الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن الصعب

بشير خلف

2021 / 1 / 30
الادب والفن


نصُّ الفجيعة، والطفولة المجروحة
وصلتني في الأيام الأخيرة رواية" الزّمن الصّعب" للأستاذ الجامعي: الروائي، الشاعر الجزائري عميش عبد القادر التي صدرت سنة 2020م عن دار خيال لصاحبها رفيق طيبي، من الحجم المتوسط 152 صفحة في طباعة أنيقة، وإخراج راقٍ.
ظلت ثورة التحرير الجزائرية حاضرة بقوة في الرواية الجزائرية كنشيد يـُحتفي ببطولاتها وأمجادها وتاريخها، واستمر تأثير الثورة على الكتابة الأدبية لمدة طويلة وكان هذا طبيعيًا لأنها مثلت صرخة مدوية في وجه العالم؛ ولذا نادرًا ما نجد نصًا أدبيًا يخلو من ملامحها. رواية (الزمن الصعب) تندرج ضمن هذا السّرد الروائي الثوري؛ فالأدب ينقل التجربة الإنسانية من مستوى الحدث العادي إلى الـمُتخيل، والمسافة الفاصلة بين الواقع، والخيال هي بالضبط التي تمنح لهذه التجربة مغزاها، وتجردها من الزمان والمكان لتسِمها بالخلود، وُتُـــصبِغ عليها طابع الأنسنة.
الرواية وإنْ كانت تتحدّث عن واقع تاريخي أثناء الثورة عاشه الكاتب واقعٌا وهو طفلٌ مع أسرته في ولاية الشلف في رحلة مأساوية من منطقة مسقط رأسه إلى مركز احتشاد بمحاذاة" تاوقريت" بولاية الشلف، ذاقت الأسرة مع غيرها من الأسر الجزائرية النازحة التي دمّرت فرنسا مقوّمات حياتها، واضطرّت إلى النزوح، وعاشت سنوات الثورة، والفقر، والمرض، وانعدام مقومات الحياة الضرورية.
الراوي الرئيس في الرواية (كاتب الرواية) التي قدّمت أسرتُه أخاه الكبير" حساين شهيدا" للوطن، عايش كطفل كل تلك المآسي، والفجائع رفقة إخوته، وأخواته الصغار مع والدتهم التي احتضنتهم، وعانت الأمرّيْن من فرنسا الاستعمارية. راوي الرواية تلكم الأحداث، والفجائع عاشها، وارتسمت في ذهنه بكل تفاصيلها فكانت رواية" الزمن الصّعب" التي ربّما البعض يتصوّر أنها نصٌّ تاريخي؛ بل هي نصٌّ روائي جميل بلغة عربية رقراقة، وأسلوبٍ عذْبٍ يشدّ القارئ إلى النصّ من الصفحة الأولى، يلهث وراء تسلسل الأحداث، ومآسيها، ومعاناة شخوصها. الرواية وازنتْ بين الأحداث التاريخية الحقيقية، وبين المتخيل الروائي.
«.. يتحدّثون عن المداهمات الليلية المفاجئة، وأشياء أخرى تخدش تلافيف الذاكرة؛ وكنت بدوري أتابع توهّج ألسنة النار داخل الكانون، وهي تتراقص، تخمد ثم تهمد راقصة أكثر؛ فجأة ارتجفْتُ وقد أُصبْتُ بذُعْرٍ اصطكّ له جسدي كله عندما تحرّك الشيء أمام وجهي، وكدْتُ أصرخ لولا أنه قال في هدوء، وبصوْتٍ مكتومٍ:
ــــــ لا تخفْ إنها يدي، خُـــــذْ هذه حبّات فولٍ فقط. ص: 33»
مؤاخذتي على النصّ الروائي خُلوّ الأحداث المعايشاتية في محتشد " الزمالة"، وقرية " تاوقيرت" المحاذية، وتنكيل جنود فرنسا، وحرْكاها بالسكان، ومجيء بعض المجاهدين خفية، أنْ لا هجوم على الكولون الذين ملكوا كل شيء، واحتقروا السُّكان وكلما التقوا بأحدهم، وحتّى الأطفال لم ينجوا من تسمية الجميع " المقملين الوسخين"، كما أن لا معركة وقعت في محيط المحتشد، ولا هجوم على المركز الفرنسي " دوزيام بيرو" الذي يتحكّم في المنطقة، وقائده" القبطان يتنقّل كما يشاء، ويغتال المواطنين، والمجاهدين كما يشاء إلى أن جاء قرار وقْف إطلاق النار مارس 1962م
كُــلُّ منْ عاش سنوات الثورة كلها، أو السنوات الأخيرة منها في المدن، أو الأرياف، أو القرى يعرف أن فرنسا مثلما أرعبت الجزائريين، ونكّلت بهم، وأينما تمركز عساكرها، وعملاؤها كان المجاهدون لهم بالمرصاد، (الرّعب المتبادل)، فالنصّ الروائي كبّل الكلّ، وأسلمهم لمصيرهم السلبي، وشلّ أيّ تعاون منهم مع الثورة من حيث تبليغ تحرّكات العساكر، والحركى، والعملاء المحليين؛ كما الثورة تركتهم يتحرّكون، ويمارسون عنجعيتهم بوحشية.
نصٌّ روائي ماتعٌ، يستحقّ القراءة المعمّقة.
بشير خلف/ كاتب من الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??