وتسويق فيلم الاسلاموفوبيا دون التفريق بين المسلمين والجهات المسلحة ، أو العنصرية تجاه اليهود وغيرهم ، وبالتالي ينتقل اليوم حزب لوبان الابنة إلى الخطوة الأخرى والأهم ، بشاب يخلو رصيده من التصريحات المستفزة التى أثارت الدهشة لدى شرائح عريضة من المجتمع الفرنسي ، وهذا الانقلاب التى احدثته مارين لوبان ، انعكس بالفعل على نظرة الناس نحو الحزب ، بل بفضله حصل الشاب جوردان باديلا عندما خاض الانتخابات البرلمانية الاوروبية على تبرعات بلغت 11 مليون دولار .

لم يغيب الفكر اليمين المتجدد الحالي عن النهج السابق ، يعود الفكر اليميني بشكله المعاصر إلى المفكرين فرديك نتشه ابو الفلاسفة كما يسمى بالغرب وأوزنالد شنجلر ، لقد قاما الرجلان بتجديد الفكر اليميني والذي ينتمي له معظم شباب الغرب ، ولانهما نجمان ساطعان ليس فقط بالفكر اليمين بل في الدعوة إلى ضرورة العمل على النهوض باوروبا من جديد ، ولزوم بوقف الانحدار الحاصل آنذاك ، قبل أن تتدهور الأمور أكثر من ما هي عليه ، وقد أطلق نتشه على حال اوروبا مصطلح ( التفسخ الثقافي والاخلاقي ) الذي نتج عنهما الحرب العالمية الأولى والثانية ، وأثناء المتغيرات ، تحديداً خلال الثورات التى شهدتها كل من فرنسا والمانيا والنمسا والمجر وايطاليا والدنمارك والافلاق وبولندا ، كان قد دار سجالات ومناقشات حادة وواسعة حول أفضلية التوجه بعد الملكية ، هل تتوجه اوروبا نحو البرجوازية المتحكمة بالمال أو الديمقراطية الليبرالية ، وبقى السؤال المركزي ، هو ما مدى جدوى الديمقراطية الجماهرية أو البلشفية التى بدورها ستجعل الحكم بأيدي الجماهير ، أي سيكون الحكم للكم وليس للكيف الذي يمكن له هدم كل شيء إبداعي ، وهذا تماماً ما اطلق عليه لنين قائدة ثورة التغير ومؤسس الإتحاد السوفياتي ، ( ضرورة دراسة التناقص في صميم جوهر الاشياء ) ، وعلى رأسها ، النشوء في بيئة اجتماعية التى تمتلك من خلالها الوعي والقدرة على التفكير والتخطيط وإنتاج الإبداع ، وبالتالي المعركة تجددت مجدداً بين ماركس المفكر الاشتراكي واليمينين نتشه وشنجلر ، فالأخيران أرادا رفع الإنسان إلى مكانة خاصة ، مقابل ماركس ، جعل من كل شيء مادة اقتصادية ، بل قدم ايضاً دارون نظريته التى ذهب إلى أبعد من ذلك ، عندما حاول إثبات بأن الإنسان تعود أصوله إلى الحيوان ، في الجانب الآخر ، صنف فرويد الإنسان وثقافته إلى مجموعة من الانشطة الجنسية ، وبالتالي نتشه عندما حاول اختصار رؤيته بين ما سماه بالحبل المشدود بين الإنسان الاعلى والحيوان الأقل شأناً ، كان يُصرّ على وضع الإنسان ضمن الناتج الإرادة وليس مجرد كونه طفرة تطورية ووراثية ذات طابع عشوائي كما وصفها دارون ، إذنً لا يمكن تجاهل بأن الإنسان على سبيل المثال ، هو الوحيد على كوكب الأرض مهيئاً لكي يتعلم الكتابة بلقلم والذي شكل له هذا الامتياز جملة ثقافات وفنون خاصة لا يمكن لها أن تتحقق بين مخلوقات أخرى .

لقد أنتجت الديمقراطية طبقة التاجر كبديل عن شريف الدم والعلوية والتى سمحت للغريب التملك في المجتمعات الغربية والتحكم في سياساتها ، وهذا ما أشار له شبنجلر صاحب المقولة الشهيرة ( المال شكل من أشكال التفكير ) ، حول معارضته للديمقراطية لأنها تؤدي إلى انحلال المجتمع وتجعله عرضت للتفكك التى بدورها تساهم في إنتاج ثقافات وفنون رديئة ، وبالتالي الشخصيتان نتشه وشبنجلر حاولا تطوير المورفولوميا الاجتماعية ( علم الاحياء ) ورفع مِّن مكانة الثقافة فوق الاستنباطات الاقتصادية والجنسية والحتمية الجينية ودحض كل ذلك لصالح القيم الإنسانية لتكون رؤية متكاملة للعالم ، إذنً ، لم يكن الخط اليمين يتيماً أو مشرداً بلا مفكرين على الإطلاق، لقد شهد حركات تصحيحية منذ نتشه ، لكنه أخفق بعد ذلك في تمثيل نفسه لأن الشخصيات التى تتصدر المشهد والخطاب وسرد الحكاية ، كانوا دائماً منفرين واختزاليين ، فاليمين بلا شك ، يسعى جاهداً لإعادة الريف إلى حياته الطبيعية مع وضع حد لتفوق المدينة ، التى تتوفق دائماً على حساب الريف ، بل يجتهد للحد من المنظومة المالية التى كما يعتقدون حلت مكان القيم التى تمثلها الاستقراطية التقليدية ، فالمال في النظام الليبرالية الديمقراطي أو في الاقتصاد عند الماركسيين البلشفيين تحول إلى دين ، لقد حل مكان العائلة والنخب أو الصفوة .

كان في الماضي خسارة اليمين المتشدد بمثابة الانذار الاعظم لمواصلة الصراع الدائر بين الديمقراطية لليبرالية واليمين المحافظ على القيم الريفية ضد المنظومة في المدينة ، لقد انتج الصراع سلسلة حقول من الالغام ، ولأن المدينة هجين تتيح لأي رجل أعمال التفوق على البرجوازي الكسول ، مثلاً ، أو العامل المجتهد يحل بسهولة مكان ابن البلد الخامل ، وهذا كله لم يكن له أن يحصل لولا النظام الديمقراطي المعتمد على انماط المدن ، بل هناك حرباً تخاض بسرية تامة ، بين أتباع الاجهاض وعدم الإجهاض، فاليمين المحافظ يدرك حجم مخاطر الإجهاض الذي سيمكن الغرباء من الوصول لسدة الحكم ، بالإضافة إلى ذاك وتلك ، استطراداً ، سيطرة المنظومة البنكية الرباوية على المجتمع ، أفقدت البرجوازية اليمينية التقليدية مقدرات الحكم تماماً .

يخطئ اليمين المحافظ عندما يعتقد أنه قادر على صنع انقلاباً خالصاً لصالحه ، لقد تعودت المجتمعات الغربية على أنماط الديمقراطية واللبرلة ، لم يعد ينفع دفع عقارب الساعة للعودة إلى الماضي القديم ، بقدر أن الغرب بحاجة إلى نظرية جديدة تجمع بين اليمينية الصاعدة والليبرالية المتجذرة ، غير ذلك ، سيتعرض الغرب للتفسيخ . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا -غارقة في المجهول-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان، من س


.. هل فرنسا قادرة على تشكيل -ائتلاف حكومي-؟ • فرانس 24




.. -مواجهات محتدمة- وإطلاق الغاز المسيل للدموع في ساحة الجمهوري


.. رفع علم فلسطين على جسر موستار الأثري بالبوسنة والهرسك




.. عاجل| 10 شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي على جباليا النزلة