الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف من موضوعة الإنتخابات المبكرة

عامر الدلوي

2021 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كما يبدو أن ظاهرة التسويف و المماطلة صفة لا تكتسب بالتطبع ولكنها تولد مع ولادة الطفل منقولة له عبر خارطة الجينات من الأب الذي قد يكون مؤمنا ً تقيا ً لا يؤمن بهما ولكنها تحدث كطفرة وراثية من الأجداد الذين كما يتضح من سياقات السلوك للأحفاد , آنهم خير خلف لأسوأ سلف .
و في ضوء التعمق في بطون كتب التاريخ نكتشف أن الكثير الكثير من مفردات هذه السلوكيات التي تحسب على هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها بوضوح في كافة التعاملات و من أعلى المستويات حتى أوطاها , فمن السلطان إلى الوالي إلى رجل الدين نزولا ً لأصغر العسس في الدولة و حتى المواطن العادي .
و في العصر الحديث أمتدت هذه الظاهرة و كبرت و نمت ولم تعد ضمن سلوكيات الفرد بل شملت سلوك دول بحد ذاتها و مراجعها الدينية و سلوك حتى منظومة التجارة العالمية لا بل إنه أمتد حتى ليشمل العلاقات الدبلوماسية بين الدول و حتى منظمة الأمم المتحدة التي أعتمدت هذا الإسلوب في بعثرة حلول النزاعات التي تقع بين الدول من أجل تأمين الرواتب الضخمة لموظفيها الذين ترسلهم لتلك الدول على أساس المساهمة في حل تلك النزاعات .
لكن أكبر وضوح لهذه الظاهرة تجسد في المهزلة الكبرى و أعني بذلك ما حصل في العراق ما بعد الغزو الأمريكي له و ما أنشأه الحاكم المدني لسلطة الإحتلال ( بريمر ) تحت مسمى ( العملية السياسية ) بعد العام 2004 و ما مارسته الحكومات التي أفرزتها تلك العملية من تسويف في وعودها التي قطعتها للشعب العراقي من مثل أن العراق سينتقل في فترة قصيرة إلى مصاف الدول المتقدمة و يضاهي اليابان و ألمانيا .
لقد كان من بوادر الدجل الكبرى و الذي خدع به القادمون على دبابة الغزو قطاعات واسعة من أبناء الشعب العراقي توزيعهم منشورات تتضمن التبشير بأن مفردات البطاقة التموينية سترتفع إلى 52 مادة لتشمل السلع المعمرة ومبلغ مالي بالعملة الأمريكية و بعد أن ( طارت السكرة ووضحت الفكرة ) كما يقولون تبخرت في ظل التسويف و الفساد الذي أستشرى في عهد ( راهب حزب الدعوة ) الوزير فلاح السوداني لتصبح البطاقة التموينية التي كانت على عهد النظام السابق غنية بالمواد التي تفيض عن حاجة العائلة فتبيعها أيام حصار الثلاثة عشر عاما ً المشؤوم لتقيم أودها , لتصبح لا تزيد عن أربعة مواد فقط و كما يقال اليوم فإنها لا تحتوي أكثر من مادتين .
نجحت حكومات الكتل الشيعية المتنفذة ( رغم مهزلة المشاركة الكردية و السنية ) في إستلاب الكثير من موارد و خيرات الوطن عبر إمساكها بالوزارات المتعلقة بهذا الشأن ( شأن تسهيل الإستلاب ) و كنتيجة لذلك فإنها فشلت في تحقيق أحلام المواطنين و أحالت فرحتهم بزوال النظام السابق و رأسه إلى مآتم جماعية عندما سَوّفت كل وعودها بتوفير الحقوق الإنسانية التي نص عليها دستورها المستورد .
هذه الإمور جاءت مجتمعة لتسبب إنتفاضة جماهيرية كبرى في بغداد و محافظات الوسط و الجنوب إندلعت بداية شهر تشرين الأول 2019 و لم يخمد أوارها لحد اللحظة كنتيجة حتمية لتراكم الإحتجاجات السابقة التي تفجرت منذ 25 شباط 2011 و استمرت في الإندلاع بشكل دوري كلما تزايد فشل السلطة في إيجاد حلول للمشاكل المتفاقمة بسبب الفساد الإداري و المالي الذي تفشى ليضع العراق في مرتبة متقدمة بالنسبة للدول الفاشلة .
لم يشهد العراق الجديد قمع أشد و أشرس من القمع الذي أستخدمته حكومة عادل عبد المهدي ضد الإنفاضة التشرينية الجبارة و هي سائرة على نفس نهج المجرم نوري المالكي في قمع إحتجاجات المحافظات السنية التي لم تؤدي في مجملها إلى قرابة ربع التضحيات التي كانت حصيلة الإستخدام المفرط للقوة , إذ بلغ عدد شهداء إنتفاضة تشرين 2019 قرابة 800 شهيد مضافا ً إلى أكثر من 30 ألفا من الجرحى بينهم قرابة 5 آلاف ممن أصيبوا بعوق دائم .
إرتعدت فرائص الجبناء في الرئاسات الثلاثة و البرلمان بحد ذاته نتيجة الإصرار المتقد و العزيمة الجبارة للمنتفضين فما كان منهم إلا القيام بحركة مسرحية مكشوفة لكل من أمتلك نصف الوعي من الوطنين الشرفاء في سوح الإحتجاج و التظاهر لكنها إنطلت مع الأسف الشديد على أناس كانوا محسوبين على النخب الواعية , فتمت إقالة حكومة عبد المهدي بدعوى الإستجابة لمطالب الثوار و المنتفضين و بدأت سلسلة من المهاترات اليومية ... في كل يوم تعلن سلطة الغدر و الكراهية عن مرشح جديد لرئاسة الوزراء من بين كتلها القذرة المغطاة بالفساد الأخلاقي و الإداري و المالي لكنه كان يرفض على الفور من قبل الساحات .
أستمر الحال على هذا المنوال أشهر متوالية حتى أستقر الوضع على المرشح الأوفر حنكة ودهاء ( أخو عماد ) .
لقد كان أساس البلاء في عدم تحقيق الإنتفاضة لأهدافها كاملة هو تعدد مراكز القوى فيها , و كل مركز كان يعتقد بأنه الأجدر بقيادتها رغم الوفرة في الإجتماعات الدورية التي كانت تعقد في ساحة التحرير – بغداد في خيم إعتصام ما سميت بالـ ( تنسيقيات ) التي لم تفلح أبدا ً في التنسيق ما بينها للخروج برأي موحد و قيادة موحدة للإنتفاضة كان مقدرا ً لها أن تفرز مفاوضين أقوياء يجبرون البرلمان و تفرعاته على الرضوخ لإرادة الشعب و طليعة قواه الشبابية الثائرة .
إستغلت قوى الحكم أيضا ً حالة الإرتخاء التي سادت الوضع في خطوط التماس بعد إقالة حكومة عبد المهدي و التي تصورتها بعض التنسيقيات بأنها الهدف الرئيسي للإنتفاضة لتمهد لطرح ( الكاظمي ) كمرشح مقبول من ساحات التظاهر و الذي سرعان ما ظهرت له وسط التنسيقيات ما أشبه بالجيوش الإليكترونية التي صورت للناس على أنه القائد الملهم و المنقذ , الأمر الذي ساهم في بث روح التكاسل و اليأس وسط الآلاف المؤلفة من الشبيبة غير المؤدلجة و أعطاها تصور بأن الإنتفاضة قد بيعت من قبل بعض من ذوي النفوس الضعيفة من المثقفين الإنتهازيين الذين يتواجدون في الساحات و أبرزوا أنفسهم على أنهم من قيادات الإنتفاضة و الذين سرعان ما لبوا دعوات الكاظمي للإلتقاء بهم و الإستماع لمطاليبهم ( كثوار !!) و بين ليلة و ضحاها صاروا مستشارين له و قبلوا بالمناصب مقابل التخلي عن الإنتفاضة .
و عندما أستوزر ( الكاظمي ) كان قد أطلق وعودا ً ثلاث هي الأعلى من حيث الأهمية :
- الكشف عن قتلة المتظاهرين و محاسبتهم .
- نزع السلاح المنفلت من قبضة المليشات .
- إجراء الإنتخابات المبكرة .

1- بدلا عن كشف القتلة و محاسبتهم , إزدادت وتيرة خطف و إغتيال الناشطين و النشاطات في سوح التظاهر على عهده و بسكوت مطبق من قبل الأجهزة المضافة التي صار قائدا ً لها بعد أن تولى و لفترة طويلة رئاسة جهاز المخابرات . فصار اليوم و كل أجهزة الدولة الإستخبارية و القمعية تعمل بأشرافه و تحت أوامره المباشرة , لكنه أثبت مع كل يوم يمر أنه الفاشل الأول في هذا الموضوع وبدلا ً عن كشف القتلة السابقين فهو و أجهزته كلها لم تستطع لا الكشف عن مصير المختطفين أو تحرير أحدهم و إلقاء القبض على الجناة , و لا إلقاء القبض على قتلة هشام الهاشمي الذي تنافخ أمام عائلته بالكلام المعسول بأن قضية هشام بوصفه من أصدقائه المقربين هي قضيته الشخصية .
2- بدلا عن نزع السلاح المنفلت من أيدي المليشيات , نراه يقوم بزيارة إلى وكر الدبابير ويستقبله هناك قائدهم المجرم ليخلع عليه وسام المجد و أعني بذلك تلبيسه قمصلة من قماصلهم , و عندما قامت المليشيات بخطف المتظاهر سجاد العراقي و سلمته لأحدى العشائر المنقادة لهم في محافظة الناصرية , أرسل في حركة مسرحية و بهلوانية لواء من جهاز مكافحة الإرهاب لتحريره , لكن اللواء عاد بخفي حنين بعدما أنتهت مسرحيته بالتفاوض و العودة من حيث جاء , وضاع مصير المختطف وسط إشاعات عن نقله إلى الجارة إيران . و لم نسمع حتى اليوم عن محاولة واحدة لنزع سلاح أحد الفصائل ( غير المنضبطة ) على حد قول مقتدى الصدر بل إزداد نشاطها في قصف الخضراء بالصواريخ و تفجير محلات بيع المشروبات الكحولية في مناطق عديدة من بغداد لا بل إنها فرخت عن جماعات جديدة تحمل مسميات مضحكة .
3- وبدلا ً من أن يعمل بجد من أجل تنفيذ وعده بإجراء الإنتخابات المبكرة في الموعد الذي حدده هو بنفسه في السادس من حزيران 2021 نجده هذه المرة أيضا ً راضحا ً لإرادة القوى المتنفذة و مليشياتها المسلحة ليتم تأجليها حتى العاشر من تشرين الأول من نفس العام تحت ذرائع واهية لا يشتم من ورائها سوى رائحة التسويف و المماطلة .
نحن ندرك من خلال معرفتنا بأن الإنتخابات المبكرة ستقود بالنتيجة إلى حل البرلمان الحالي و الإتيان ببرلمان جديد قد لا يكون على شاكلة من سبقه في حال إجراء تلك الإنتخابات تحت شروط و معايير الإنتخابات الديمقراطية الحقة و هذا يعني حرمان النواب الحالييين و كتلهم من مشروعهم الإستثماري الرباعي بعدد السنين التي تشملها الدورة الإنتخابية , فهذه الكتل تعتبر البرلمان مشروع إستثماري لسرقة و نهب أموال الشعب بطرق مشروعة و غير مشروعة عبر مكاتبها الإقتصادية التي أسستها لهذا الغرض . فهل سترتضي هذه الكتل و مكاتبها الإقتصادية بحل البرلمان دون أن تكمل الدورة الإنتخابية ؟
بالتأكيد لا تقبل . لذلك ستستمر حملة المماطلة و التسويف حتى نهاية الدورة الإنتخابية الجديدة عام 2022 و سيستمر معها خنق الغضب الجماهيري ( عبر أذرعها المسلحة وأجهزة الدولة العميقة و عبر رجال الدين الفسقة و رجال المنابر الذين يشيعون أفكار الخرافة في عقول البسطاء من أبناء شعبنا ) إذا ما أراد أن يتنفس .
إن سلسلة الإجراءات الإقتصادية التي أجرتها حكومة الفاشلين لا غرض منها إلا الإمعان في تجويع و إذلال فقراء شعبنا و تدمير إحتياطياته المالية من خلال إصرارها و عدم قدرة رئيس الوزراء الحالي و وزير ماليته على وقف نزيف وسيلة النهب الرئيسية من إحتياطات البنك المركزي ( مزاد بيع العملة ) .
ما هو الأمر الأتعس من هذا ؟ و الذي فعلته حكومات الفساد المتعاقبة ..كان رهن مصير البلاد بإرادة أداة الرأسمالية العالمية لإذلال الشعوب و أعني بذلك الإمعان في الإقتراض من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي اللذان لا يقدمان قرضا ً لبلد من البلدان الفقيرة إلا وفق شروطهما المهينة التي تمعن في إذلال شعب تلك البلاد عبر حكومة خانعة لا تفكر إلا بمصالحها و ترضى بأي شرط لا يمس مصالحها مقابل البحث عن وسائل لكيفية شفط مبالغ تلك القروض دون أن تجني البلاد نفعا ً منها يذكر .
ما هو الأمر الأعقد في الموضوع ؟
هو بلا شك هذا النفاق المستمر للمجتمع الدولي بكل تفصيلاته , المتمثل بالوقوف مع هذه الطغمة الفاسدة و إسنادها من أجل بقائها في الحكم , عبر وسائل متعددة , أهمها المضي في تقديم المساعدة المالية و التدريبية لقواها الأمنية التي تثبت كل يوم فشلها في توفير المناخ الأمني الذي يساعد الإنسان على العيش الكريم في بلده , لكنها تنجح بشكل مذهل في قمع إحتجاجاته لدرجة القتل والإختطاف لناشطيه السياسيين , هذا من جهة , و من جهة أخرى فإن إستمرار ممثليه الدبلوماسيين في عقد اللقائات مع رموز الفساد من رؤوساء الكتل السياسية و مع البعض من الراقصين على الحبال من قادة الإسلام السياسي الشيعي لا يمثل إلا إعترافا ً من هؤلاء المنافقين بأن هذه القوى هي من يمسك بزمام الإمور في العراق سواء اليوم أو في مستقبل الأيام .
في حين كان بالإمكان تقديم صورة مغايرة لهذا الواقع المر عبر المقاطعة الشاملة لهذه الرموز من قبل ممثلي المجتمع الدولي و مؤسساته لتكون مثابة دعم لإنتفاضة الشعب المستمرة منذ الأول من تشرين الثاني 2019 , و كان ذلك سيكون مثابة مواساة لعوائل أكثر من 800 شهيد و 30 ألف جريح ذهبوا ضحية القمع الوحشي الذي مارسته قوات حكومة عبد المهدي التي لا تمثل في حقيقة الأمر سوى تجميع تحاصصي لمرشحي هذه الكتل و قادتها للمناصب , سائرة بذلك على نفس النهج المبتكر في إدارة البلاد منذ عام 2003 .
الإستنتاج :
الموقف الوحيد الذي يمكن الركون إليه و الذي يساعد على لفظ القذارة عن وجه الوطن الجميل في أي إنتخابات سواء كانت مبكرة أو مستحقة أو متأخرة هو :
1- الإسراع بإقرار قانون الأحزاب وفق الضوابط الوطنية و المعايير الدولية للنزاهة و الشفافية و كما يلي :
أ‌- منع قيام أي حزب على أسس عرقية و طائفية و أية أتجاهات تتعارض مع الديمقراطية كالنزعات الفاشية و النازية .
ب‌- تمسك الأحزاب سجلات كاملة عن مختلف أنشطتها و تكون مصدقة من دائرة الأحزاب السياسية في وزارة الداخلية .
ت‌- إجبار الأحزاب المشمولة بهذا القانون على الكشف عن مصادر تمويلها و تقديم ميزانيتها السنوية المصدقة إلى ديوان الرقابة المالية .
2- إلغاء قانون الإنتخابات الحالي و وضع قانون إنتخابي عادل و نزيه بعيدا ً عن تدخلات الكتل القائمة يشترط فيه ما يلي :
أ‌- منع الأحزاب المؤسسة على أساس طائفي أو عرقي من المشاركة في الإنتخابات .
ب‌- إلغاء مفوضية الإنتخابات اللامستقلة لعدم وجود حاجة لها غير إستنزاف الموارد المالية للوطن.
ت‌- تشكيل إدارة إنتخابية جديدة مع كل دورة إنتخابية .
ث‌- جعل العراق دائرة إنتخابية واحدة .
ج‌- إعتماد مبدأ العتبة الإنتخابية بالنسبة للأحزاب و تحديدها بنسبة 5 % للدخول إلى البرلمان .
ح‌- إلغاء مهزلة إنشاء التحالفات قبل الإنتخابات .
خ‌- إلغاء رسوم التسجيل الباهضة و التي فرضتها الطغمة الحاكمة عبر مفوضيتها البائسة .
د‌- أن تجري الإنتخابات تحت إشراف دولي و مراقبين دوليين محايدين .
3- في النهاية فإن مجرد الحديث عن إنتخابات ... مهما كان حجمها و نوعها ... في ظل وجود دولة عميقة وسلاح منفلت يصبح مثل عملية الضحك على الذقون .. فلتصحوا أيها المنخدعون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس