الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والدموع في رواية ممر الى الضفة الاخرى

ابراهيم سبتي

2006 / 7 / 23
الادب والفن


في تاريخ كل امة مواقف واحداث تسجل بزوايا متعددة وتكون نقطة الاشتغال عليها راعية لكل اجزاء الخطة العصيبة التي مرت ربما كادت ان تقهقر نفوسا كثيرة ….
وقد تسجل بذكاء يؤدي الى سحب الحدث الى زاوية الضوء وبالتالي جعله مبهرا كحقيقة مطلقة لاتحتاج الى كثير من التزويق …..
وفي حياة كل شعب تواريخ متعددة وازمان متعاقبة قد لاتبدو كلها مهمة بقدر تلك الدقائق التي ينحسر فيها كل شيء الاالموت فهو الحقيقة الاولى الماثلة امام كل من يفكر بأن يصرخ بوجة الظلم ويلعنه….
وهكذا تولد القصص المثيرة التي تعلق في الذاكرة … تلك الومضات المشرقة المؤرخة لاحداث جسدتهاالوثائق وارشفة الكلام ربما .. ولما كانت الكتابة الادبية هي لغة الافهام وا التنوير واتضاح القصد .. فأن الرواية المسجلة لوقائع مهمة والمكتوبة بعيدا عن الجمود او القصورستكون وثيقة خالدة لايام لايمكن ان تروى شفاها فحسب.. عندها نكون قد حصلنا على وثائق حية عن مرحلة ساخنة مرت بالعراق في الستينيات .. وهي من اخصب الفترات سياسيا وفكريا ، اذ بدا الوعي التفاعلي يتجسد لدى الناس واخذت ملامح الصورة تتضح اكثر مع بزوغ الثورية كهدف وطني نبيل يسعى الشرفاء لتطبيقه على الارض خارج انطقة التنظير والمساومات والافكار الهشة المرتبكة ..والرواية اذن سجلت بوعي تام مرحلة كفاح لم تأخذ نصيبها من التدوين نتيجة المصير المروع الذي ينتظر من ينقب فيها ويظهرها الى السطح .. رحلة كفاحية يتمنى كل كاتب صادق ان يدلو بدلوه فيها لانها ستكون بمثابة تتويج لرحلته في الابداع .. احمد الباقري المترجم والشاعر والقاص كتب روايته الاولى ( ممر الى الضفة الاخرى ) وهو يرسم معالم طريق طويل من الكفاح ضد الطغيان باسلوب قريب الفهم لكل قاريء ، لانه يعي حقيقة واحدة وهي ان عمله هذا يجب ان يقرأ من الجميع دون استثناء ، فهو لم يكتب رواية رمزية او سريالية اويدخل في عوالم المتاهات والغموض ، بل اختار ان يكون الطريق اسهل وبسرد مبسط ليوصل رسالته .. رواية ( ممر الى الضفة الاخرى ) حكاية الطريق الى الحرية .. الى الحياة بعيدة عن القيود والظلم .. مجموعة من السجناء السياسيين تهرب بجرأة متناهية من سجن الحلة الكبير بحفر نفق والتوجه نحو الكفاح المسلح في الاهوار .. العملية كتبت باسلوب مثير ومدهش وغرابة الموقف ان الخطة كانت محكمة لايعلم بها حتى السجناء الاخرين .. المجموعة التي عانقت الحرية تتجه نحو الاهوار في جنوب العراق لتنتظم في مجموعات مسلحة مقاومة ضد النظام في فترة الستينيات ولتبدأ مرحلة جديدة من الكفاح الصعب. فكانت الرواية تسجيلا حيا لوقائع الحرب على الارض من اجل قضية شريفة نذروا فيها الارواح رخيصة من اجل المستقبل .. وفي قراءة تحليلية نجد ان الثيمة الاساسية تتفرع الى ثيمات اخرى رغم ان الحدث الرئيس لم يتغير وساعدته تلك الثيمات المتفرقة في الوصول الى الذروة رغم انها ( الفرعية ) مرت بلحظات تشظي مقصود متجنبة حالة التماهي التي من الممكن ان تصيب النص في التفرعات احيانا .. لقد استطعنا ان نستشف كثير من معاييرالتميز فوجدنا قيما انسانية وحقد وبغظاء وبطولة وسيرة تتوزع على صفحات الحدث المروي دون ان نشعر باننا مللنا او نحتاج الى وقت مستقطع ، فلا تفكير بهذا ونحن نتابع مجموعة الشجعان الذين ملكوا ارادة قوية وقرروا التوجه نحو الحرية عبر نفق حفروه بصبر واناة وتحد سافر للنفس والحرس المدجج بالسلاح والرعب.. وفي قول كلود سيمون صلة ( الكتاب الذي يسبب لي الملل ارميه بكل بساطة هذا ما افعله عندما احس انه لايمتعني ، نحن نستطيع ان نقرأ ما يمتعنا ) ..
تتخذ لغة الباقري في( ممر الى الضفة الاخرى ) مسارات متقاطعة لاتلبث ان تلتقي في محور واحد يوصل المتلقي الى مبتغاه في فهم وتفسير الاحداث بلغة همس شفيفة ، وكان حاذقا في تعامله مع اللغة كما هو الحال مع الشخوص . فكانت مداراته لسير اللغة تنم عن وعي بمفاهيم وتركيب الجمل الاعتراضية والاستفهامية والخبرية مما جعل نسيج السرد متنوعا رغم انه يبدأ منذ اولى الكلمات عرضيا ويتنامى بعد ذلك ليصل الى الشد والاثارة . اما التعامل مع الشخوص فقد كان ذكيا واختار شخصية ( باسل عبد السلام مصطفى ) الراوي بضمير المتكلم فجعله محورا لكل الاحداث وبنى عليه كل الرواية فكان يقلب صفحات الماضي المثير بمذكراته التي صاغها احمد الباقري بحنكة الاديب الحاذق رغم انها الرواية الاولى التي يكتبها طيلة حياته الادبية الزاخرة والتي وصفها باهدائها لي ( كانت تحديا كبيرا لقدراتي الادبية وكنت اتردد في الدخول الى ميدانها الشائل ولكني لويت عنقها وجعلتها كالفرس المطيعة تحتي ) .
من الوجهة الاخرى نجد الرواية سجلا حافلا لتاريخ شبه منسي او يكاد ، وضرورة التعرف عليه من قبل الاجيال التي ربما تجهل كل شيء عن واقع ثورة الاهوار التي اطاحت بكبرياء النظام وجعلت من الارادة التي امتلكتها مجموعة من الشباب شعارا للبطولة التي دوخت السلطات ومديرية الامن المرعبة وقصر الرحاب .. اننا نحاول جاهدين ان نحصر دمعتنا من التزحلق من مآقينا لحظة انتهاءنا من القراءة ، ولكن الباقري جعلها حكاية الشد منذ المحاولة القرائية الاولى . يقول بيكت عن الكتابة ( هذا كل ما انا جيد فيه ).. احمد الباقري لخص حياته الادبية في عمله الممتع هذا وهو العمل الذي دارت احداثه في فترة الستينيات وشخصياته حقيقية الا ان الكاتب غير في اسمائها لضرورة السرد الادبي .. انها صفحات مجيدة مطموسة من تاريخ العراق بعث الباقري فيها الحياة كي لا تدفن في وادي النسيان كما كتب الباقري في اول صفحة من روايته ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي