الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام عن البعثيين

جعفر المظفر

2021 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


كلام كثير يدور حول قضايا ذات علاقة بحزب البعث. هناك من هو مع الإجتثاث وهناك من هو ضده. الحزب حكم العراق لمدة خمسة وثلاثين عاما وقبلها لمدة تسعة أشهر بعد شباط من عام 1963. في الفترة التي تزعمها صدام حسين كانت هناك جرائم كثيرة ليس من الحكمة نكرانها وبداية من البعثيين أنفسهم, وقد شملت هذه الجرائم كل فئات الشعب, ولم يسلم البعثيون أنفسهم لأن قياداتهم القديمة شملتها المذابح على طريق تصفية الحزب والسلطة تمهيدا لإقامة نظام دكتاتوري وقبلي وجهوي بغيض وصولا إلى حالة التوريث, بمثل ما فعلها اسد دمشق وكان ناويا عليها مبارك القاهرة ومجنون ليبيا.
وأجزم أن صدام كان قد ذبح من هذه القيادات أضعاف ما ذبحه من قيادات أحزاب أخرى كالشيوعيين مثلا. طبعا أنا لا أتحدث عن ما جرى بعد شباط, فتلك تجربة تبحث على ضوء ظرفها وخصوصياتها دون أن يمنحها ذلك جواز العبور من كونها أيضا كانت تجربة للقتل والفوضى.
في المقابل لا أحد ينكر أن تجربة صدام في الحكم كانت قد حفلت أيضا بتحولات ذات طبيعة إقتصادية وتصنيعية لم يستطع النظام الحالي بكل مدخولاته المالية أن يؤسس لواحد بالمئة من مثلها, بل أن نكران ذلك سيضع الناكرين في خانة واحدة مع كل من يحاول تبرئة بعث صدام من جرائم تلك المرحلة.
نحن نحتاج إذن إلى إقترابات موضوعية وفكرية عادلة بعيدة عن الإسقاطات الذاتية التي تنكر بالمطلق أو تؤيد بالمطلق. وقبلها نحن نحتاج أيضا إلى تأشير كل محاولة ذاتية ترمي لغسل الذنوب بمسحوق غسيل إسمه صدام حسين لأن ذلك سوف يكون من نوع كلام الحق الذي يراد به باطل.
بالتأكيد لا بد من الإعتراف أن إسقاطات المرحلة الحالية لا تسمح كثيرا بدراسة محايدة من هذا النوع, فالذين ضدها مستفيدون من بقاء الحديث عن التجربة الصدامية, ويهمهم بقاء الحديث عنها لأغراض تتعدى قضية الإدانة الأخلاقية إلى أغراض التوظيفات السياسية البينية, أو تحقيق الشرعية تحت غطاء وعباءة المظلومية. ويجد هؤلاء ان التخلي عن الحديث اليومي عن جرائم البعث كالتخلي تماما عن شرعية وجودهم في الحكم, ومثلهم في ذلك مثل كاتب سياسي معروف بات يقدر أن نيزكا لو وقع على هونولولو أو أن فيضانا قد حدث في الصين فسيكون وراءه البعثيون أنفسهم, وسترى أنك لو حذفت هجوماته على البعثيين فسوف لن يكون قادرا على الكتابة أبدا. ومن أمثاله سياسيون وكتاب بتنا نشعر تماما أن تجاربهم الشخصية مع نظام صدام هي التي تقود أقلامهم وليست هواجسهم الوطنية.
وربما على طريقة كل شيء من أجل المعركة ليس من الصعوبة تبين ان هؤلاء باتوا على إستعداد للتغاضي عن كل المفاسد والجرائم والنواقص الحالية من أجل إشباع رغبة الإنتقام الشخصي أو الفئوي من صدام نفسه. ولم يعد غريبا بالتالي ان ترى ماركسيا, لا أشك بماركسيته, يتحول ساعة الحديث عن البعثيين وعن صدام وكأنه عضوا في حزب الدعوة, بل إني أحس ان شخصا كهذا بات مستعدا لأن يكون من حزب الدعوة, ناسيا ماركسيته نفسها, لو تراه أحسّ ان ذلك سيكفل له إستمرار الحملة لغرض التنفيس عن أحقاد, لن يكون من الخطأ التنفيس عنها, على شرط أن لا ينتج عنها خلط الحابل بالنابل وأن لا تكون مجرد مشهد من مشاهد الزفة.
ولقد تيقنت في محاورات عدة أن هناك شيوعيين مناضلين لم يستطيعوا تدارك الوقوع في فخ الطائفية القاتل مدفوعين بحالة العداء الفئوي ضد البعثيين فصاروا في فترة من اشد المدافعين عن المالكي حتى إني لم أقرأ لهم تعليقا واحدا ضد سياساته الطائفية. وحتى يوم أعلن نفسه مختار العصر وقائدا لحملة الإنتصار للحسين ضد أنصار يزيد, رأيت منهم صمتا ولا صمت القبور, حتى بت أشعر أن النكتة التي رويت في بدء الإحتلال تعليقا على جلوس الشيوعي الأول بجوار ممثل الدعوة والتي اشارت إلى تأسيس حزب مشترك بينهما بإسم حزب (شدعوة) ما عادت مجرد نكتة.
لكن كل ذلك ليس معناه التغاضي عن حقائق تاريخ كانت قد جرت فيه جرائم يشيب لها راس الرضيع بعد ان تحولت دولة البعث نفسها إلى دولة المؤسسة الأمنية القمعية وتحول البعث نفسه إلى حزب يعمل في خدمة القبيلة ويخاف أكبر قياديه من اصغر مرافق لصدام حسين. ويوم نتحدث اليوم عن مجاميع الأميين الذين باتوا يهيمنون على مفاصل الدولة فإن ذلك لن ينسينا تاريخا صار فيه العريف وزيرا للدفاع وجندي الإطفاء وزيرا للتصنيع وكان العمل فيه جاريا من أجل توريث الإبن مقاليد رئاسة دولة كان إستقر الأمر بها لكي تكون دولة رجل واحد لا دولة شعب واحد.
صحيح أن النظام الحالي "بَيّضَ" وجه النظام القديم, وفق ما نُقِل عن عجوز عراقية, لكن التاريخ لا يجوز قرائته على طريقة تلك العجوز, والأحزاب التي تريد البقاء إنما تستمد قوتها من ذاتها وليس من ضعف الخصوم, فيوم يذهب هؤلاء سوف تنكشف العورات مرة أخرى ويَبان الضعف الحقيقي على المكشوف ويكون الحزب في مواجهة عجز حقيقي عن مواجهة الحالة الجديدة التي كان قد اخفى نواقصه فيها وجود الخصم. وسوف يكتشف حزب من هذا النوع أن خصومه قد إجتثوه من مؤسسات الدولة لكنه هو الذي إجتث نفسه من مؤسسة التاريخ. وعلى الطريق نفسه فإن أولئك الذين يواصلون الحديث عن بعبع البعث ويُرجِعون كل أخطاء وجرائم النظام الحالي على أساس كونها موروثة من النظام القديم إنما يساهمون من حيث لا يدرون بجعل البعث حيا في الذاكرة العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طابور خامس للسلطة المافيوية في بغداد وكردستان
طلال الربيعي ( 2021 / 1 / 30 - 19:46 )
الصديق العزيز د.جعفر المظفر المحترم.
الكلام لا يقتصر على البعثيين. واني اتفق معك في إن العديد من الأشخاص يتهمون من ينتقد النظام الحالي بسعيه الى إرجاع العراق الى عهد صدام, وهي تهمة تدلل على خفة عقول هؤلاء وخصوصا اذا جاءت من شيوعيين تحالفوا هم, وليس غيرهم, مع صدام وحتى تواطئوا على تصفية رفاقهم الذين رفضوا الجبهة مثل الرفيق ستار خضير الذي مرت ذكرى استشهاده البارحة. وكان المدعو عزيز محمد على رأس المخبرين عن رفاقه المعارضين للجبهة والتسبب في تصفيتهم.
وليس سرا ان الشيوعيين هؤلاء يستفيدون من الوضع الحالي كوزراء ونواب برلمان ورواتب تقاعدية لذا يسلكون سلوك الطابور الخامس للسلطة المافيوية في بغداد وكردستان.
والذين يقفون بالضد من انتقاد العملية السياسية توجه له التهمة السخيفة ان المنتقِد يسعى بعودة العراق الى حقبة صدام. واصحاب التهمة هم, على الأقل في منطقهم, صداميون.
والحزب الشيوعي العراقي تحالف مع تيار الصدر وأغلبية جمهوره من البعثيين. و هؤلاء الشيوعيين يقولون
-لا تتركوا المالكي وحده أيها العراقيون-
ياسين النصير
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=138085
يتبع


2 - طابور خامس للسلطة المافيوية في بغداد وكردستان
طلال الربيعي ( 2021 / 1 / 30 - 19:48 )
و
الحلوائي - لا تتركوا المالكي وحده:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=149429
وكأن المالكي طفلا يحتاج الى الحزب الشيوعي او العراقيين لتبديل حفاضاته!
من السخف والابتذال اختزال مشاكل العراق في صدام. صدام راح فجاء من هم مثيله وبعضهم اتعس واكثر فسادا بما لا يقاس. كما يدلل على ذلك هذا الفيديو
-بهجت الكردي وكنس الفاسدين 244 :محمد الزيدي يفضح العميل برهم صالح رءيس الجمهورية العراقية بصفقات رشوة-
https://www.youtube.com/watch?v=0gtXAVNAOZQ&fbclid=IwAR2ks8rx5SypV73ynpexpdILaXd_voKvE89tf4imQbWM965OVyIhD3KtH9I
وهؤلاء أتوا الى السلطة على أشلاء مئات الآلاف من العراقيين. فما فرقهم عن صدام في الوحشية وسفك الدماء؟
مع كل المحبة والاحترام


3 - بعثا لبحث موضوعي
علاء احمد زكي ( 2021 / 1 / 31 - 00:25 )
تحية وبعد. برايي ان عدم وجود -دراسة موضوعية- عن اداء تجربة حزب البعث في العراق هو بحد ذاته تقييم لاداء البعثي، فهو كغيره لا يتقن غير شتم -الاخر-، واستخدام القسر والعنف لتحقيق اهدافه
الكل في الهوا سوا، فا يترى لماذا

دمتم بخير


4 - أخي الأستاذ الربيعي
جعفر المظفر ( 2021 / 1 / 31 - 17:32 )
أخي الأستاذ العزيز طلال الربيعي صاحب الفكروالقلم المتميز
شكرا على المداخلة التي منحت مقالتي عمقها الميداني وأغنتها بالكثير مما مر بك من دروس .
وتجارب, وأنت الأقدر على صياغتها بالوضوح المطلوب
هناك كتاب لأخينا الأستاذ إبراهيم أحمد بعنوان (ليلة الهدهد) فيه الكثير مما ذكرته في مطالعتك. إنها
خيبة الأمل بتلك الأحزاب التي زادت على وبال العراق وبالا وإنتهت هي أيضا إلى نهاياتها المأساوية جالسة في حضرة العمامة المتخلفة.
تحياتي وتقديري


5 - ليلة الهدهد
طلال الربيعي ( 2021 / 2 / 1 - 20:01 )
الصديق العزيز د. جعفر المظفر المحترم
كل الشكر على تعليقك وعلى أشارتك لرواية -ليلة الهدهد- للاستاذ ابراهيم احمد.
واود التنويه الى انه يمكن قراءة الرواية في
https://www.kutubpdfbook.com/book/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AF%D9%87%D8%AF/read
مع كل المودة والاحترام


6 - شكرا جزيلا
جعفر المظفر ( 2021 / 2 / 1 - 21:53 )
الأستاذ إبراهيم أحمد صديق نبيل نتبادل الرسائل من حين إلى آخر
الطبعة الورقية من الرواية أهداها لي صديق بعد أن إشتراها من عمان فور صدورها وأتذكر ان الصديق العزيز الأستاذ إبراهيم طلب مني ان أكتب تجربتي مع البعث مثلما كتب تجربته مع الشيوعي.
تقديري ومحبتي


7 - عار الانتماء
عفلوق ( 2021 / 2 / 1 - 23:49 )
لحزب-البعص- عار مابعده عار----يردون البعث يرجع الهتليه

اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و