الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انثيالات فلسفية في رواية -فقيه الطين-

واثق الجلبي

2021 / 2 / 5
الادب والفن


لواثق الجلبي
رنا صباح خليل
وإن لجئنا لنظرية الأديب الفرنسي جان ستاروبنسكي المتعلقة بالتفريق بين كل من المبنى والمعنى، تبيَّن لنا السعي الدؤوب للروائي، من خلال الرهان على المعنى في جعل السرد حاضراً بماضيه، ولوجدنا ما يتداخل في هذه الرواية من علم اجتماع وفلسفة وسياسة بما يعزز إعمال خيال السارد وقواه النفسية ليكشف لنا رؤيته الخاصة ومجمل اهتماماته وشخصيته الثقافية المتكاملة من خلال تفاصيل حياتية واقعية واخرى وجدانية، وما يتحصَّل له تالياً، معنى تفكَّره وتخيَّره كما تدبَّره لجعل السرد داعما للمعنى، وإن كان هناك مبنى حاضر من خلال وقائع وأحداث فإن ذلك يمكن لأي كان، ينتمي إلى المكان ذاته تحديداً، أن يقول: أنا أعرفها، أعرف ذلك جيداً، أنا شاهد على الوضع الامني والسياسي الذي هيمن عليه الفقر واللامسؤولية في العراق الراهن، لكن تلاعباً بالمسار وحضور الاسم لهذا أو ذاك وغيابه جزئياً أو كلياً، أو دورياً، يخضع لهيمنة أدبية، ذوقية تخص المعنى المتشكل في ذهنية الروائي وفي طروحات السارد الذي بين الحين والآخر يبتعد بنا عن فوضى السياسة وآلام بلده ويربط بين روحية الحبيبة وتجلياته وهو يواجه عقبات تقف في وجه حب عميق متجذر .
في سياق المعنى
ان ما يتردد في مقاطع الرواية يوسع حدود الجرح النفسي الملتهب ازاء ماهية الوجود وكيف تنكفىء السياسة على نفسها وهي تخوض عملية نكوص مريعة في ضوء ما يخل بتوازنها في لعبة صادمة لكل مسكون بأمل استعادة التوازن والدخول في عصر مختلف بعيدا عن نهابوا الفرص، قريبا من نداء قداسة الطين التي تحتم الرجوع الى قضية الخلود وربطها ببلاد الرافدين حيث المعرفة والحكمة التي يرتبط الكون بها، وتذكر ديوجانس الرواقي البابلي الذي اصبح رئيس المدرسة الرواقية في اثينا وكان له حواريون ينقلون حكمته وقصة هيروفيل الكلدانية وكيف ان طاليس كان تلميذا صغيرا لحكماء العراق من الكلدان، والرواية مليئة بالقصص التي تدون اصول عريقة تتبنى التفقه لكائن الطين بدلالة وجودية معمقة ومتوجة بالفلسفة التي تتناول قصة الحكيم العراقي أحيقار وكيف تصاغر فلاسفة العالم امام فكره وتوقد ذهنه وكذلك الحكيم برحوثا الذي يسميه اليونانيين بيروسس.
ان اهمية الرواية وكل خصائصها الجمالية تتجسد فيما ابدعه كاتبها من اساليب حوارية تتركز في فصل (مأدبة بابلية) إذ استلهم في قالب حواري واسع من الفكر الصوفي والفلسفي المعاصر وعلم التحليل النفسي النقاشات الفكرية الدقيقة التي تدور بين العقل والقلب او بين الشخصية وصوتا خفيا هو مكنون الذات نفسها، وان كان الفكر الفلسفي الصوفي يغلب على معاني الحوار الا ان الكاتب كان يستجلب منه مقولاته ليعيد مساءلتها بتقنيات الفلسفة المعاصرة ومن ذلك معرفة الله ومفهوم الموت والاستعداد له وقضية حضور الوليد للعالم كرها بدلالة بكائه عند الولادة، وقد استخدم الكاتب جملا جاءت على وفق السياق القرآني بلباسها الروائي الجديد لتتناص مع ما يؤول اليه من معنى استطاع توظيفه بما يخدم نصه ومن ذلك " يترنح ذات الحروف وذات الحركات" "وطفق يعمل فكره آناء الليل واطراف النهار" " عاد الى الحديث مع الجميع بلسان عراقي مبين"، ان محاولات الكاتب في طرح افكاره على وفق هذا السياق كانت تعكس ابداعه في خاصيتين من خاصيات روايته الاولى تجاوزه للاجترار الفكري والثانية انتصاره لصالح الانسان، وقد هيأ ممكنات الروي من خلال التطرق الى نظريات التحليل النفسي ومنها موضوعة النفس الكلية وقضية الكتابة والانعزال والانكفاء على الذات والبحث عن السكينة، وكل ذلك كان يتم التحاور فيه عن طريق طرح الاسئلة التي لا تجر سوى اسئلة اخرى بحثا عن الحقائق وهي تنتهي دائما اما بالانبهارات او بالانطفاءات.
ان هذه الرواية هي رواية تداعٍ، وليست تيار وعي إذ ان (التداعي الحر) تعتمد فيه الشخصية على استرجاع مجموعة صور من دون تسلسل وهي اشتغال سردي مجازي فلسفي تحليلي، لواقع ممتد لأصل الانسان ضمن بقعة جغرافية معينة حيث وقائع ذكرها التاريخ واخرى تغافل عنها، يدونها السارد بتفاصيلها التي تتمحور على وفق رؤيته التي تتشكل وتنصهر لتصب بما انبثق عنه مصير الانسان الحالي.
ان الأزمة التي يطرحها واثق الجلبي هي في خيال الكثيرين الا ان عملية امساكنا لعوالمها منذ مطلعها الاول هو محاولة للوقوف عند عتباتها المثيرة التي لا يستطيع ايلاجها الا من تمكن من وقائعها وخبر دلالاتها فهو يطرح علامات استفهامية كبيرة ضمن مشهدية مكتملة الابعاد، مرتكزة على خبرة الايصال للمتلقي بشكل مباشر على الرغم من ان لديه لغته التي يقوم من خلالها بتشييد المفردات بطريقة خاصة كالذي يريد ان ينشىء عوالما مبتكرة للملفوظات بأسلوب فريد ولافت للذائقة القرائية، اي انه يشتغل على الاسلوب التعبيري المجرد الذي يمازج فيه بين افتراضاته من خلال تحقيق مبنى مضموني مكتمل المعنى، لذا نقرأ "جاءه الليل ضنينا بالنسمات فاستيقظ منهزما ليكتب تجليات الحرف على الورق.. احاط حياته بجدار عازل غير راغب بدخول احد الفوضويين في حياته.. ولأن المجتمع كان منفتحا على الثرثرة فانه اقفل مساحاته بالغموض .. لا يريد ان يغضب احداً ولا يريد ان يغضب من احد عاش كسيكارته غارقا بالدخان غير الموحى الا اليه.. لم يؤهله احد ليرتقي نحو الديكتاتورية فعاش يلتقم السيكارة تلو الاخرى.." صفحة 8 من الرواية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب الثانوية يدخلون اللجان .. تليفزيون اليوم السابع ينقل أج


.. ا?قوى مراجعة نهاي?ية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية الع




.. السجن 3 سنوات للفنان محمد غنيم في اتهامه بتهديد طليقته


.. إعلان صادم لمحبي الفنانة السورية كندة علوش و-ولاد رزق 3- يحط




.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -