الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلوب لينة … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 2 / 3
الادب والفن


يعود الى البيت ليتناول غدائه ، ويرتاح .. ثم يرجع الى الشركة لاكمال معاملات متراكمة من الاسبوع الماضي .. لم يجد زوجته في استقباله باشةً كما كل يوم .. يدخل للمطبخ يراها تهيئ الطعام ، وهي واجمة ، وليست على طبيعتها ، حدّث نفسه : لا بد ان في الامر شئ ، يذهب الى غرفة النوم ليغير ملابسه ، ثم يغتسل ، ويتهيأ للغداء ، وباله لا يزال مشغول في زوجته ، تمنى ان لا تكون هناك مشكلة كما كل مرة .. بينها ، وبين مديرة المدرسة او احدى زميلاتها ، فليس لديه وقت يضيعه على سماع هذا النوع من المشاكل التافهه ، استدارت لتهيئ المائدة .. ترفع اليه وجهاً محتقناً .. صدق توقعه :
ماذا حدث ، هل كنتِ تبكين ؟
تحدق فيه قليلا ثم يسمع صوتها ، وهي تنظر اليه بعينين زائغتين :
بعد الغداء .. يستسلم لرأيها .
يقول في صوت خافت كأنه يحدث نفسه اكثر مما يحدث زوجته :
الله يستر … الامر جدي اذن !
تناولوا الغداء ، وهم صامتين .. يتأمل وجهها ، يجدها تتناول طعامها ببطء ، وكأن الاكل لم يعجبها او ربما قد اكلت في المدرسة شئ منع عنها شهيتها ، ازدادت شكوكه ، استيقظ في داخله استنتاجه الاول من جديد .. ان في الامر مشكلة استدعت كل هذا الحزن والبكاء !
بعد الغداء ، واثناء ما كانوا يتناولون الشاي … عاجلها :
هل تحبين ان تتكلمي عن سبب بكائك ، حبيبتي ، قلقتيني كثيرا .. خلعتي قلبي .. تكلمي ، فضفضي ، سترتاحين ، حضني جاهز دوماً لاحزانك ، لا تحملي هم شئ مازلت حياً ، من هذا الذي تجرأ ، وأبكى حبيبتي الغالية .. ؟!
تعود الى البكاء .. يعانقها ، كان الدمع الذي يطفر من عينيها يغمر وجهيهما معاً ، قالت من خلال دموعها :
اليوم وانا في الصف اعطيت التلاميذ وقت .. يُخرجوا فيه طعامهم ليأكلوا ، تعرف هم اطفال ، جلستُ أُقلب في كتاب امامي ، لا حظت طفلة تجلس في آخر الصف ، هي الوحيدة التي لم تُخرج طعام من حقيبتها المصنوعة من القماش .. بقيتْ جالسة تتلفت .. تصورتْ ان لا احد يراها ، لكني كنت اراقبها خلسةً .. انحنت على فُتات من قشور البرتقال كانت التلميذة التي امامها قد تخلصت منه .. التفتتْ مرة اخرى ، ولما تأكدت ان لا احد يراها وضعت القشر في فمها بسرعة ، واخذت تلوكه غير مبالية بمرورته ، ثم انحنت على قشر آخر ، والتهمته .. لم استطع ان اتمالك نفسي من البكاء ، نزلت دموعي دون وعي مني ، يا ربي .. ! لم استطع كتمان مشاعري ، ولا زال المشهد أمامي ..
كان صوتها حزينا .. تسكت لتبلع ريقها او ربما لتجد كلمات اخرى .. ثم تُكمل : كانت طفلة بريئة كما اللبن الحليب ، سوء التغذية يبدو واضحاً على وجهها .. ! يقاطعها :
ابكيتيني انا الآخر يا شيخة ، بسيطة ولا يهمك ، هذا هو الذي انزل دموعك الغالية .. هاتي عنوان بيتهم ، والبقية اتركيها علي ، محلولة .. ربما القدر هو الذي كشف لكِ هذا المشهد لتكوني سببا في مساعدة هذه الفتاة ، واهلها التعساء ان اقتضى الامر .. يُكمل : هل تتصورين حبيبتي ان الدنيا فردوس ارضي كله نعيم ووداعة .. تدرين حبيبتي ، لو ان الرحمة انتُزعت من قلوب البشر لاختل هذا الكون ، ومات الخير فيه ، وانتصر الشر .. !
ذكرتيني بموقف تعرض له الفيلسوف نيتشه ، هل تعرفينه ؟
ومن اين لي ان اعرف هذا .. حتى اسمه غريب .. تتمتم : رجعنا للفلسفة اللي ما توكل خبز .. !
اسمعي هذه القصة ، واطمئني .. بمجرد ما تأتيني بعنوان تلميذتك هذه .. سيتغير حالها ، وحال أسرتها بالكامل ، وساجعلهم يملون من اكل هذا المدعو برتقال ، سأملأ بيتهم به وبغيره !
نعود الى فيلسوفنا ، صاحب نظرية البقاء للاصلح .. اساء النازيون إستغلالها ، واحدثوا مجازر بالضعفاء من البشر : يقولون ان صاحب هذه النظرية كان يوماً جالسا في مكان ما .. قد يكون مقهى ، وشاهد امامه حصان يسحب عربة ثقيلة مليئة بالأحمال .. بارك في الوحل ، وعاجز ، رغم تجميعه لكل قواه ليخرج مما وقع فيه ، وليتخلص من سوط الحوذي الذي يضربه بقسوة ليستنهضه ، غير مبالٍ بعجزه … !
اتدرين ماذا فعل هذا الفيلسوف ؟
ومن اين لي ان اعرف !
أجهش في البكاء .. شفقةً على هذا الحصان ، اليس غريباً ان يبكي شخص مثل نيتشه .. وللقصة بقية ، ولكن ليس هذا وقتها .. الرحمة موجودة في كل القلوب حبيبتي ، ولكن بنسب ، وهي اعلى درجات الإنسانية .. !
وهل تقارنني بفيلسوفك المعقد هذا ؟
أبداً حبيبتي ، لكن الشئ بالشئ يذكر ، لا تزعلي ، واعطيني راسك لأقبله ، واهنئك من كل قلبي على هذه الرحمة التي تملأ قلبك الطيب ! يأخذها بين ذراعيه ، ويقبل جبينها ، ويمسح دموعها بشفتيه ، يميل عليها ليستغل الفرصة ، ويحاول تقبيلها من شفتيها ، لكنها تدفعه برقة ، وتقول : هذا ليس وقتها .. ! يضحك الاثنان .. !
انا فخور بكِ ، حبيبتي ، والان اعطيني ابتسامتك العذبة .. ! واتركيني اذهب الى قيلولتي ، ويصير خير .. هذه فرصة لنزيد من فعل الخير !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث