الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخالب الشيطان … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 2 / 6
الادب والفن


كان الطقس مستقراً ومشمساً .. تُمسك نعيمة بصُرَّة صغيرة تحتوي على ملابسها ، تغذ في السير .. محاولة ً اللحاق بابيها الذي يسبقها بخطوة .. يستعجلها ، وهو يدمدم بسيل من النصائح والتعليمات والتحذيرات ، يشرح لها طبيعة المكان الذاهبين اليه ، والذي سيكون بمثابة بيتها الجديد ، ويذكرها بلزوم الطاعة لاهله ، وخدمتهم باخلاص .. تستمع اليه بعقل مشغول ، وهي تلهث :
تمهل يا ابي .. ارجوك ، أكاد انكفئ على وجهي ! تقولها ، وهي تحاول اللحاق به ، لم تعد تستطيع السيطرة على خطواتها .. يريد انجاز المهمة ، والعودة السريعة للقرية ، لكن ذلك لم يمنعه من مجاراتها .. يتوقف قليلاً لالتقاط الانفاس ، وهو يتفحص ابنته ، وكأنه يراها لاول مرة .. تنفر من عينيه دمعة رغم ملامح الصرامة الظاهرة على وجهه .. يمسح دموعه ، ويقبلها ، ويوصيها بأن تهتم بنفسها ، وانه سيزورها كلما سنحت الفرصة .. ربما يشعر بالذنب لانه جعلها ضحية لا ذنب لها .. لفقره !
تواصل السير ، وهي لا تسمع الا صوت انفاسها ، وهي تنتزعها في صعوبة ، يبدء البيت الذي كانا يسعيان اليه بالظهور تدريجيا .. يُشير ابوها الى بيت يبدو كقصر منيف بالنسبة لهم ، تلقي عليه نظرة ، وهي فاغرة ً فمها .. ! يدق ابوها الجرس ، يفتح له رجل يبدو انه الحارس .. يدخل كأن خطواته تحفظ المكان ، تحتضنهم حديقة واسعة ، تسمع فيها ثرثرة الطيور ، وحفيف اجنحتها ، وهي تنطلق الى الفضاء المفتوح …
يدخلون الى صالة كبيرة .. تحيط بهم الجدران بما عليها من صور مؤطرة لافراد العائلة ، واثاث فاخر ، وتحف نادرة .. يعجز حتى المال عن تقيمها .. تستقبلهم سيدة البيت .. تتهالك نعيمة على الارض بعد ان اخذ التعب ، والجهد منها كل مأخذ .. ترفعها الحاجة من الارض ، وتُجلسها برفق على احد المقاعد جنبها ، يقول الاب في ايجاز بان عليه ان يعود سريعاً ، ويوصيها بأبنته ، ويطلب منها ان تنقل تحياته الى الاستاذ ثم يغادر .. تبقى نعيمة ، وهي توشك على الانهيار من التعب ، والذهول ، والتوتر .. تقلِّب نظرها في المكان .. مأخوذة بهذا الجو الغارق في الرفاهية .. !
نبتة اقتُلعت من جذورها ، وزُرعت في ارض غريبة .. تخصص لها الحاجة مكاناً في المخزن ، رغم ان البيت يبدو فارغا الا من ابنها احمد ، وابنتهم ندى .. تحاول نعيمة ان تدخل عالم هذه الاسرة الناعم والراقي .. تبدء براعم أنوثتها بالتفتح والنضج قبل اوانها بسبب التغذية الجيدة ، واجواء الرفاهية التي يلوحها شئ منها .. يكفيها من عملها كخادمة ويزيد .. وتكشف عن جمال ريفي حقيقي أخاذ لا يحتاج الى أي اضافات ..!
تتعاقب الأيام والليالي في دورة الكون التي لا تهدء ، وفي يوم منها .. تشعر بدوخة غريبة ، ورغبة في تقيوء ما بداخلها من طعام .. تتكرر الحالة حتى باتت تنتزعها من دفء الفراش ، وحلاوة النوم ، وتسلل الشحوب الى وجهها الطفولي .. يبدو عليها الوهن واضحاً .. تدرك ان امامها أياماً صعبة .. تناديها الحاجة .. تشهق ، وتنسحب على عجل .. تقف امامها بطريقتها الريفية العفوية ، تطلب منها الحاجة بلهجة جافة غير عدائية ان تنظف ، وترتب غرفة سيدها الصغير ، ينتفض جسد نعيمة عند سماعها بإسم الشاب ، وكأنها تشعر بحركة يده ، وهي تحط على ذلك البروز النامي في صدرها وتضغط عليه ، وتعبث ببقية جسدها المتفتح الذي تسرب اليه شئ من دفء الاستسلام .. كأنه يفتح الباب الى التهام بقية الجسد .. محتفظاً لنفسه بحق الليلة الاولى .. من فتاة جميلة بكر لم تُمس ، مستغلاً برائتها .. صانعاً منها دمية لشهواته .. !!
تقطع عليها الحاجة سيل افكارها ، وتسألها عن هذا الشحوب الذي بات واضحاً على وجهها ، وما اذا كانت مريضة ، تجيبها بانه مجرد عارض ، وسيزول ، يتلاشى صوت الحاجة .. عندما تباغت نعيمة رغبة ملحة في التقيؤ .. تسرع الى الحمام ، وتفرغ كل ما في جوفها من بقايا طعام ، وكأنها توشك ان تتقيأ امعائها .. تحاول التقاط ما تستطيع من انفاس .. ثم تتطلع الى وجهها الشاحب المتعب في المرآة ، تعدِّل من هيئتها ، وتستدير لتخرج ، لتفاجأ بالحاجة واقفة امام الباب ، وقد ضمت ذراعيها على صدرها ، وهي تركز عليها نظرات من عينين باردتين لا تخلوان من قلق ومعنى : يبدو انكِ فعلاً مريضة …
تنهار نعيمة ، فتجهش بالبكاء ، وتقول من خلال دموعها انها تريد العودة لاهلها ! تحضنها ، وتهدئ من روعها !
تنتظر الحاجة زوجها باحر من الجمر .. وقبل ان يخلع ملابسه ، ويرتاح تبادره :
مصيبة يا ابراهيم .. ! يصعق الرجل من كلامها :
يا ساتر ، خير انشاء الله !
البنت حامل .. !
اي بنت .. ؟ يتسائل وهو لا يخفي دهشته ..
نعيمة .. نعيمة ، وهي تضرب على خدها .. مصيبة ، من يكون غير ابنك .. طفلة ، وامانة عندنا .. أين كنا .. استغفلنا جميعاً .. يا الهي ماذا علينا ان نفعل ؟!
هل انتِ متأكدة مما تقولين ؟
واضحة مثل الشمس ، انا إمرأة ، واعرف هذه الامور .. هذه نهاية دلالنا .. اذا عرفوا اهلها سيذبحون الاثنين ، وربما يذبحونا جميعاً .. عجلني بحل لهذه المصيبة .. هي اولاً واخيراً مشورتك !
اردت مساعدت والدها ولاخفف عنه ، لا اكثر ولا اقل …
الا توجد غير هذه الطريقة لمساعدته .. ؟
هو من اقترح ذلك ، وليس أنا .. المهم الان وقع الفاس في الراس ، ولا فائدة من هذا الكلام .. خلينا في البلوى ! ثم يُكمل :
لا يتم الامر هكذا .. لنتأكد اولا .. خذيها الى الدكتورة غداً .. وانا سأتحدث مع هذا الكلب .. والله يستر !
توصيه الحاجة بأن يشدد عليه ان لا يتكلم امام اصدقائه مهما كانوا ، فاللسان قتّال .. !
يسير الى غرفة النوم مبهوتاً ، وهو يهمهم مع نفسه كالمجنون ..
تفحصها الدكتورة ، وتطلب منها الخروج .. لتنفرد بالحاجة ، تسألها : هل هي ابنتك ، تجيبها بتعالٍ : ابداً .. زوجة ابنك ؟ ولا هذه .. تكمل الدكتورة : لا يحتاج الامر الى تحاليل .. الفتاة حامل ..
اعرف دكتورة ، جئت من اجل حل !
ماذا تقصدين .. ؟
لا نريد هذا الطفل ..
تجيبها الدكتورة بشئ من الحدة : اعتقد بانك أخطأت في العنوان .. !
لا اقصد حضرتك .. تلين وتبدو كمن يتوسل : ارجوك نحن في ورطة ، ارشديني الى من يستطيع ان يحل مشكلتنا ، ارجوك !
تحذرها الدكتورة : هل تدركين خطورة الامر .. ؟ انها طفلة ، وربما لن تستطيع تحمل آلام العملية ، اعتقد انها مجازفة لا مبرر لها .. ثم تستجيب تحت الحاح الحاجة .. تكتب عنوان ، وتناوله لها ، وتطلب منها ان تجعلها خارج الموضوع .. !
في يوم العملية كانت نعيمة كأنها شاة تُجر الى مسلخ .. دموعها تنساب في صمت لا تعلم بما ينتظرها من آلام ومرارات .. تستلقي ساكنة كلحظة فجر .. نصف جسدها العاري المهان ، والدامي فوق السرير يتلوى من الألم .. كانت تتارجح على الخط الفاصل بين الحياة والموت .. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا