الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم من زجاج

وائل سعدي

2021 / 2 / 4
الادب والفن


فوق سماء المدينة الزجاجية الاضواء تتوهج وانا اطوف في ارجائها شعرت اني قادم من عصر سحيق الى المستقبل البشر هنا لا يشبهون قومي ، المكان هنا محشور بإنارة عالية وامواج من البشر حاملين صورهم ويتلاطمون للوصول الى الساحة الزجاجية، حيث النساء المغطاة وجوههن بالالوان الغامقة وملابسهن الشفافة و إنارة الاضوية لتفسح مساحة من اجسادهن ، يلامسهن النور فضج المكان بمهرجان من الالوان ، وتدافع الشباب وهم ممسكين بصورهم الدبقة بعد أن احتل عرق اجسادهم قطعة كبيرة من صورهم اخذوا يمسحونها، كانت الساحة هي المنفذ الوحيد لانفسهم التي كساها الزمن بالغبار والدخان ، جلست على رصيف ضوئي حامل صورتي، أسير الامكنة التي خذلتني، ونساني العالم ، تجمدت في مكاني ، الأسير لا يحلم إلا بمساحة يمدد نفسه فيها ، او قطعة ضوئية تحرر فيها العين من الظلام الذي لفها ، أو يد تتحرك في اتجاهات بعيدة ، توسلت لقدماي ان تغوص وسط الحشد الملون ، رفض جسدي الاسير المحتجز منذ سنوات ، تسمرت في مكاني اراقب الناس و القباب الزجاجية ، و الحشد الذي تغير لون وجوههم من صفراء الى زرقاء، كانت المرايا التي تغلف أركان المكان كطيف لا تظهر ملامح الناس بل صورهم المؤطرة ، جائتني امرأة خضراء كانما هاربة من علبة الوان ، وهي تتلمس شعرها الرمادي ، ظننت انني رأيت اخضرار ربما هو ارتباك في التداخل الضوئي لشبكية عيني ، قالت لماذا تحدق بنا في خمول ، لكل الناس الوان وصور ووجهك الان اصبح أحمراً ، قلت منذ متى وانا هنا ، قالت منذ قررت ان تصبح مرئياً، باتت رسوم ملامحك حمراء وكنت عديم اللون ، قلت اشتاق لوجهي المكتظ بقبلات الاخرين ، وكف عمي الذي طالما طبع راحة يده على خدي ، قالت ربما اثر الصفعات حول وجهك احمرا وليس اشتباك في الضوء ، واردفت ربما عليك تنظيم هذا الاشتياقات الجزئية ، انت تتحطم هكذا ، حين اشتقت الى انفي قبل يومين كنت مصابة بالانفلونزا ، وقبلها اشتقت الى لساني حين طمرت أذني ، ماذا يحدث فجأة حين تشتاق الى نفسك ؟ قلت بخفوت لا اعرف ، حدقت الى سقف القباب قلت لها، القباب لها هندسة وجمال انظري الى هذا القبة خالية من عش للطيور ، وخط عربي ، وتصميم انيق ورائحة ماضي عتيق ، قالت لماذا روائح الاشياء الطبيعة تشكل لك هذا الهاجس المرضي، خلق البشر هذا الاستهلاك للهروب من طبيعة الاشياء المادية، نحن اسرى البدايات الطبيعية ، قاطعتها قلت ، الحياة لحظة تغتال لحظة فنتوهم أن للوجود زمن يمكن القبض عليه واستيعابه، نحن نزداد صراعا للبقاء او الى الازل ، بينما تكمن الابدية في ما نخزنه من لحظات نخبئها معنا من طريق مشينا به يوما أو من طعام استطعمناه ، من يد رحمية بنا ، نحمل رائحة نطمرها في جوف قلوبنا، نطلق عنانها كلما رن جرس باب ذاكرتنا ، انا احب خبز امي، وأي خبز احن اليه، ذلك المختوم باصابع امي ، رائحة الخبز الموجعة تولد في داخلي جوع اللهفة والذاكرة قبل جوع المعدة ، الذاكرة تستعيدنا لا نستعيدها، باجواء من حرارة الخشب وظهيرة الشمس ، نظرت الي بسخرية وهي تتفرس فطيرة، وقالت لا تشكل لي القطعة اي معنى طالما صورتي واطارها اكتست بالحلي واللمعان، ونهضت ودعتني ، بقيت متسمرا في مكاني شاحب الوجه كشحوب حياتي ، تقدما قبالتي رجلان وطلبا مني الرحيل، الحشد يخشى وجودك كمراقب متطفل على زمانهم ، تم سحب صورتي مني من قبل امن الاستعلامات ، غذيت خطواتي خارج المدينة الزجاجية واطلقت تنهيدة آه آه وتلاها نحيب متلاطم صعد الى السماء حالما لمحت في الفناء جدار مهدد بالسقوط ونوافذ مسح عليها الزمان الوانه غذيت قدماي السير وانا انظر الى الشارع الشاهد على اقدام الراحلين وما تبقى من القادمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي