الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الموحد

تحسين قادر

2021 / 2 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مقدمة
لم يكن العراق عبر التاريخ المعاصر بلدا موحدا، اذ تم بعد الحرب العالمية الأولى ربط ثلاثة ولايات عثمانية و هي البصرة وبغداد والموصل والحاق جنوب كردستان بها قسرا، في وقت لاحق، بغرض تشكيل العراق الحالي من تلك الولايات. لا تمتلك المكونات التي تشكلت منها دولة العراق أي انتماء حقيقي لهذه الدولة، إذ تنتمي تلك المكونات الى نفسها و الى الجذور الأثنية والمذهبية لھا خارج العراق أكثر من انتمائها الى العراق .


العراق الموحد

على مدى القرن العشرين و ما مر من القرن الحادي والعشرين ظهرت أربعة اتجاهات سعت الى تأسيس العراق الموحد واعطاء المكونات القومية والدينية والمذهبية الهوية العراقية :

الاتجاه الأول: محاولة الأنكليز و فئات من الشخصيات البارزة للمكونات ( بخاصة النخبة العربية السنية) تأسيس بلد دستوري تكون المواطنة فيه فوق كل الاعتبارات والأنتماءات الأخرى.
كانت المشكلات البنیویة للمجتمع عقبة أمام نجاح هذا التوجه.
مع حلول 14 تموز 1958 واسقاط الملكية وتعطيل البرلمان وزوال سلطة الأنكليز، فشلت تلك المحاولة.

الاتجاه الثاني: كان الحزب الشيوعي العراقي يسعى الى تأسيس( وطن حر وشعب سعيد ) من منظور وحدة الطبقة العاملة العراقية، إلا ان مسعى هذا الحزب لم يحالفه النجاح رغم النضال الدؤوب والتضحيات الكثيرة له، وبسبب تفاقم أسباب ذاتية وموضوعية، داخلية وعالمية ، لم يستلم هذا الحزب السلطة ، وفي النهاية تكبد خسائر فادحة، وراحت جهوده أدراج الرياح ، اذ تخلله الإنشقاقات و الانقسامات، ورغم اخلاص الحزب ونواياه الطيبة ، لا يستطيع هذا الحزب اليوم، الا بصعوبة بالغة جدا، الحصول على مقعد واحد في برلمان العراق أواقليم كردستان.
ففي العراق والاقليم ، يسيطر قادة العشائر والأحزاب الناطقة باسم الدين والقومية والميليشيات على الوضع والموقف .

الاتجاه الثالث: الدكتاتورية والحزب الشمولي النامي بين السنة باسم الاتجاه القومي العربي ، الذي حكم العراق من 1963 حتى 2003 بالنار والحديد ولم يتورع عن ممارسة العنف والإبادة الجماعية باسم عمليات الأنفال للمكون الكردي ومارس أقسى أنواع القتل والظلم ازاء الشيعة والمكونات الأخرى وكافة أنواع المعارضين والمعارضة !
وفي النتيجة تسبب هذا الاتجاه في اشعال حروب خارجية متتالية، و من جانب آخر أبعد الشيعة والكرد عن السنة ، وجعل من العراق سجنا وجحيما للجميع ( ما عدا الأقلية الحاكمة المتسلطة ) .

الاتجاه الرابع : وفي عام 2003 استأنفت وعاودت القوات الأمريكية المحاولة الانكليزية الفاشلة، بغية تأسيس عراق جديد يضم جميع المكونات مع الحقوق المتساوية ، ومن أجل ذلك فرضت عنوة دستورَ 2005.
في الحقيقة لم يكن عراق ما بعد 2003 جديدا بل كان محاكاة سافرة للعراق القديم، أجل لم يكن حديثا بل كان قديما من ثلاثة جوانب :
1- كانت النخبة وأصحاب قرار العراق العربي يحملون الأفكار والبنى الايديولوجية التقليدية للعراق القديم.
2- كان الطرف الكردي ملتزما وأسيراً بفكرة الحكم الذاتي والاكتفاء به والحفاظ على وحدة العراق القديم . وما مشاركة هذا الطرف في العملية السياسية في العراق الا من أجل المال والمحاصصة الادارية والامتيازات الشخصية والأسرية والحزبية.
في الحقيقة لم يكن قادة الأكراد و الأحزاب الحاكمة في كردستان.. عراقيين ولا كردستانيين في الفكر و الممارسة، بل كانوا و لايزالون يفتقرون الى ستراتيجية قومية و وطنية واضحة و مدروسة ،واتبعوا سياسة يومية و قصيرة الأمد للاحتفاظ بالسلطة و جمع المال لهم ولأبنائهم وذويهم.

3- اصر المجتمع الدولي و بالأخص امريكا على ابقاء العراق القديم موحدا من منظورالجيوستراتيجية القديمة للحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، بخاصة في منطقة الخليج لصد المخاطر الإيرانية.
ويتضح ذلك من خلال ملاحظة الامريكيين أن القادة الكرد ( مثلما روى ذلك بريمر في مذكراته) (1) يولون المال أهمية كثيرة لهم ولأحزابهم... فلجأوا الى اتباع سياسة الترغيب ، لترويضهم وإقناعهم ، فتيسر لهم تشكيل العراق القديم من جديد بدون أن يواجهوا أي مشكلة.
ونظرا لغياب ثقافة الديمقراطية وعدم الإيمان بسيادة القانون ، وحرية التعبير والمساواة بين الأقوام والأديان والطوائف وحقوق الإنسان... باءت هذه المحاولة أيضا بالفشل، فأهملَ المكونُ الشيعي ، بحكم الأكثرية في البرلمان والحكومة، تطبيقَ معظم فقرات الدستور ( على سبيل المثال تشكيل المجلس الفيدرالي والمادة 140).
وفي الوقت الراهن يتراجع الشيعة عن الدستور بشكل رسمي وفعلي، يظهر ذلك من خلال اتخاذ الموقف المتشدد والمتشنج ازاء حقوق ومستحقات الاقليم ، واهمال حل مشاكل المناطق المتنازع عليها وحسمها ، واصدار عدد كبير من القوانين التي تحط وتقلل من قيمة وأهمية حقوق الإنسان!
ويشكل ذلك احباطا كبيرا لأمريكا بعد أفغانستان ،خلال العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين، لذلك يعد انسحاب امريكا و قواها أمرا متوقعا .

يسلط المفكر الأمريكي فرانسيس فوكو ياما في كتابه الموسوم ( بناء الدولة) الضوءَ على ذلك الإحباط والتراجع الأمريكي (2)
ومن الأهمية بمكان، أن نذكر الجميع في هذا السياق ، أن المفكر الكردي د. برهان ياسين ( الاستاذ الجامعي في السويد) قد أطلعَ القادةَ على مجموعة من التوقعات والسيناريوهات ، في رسالة له وجهها الى الحزبين الحاكمين في كردستان ، منها مخاطر اعادة وتكرار المشروع البريطاني في ثوب أمريكي وتوقع احباط هذا المشروع ، مثلما وجدنا فشل المشروع البريطاني مع انهيار النظام الملكي السابق.
لقد صاغ الدكتور برهان ياسين توقعه هذا في سؤال: اذا كان المشروع البريطاني العراقي الداعي الى توحيد العراق قد انتهى في الثمانين سنة الماضية بتاريخ ملئ بالدماء، فما الذي يسوغ ويضمن أن يكون المشروع نفسه ناجحا في ثوبه و صيغته وصبغته الأمريكية، وفي الرسالة نفسها يثير الدكتور برهان سؤالا هاما أمام حكام الحزبين ،الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حين يقول متسائلا : هل يشترك الكرد ويسهم في تأسيس وتشكيل دولة من جديد ثم ينصرف بعدئذ الى المطالبة بحقوقه من الدولة نفسها ؟ (3)
ولابد من القول، أن الدكتور برهان قد انصرف منذ سنوات الى التنظير لخيبات أمل ثلاث(4):

1- خيبة الأمل الناجمة من موقف السنة ازاء الشيعة وموقف الشيعة ازاء السنة.
2- يأس الكرد من موقف الشيعة والسنة على حد سواء.
3- خيبة أمل امريكا من مشروع العراق الموحد (عراق الشيعة والسنة والكرد) ، أي اليأس من وهم العراق الجديد الذي أرادت أمريكا تشكيله لتضمن فيه مصالحها وتسعى الى الحفاظ عليه.

يعتقد الباحث الى ان أحد السيناريوهات القوية المتوقعة هو وصول تلك الخيبات الثلاث الى القمة في وقت واحد، حينئذ يصبح تفكك العراق أمرا حتميا.
يبدو ان المصالح الأمريكية والفرص والتهديدات في الشرق الأوسط التي تتمثل في ( النفط والغاز، الأمن الاسرائيلي، الأسلحة النووية الفتاكة والعنف والإرهاب الاسلامي) يعاد النظر فيها، بمعنى ان الحكومة الأمريكية لا تتخلى عن مصالحها الستراتيجية في المنطقة ، بل يتم العمل والتعامل معها بوسائل وسبل مختلفة ، منها تطبيع العلاقات بين اسرائيل والدول العربية التي بدأت بالامارات والبحرين، بالتأكيد تعقبها سيناريوهات أخرى .

تجربة جنوب كردستان

كانت كردستان على مدى التاريخ ضحية المعادلات الدولية والاقليمية، ناهيك عن العوامل الداخلية.
ولقد طرأت تغيرات على المعادلات العالمية منذ 1991 لصالح جنوب كردستان. إن أهم ما تمخض عن هذا التغيير هو إنتخابات البرلمان و تشكيل حكومة اقليم كردستان في عام ١٩٩٢.

منذ عام ٢٠٠٣ استطاع الكرد بسط سيطرتهم على غالبية جنوب كردستان، من ضمنها مدينة كركوك ، وسنحت الفرصة الذهبية لبناء الحاضر و مستقبل مشرق للجميع، لكن لعدم وجود قيادة تاريخية ، والتحزب والصراع بين الأحزاب الحاكمة على السلطة والمال، لم يوضع و يشرع دستور لاقليم كردستان ، وكنا نأمل ذلك ، بعد أن توفرت آنذاك فرص ثمينة، قبل وضع الدستور للعراق .
ولم يبذل( في السنوات الخمس عشرة الأخيرة) اي جهد باتجاه تحقيق ذلك، حيث لم تؤسس أجهزة ومؤسسات دستورية ولم تفصل السلطات عن بعضها، ولم تحول الأحزاب إلى احزاب مدنية مجردة من السلاح، ولم تُوحد قوى البيشمركة في اطار جيش نظامي وطني موحد، وأهمِلَ تشيكلُ محاكم عادلة جريئة ونزيهة، ولم يكترثوا لاجراء الانتخابات في أجواء حرة ونزيهة ، ليتم تداول السلطات في جو سلمي آمن.
من جانب آخر لم تتم صياغة البنى الاقتصادية والمالية المنتجة، اضافة الى ذلك لم يوضع نظام مصرفي وضريبي لضمان معالجة البطالة ، ولم نجد تحركا جديا بهدف انشاء سوق حرة ، لم تجر احصائية ، من جانب آخر لم يتم الحفاظ على حرية التعبير وحقوق الإنسان والسعي لتحقيق المساواة بين الجنسين .....
صفوة القول انهم حالوا دون تحويل المجتمع المتحزب المسلح الى مجتمع مدني حقيقي !

التشاؤم ازاء مستقبل العراق والاقليم

سأكون متشائما في هذه الظروف بصدد توجه العراق، في ظل هذا النهج والبنى الطائفية المسلحة ، نحو التمدين ومعالم الدستور، وقس على هذا النحو.. كردستان حيث لا نرى في ظل حكم القادة الجائرين والاحزاب المسلحة أي أفق واضح يبشر بالخير.
لقد عانينا الدمار ورأينا أشباح الحروب وعمليات الأنفال العسكرية والإبادة الجماعية، انها تجارب مريرة في ماضينا ، يُتَوَقَعُ ونتوقع حدوثها في راهننا و مستقبلنا کما جرى للايزيديين.
إنها تجارب تسبقنا وتعيش معنا، حيث اقترفت جرائم ابادة بنوايا وأغراض طائفية و مذهبية مختلفة في بداية ظهور داعش وزواله، وبعد استفتاء ٢٥ أيلول وهجمات ١٦ اكتوبر ٢٠١٧ على سكان كركوك والمناطق المتنازع عليها.
ففي ظروف كهذه تتخلف الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للعراق وكردستان وتتفاقم أكثر حد الوصول الى الانهيار والانحلال. ولا تثمر علاقات سلطات المركز مع سلطة الإقليم شيئا لصالح الطبقات المسحوقة في كلا الطرفين بل تصب في مساومات رخيصة وقصيرة الأمد للذود عن الامتيازات الشخصية والعائلية والحزبية لحكام كلا الطرفين، العراق والأقليم معا.
ينال الشعب المظلوم في كردستان والعراق بشكل عام القسطَ الأوفر من البؤس والفاقة والعوز و خصوصا سكنة مناطق كردستان الخارجة عن حدود الاقليم، والأقليات القومية والدينية للمنطقة.. فيكونون الضحية الأولى في الصراع مثلما كانوا في الماضي.



بصيص أمل
إن توعية الفرد وتقويته لينال حريته وليتمتع بها ، والوصول الى قناعة تفيد ضرورة تَكَّون وبناء المجتمع من أفراد أحرار في ظل المساواة والعدالة على أساس المواطنة، تمييزهم وتنظيمهم في اطارات مدنية متنوعة ، خارج الحزب والسلطة المستبدة الفاسدة في العراق وكردستان ، وبناء الحوار وتوطيد جسر العلاقات المتنوعة بين الأكاديميين و الناشطين المستقلين و منظمات المجتمع المدني في العراق و الإقليم ، تكون مفتاحا لحل الأزمات.
إن احدى المشاكل الكبرى التي خلقت البؤس للشعب الكادح من كلا الطرفين ، هي هذا الإطار العراقي المصطنع قسرا ! الذي لايفيد منه سوى القادة الفاسدين والأحزاب والميليشيات العائدة الى كلا الطرفين، لقد جعلوا من هذا الاطار حجة لعسكرة المجتمع و إشعال الحروب المتتالية التي لايقف وراءها أي مبرر( فالفاشية تولد الحرب وتخلق الحرب الفاشية).
من جانب آخر نرى أن كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر لإخفاء عيوبهما ونواقصهما الصارخة في الادارة و الحكم الرشيد، على سبيل المثال تجعل الحكومة العراقية مسألة النفط والمعابر الحدودية وعدم تسليم الموارد الداخلية للأقليم حجة لأخفاء مساوئ حكمها الطائفي والفاسد فيستشهد بأن الأقليم كله لا يساوي محافظة البصرة من حيث حجم ايرادات الدولة.!
ومن جانب آخر اتخذت حكومة الأقليم من قطع رواتب الموظفين من قبل بغداد حجة تغطي بها احباطها وعجزها في ادارة الحكم وفسادها المستشرى في كردستان منذ ثلاثين سنة !

ففي ظرف كهذا فشلَ المجتمعُ السياسي وأجهزة الحكم في
العراق وكردستان في ادارة حكم البلد ،وتطبيق الدستور، وحماية السلم والوئام الاجتماعي وحفظ حقوق الإنسان، وتأمين الحياة والعيش وضمان رواتب الموظفين ، نعم فشلت في حماية الحدود وسيادتها على سماء وأرض البلد... والأخطر والأنكى من ذلك كله عدم تحقيق المساواة والوئام بين المكونات ، بل على العكس من ذلك خُلقت وتُخلق أزمات مستدامة بينهما ، الى حد النزاع العنيف والحروب التي راح أبناء الفقراء ضحايا فيها وأصبحوا وقودا لها.

من هنا ولهذا، سيكون حوار المفكرين والأكاديميين والنشطاء والمنظمات المدنية والنقابات الحقيقية والمتظاهرين لكلا الطرفين حول المواضيع كلها ، بخاصة ما يتعلق بحق تقرير المصير وتفكيك هذا الإطار الخالق للأزمة والجور، شيئا مصيريا للجميع، إن تحقيق حق تقرير المصير لشعب كردستان وكافة المكونات العراقية يخدم الجميع بدون أي تمييز .
وأود أن أقول بالتحديد ، بقدر ما يكون استقلال كردستان مفيدا وضروريا لشعب كردستان ، بقدر ما يكون، بل على نحو أكثر، ضروريا لتحرر شعب العراق وكافة مكوناته .
إن تغيير السلطة ونجاح النضال المدني والتخلص من هؤلاء القادة المستبدين والأحزاب الفاسدة والميليشيات العائلية والطائفية سيكون أسهل ويتيسرلكل مكون ، إذا استقل وامتلك كيانه الخاص.

[1] پۆول بریمر: عام قضیتە فی العراق.
[2] فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة.
[3] لقراءة الرسالتين انظر :

http://burhanyassin.com/2%20name%20bo%20hkumetekan….pdf

[4] للمزيد من التفاصيل انظر:

http://burhanyassin.com/Helbijardinekan-dr.%20Burhan%20Yassin








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا