الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآراء السياسية ما بين التمثيل الغربي والشرقي .

ازهر عبدالله طوالبه

2021 / 1 / 31
الادب والفن


لستُ ناقدًا سينمائيًا، ولا حتى فنّيًا . لكن، حينما أُتابِع العديد مِن المُسلسلات والأفلام والمسرحيّات الغربيّة، التي تهتَم بالقضايا المُجتمعيّة والسياسية، وحتى الفكريّة في كثيرٍ منها، أجدُ بأنّني قَد سُقتُ نفسي لعقدِ مُقارنةٍ بين ما يُقدّمه المُمثّل الغربيّ واقعيًّا -أي خارِج سياقِ التّمثيل- إزاء القضايا التي يجسّدها ويصنع لها وجودًا بارِزا من خلال الأدوار التي يقوم بها، وبين المُمثل الشرقيّ وتعاطيهِ مع هذه القضايا مِن خلال مظلّة التّمثيلِ أيضًا .

فللأسف، أنّ المُحصّلة النهائية التي أصِل إليها بعد إجراء مَثل هذه المُقارنات، وبكُلِّ ما تحملهُ مِن تناقُضات، هي محصّلة عكسيّة في مُعظمها . إذ أنّني أرى أنّهُ ثمّة إبداع مُميّز ومُتميِّز يأتي بهِ ويصّنعهُ المُمثّل الشّرقي، ويتفوَّق به على المُمثّل الغربيّ، وخاصةً، في تلكَ الأدوار التي تُعبّر عن الظُلم، وقلّة الحيلة، والفُقر، وجَور الأنظمة السياسية، والقوّة المُفرِطة للأجهزة الأمنيّة القمعيّة، والإعتداءات والإنتهاكات لحقوقِ الإنسان، وكُل ما يُعاني منهُ الإنسانِ الشرقيّ .

لكن، هذا الإبداع، والذي للوهلةِ الأولى يُزنّركَ الظّن بأنّهُ وبمُساندةِ مَن أشرف عليه، سيكون قادرًا على أن يُساهِم في دفعِ عجلة التّغيير نحو الأفضل، والوصول إلى محطّاتٍ تتبدَّد عندها، كُل مآسي الشّرق التي تُرجِمت إلى مُسلسلاتٍ وأفلام ؛ على أمَل إحداث ضجّةٍ كبيرة، تهدِف إلى تغيير كبير في أحوال الشّرق البائس.. هذا الإبداع لا تراهُ إلّا إبداعًا يفقِد بريقهُ، ويُصبِح دفينًا داخل عدسات كاميرات التّصوير، أو على مسرحٍ خشبيّ غزتهُ مجموعة كبيرة مِن نقّاري الخشَب، أو يكون لا يتجاوَز حُدود أن يكونَ نصًا على ورَق، والسّبب في ذلك ؛ عائد إلى أنّ أكثَر مِن 90% مِن المُمثلين الشرقيين، وعلى عكسِ المُمثّلينَ الغربيّين -ولو كان بعضهم ينتَهج النهج الشّرقي لكن بدرجةٍ أقل- يسلكونَ طريق التّمثيل، ليس إيمانًا بقُدرة التمثيلِ على صناعةِ الرأي العام، في أيّ قضيّةٍ كانت، بل طمعًا بشُهرةٍ بالية، لا تُسقي ولا تُسمن مِن جوع، وأملًا بجنيِ أموال طائلة مُقابل ما يصنعوه في أدوارهم التمثيليّة، التي مِن الواضِح أنّها تُفرَض عليهم فرضًا، وفِق شُروطٍ مُحدّدة، تُعيق فكرَة الإنسحاب من تمثيلِ مثل هذه الأدوار.

وهُنا، وفي سياقِ طرحِ الأمثلة، التي تُقرّبنا -أكثر- مِن فهمِ المقصدِ الرئيسي مِن مقالنا هذا، ومِن أجلِ الوقوف على ما رمينا لهُ مِن مُحاولة إيضاحٍ حقيقيّ للمُبتغياتِ وللأهدَاف المنشودة مِن هذا المقال، فنجِد أنّهُ مِن أفضَل ما نأخذهُ على سبيل المثال وليس الحَصر، مِن أجلِ تجسيدِ ما انهمكنا في ذكرهِ ولو مُقارنتيّا، هي تلكَ الأراء التي ولِدت مِن رحمِ المؤسسات والنقابات الفنيّة، ومَن ينتمونَ إليها، أثناء وبعد أحداث الرّبيع العربيّ . فقَد أظهرَ مُعظم الفنانين العرَب، وفي مُقدّمتهم السوريون والمصريونَ، وهُم الأكثر شُهرةً في الأوساطِ الفنيّة العربيّة، درجة عالية مِن التّماهي الكارثيّ مع أنظمَة الحُكم، على الرّغم مِن أنّ غالبيّتهم، في مُعظم ما أنتجوهُ فنيًا، كانوا يجسّدونَ حالات تمثيليّة توضّح حجمَ التسلُّطِ والتجبُّرِ والطاغوتيّة، وكُلّ ما كانَت تفرِضهُ الإنظمة السياسيّة العربيّة على رعايها . فلقَد كانَ أصحاب تلكَ الآراء يخشونَ مِن الوقوفِ في وجهِ الأنظمة المذكورة آنفًا، وأبدوا حالة مِن التّماهي مع الأنظمة، وأظهرَوا ولائهم المُتجذّر لهذهِ الأنظمة، وفي كثيرٍ مِن المواقِف، إن لم تكُن في جُلّها، كانوا يُسارعونَ بالإنظمامِ إلى جيوشِ الدّفاع المُستميتة بكُلِّ ما يملكونَ مِن طاقاتٍ ومواردٍ ماديّة ومعنويّة .. كُل هذا، كانَ مُناقضًا لتلكَ الأدوارِ التمثيليّة التي دُفعَ مِن أجلِ إنتاجها آلاف، بل ملايينِ الدولارات، كما كانَ لا يُكرَّس إلّا في سبيلِ الدّفاعِ عن هذه الأنظمة الغاشِمة .

ولكي تسّكُنَ في تلابيبِ القناعة المُتمرّكِزة في قلبِ هذه المُقارنة ؛ يكفيكَ أن تُشاهدَ مشهدًا واحدًا مِن مسرحّيّة "الزّعيم"، وبالتّحديد، المشّهَد الذي يتناول توقيعَ إتفاقٍ بين الرئيسِ المصري، وضيفه رئيس الولايات المُتَّحِدة، حيث يقوم بدور الرئيس المصري، الفنّان العربيّ "عادِل إمام" . إذ يتناول في هذا المشّهَد، العديد مِن الفروقات بينَ نظامِ الحُكمِ في الولايات المُتَّحِدة وبين نظامِ الحُكم في مصر، ومِن هذه المُفارقات، ما يُبيّنهُ في قولِه " عندهُم حاجة اسمها ديمقراطية.. يعني كُلّ واحد يؤول اللي في نفسه، مِن غير ما يؤعد على الكُرسي بالمشألِب يعني .. حاجة كدا " . لكأنَّ عادِل إمام، وعلى لسانِ الرئيس المصري، وبطريقةٍ تمثيليّة مُبطّنة، يقرُّ ويعتَرِف، بأنّ حُكام الدّول العربيّة، لا يعترفونَ على الإطلاقِ، بل لا يؤمِنونَ بالديمقراطية، بمُختَلف أشكالها، ويعتبرونها ضربًا مِن ضروبِ التخلُّف ؛ وذلك لأنّها تخضّ عروشهم التي يتبوأونها .

وفي ذاتِ المشّهَد، يُحاول عادِل أمام، أن يُبيّنَ فرقًا آخرًا بينَ الحاكمين، حيث يقول بعد أن يدّعوه الرّجل المسؤول عَن ترتيبِ أوقاتهِ، ورسمِ خطط تحرّكاته :
" شوف يا باشا، أنا حمضي الإتفاء النهاردة، وبُكره حترفِض، وبعدِ بُكره حبقى صايع، وطبعًا وحكون رئيس جمهوريّة مرفوض، وعيني كُلّها نائصة " . فيرُد عليهِ الرجُل " إنتَ عايز ارشين أتعاب" . فيرُد عليه فخامة الرئيس " عيب يا باشا، أتعاب إيه !! أنا راجِل وطني، وعندي مبادىء.. أنا ما بأبلشِ بلّيم عشان مجهود أعمله للبلد " . فيرُد عليهِ الرجُل " أمّل انت عايز إيه " فيرُد الزّعيم " أنا عايز رشّوة، أنا رجُل مُرتشي، وصريح، وبعتِرف " .

في هذا المشّهَد، الذي لا يتجاوز حدود الثّلاثة دقائق، يُجسّد الفنّان، عادل إمام، حالة مِن الظُلم والتخلُّف، والرجعيّة التي تعيشها الأنظمة الدكتاتوريّة العربيّة، والتي بكُلِّ تأكيد، تنعَكِس سلبًا على أوطانِهم ومواطنيها . لكن، ما إن انتهيتَ مِن مُشاهدَة هذا المشّهَد، وسارعتَ للوقوفِ عند آراء عادِل إمام، في رئيسِ السّابق، حُسني مُبارك، حاكِم الثّلاثينَ عامًا مِن السّوء والكوارِث، والذي أسّكنَ مصر في أحطّ الحضيض، مِن أبرَز وأعتى هذه الأنظمةِ المُتخلِّفة، ستَجِد بأنّها -أي آراء عادِل إمام- حقًّا، لَم تتجاوز حدودَ معاني التّمثيل . إذ أنَّ عادِل إمام، كانَ يُعتبَر مِن أشدِّ المؤيدينَ والموالينَ، بل والمُقرّبينَ مِن بلاطِ حُسني مُبارك، وحسبَ كثيرٍ مِن المصادِر، كانت تجّمعهما علاقةٍ وطيدة، بعيدة كُلّ البُعدِ عن علاقةٍ بينَ حاكمٍ عربيّ وبينَ مواطن عربيّ غلبان .

هذا المشّهد، كما غيره الكثيرِ من المشاهِد، يُبيّن لكَ كَم أنّ التّمثيل العربيّ، وبكُلّ ما فيه، يخلو مِن أيّ دورٍ مؤثّر في صناعةِ الرأي العام، وأنّهُ في أفضلِ أحوالِه، لن يكونَ مُشارك في تناول قضيّة عاطفيّة، أو مجتمعيّة، تُعاني مِن اختلالات واختزالاتٍ في مبادئٍ هشّة وضعيفة، تكاد لا تخرُج من سياقِ الفردانيّة في مُجملها، وتوظَّف توظيفًا برغماتيًّا، بأعلى منازله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي