الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-النخب- العراقية تخون تاريخها؟/1

عبدالامير الركابي

2021 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


فرض على العراق ابان مايعرف بالعصر الحديث ان يتقمص كمساحة،صورة "الوطن"، ومن يسكنونه صفة “الشعب"، مع كيانيه، ودولة، كلها خارجه عن المفاهيم التي تحال لها ولماهي قائمة عليه في بلاد المنشا المقاسة عليها، من جهة أخرى وبذات الوقت هي وكما انشئت، وجدت غريبه عن، ولا تتفق مع الحقيقة الكيانيه التاريخيه لهذا الموضع من العالم، فعلى خلاف النموذج الغربي. كان العراق حين أقيمت فيه الدولة عام 1921 مايزال غير مكتمل تشكلا، الامر الضروري الحاسم قبل ان يكتسب شروط ماهو معروف في الغرب الحديث المعاصر من نموذج ( الدولة/ الامه)، هذا سوى ان ماقد عرف من اشكال كيانية غربية حديثة، لاصلة تصله بماهو من قبيل القاعدة الكيانيه المميزه تاريخيا لهذا الموضع، والتي هي صيغة كيانيه امبراطورية لازمت تشكل واكتمال صيغة هذا المكان من العالم ضمن الشرق الأوسط، والتي لم يعرف غيرها خلال تاريخه الطويل بدورتيه، الأولى والثانيه الشهيرتان على مستوى المعمورة.
ومما ظل يلازم تاريخ تشكل العراق، ويحكمه كقانون ثابت، متوالية الدورات المنتيهة بانقطاعات تاريخيه يغيب فيها العراق عن الساحة، الامر الذي يجد تفسيره في طبيعة البنيه والكينونه التاريخيه لهذا الكيان، بماهو كيانية ازدواج مجتمعي لاتتوفر فيه امكانيه غلبة اوسيادة احد مكونيه المجتمعيين على الاخر، مايفرض بناء عليه شكل التحقق الكياني الامبراطوري ويمنحه صفة تطبع كينونته الإمبراطورية، فتميزها بالهشاشة البنيوية مقابل الصلادة التي تطبع البنى الإمبراطورية العبودية الاقطاعية، الأحادية، الشرقية منها والغربيه، في حين تظل الديناميات المحركة في هذا الموضع في حالة احتدام متعدد المصادر والأسباب،من البيئة المجافية كليا، والمحيط، تستمر حاضرة ومتداخلة بما يمنع إمكانية انتهاء الدينامية الى قرار،أوحلول نوع من الثباثية الملازمة للاكتمال.
الخاصية الاخيره تخضع هذا المكان لمايمكن ان يطلق عليه،ظاهرة تجدد الخاصيات المجتمعية بالارتباط مع حالة الغياب والانقطاع ومن ثم الانبعاث، ومايلازمه من عملية تاريخية بنيوية مرافقه، الامر الذي يجعل من المجتمعية هنا ويبقيها في حال صيرورة وتشكل لاتكتمل الا باكتمال كيانيته الازدواجية التي تظل رغم ذلك، ومع اعلى صيغها الإمبراطورية، لاثباتية ولانهائية، مفتوحة على مابعدها، ومع ان الخاصيات الأساسية الموكلة الى البنية الأصل والكينونة، تظل هي نفسها كاساس ناظم بين الدورات التاريخيه، الا انها تعرف متغيرات جانبيه هامه أحيانا، وصعودية تتولد عن الاشتراطات التي تواكب وتلازم حالات الصعود وعودة التشكل، او الانبعاث، بما يجعل المقياس او المسطرة الواجب استعمالها لقياس الظاهرة المجتمعية هنا، متغيرة حكما بحسب العوامل المرافقة والمؤثرة بعملية التشكل وكيفيات وظروف انبثاقها، وتطورها، بين الأولى السومرية البابلية الابراهيميه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، والثالثة الحالية التي ماتزال مستمرة، لم تبلغ بعد غايتها التشكلية المبتدئة منذ القرن السادس عشر الى اليوم، من الأسفل الى الأعلى كما هي القاعدة، ( سومر في الدورة الأولى، والكوفة والبصرة وارض السواد في الثانيه، قبل هروب العباسيين من الكوفة، والتوطن في بغداد هربا من المجتمع الأسفل، ومن سومر الحديثة ارض المنتفك في الدورة الثالثة الحالية)والتي ماتزال تسير صعدا باتجاه تحققها واكتمال مقوماتها.
وليست الاختلافات المراحلية التشكلية مما يمكن التغاضي عنه او تجاهله، فهو بالأحرى أساسي ويتعلق بواحدة من اهم خاصيات هذا المكان وتفاعليته التكوينيه مع محيطه والعالم واشتراطات تحققه النهائي الذي يظل مؤجلا خلال الدورتين الأولى والثانيه، وهو مايقع بباب اهم ملامح هذا المكان ومححدات وجوده ودوره على مستوى المعمورة، فارض مابين النهرين ليست، ولم تكن يوما كيانيه "محلية"، وهي لاتتجسد "وطنيا" من ناحية الفعل والضرورة، ومانتحدث عنه هو كيانيه ونموذج كوني الحضور، ليس له تحقق الا بصفته تلك، تلازم تشكله الأول مع ماانجزه من حزمة أسس "حضارية" ارضوية" بدئية"على المستوى الكوكبي،بجانب الرؤية الكونيه الابراهيميه " دين البشرية بغالبيتها"، وتلازم الطور الثاني مع المنجز الإسلامي / الامبراطوري، الممتد شرقا وغربا، كركيزه ومنتج مابعد جزيري، والدورة الثانيه التي نقصدها هي تلك التي ابتدات في الجزيرة العربية انطلاقا، وادت لإزالة وطاة الاحتلال الفارسي، واطلاق الاليات البنيوية العراقيه المعطلة في حينه لاسباب متداخله ذاتيه واحتلالية، ماادى الى توقف الدور الجزيري الافتتاحي التحريري، بعدما اسهم في اطلاق دورة تاريخيه عالمية أساسها عودة التشكل الرافديني وحضوره الامبراطوري على مدى خمسة قرون.
ومن الجدير التوقف هنا لإزالة بعض الالتباسات التاريخيه الراسخه في الاذهان، والتي واضب الكل على تكريسها مجملا تاريخ الدورة الثانيه المبتدئة في القرن السابع بداية في الجزيرة العربيه، بما حدث هناك وانطلق منها، من دعوة وفتح ازاح الامبراطوريات الجاثمة على منطقة الاحتشاد النمطي الشرق متوسطي ابتداء، وادى الى عودة الاليات التاريخيه الرافدينيه للفعل، ولاطلاق عملية التشكل الثانيه، حيث لم يعد الإسلام من وقتها جزيريا، وصار عراقيا مرتبطا بكينونة العراق وبنيته واليات تشكله، الامر البديهي والمنطقي في ارض هي المنطلق الأول، والمنتج التاسيسي بنيويا للابراهيميه التي هي قاعدة الثورة المحمدية العقيدية النبوية الأخيرة( يمكن تشبيه الامر لهذه الناحية بالعلاقة الراهنه بين الماركسية واللينينيه)، ضمن سلسلة ومرحلة الابراهيميه النبوية الرافدينيه.
ينقسم تاريخ الإسلام الى "طور جزيري"، وطور "رافديني ابراهيمي ثان"، من البداهة ان يظهر وقتها لكي يمنح الحاصل وقتها صفته التاريخية المجتمع تعبيرية، المطابقة والمتفقة مع ماهو مولود ضمنه، ومن بين تضاعيفه، بالأخص من ناحية عودة الابراهيمية الى ارضها، وتجدد عمل الياتها، وهنا نكون، كما سبق ونوهنا، امام اول حالة انبعاث وعودة تشكل رافدينيه غير موكولة الى العوامل الذاتيه البحته، بقدر ماكانت من حيث الفعل، المنطلق، والمادة البشرية الوافده ـ ما عدا الاليات ـ غير محلية، وهو شكل التغيير الهام الذي طرا خلال الدورة الثانية على الاليات الرافدينيه، واسبغ عليها بعض اختلافات هامة، بالمقارنة بالتشكل الأول السومري البابلي الابراهيمي.
ويعني ماتقدم ان ارض الرافدين عرفت طورين من التشكل بعد انقطاع دام من سقوط بابل 539 قبل الميلاد، الى636 ميلادية، هما طوران محكومان الى اليدوية الإنتاجية، غلبت خلالهما، مع الاختلاف في البواعث والمسببات، الاليات الذاتيه والبنيه الأساس الازدواجية الإمبراطورية الموكولة جوهرا الى التحولية، ماقد نجم عنه تحوير للعقيدة والمادة الجزيريتان بناء للاشتراطات الرافدينيه، فاكتسب الإسلام خاصيات: (المذاهب الفقهية، والتشيع بتياراته، والامامية محل النبوية كرمزية استمراريه عقيدية، والاسماعيلية، والخوارجية، ومفهوم البشر الاله التصوفي الحلاجي، واخوان الصفا، والمعتزلة، وصولا للقرمطية، غير الحزمة الهائلة من المنجز التعبيري الفكري الادبي الشعري، والتقعيدي اللغوي الشعري التاريخي..الخ)، الموكول كله لانبعاث وحضور البنيه الرافدينيه، الأعلى تكوينا وديناميات بما لايقاس، مقارنه بالجزيرية العريبة حيث مجتمعية اللادولة الأحادية الاحترابيه الخاضعة لاقتصار الغزو.
حضور البنيه الازدواجية العراقية الكاسح المشار اليه في أعلاه، وطغيانه على الدورة التشكلية الثانيه، لم يتكرر اليوم في الدورة الثالثة، على الأقل فيما قد عرف الى الوقت الحاضر من تاريخ الدورة المستمرة من القرن السادس عشر، مع عودة التشكل المجتمعي الأول الرافديني ممثلا ب "اتحاد قبائل المنتفك"، ذاتيا من جديد، وكما كان عليه الحال في الدورة الأولى في نفس ارض سومر جنوبا، من دون تدخلية برانيه، بل بمواجهة ثقل الموجود من اثار انهيار الدورة الثانية، اذ امتازت عودة الاليات للعمل منبعثة من جديد اليوم، في ظل الاحتلال، ومتبقات اثار الدورة الثانيه وانهيارها بعد سقوط بغداد عام 1258 ، وتحولها الى عاصمة امبراطورية منهاره، يتعاقب عليها المحتلون البرانيون بظل غياب العراق ومجتمعيته المختفية تحت طائلة الانقطاع.
هذا الطور او الدورة الثالثة من التاريخ، يختلف كليا عن الدورتين السالفتين، وبالذات الثانيه منهما، فعلى الرغم من انه ابتدأ "ذاتيا"، وبناء على يقظة الاليات البنيوية التاريخيه بذاتها،مثل الدورة الاولى، الاانه عرف حالة مخالفة، لابل معاكسه كليا للثانيه، وبينما تحولت الكتلة البشرية الاتيه من الجزيرة العربية وقتها، الى رافدينيه، وانقلبت تكوينا لتخضع لاليات الموضع الذي استقرت فيه فتعرقت، (1) ظهر في الطور الراهن الثالث، نوع من التعبير الاسقاطي الاكراهي، مارسه أبناء المكان، ومن ولدوا فيه ونشاوا باعتبارهم ابناءه أبا عن جد، فاذا بهؤلاء يمثلون حالة خروج على الكينونه، وخيانتها، لصالح نموذج براني، كان قد ساد وغلب تحديدا بعد القرن التاسع عشر، وبصورة اخص في الثلاثينات من القرن العشرين، بعد الاحتلال الإنكليزي للعراق، حين اخذت الحزبية الايديلوجيه الاتباعية المنقولة تتكامل بنية.
مظهر من هذا النوع، وقبله تحول بعض المجموعات الى مادة ل"الدولة" المشكله برانيا، خارج النصاب المجتمعي الازدواجي، وبالضد من مقتضيات التشكل الوطني، على يد الاحتلال عام 1921، اوجد خلال هذه الدورة، خاصية بارزه، كان من شانها ان طبعتها لتمنحها بعدا وملمحا جديدا خاصا، لم يسبق ان عرف مايماثله في الدورتين السالفتين، اهم مايميزه كونه قد رهن اليوم اكتمال تشكل العراق، بالبعد العالمي، وبالترابط الوثيق مع سيرورة الاليات التفاعليه المجتمعية الكوكبية، مايذكر بالدورة الأولى ومكانها في العملية المجتمعية الكوكبيه، باعتبارها حالة بكورة تمهيدية، واستثناء على مستوى المعمورة.
مع التشابه في الجوهر، يظل هنالك فارق أساس بين الحالتين، ومنطوياتهما التشكلية، يتمثل في الحالة الراهنه الحديثة اليوم بالذات، في حضور قمة التشكل المجتمعي الأحادي الأوربي على مستوى المعمورة، داخل البنية العراقية، وتحول عملية التشكل هنا بناء عليه، الى حالة تشكل صراعي(وطن / كوني)، بين الازدواجية المجتمعية غير المجسده، ونمطها، والانشطارية الطبقية الغربية اعلى وارفع المجتمعات الأحادية ديناميه وتعبيرا ابان لحظة، هي قمة ونهاية تجليها وغلبتها النموذجية، قبل تجلي الازدواجية المجتمعية التحولية الرافدينيه، نموذجا مقابلا.
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يحلو لبعض من ينتمون لمايسمى بالافكار "القومية العربيه" متابعة مسارات الانتشار الجزيري في المنطقة العربية الراهنه، مطلقين عليه تسمية "التعريب"، مستندين بذلك لعامل اللغة واثره بالمقام الأول، باعتبار انهم لايعرفون شيئا عن النمطية البنيوية وفعلها .. وحضورها في حالة العراق، و"تعرق" العرب ممن سكنوها بعد الفتح، وقد يكون الدكتور عبد العزيز الدوري، اهم هؤلاء من بين المؤرخين المحدثين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا