الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-النخب- العراقية تخون تاريخها؟/4

عبدالامير الركابي

2021 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ايديلوجيتان هيمنتا على العقل العراقي، وحكمتا النظر في تاريخه راهنا، الأولى اسلاميه، والثانيه حداثية منقوله، مع العلم ان الثانيه وتفرعاتها لعبت دورا أساسيا في تكريس منظور الاستشراق في افضل الأحوال، مضافا الى المتبقي المترسب من الرؤية الايديلوجه الجزيرية الإسلامية الأصل، ومع ان الظاهرتين معدودتان "حديثتان"، انتجتهما النخب التي تصدت للواقع المستجد، فانهما تبطنان معا نفس العلة الكبرى، الدالة على عجز وسقوط النخب المقصودة امام مهمة كبرى، كانت وقتها قد غدت مضاعفة بالتراكم.
وفي حين كانت ابسط دواعي الحداثة، وشروط استحقاقها مثل هذه التسمية عراقيا، تقتضي إعادة قراءة تاريخ الدورة الرافدينيه الثانيه بحسب اشتراطاتها، ومعها المحرك المنطلق ومآلات حضوره، استمر من يعبرون انفسهم " حداثيين"برغم علمانيتهم "الشديدة" المنقولة جملة وتفصيلا، يرون بان تاريخ العراق في الدورة الثانيه بعد الفتح وازاحة أسباب توقف الاليات التاريخيه المعطلة، هو "تاريخ الإسلام"، و "تاريخ العرب"، علما بان العرب جاءوا الى ارض الرافدين بلغة بلا قواعد، برغم ان معجزة دينهم كما هو مفترض لغوية، فقام العراق بوضع القواعد لها، وان شعر هؤلاء الذي هو جوهرة تعبيريتهم الوحيده، وصل الى العراق بلا "عروض"، فوضع له العراق عروضا، ولم يكن للنبي محمد سيرة موثقة، فصارت له سيرة مكتوبة، ولاحديث، فصار للحديث هنا علم، بينما ارتقى الشعر الجاهلي القبلي لياخذ هنا مناحي أخرى اشمل وابعد الوانا واغراضا وصولا لاعلى عبقريته الممكنه مع المتنبي، هذا عدا التاريخ، ووضع مرتكزاته الأولى ...الخ...
كل هذا كان ينبغي ان يجعل مايعرف بالحداثة تسال: ترى هل كان المنجز المتصل بالدورة الثانيه ( المسمى تاريخ الإسلام )، وبالامبراطورية العباسية القرمطية الانتظارية تحديدا، ممكنا لولا العراق؟ وهل ماقد حدث من انجاز وقتها، كان يمكن حصوله في الجزيرة العربية التي اطلقت الدعوة والفتح مثلا، او ان ينهض بذلك وبذات الزخم والشموليه، والعلو الانجازي الشامل، أي مكان من المنطقة الشرق متوسطية، مثل مصر، او الشام، التي تلحق اعتباطا بالتاريخ وكانها يمكن ان تحتل موقع العاصمة الإمبراطورية، في حين انها كانت امبراطورية بقايا وذيول الفتح الجزيري، وليس الديناميات الحضارية، أي ماكانت ارتكزت له الإمبراطورية الأولى الاحترابية الجزيرية الراشدية، وبماهي ( أي الدولة الاموية ) محطة انتقالية عارضة، مابين الدعوة والفتح الجزيري، والامبراطورية الرافدينيه.
ينسى الجميع هنا حقيقة أساسية مغيبه، هي كون الإسلام وصل الى العراق من دون غيره من المواضع، بصفته الابراهيمية العراقية النبوية في اخر تجلياتها، وان هذه الحقيقة لها مترتباتها ومايجعل بالدرجة الأولى من الفتح نوعا من "عودة الابراهيمة الى ارضها"، والى الأصول البنيوية التكوينيه التي اطلقتها، وانه الوحيد الحري بالتعامل معها من منطلق إعادة الصياغة والتوطين، بلا تسليم، الامر الذي تحكمه حقيقة ابراهيميه اصل، مفادها تدني البنية الجزيرية قياسا ومقارنه بالبنيه الازدواجية الرافدينيه،مبلورة ومطلقة الرؤية الابراهيميه بطورها النبوي المنتهي بالمحمدية، هذا الجانب كان من شانه، ومن الطبيعي ان يوجد وقتها حالة من إعادة البناء، والتفاعلية الايجابيه الصعودية لايوجد، ولن يوجد بداهة، مايمكن ان يماثلها او يقترب منها على مستوى الشرق الأوسط، مايجعل من الضرورة عدم التوقف دون التمييز بين "اسلام محمدي"، و"اسلام ابراهيمي" لاحق عليه، اسلام يريد تحويل المحمدية الى أساس منفصل عن اصلها، وهو انحراف مكاني وموضعي محلي، القى بظلاله على تاريخ الصراعات المذهبية والفقهية، واستمر ليتعاظم مع حلول فترة وزمن اسلام طور الانحطاط منذ ابن تيميه بعد سقوط بغداد.
سوى ذلك ياترى، هل الإسلام الذي انتشر سواء في الشرق الأوسط، او غيره من المناطق هو اسلام الجزيرة، بماهو اسلام العقيدة والفتح، ام انه عرف طورا اخر جاء بمثابة "الفتح الثاني"، الذي شمل المنطقة الشرق متوسطيه، من المغرب ومصر التي اكمل اسلمتها وعربها الإسلام العراقي الفاطمي، بعد الفتح الجزيري الأول، الذي لم يتعد المركز، هذا مع ماترتب على تشييع مصر من امتداد التشيع والاسماعيليه الى الشام، سوى اليمن والجزيرة العربية، نفسها والبحرين، واشتمالها على القرمطية والاسماعيليه التي اخترقت الشام وعمته حتى مجيء إبراهيم بن محمد علي، اليس هذا وغيره من شيوع المذاهب الفقهيه، من شانه، وكان حريا ان يفتح الباب امام إعادة نظر في التاريخ المتصل بالدورة الثانيه، باعتبارها دورة مرحلية ابراهيميه نبوية، تبدا بالدعوة والفتح، وتنتهي بالإسلام الامبراطوري، والابراهيميه الثانيه، وصولا الى اسلام مابعد الإمبراطورية بما هو "اسلام زمن الانحطاط وانتهاء الدورة الثانيه" ( سيكون لنا تعرض لحقب ومراحل الإسلام، بالمقارنه والمقابلة مع ظاهرة حديثة، هي الشيوعية الماركسية ومراحلها منذ "الدعوة" الماركسية الاوربيه، الى سقوط الاتحاد السوفياتي ومابعده).
ليس الإسلام "دعوة" و"فتح"، على ضرورتهما واهميتهما الكبرى، بل هو منجز تاريخي حضاري ابراهيمي هائل، لاتكتمل مقوماته الا ضمن اليات وسياقات تجدد الابراهيميه وتصيرها التاريخي، ما كان من غير الوارد توقع مالاته وموضعه من تاريخ التصيّر، لو انه توقف إنجازا على الجزيرة العربية بمفردها، وهذا ياخذنا الى الناحية الأهم بخصوص محركات الثورة الجزيرية الكونيه الابراهيميه الشرق متوسطية، بالتفاعل مع محيطها والمجتمعات الأخرى على الضفة المقابلة من المتوسط، والى الشرق وراء فارس، بما هي علامة في التاريخ البشري، ودورة من دوراته اللاحقة على الدورة الأولى السومرية الشرق متوسطيه، تستدعي النظر المتفحص في جمله البنية والتركيب المجتمعي الانماطي الشرق متوسطي، والياته وادوار مكوناته كل حسب ماميسر له: الازدواجية الرافدينيه، واحادية الدولة النيلية، واحادية اللادولة الصحراوية الخاضعة لاقصاد الغزو، مع الاطلالة الشاميه.
باي من المنجزين يمكن ان يقارن العقل الاتباعي الراهن: بالمنجز الغربي الحديث الذي جعل الغرب يستحق صفته ومكانته المعاصرة؟، ام بالمنجز الرافديني العراقي العباسي السابق، والممهد للثورة الاليه البرجوازية المصنعية الاوربية الحديثة؟،هذا اذا لم نستحضر المنجز الرافديني البدئي الأول، وبضمنه"الابراهيمي" الكوني، حتى نتصور مايفترض ان يترتب اليوم على العقل الرافديني الحي من تحديات واشتراطات، لامهرب منها قبل ان يستحق صفة "الحداثة"، أوالانتماء باية صفة الى أي نوع من المنجز التاريخي المتضمن بداهة التعرف على الذات المضمرة، المحجوبة بنية ومنطويات واستهدافات، وغرضية، وبما يتعدى النطاق الذاتي المحلي، الى ماهو متوقف على الظاهرة المجتمعية على مستوى المعمورة.
وثمة هنا مالايجوز اغفاله من ظواهر الإسلام الابراهيمي الرافديني العباسي القرمطي الانتظاري، لم يسبق ان لوحظ من قبل، لا في الأوساط المنتميه للاسلام الجزيري منه والابراهيمي، ولا للحداثة واشكال نظرها للتاريخ، تلك هي ظاهرة التفارق في المنظورين، الابراهيمي، والجزيري في غير زمانه، للاسلام ، والمقصود بهما مفهوم "الغيبة والانتظار"، أي الإحالة الى طور وزمن اخر مابعد محمدي، وهو ماانتهى اليه الإسلام الابراهيمي بعد تجربة ومحاولة الانتقال الى التحقق التحولي الممتنع في حينه، وانتكاس المحاولة الانفه، وتاكد استحالتها، مااستدعى انهاء التعويل على الابراهيميه النبوية برمتها، وإعلان انتهاء زمنها بانتظار طور اخرلاحق عليها، وهو ماحصل وقتها مع الغيبه المهدوية في سامراء، مقارنه بما كان ظهر من محاولة بعث للاسلام المحمدي النبوي خارج السياقات التاريخيه والعليّة التي اوجدته، وجعلته ممكنا بما هو عليه، وهو ماصار يعرف بالسلفية، او "اسلام الانهيار" الذي وجد في اشتراطات انهيار الدورة الثانيه العباسية، وحلول الانقطاع التاريخي المعروف ب "التردي"، مبررا ومناخا محفزا لان يحضر، ان لم يصير غالبا بشكل عام على ماقد تبقى من الإسلام المحمدي المنتهي، العائد ضد الزمن والتاريخ، الى ماقبل الإسلام الابراهيمي الرافديني، وتجربته المنتهية للوقوع تحت طائلة الانقطاع والغياب، اعلانا عن عدم أهلية هذه الدورة، وقصور ممكناتها الضرورية اللازمة لتامين الانتقال نحو التحقق التحولي الناظم للتاريخ الازدواجي غرضا.
مايزال العراق لم يصبح " حديثا" و" حداثيا" الى الان، أي انه لم يفصح عن ذاتيته التاريخيه البنيوية بعد، الامر الذي استغرق حتى الان أربعة قرون من التشكل التاريخي، نهضت خلالها الاليات التاريخيه الوطن كونيه الرافدينيه ذاتيا، كما الحال في الدورة التاريخيه الأولى مع فارق أساس، هو كون التشكل الحالي يسير صعودا ضمن اشتراطات معاكسه لتلك التي حكمت وواكبت الدورتين، الأولى والثانيه لجهة الانفراد التشكلي بظل غياب العائق، للبكورة والسبق التشكلي المجتمعي ابتداء، وبفضل الفتح الجزيري الى الشرق ثانيا، بينما بدات التشكلات الاولى من ارض سومر الحديثة اليوم، تحت طائلة الانقطاع واستمرارية اشتراطاته الاحتلالية، وصولا الى المحطة الأخيرة الأخطر، والمختلفه نوعا، مع صعود الغرب وثورته الالية ومجمل منجزه، وحضوره المهيمن كوكبيا، وماترتب على ذلك من حضور غربي احتلالي مباشر، ومفهومي تحديثي اتباعي منقول، مثل خطرا واحتمالية افناء وجودي بنيوي، وضع هذا الموضع امام امتحان من نفس نوع وخاصيات تاريخه، فتكرر اليوم ومن عدة مصادر، إيقاع العيش على حافة الفناء، مع تنام، لابل احتدام اقصى، لضرورات وموجبات الإفصاح عن الذاتيه، الامر الذي كان يقتضي بالأساس تجاوزا للمنجز الأوربي، مشابها ل، ويذكر، مع الاختلاف النوعي، بالتجاوز الابراهيمي الرافديني للحضور الجزيري، والإسلام النبوي المحمدي؟؟؟؟؟
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني