الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعد الاجتماعي الناقص

حسن مدن

2021 / 2 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أحد أكبر الملفات المغيبة في خضم الفوضى التي تعم العالم العربي اليوم هو الملف المعيشي للمواطنين العرب، وخاصة أولئك ذوي الدخل المحدود والذين يقعون تحت خط الفقر أو حتى على حافته أو بمحاذاته.
من المفارقات أن الهبّات والانتفاضات العربية التي جرت قبل نحو ستة أعوام، إنما كان باعثها الأساسي هو ضغط الحاجة المعيشية والإحساس بمهانة الفقر، ولنا هنا أن نذكر أن الهبّة الشعبية في تونس التي أطلقت الشرارة الأولى لما شهدته بلدان عربية أخرى فيما بعد، إنما أطلقها قيام البائع صاحب العربة محمد البوعزيزي بحرق نفسه في إحدى ولايات تونس. والضحية كان واحداً من أفراد فئات واسعة مهمشة ومخلوعة لم تجد ما تقتات به وتطعم أفراد عوائلها سوى التحول إلى أعمال كتلك التي كان البوسعيدي يؤديها: بيع الخضراوات على عربة في الشارع.
لن نعيد سرد تفاصيل ما جرى بعد ذلك في العالم العربي: بلدان انحدرت إلى قاع الحروب الأهلية، حيث يتراجع الهم المعيشي بالقياس إلى هم الأمن، فالناس يجاهدون لأن يبقوا أحياءً أولاً، فلا تطالهم النيران الآتية من كل صوب، قبل أن يفكروا في أكلهم وسكنهم، وهي قضايا باتت تدار بآليات ما يعرف باقتصادات الحرب، حيث تنشأ عصابات تهريب البضائع، تتقن سبل إخفائها وتخزينها، لتباع بالأثمان الباهظة.
ووجدت بلدان أخرى نفسها في أتون فتن مذهبية وطائفية، أسقطت، أو حجبت، الهم الاجتماعي الذي هو، عادةً، ما يوحد الشعوب، فلم يعد المرء يرى خصمه في سارق قوته وناهب لقمة أطفاله، وإنما في شريكه في الوطن المنتمي إلى مذهب آخر أو طائفة أخرى.
ولو عقدنا مقارنة بين طبيعة القوى السياسية المعارضة النافدة والمؤثرة في المجتمعات العربية اليوم، وتلك التي كانت قبل شيوع الفوضى الحالية، لوجدنا تضاؤلاً، لا بل انحسار نفوذ تلك التي كانت تعبر عن المصالح المعيشية والحياتية للناس، وتتوسل في ذلك أدوات العمل المطلبي من خلال النقابات والاتحادات الجماهيرية، وأشكال الاحتجاج والضغط السلمية، ما جعلها قريبة من الوجدان الشعبي المشترك، لصالح القوى الإسلاموية المذهبية المحكومة بنهمها إلى السلطة، حتى لو كان ثمن ذلك تقسيم مجتمعاتها واحترابها.
في وسط الخراب الحالي والفتن المستعرة والحروب الأهلية المدمرة لا مفر من التذكير بأن غياب الديمقراطية الاجتماعية، أي ديمقراطية العدالة في توزيع الثروات والإصغاء إلى أصوات الناس الموجوعة وهي لا تطالب بأكثر من لقمة عيش كريمة تأمينها ليس مستحيلاً، هو في أساس الكثير من غضب الناس، الذي تظهر التجربة أنه بالإمكان توظيفه لخدمة أجندات أبعد ما تكون عن المصالح الوطنية للبلدان والشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟


.. سيارة جمال عبد الناصر والسادات تظهر فى شوارع القاهرة وسط أكب




.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم