الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء من الذاكرة عن ثورة 14 تموز 1958 م .

صادق محمد عبدالكريم الدبش

2021 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


شيء من الذاكرة ..
الثورة التي غيرت وجه العراق والمنطقة !..
كانت ثورة وطنية شعبية ، وحظية بدعم ومساندة وتأييد من أغلب مكونات شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية والتقدمية وبشكل غير مسبوق .
وعارضها من الساعات الأولى لقيامها ، بل وماثلها العداء كل القوى الظلامية والرجعية والمؤسسة الدينية السياسية والمستفيدين وطفيلي وشحاذي النظام الملكي العميل لبريطانية والغرب .
وماثلها العداء الإقطاع وكبار الملاكين نتيجة لما قامت به الثورة من إجراءات للحد من تسلطهم على رقاب الفلاحين وسرقتهم جهدهم وتعبهم وما لحق بهذه الشريحة المهمة من حيف وظلم واضطهاد وقمع ، وتعامل الإقطاع مع الفلاحين كعبيد لا كبشر لهم حقوق أسوة بباقي البشر .
شركات النفط الاحتكارية الناهبة لثروات العراق وسلب استقلاله وحريته وكرامته ، هذه الشركات والدول الاستعمارية التي تضررت مصالحها نتيجة الخطوات والقرارات الوطنية الثورية ، وما اتخذته من إجراءات للحد من هيمنة تلك الشركات على حقوق العراق ومصالحه العليا ، وسرقة تلك الثروات ، وربط العراق بمعاهدات إسترقاقية مهينة .
هذه الأسباب وغيرها أدت إلى خلق بؤر ومناطق نفوذ جديدة ، بالتعاون الوثيق بين تلك الفئات والمجاميع والأفراد والشركات ، في الداخل وفي الخارج ، وبخلق الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبشكل مخطط مدروس ن لإسقاط ثورة تموز ومصادرة المكاسب التي حققتها الثورة .
إن ما حققته الثورة من مكاسب كبيرة للطبقات الدنيا وللمرأة وللفلاحين ، والنهضة الاقتصادية والصناعية ، كانت ضربة موجعة لتلك الفئات المتضررة وللشركات الاستغلالية الأجنبية ، والتي أثارت حفيظة المتضررين في الداخل والخارج ، لذلك بدئوا يعدوا العدة للدفاع عن مصالحهم الأنانية الضيقة ، من خلال مجموعة من الخطوات وخاصة بعد تظاهرات الأول من أيار 1959 م التي أرعبت كل هؤلاء المتضررين وما قامت به الثورة .
ثورة تموز 1958 م سقطت قبل 8 شباط الأسود بسنوات ، أما يوم 8 شباط كانت لحظة اطلاق طلقت الرحمة على الثورة وقتلها .
هذه حقيقة مرة وصادمة !..
أولى خطوات البدء بالعد التنازلي لإسقاط الثورة هي انفراط عقد تحالف جبهة التحالف الوطني والصراع السياسي على السلطة ، وحدوث الانشقاق الوطني بين قوى الثورة وفي المؤسسة العسكرية وقادة الثورة .
ليس هذا فقط ، بل انعكس هذا الصراع على الشارع العراقي ، الذي تحول إلى جبهتين ! ..
الأولى جبهة الزعيم عبد الكريم قاسم وقللة من حاشيته ، وبتأييد مطلق ومفتوح من قبل الشيوعيين وأنصارهم .
الثانية كان على رأسها القوميون والبعثيون والإسلاميون الرجعيون والإقطاع وبقايا النظام الملكي وسماسرة العهر السياسي .
بدعم مكشوف وفاضح من قبل حلف السينتو وشركات النفط والدول الإقليمية والجمهورية العربية المتحدة .
ولو تمعنا النظر في هذه الخريطة ، سنجد بأن ثورة تموز لم يكن لها نصير ولا معين في الداخل ولا في الخارج باستثناء الشيوعيين وأصدقائهم .
وحتى ( المنظومة الاشتراكية ) وعلى رأسهم الاتحاد السوفيتي لم يكن له أي دور في الدفاع عن ثورة تموز باستثناء التحذير الذي وجهه للغرب بمغبة التدخل في الشأن العراقي بعد محاولات بريطانية وإسرائيل والغرب التدخل عسكريا لإسقاط الثورة الوليدة .
بل العكس من ذلك كان للاتحاد السوفيتي دور سلبي وأثر بالغ ، من خلال التأثير سلبا على موقف وسياسة ونهج الحزب الشيوعي العراقي ، وموقفه المهادن لقادة الثورة ، وما اتخذه الشهيد الزعيم عبدالكريم قاسم من إجراءات قمعية ضد الشيوعيين ، وحملات الاعتقال والأحكام التعسفية التي كان يصدرها المجلس العرفي العسكري الأول ، الذي يرأسه شمس الدين عبدالله بما في ذلك أحكام الإعدام بحق الشيوعيين والديمقراطيين ، والأحكام الثقيلة من قبل المجلسين العرفيين الأول والثاني الذي كان يرأسه شاكر مدحت السعود .
وعلى سبيل المثال لا الحصر، الحكم على وعد الله النجار بالإعدام ، الذي بقي في زنزانته حتى قيام انقلاب 8/2/1963 م وتم إعدامه على يد البعثيين الإرهابيين ، وهناك الألاف تم طردهم من الجيش والشرطة من الضباط وضباط الصف بحملة كبيرة ظالمة بتهمة الشيوعية .
أما الاعتداءات والقمع والتهديد والمطاردة فحدث ولا حرج ، وكنت شاهد على ما كان يجري في انتخابات النقابات والاتحادات من تحريض واعتداء ، خاصة انتخابات نقابة المعلمين والعمال ، وحملات الاغتيال في المحافظات في الموصل وبغداد وكركوك ، والتي كانت تحدث جهارا نهارا وبدعم من الشرطة ورجالات الأمن ومن قبل أعلى المستويات في الدولة العراقية .
كان ذلك يحدث بعلم الزعيم وكثير من القادة العسكريين والسياسيين ، دون أن يحركوا ساكنا لإيقاف هذا الإرهاب المنظم والمكشوف .
حتى قيادة الحزب الشيوعي العراقي ، لم تتخذ أي إجراء للحد من هذه الهجمة الظالمة ضد الشيوعيين والديمقراطيين وأصدقائهم ، بحجة الدفاع عن الثورة وعن قادتها ولمنع التدهور والتراجع عن أهداف الثورة وما حققته من مكاسب كبيرة وعظيمة .
ونتيجة هذا وغيره فقدنا الثورة ومكاسبها وفقدنا الألاف من خيرة أبنائنا وبناتنا عسكريين ومدنيين .
ليس هذا فقط فالذي حدث ، نتيجة لتلك الممارسات والقمع والإرهاب ضد قوى الخير والتقدم والسلام ، فقد ضعف الحزب وانكفأت القاعدة العريضة التي كانت تتمتع بها ثورة تموز والشيوعيين وحزبهم العظيم من دعم وتأييد ، نتيجة تخلي الثورة بشكل مباشر أو غير مباشر عن هذه الملايين ، وتوسيع لأرضية وقاعدة القوى المعادية للثورة في الداخل والخارج .
أنا هنا لا أريد أن أجلد الذات أو أضع الملامة وأحمل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك ، ولا أريد أن أحاكم ثورة تموز وما ارتكبته من أخطاء ، فالتأريخ هو ما كان وليس ما يجب أن يكون، وكل ما جاء في ما سبق هو رأي شخصي وليس له أي علاقة في انتمائي السياسي والفكري والتنظيمي ، وكشيوعي أعتز وأفتخر بهذه الهوية وبهذا الحزب ، ولكن ذلك لا يمنع من تبيان الحقيقة ، كوني شاهد على تلك الفترة من حياة شعبنا وما عاشه العراق .
ثورة تموز ارتكبت الكثير من الأخطاء مثلما قامت بمنجزات عظيمة لشعبنا ووطننا ، وما زالت شاخصة حتى يومنا الحاضر .
لم تكن فترة 1958 م --- 8/2/1963 م فترة سلام وأمان وتعايش ، بل زاد الانقسام المجتمعي والسياسي ، وتم تغييب كل شكل من أشكال الديمقراطية والحقوق والحريات ، وغابت المؤسسات الديمقراطية ، وتأكل ما حققته الثورة من مكاسب ، وسادت الدكتاتورية والفردية في صنع القرار ، وتم تغييب للرأي والرأي الأخر ، وسياسة الإقصاء والإلغاء كان هو السائد وسيد الموقف ، وانعكس على نهج وسياسة وثقافة القوى السياسية ، داخل كل حزب ، وفي ما بين الأحزاب ، فأصاب مقتلنا وساهم بتمزيقنا إلى كتل ومجاميع متصارعة غير فاعلة ، لم تتمكن من تحقيق أي شيء إيجابي لشعبنا ووطننا ،
إن لم تخرج هذه القوى من سياساتها الإقصائية اللاغية للأخر ، وللديمقراطية وللحريات والحقوق وللتعددية الفكرية والسياسية والتنظيمية والثقافية سيبقى العراق يدور في دوامة الصراع والتمزق والتشرذم المميت .
هذا لن يتحقق إلا بالمراجعة النقدية الهادفة ، والتخلي عن سياسة الإلغاء والإقصاء ، بقيام دولة ديمقراطية علمانية في عراق واحد موحد مستقل ، يعيش فيه العراقيون بأمن ورخاء وسلام ومحبة وتعاون ، دون كراهية وعنصرية وفساد ومحاصصة ، بعيد عن السلاح والميليشيات والعصابات الخارجة عن القانون وبعيد عن التدخلات الأجنبية .
المجد كل المجد لثورة الرابع عشر من تموز 1958 م ولقادتها الأماجد ولشهدائها الأبرار .
عاش العراق كريما مستقلا رخيا سعيدا أمنا مستقر وسيد نفسه نباهي به الأمم والشعوب .
المجد لثوار وثائرات تشرين الأول 2019 م وللشهداء الأبرار والشفاء العاجل للمصابين والجرحى ، والحرية للمعتقلين والمختطفين والمغيبين .
النصر حليف شعبنا في سعيه للتحرر والانعتاق من الظلم والقهر ومن الجوع والجهل والمرض .
6/2/2021 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز