الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفعل الصحراوي 1

فارس تركي محمود

2021 / 2 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن الظروف الجغرافية للعالم العربي كانت ولا زالت وستبقى تمثل ظروفاً مثالية لنمو وتجذر وتغول سمات المجتمع البدائي ، فهي بمثابة الحليف الاستراتيجي والرحم المغذي لتلك السمات، حيث أن العالم العربي يقع ضمن جغرافية تسيطر عليها الصحراء بشكل شبه كامل إذ يشكل النطاق الصحراوي ما نسبته 88 % من مساحة العالم العربي بينما لا تشكل المناطق المأهولة والصالحة للزراعة أكثر من 12 %. تبلغ مساحة العالم العربي حوالي 14 مليون كم مربع وعلى الرغم من سعة هذه المساحة التي تتجاوز مساحة قارة أوربا ( 10 مليون كم مربع ) وقارة اوقيانوسيا ( 8،9 مليون كم متربع ) إلا أن حوالي تسعة أعشار هذه المساحة الهائلة عبارة عن صحاري وبوادي مقفرة أهمها :
1 - الصحراء الكبرى : وتعرف في اللغة الإنجليزية بـ”Sahara” ؛ وهي أكبر الصحارى الحارة في العالم، وثالث أكبر الصحارى بعد القطب الجنوبي والقطب الشمالي. تمتد بين شمال ووسط قارة أفريقيا، وهي قاحلة وجافة، تتميز بندرة هطول المطر، تتجاوز مساحتها ( 9 مليون كم مربع ) طولها ( 4800 كم ) وعرضها ( 1800 كم )، وتنتشر عبر 11 دولة أقصاها غربا السنغال وموريتانيا وأقصاها شرقا السودان وإثيوبيا، وتضم عدد من الدول العربية : مصر، السودان، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا. وتعد الصحراء الكبرى من أقسى صحارى العالم واكثرها حرارة إذ تكون حرارة الصيف مرتفعة جدا وممتدة في الزمن من أيار حتى تشرين الاول وتبلغ درجة الحرارة في الظل أحياناً حوالي 58 درجة مئوية. كما تتصف حرارة الصحراء الكبرى بشدة سعتها، والسعة الحرارية السنوية هي الفارق بين درجتي الحرارة الدنيا والحرارة القصوى، والتي قد تصل إلى حوالي 30 درجة مئوية، وهناك سعات حرارية يومية أي يتم تسجيلها في اليوم ذاته تصل إلى 35 درجة فمثلاً تم تسجيل حرارة قدرها 10 درجة الساعة السادسة صباحاً وعند الظهر بلغت 45 درجة مئوية، وتبدلات الحرارة تكون سريعة جدا فوق الرمل أو عند سطح الأرض فقد تتجاوز 70 درجة مئوية عند الظهر، وهذه درجة لا يمكن أن يسير الأنسان فيها حافياً.
وتنال الصحراء الكبرى أقل من 100 ملم من الامطار في العام وفيها مناطق تبلغ مساحتها 6،9 ( مليون كم مربع ) تقل أمطارها عن 50 ملم ومناطق أخرى تقل أمطارها عن 20 ملم، وفي بعض المناطق يمكن أن تمر أشهر وأعوام من دون أن تسقط قطرة مطر واحدة كما حصل في واحة الكفرة في ليبيا التي مرت عليها ثمانية أعوام من دون قطرة ماء ، ويستفحل الجفاف بسبب شدة الرياح الشمالية الشرقية واستمرار هبوب وعنف الرياح الرملية .
2 - الصحراء العربية : وهي ثالث أكبر صحراء في العالم تقدر مساحتها بحوالي ( 2،6 مليون كم مربع ) وتتميز هذه الصحراء بدرجات حرارة حارقة تصل أحياناً حتى ( 60 ) درجة مئوية ، ولا يتجاوز متوسط سقوط الأمطار فيها أكثر من ( 4 ) بوصة سنوياً ، ولكنه يختلف من منطقة إلى أخرى ، ويمكن أن يختلف من صفر بوصة إلى ( 20 ) بوصة في السنة . والدول التي تغطيها الصحراء العربية هي : السعودية ، قطر ، عمان ، الكويت ، الامارات ، اليمن ، العراق ، الاردن . وتضم الصحراء العربية بدورها عدد من الصحارى والمساحات الرملية أهمها :
أ – صحراء الربع الخالي : تعد أكبر صحراء رملية في العالم بمساحة قدرها 650،000 كم مربع يصل طولها إلى 1000 كم مربع وعرضها 500 كم مربع . في الصيف تتراوح درجات الحرارة فيها ما بين درجة التجمد ليلا وأكثر من 60 درجة مئوية ظهرا ، و توجد فيها كثبان رملية أعلى من برج إيفل – أكثر من 330م – و يمكن أن تعد الصحراء ذات الظروف المناخية الأصعب في العالم ، فالظروف البيئية في هذه الصحراء شديدة الصعوبة للغاية .
ب – صحراء النفوذ : وهي عبارة عن صحراء رملية تمتد ما بين الشرق و الغرب لمسافة 600 كم ، وامتدادها من الشمال إلى الجنوب يبلغ 250 كم . تتميز صحراء النفوذ بالكثبان الرملية المتشابهة ، تتراوح معظمها في الارتفاع بين 6 و 15 مترا ، و قد يصل بعضها إلى ارتفاع 100 متر . وتقدر مساحتها بأكثر من 103,000 كم مربع ، رمالها تتميز باللون الأحمر في الشمال و اللون الرمادي في أطرافها الجنوبية و الغربية .
ج - صحراء الدهناء : صحراء الدهناء إحدى صحارى شبه الجزيرة العربية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وتقدر مساحتها بـنحو 130 كم مربع . وتمتد من النفوذ في الشمال إلى حضرموت ومهرى في الجنوب واليمن في الغرب ، وعمان في الشرق وتتميز بالجفاف وبشدة الحرارة وبخلوها من الماء والمراعي . وهي الجسر الذي يربط بين صحراء النفود الكبير في الشمال وصحراء الربع الخالي في الجنوب . ويبلغ امتدادها نحو 1300 كم ، وتتصل شمالاً بصحراء النفود الكبير وجنوبًا بصحراء الربع الخالي.
3 - بادية الشام : ويطلق عليها أيضاً البادية السورية وبادية السماوة ، وهي تحتل المرتبة الثامنة في قائمة أكبر الصحاري العالم بمساحة تقدر بـ ( 518,000 كم مربع ) ، ولهذه البادية امتدادات جغرافية متعددة تشمل غرب العراق وجنوب شرق سوريا وشرق الاردن وشمال السعودية. متوسط هطول الامطار فيها لا يتجاوز ( 5 بوصة ) سنوياً .
كان لا بد لهذا الواقع الجغرافي الصحراوي الذي عاش في كنفه العرب أن يترك أثره وتأثيره عليهم وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأهم من ذلك كله على مستوى الفكر والعقلية والسلوك والنظرة للحياة . فكما ذكرنا سابقاً فإن جميع الشعوب والجماعات والمجتمعات البشرية كانت في بداياتها الأولى - أي عند خط الشروع - مجتمعات بدائية يتحلى جميع أفرادها بالسمات البدائية ولم يشذ العرب أو ساكني المنطقة العربية عن هذه القاعدة فحملوا سمات مجتمعاتهم البدائية ولم يواجهوا طوال تاريخهم كله أية ظروف جغرافية تجبرهم على تغيير تلك السمات أو استبدالها بسمات أخرى أو التقليل من حدتها ، بل على العكس كانت الجغرافيا الصحراوية التي عاشوا في ظلها خير عونٍ وأفضل حليف لتعزيز وتقوية تلك السمات وتحويلها إلى سمات مستحوذة ومسيطرة بدرجة عالية جداً على الشخصية العربية . إذا ما تفحصنا التاريخ العربي منذ بداياته الأولى وحتى يومنا الحاضر لتمكنَّا بسهولة من رصد وتشخيص الحضور الطاغي لتلك السمات وفي مختلف المجالات بدءً بأصغر الأشياء وصولاً إلى القضايا الكبيرة . بل إن الكثير من الكتاب والمؤلفين القدماء والمحدثين الذين كتبوا عن الشخصية العربية وصفات العربي ذكروا بوعي أو بدون وعي تلك السمات وأفاضوا في شرحها وتوضيحها .
فهناك آراء في العرب تنسب لما يعرف بالشعوبية تتضمن وصفاً سلبياً ونقداً قاسياً للشخصية العربية ومما جاء فيها : " لم تزل الأمم كلها من الاعاجم في كل شق من الأرض لها ملوك تحميها ومدائن تضمها ، وأحكام تدين بها ، وفلسفة تنتجها ، وبدائع تفتقها في الأدوات والصنائع ، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة ، ولعبة الشطرنج وهي أشرف لعبة ، ورمانة القبان التي يوزن بها رطل واحد ومائة رطل ، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والإصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به علم الأبعاد ودوران الأفلاك ، وعلم الكسوف ، وغير ذلك من الآثار المتقنة ، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ، ويضم قواصيها ، ويقمع ظالمها ، وينهى سفيهها ، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة ولا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر ، وقد شاركتها فيه العجم وذلك أن للروم أشعارا عجيبة قائمة الوزن والعروض ؛ فما الذي تفخر به العرب على العجم ؟ فإنما هي كالذئاب العادية ، والوحوش النافرة ، يأكل بعضها بعضا ، ويغير بعضها على بعض . . . ".
وجاء في رد الشعوبية على العرب وافتخارهم بحمل أدوات الحرب كالعصي والرماح والسهام ما يلي : " . . . فهذه الفرس ورسائلها وخطبها وألفاظها ومعانيها وهذه يونان ورسائلها وخطبها وعللها وحكمها وهذه كتبها في المنطق التي قد جعلتها الحكماء بها تعرف السقم من الصحة والخطأ من الصواب وهذه كتب الهند في حكمها وأسرارها وسيرها وعللها فمن قرأ هذه الكتب عرف غور تلك العقول وغرائب تلك الحكم وعرف اين البيان والبلاغة واين تكاملت تلك الصناعة فكيف سقط على جميع الامم من المعروفين بتدقيق المعاني وتخير الالفاظ وتمييز الامور ان يشيروا بالقنا والعصي والقضبان والقسي كلا ولكنكم كنتم رعاة بين الابل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر وحملتموها في المدر بفضل عادتكم لحملها في الوبر وحملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب ولطول اعتيادكم لمخاطبة الابل جفا كلامكم وغلظت مخارج اصواتكم حتى كأنكم إنما تخاطبون الصمان اذا كلمتم الجلساء. . ." وقد رد على هذه المطاعن العديد من الكتَّاب والادباء العرب مثل إبن قتيبة ( ) والجاحظ ، والذي يهمنا في هذا المجال هو رد الجاحظ لأنه يحمل بين طياته بعض سمات الشخصية العربية فهو يقول : " وأما الهند فإنما لهم معان مدونة وكتب مجلدة لا تضاف الى رجل معروف ولا الى عالم موصوف وإنما هي كتب متوارثة وآداب على وجه الدهر سائرة مذكورة ، ولليونانيين فلسفة وصناعة منطق وكان صاحب المنطق نفسه بكئ اللسان غير موصوف بالبيان مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه وبخصائصه وهم يزعمون أن جالينوس كان أنطق الناس ولم يذكروه بالخطابة ولا بهذا الجنس من البلاغة ، وفي الفرس خطباء الا ان كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة وعن مشاورة ومعاونة وعن طول التفكر ودراسة الكتب وحكاية الثاني علم الاول وزيادة الثالث في علم الثاني حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم . وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام وليست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة ولا استعانة وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخطام أو حين أن يمتح على رأس بئر أو يحدو ببعير أو عند المقارعة والمناقلة أو عند صراع أو في حرب فما هو إلا أن يصرف همه إلى جملة المذهب وإلى العمود الذي إليه يقصد فتأتيه المعاني إرسالا وتنثال عليه الالفاظ إنثيالا ثم لا يقيده على نفسه ولا يدرسه أحداً من ولده .
وكانوا أميين لا يكتبون ومطبوعين لا يتكلفون وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر وهم عليه أقدر وأقهر وكل واحد في نفسه أنطق ومكانه من البيان أرفع وخطباؤهم أوجز والكلام عليهم أسهل وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ أو يحتاجوا إلى تدارس وليس هم كمن حفظ علم غيره واحتذى على كلام من كان قبله فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم والتحم بصدورهم واتصل بعقولهم من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب وإن شيئا من الذي في أيدينا جزء منه لبالمقدار الذي لا يعلمه إلا من أحاط بقطر السحاب وعد التراب وهو الله الذي يحيط بما كان والعالم بما سيكون . . . " .
يمكننا بسهولة أن نلاحظ تركيز الجاحظ على القدرة الكلامية والبلاغية للعرب كمكافئ لقدرة الأمم الأخرى في ميدان العلوم والمنطق والفلسفة ، هذه القدرة التي يعتبرها بمثابة السليقة أو الفطرة المميزة للشخصية العربية بحيث أن الفرد العربي لا يبذل أي جهد فكري وعقلي لترتيب المعاني واختيار الألفاظ " فما هو إلا أن يصرف همه إلى جملة المذهب وإلى العمود الذي إليه يقصد فتأتيه المعاني إرسالا وتنثال عليه الالفاظ إنثيالا " مما يدل بشكل واضح على المستوى الذي بلغه المنهج الخطابي الإنشائي الوعظي – وهو من أهم السمات المميزة للمجتمع البدائي -من القوة والتجذُّر بحيث أصبح وكأنه جزء أصيل من الشخصية وليس مهارة أو صنعة يتقنها الفرد بعد الدراسة والمران وبذل الجهد كما هو حاصل لدى الفرس والهنود واليونانيين . أما الآراء الشعوبية فأبرز ما ركزت عليه واعتبرته مطاعن ضد العرب يتمثل بعدم قدرتهم على إنتاج أية صناعة أو فلسفة وابتعادهم عن التفكير المنطقي والفكر الفلسفي واقتصارهم على الشعر وهو ما لم ينكره المدافعون عن العرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م