الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية الحرب السورية ، الموت ليس عملا شاقًا ، الهروب ليس عملا شاقًا

مازن كم الماز

2021 / 2 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عشرة سنوات و المقتلة السورية تدور دون توقف ، لكن ما زال هناك سوريون يتحدثون عنها بحماس يحسدون عليه دون أن يبدو عليهم الملل : النظام و اصدق معارضيه … هؤلاء هم الوحيدون الذين لم يصابوا بالقرف أو بالتعب و لا بفقدان الأمل حتى بعد عشر سنوات … سأستغل هذه المناسبة اليوبيلية الاحتفالية لاحتفل بطريقة خاصة ، أن نقرأ معا ما كتبناه عن الحرب في بر الشام ، و في هذا وفاء و لو جزئي لوعد قديم قطعته على نفسي بينما كنت أعيش في سوريا الحرة و هو أن اكتب نيابة عن الإسلاميين الذين يكرهون القصص و لا يهتمون بكتابتها ، أن اكتب لهم و عنهم نسختهم الخاصة عن رواية استروفسكي ، كيف سقينا الفولاذ ، عن قصة صعود الستالينية ، عن فولاذهم الذي سقوه بدماءهم و دماءنا قبل أن أكتشف أنهم قد قطعوا السبعين عامًا التي قطعتها الماركسية اللينينية بين فولاذها و مقابرها بلمح البصر … فوت خالد خليفة على نفسه و علينا كسوريين أن يتلو علينا حربنا تمامًا كما هي : كنكتة مضمخة بالدم و ليست الحرب السورية هنا استثناءا ، كل الحروب التي صنعها البشر كانت نكاتًا مفرطة في تفاهتها و دمويتها ، كانت الذروة في تفاهة التاريخ و وحشيته ، و كالعادة فإننا نأخذ أنفسنا و مصائبنا بجدية أكثر من اللازم فلا نرى ما هو كوميدي في الدراما التي نعيشها و نمارسها منذ عشر سنين ، في الموت عمل شاق يقدم لنا خالد خليفة نسختنا السورية ، بلبل ، عن يوساريان جون هيللر في الخدعة 21 ، لكن يوساريان السوري ليس سعيدًا أبدًا كشبيهه الاميركي بنجاحه في الهروب من الموت و يشعر بذنب هائل لأنه لم يمت أو لم يقتل على عكس ضمير الطيار الامريكي الغائب تمامًا عندما يتعلق الأمر بالوطن و الحرب و الانتصار على الأعداء … ليس هذا فحسب بل ان بلبل لا يعتبر أنه من الذكاء أن يهرب من موت لا يفهمه و ربما لا يفهمه أحد على عكس يوساريان الذي يصف لنا المأزق الذي نعيشه في الحروب على الشكل التالي : لن يسمحوا لك بمغادرة ساحة المعركة الا إذا كنت مجنونًا ، لكن العقلاء وحدهم هم من يحاولون تجنب الموت في الحرب ، هكذا لا يمكنك كعاقل أن تترك ساحة الحرب لأن المجانين فقط يطردوهم من هناك … يضيف هيللر شارحًا الخدعة التي نعيشها "المجانين فقط هم من يذهبون إلى الحرب" و الحرب السورية ليست استثناءا … بلبل أو يوساريان السوري أو سيزيف السوري أو دون كيخوت السوري ، يروي لنا قصة سورية تقليدية تمامًا ، ابن لأستاذ مدرسة ، المهنة التي كانت محترمة منذ أربعين أو خمسين عامًا و المسكون كما يعتقد بكل القيم الاجتماعية و الأخلاقية و الإنسانية انتهاءا بفلسطين من النهر إلى البحر و الذي يتخاذل عن نصرة أخته إذا قرر والده تزويجها لأي كان ، تصلح هذه القصة لمسلسل باب الحارة للجيل القادم عن ستينيات و سبعينيات القرن العشرين ، و وسط هذه القصة الكلاسيكية تدهم الثورة و الحرب الجميع … أجمل ما في القصة أنها لا تقرأ الثورة بعيون ناشط أو ناشطة يستطيعون تحليل بنية النظام و أسباب الثورة باستفاضة ، انها تفعل ذلك بعيون الناس العاديين من أمثال بلبل و عبد اللطيف و نيفين ، مثقفين بثقافة أعلى نسبيًا ممن حولهم لكنها الثقافة العادية السائدة ، انه يقدم لنا صورة صادقة عما جرى في وعي و نفسية السوري العادي ، مظاهرات لا نفهم لماذا و عن ماذا ، رصاص ، شبيحة ، مخابرات ، شهداء ، قتلى ، المزيد من المظاهرات و الرصاص و الشهداء و القتلى ، و أخيرًا الحرب و المزيد المزيد من الشهداء و القتلى ثم الانتقام كرغبة وحيدة ، منذ البداية نجد أنفسنا أمام نحن و هم ، صورة ملونة بالأبيض و الأسود دون تفسيرات كثيرة ، أحيانًا نكتشف أن الانتماء لقرية س مثلًا يعني أن تقف طويلًا أمام حواجز مخابرات و جيش النظام و تتعرض للإهانة مجانًا و بالجملة و أن تسكن في حي ما يعني أن تكون مواليًا و العكس ، أن تكون ثائرًا إذا سكنت القرية س ذاتها … على كل ، لقد فوت خالد على نفسه و علينا تسجيل تلك المفارقات الرائعة التي رصدها و سجلها بكل حيادية دون أن ينتبه لكوميديتها بل رصدها بشيء من الكآبة و كثير من الجدية ؛ مفارقة المهمة الثورية التي كرس الثائر الأستاذ عبد اللطيف السالم ، التي تقوم جثته المتعفنة بدور البطولة في القصة ، المهمة الثورية التي كرس نفسه لها و هو الاهتمام بمقبرة الشهداء ، أن ينظمها و يعتني بها و يزيدها جمالًا لتبدو أجمل من المقابر التي تضم أشلاء و بقايا بشر ماتوا موتا عاديًا هادئًا على فراشهم و بين أحبتهم ، هذا قبل أن يقع هو في نفس المصيدة و يسقط شهيدًا هو أيضًا و تبدأ عملية البحث عن قبر يليق بالشهيد … كثيرًا ما سمعت أن الثورات تأكل أولادها لكن أن تتحول الثورة إلى مقبرة كبيرة و أن يصبح أهم واجب ثوري هو الاهتمام بهذه المقبرة بل و أن يكون ذلك مصدرًا للافتخار لا للنكد أو حتى للسخرية ، فهذا ما لم افهمه من تلك الكلمات عن الثورة التي تأكل أولادها … مفارقة أخرى أن الرجل ترك منطقته المحررة ليذهب ليموت في دمشق عقر النظام و بين الموالين له و بعيدًا عن من أحبهم و شاركهم ثورتهم و من أسس و رعى قبور شهداءهم ، في مستشفى يغص بجثث جنود النظام … غريبة تلك المصادفات و غريبة تلك التناقضات و المفارقات ، غريبة هي الحرب و غريبة هي الحياة … حسنا ، لنتوقف عن السخرية و لنتحدث بجدية الان ، بلبل مثل يوساريان ، يشعر أن الجميع يضطهده ، يوساريان يعتقد أن الجميع يريد قتله … لا يعتبر يوساريان رماة المدافع المضادة للطائرات الالمان وحدهم أعداءه ، بل انه يرى أن أخطر أعدائه هو قائده المباشر الكولونيل كاثكارت الذي يأمره بالذهاب في مهام تعرضه لتلك النيران القاتلة التي فتكت بالكثير ، فتكت عمليا بكل سرب يوساريان الذي انتهى تقريبًا بين قتيل و هارب ، كان يوساريان يكره كاثكارت و يراه أخطر اعدائه على الإطلاق … أما كاثكارت فهو كولونيل شجاع لم يتردد مرة في اقتراح رجال سربه لأية مهمة مهما بلغت صعوبتها طمعًا في رتبة الجنرال و الذي يمضي وقته في البحث عن مبادرات و خطط جديدة لتكتب عنه صحيفة اميركية مشهورة ، مثلًا أن يرسل برقيات تعزية لأمهات من قتلوا في سربه أو أن يقيم قداسًا لضباطه للدعاء كي يحصلوا على قنابل أكثر نموذجية و أن يصر على رجاله في كل مهمة أن يلقوا القنابل بشكل متقارب بحيث تعطي صورة جوية فنية جميلة ، و ما عدا إرسال رجاله ليقتلوا و يموتوا فإنه عمليًا لا يفعل اي شيءٍ على الإطلاق ، تمامًا كما نفعل نحن هنا … يمكنك أن تشاهد فقط في قصة خليفة علامات عن كاثكارت السوري بنسختيه ، لكن بلبل أو يوساريان السوري ، يبقى محايدًا إزاء كاثكارت السوري ، انه يخشى الالمان فقط ، لا يخشى ممن يصدرون الأمر بالموت و استمرار الموت ، رغم أنه يخشى الموت كثيرًا … عندما مات المدفعي الشاب سنودين بين يدي يوساريان قرر الأخير الا يرتدي البزة العسكرية ثانية و ذهب ليتسلم ميدالية مكافاة له على شجاعته في نفس الغارة التي قتل بها سنودين ، ذهب عاريًا لأنه قرر الا يرتدي تلك البزة العسكرية بعد أن تلطخت بدماء سنودين ، لكن لا عراة في قصة خالد خليفة ، الجميع يرتدي البزة العسكرية ، ان لم يكن على جسده ، في الخارج ، ففي الداخل ، في روحه … حربنا ليست استثناءًا ، مثل كل الحروب ، لا صوت يعلو على صوت المعركة … لكن هل صحيح أننا لم نهرب من ساحة المعركة كما فعل يوساريان ، هل صحيح أننا نستمتع بحربنا و نحرس قبور شهدائنا كما قال درويش و كما فعل عبد اللطيف السالم في قصة خليفة قبل أن يقع هو نفسه في نفس الحفرة التي طالما حفرها للآخرين فيسقط شهيدًا هو الآخر ، بالعكس تمامًا و هذا هو الأمر المذهل ، الحقيقة أن غالبيتنا هربت من ساحة المعركة تمامًا تمامًا مثل يوساريان لكننا لم نفعل ذلك بنفس الوضوح الذهني و الانفعالي عند يوساريان … لقد هربنا من ساحة المعركة و أطلقنا أسماءا و أوصافًا و مسميات مختلفة على هروبنا هذا ، أسماءا تجعل هروبنا يبدو أجمل مما هو عليه في الواقع ، لكننا أبدًا أبدًا لم نفكر أو نتحدث مثل يوساريان ، بالعكس ، اننا نتحدث و نحن بعيدون عن ساحة المعركة بنفس منطق الكولونيل كاثكارت الذي يريد أن يرسل الآخرين في مهام قاتلة ليموتوا أو يحققوا الانتصار … في سوريا حرب ، و الحرب ترحب دائمًا بالمزيد من الجنود ، لكننا نتصرف تمامًا مثل يوساريان و نفكر و نتحدث تمامًا مثل الكولونيل كاثكارت … السؤال المزعج هنا هو : من هو الكولونيل كاثكارت في الحالة السورية ، و الجواب الأكثر إزعاجًا هو أننا جميعًا كاثكارت ، كلنا ، ليس فقط الأسد أو قادة الجيوش النظامية و غير النظامية على الأرض السورية ، كل من يستثمر في دماء الشهداء و القتلى ، كل من ينتظر النصر الساحق الحاسم ، الأخطر هو نحن ، نحن الفارون من المقتلة الذين نجد استمرارها ضروريًا و نطالب يوساريان و أمثاله بالاستمرار فيها حتى دون اي امل أو وعد باي شيء ، سوى الموت ، أو الشهادة ، و الانتقام ، و استمرار الثورة … الثورة هي ورطتنا التي وقعنا فيها عن طيب خاطر ، طبعًا ليس لمن يعيش اليوم بعيدًا عن ساحة الموت ، لكنها ورطة على اي حال … الثورة أصبحت كالوطن الأسدي او السيساوي أو العربي أو الكردي أو الإسلام أو هوية أجدادنا أو احلام الكادحين أو الماركسية اللينينية أو العلمانية ربما على يد سلطويين لا يكترثون الا لهوسهم و الانتصار في حروبهم التي لا تتوقف و التي نخسرها دائمًا ، كل شيء أهم منا نحن ، أكثر أهمية بكثير ، منا و من حياتنا و من اي شيء يتعلق بنا ، إننا نصبح في حضرتها تمامًا كما كنا في سوريا الأسد ، لا شيء ، ضحايا ، شهداء ، قتلة ، نقتل ضمائرنا و أنفسنا و أولادنا و احلامنا فداءا لها … و لا تشبع رغم ذلك و تطالبنا بالمزيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟