الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا سلام دائم بدون عدالة حقيقية

وجيهة الحويدر

2006 / 7 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة سلام مرتبك في أنحاء مختلفة من العالم الثالث وعلى وجه الخصوص في الشرق الأوسط. خارج الدول الشرقية المنكوبة اليوم بحروب فُرضت عليها، كفلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال، هناك هدوء متذبذب في كل بلد شرق أوسطي، حيث أحكمت السلطة في كل دولة من تلك الدول قبضتها على شعوبها بالنار والحديد والمعتقلات المتناثرة في كل مدينة، لكن ولاتها وجلاديها يتغافلون، أو ربما يودون أن يعيشوا تلك الغفلة، فينكرون أن الهدوء المترنح الذي يسود المنطقة، ما هو سوى هدوء سلبي، كالهدوء الذي يسبق الزوابع العارمة، فذوي الأذهان الفطنة الذين يتابعون سير الإحداث ويربطونها بظواهرها، يجزمون أن ذاك السكون المبثوث ببلادة على الشرق الأوسط من المحيط إلى الخليج، يضمر في حناياه نتوءات متقرحة، ودمامل ملتهبة، وفي يوم ما ربما ليس ببعيد، وخزات القهر المتراكم لعهود طويلة، ستفقأ تلك الدمامل والنتوءات، فتلفظ صديدها السام في جميع الأمكنة، ويا ويله وظلام ليله لمن يصبه من ظالمي الأمة شيئا من ذاك الصديد الحارق، لأن من يزرع ظلما، لا يحصد سوى غضبا شديدا ذو باع طويل فتـّاك وبنَفَـس حار يتلظى.

اليوم ليس ثمة بلد واحد في الشرق الأوسط يتمتع شعبه بعدالة حقيقية، لذلك لا وجود لسلام حقيقي على الأرض، ولا في أفئدة الناس، لا راحة بال لا للصغار ولا للكبار، إسرائيل أولهم التي تُُـسمى بالدولة الديمقراطية اليتيمة في الشرق الأوسط كما يحلو للغرب أن يـطلق عليها، وهي بالأحرى الدولة الوحيدة في العالم المحتلة لشعب آخر ومغتصبة لأرضه. وهل عرف التاريخ قط امة مستَعمِرة كانت منصفة وعادلة؟ بالطبع لا..

كان قد كتب يوما ما الدكتور الإسرائيلي مردخاي كيدار، مقالا بعنوان " الحياة في الوطن العربي وجودتها – أرخص بضاعة في العالم. لماذا؟" كانت عباراته مرّة المذاق بمرارة واقعنا، لم يتجنى الدكتور في وصفه لنا ولأحوالنا أبدا، لأنه اتبعَ الصدق والصراحة المؤلمة في مقاله، لكنه ومن القراءة الأولى لتلك المقالة، يدرك المتلقي ان الكاتب لم يتطرق سوى لنصف الحقيقة، وربما تَعمـَد أن يغض الطرف عن النصف الآخر. الدكتور كيدار أستاذ الدراسات العربية في جامعة بار-ايلان بيـّن في مقاله قيمة الإنسان الشرق أوسطي وبالذات المسلم، وذكر أنه ارخص بضاعة في العالم، ليس لأنه قُـدِرَ له أن يكون كذلك، بل لأن حكام الدول التي يقطن فيها ذاك الإنسان البائس، وسياساتهم الدكتاتورية الخرقاء، جعلته بتلك القيمة الرخيصة في موطنه وفي خارجه، لكن الدكتور كيدار لم يذكر أمرا مهما كتكملة لحكاية رخص الإنسان في منطقة الشرق الأوسط، وهو أن جميع الدول الديمقراطية في العالم وعلى رأسهم بلده، التي تدعي انها تبنت كل المواثيق الدولية التي تناشد باحترام آدمية المرء مهما كان جنسه أو دينه أو عرقه، لقد تعاملت وما زالت تتعامل مع الإنسان الشرق أوسطي بنفس الطريقة، وتسير على النهج عينه، فقد حطّـت من قيمته في سياساتها معه وفي تناولها لقضاياه وسحقته كتراب الأرض، حتى صار في منزلة يسخرُ منه أسفل السافلين. وها نحن نرى كل يوم ونشاهد جميع الدلائل والمؤشرات التي تُـثبت انه لا صوت ولا قيمة للإنسان الشرق أوسطي، سواء كان ينحدر من جذور عربية أو كردية أو آشورية أو سومرية أو أرمينية أو قبطية أو بربرية أو كان مسلما أو يهوديا أو مسيحيا، أو مُسِحَ بأي صبغة كانت، لا قيمة له، نعم لا قيمة له طالما أن سحنته شرق أوسطية ويحمل هوية من احدى بلدان العرب.

منذ عقود مديدة جميع شعوب المنطقة وضِعوا على نار متوهجة، تسببت في إصابة الشعوب بحمى مزمنة، ترتفع درجة حرارتها من زمن إلى آخر، قد تتصاعد بين حين وحين، فيعالجونها الخبراء الغربيين بمساعدة المخابرات العربية بمسكنات بالية وقتية وبعضها قاسية، لكن حالما ينتهي مفعول تلك المسكنات يعاود تفاقم الحمى من جديد، لأن حكماءنا السياسين وحكامنا رجال حمقى بكل ما تحمل تلك الكلمة من معنى، خسروا ود شعوبهم، وصاروا يعالجون النتائج والأعراض بدلا من معالجة أسبابها.

إذا ما ظل الحال على ما هو عليه من انتكاسات وهزائم وتهميش للرأي العام الشرق اوسطي، لا بد أن تصل حمى تلك الشعوب في لحظة غير محسوبة إلى درجة عالية من الغليان ، فيثور الناس عامة ويلعنوا كل ساعة مرّت عليهم قبلوا فيها ان يرتدوا أكسية الذل والمهانة. هذه هي الطبيعة البشرية لجميع شعوب العالم، وتاريخ ثورات الشعوب من الشرق إلى الغرب زاخر بالأمثلة على ذلك.

من يتصفح التاريخ ويتمعن فيه جيدا يجد انه عبرَت حقب زمنية قاسية ومتتالية على كثير من الامم، تمكن فيها المهيمنون بالآلات العسكرية على الشعوب والبلدان أن يجردوا أفرادها من كل معنى للحياة ولقرون طويلة، لكن بالرغم من جميع أصناف القهر والتنكيل والزمن السوداوي المتراكم، بقيت ثمة عروق تنبض بالكرامة في أعماق بعض الناس وتزايدت وانتعشت، إلى أن حانت الساعة وانشق الجرح، فهبت هبوب الثورة، واتى وقت عسير للمحاسبة، وصُـفع المهيمنون صفعة قوية لم ينفع والد ولده حينها.

إن الظلم مرتعه وخيم، بل وخيم جدا، فلا يغتر احد بنصر لبعض من الزمن، لأنه لو دامت السلطة لغيره، لما أتته. كثير من أقوياء الأرض وجبابرتها اليوم، كانوا مظلومين بالأمس وأذل خـَلق الله، لكن ستلف عجلة الزمن لا محالة، لتطرح أملاءات جديدة وتفرض نفسها على حسب متطلبات الظرف والساعة.

إن الدنيا لم تهب قط وعودها لأحد، ولن تفعل ذلك أبدا، فجميع الظالمين والساحقين لأحلام الضعفاء والمساكين، الذين يجوبون العالم طولا وعرضا، طال الزمن أو قصر، سيلقون يوما ما ينتظرهم على الضفة الأخرى، وسيدركون جيدا أن الدائرة الكونية لا تقبل بشواذ القهر المنافي لقاعدة العدالة السرمدية.. فبلا عدالة حقيقية لن يعرف أحد سوى سلام مرتبك وخوف يعشش في الزوايا الداكنة وجثث لقتلى ابرياء متناثرة، ولعقود طويلة قادمة. لا احد معفى من تلك الدوامة الموحشة ولا من تبعاتها، فالعالم بفضل العولمة الرصينة تحول إلى حي صغير، ما يجري في جنوبه الفقير المعدم سيؤثر بالتأكيد سلباً على شماله المتنعم بالثراء، ومن يتضور جوعا في جنوب الأرض سيحاسب بقسوة من يتلذذ بتخمته في شمالها. الكل يُـدرك انه لم يعد الغرب يعيش في عزلتة متنعما بترفه، ولا الشرق منفصلا عنه بهمه مثخنا بجراحه حيث يكابد تعاسته.كل البشر في نفس المركب وسيلاقونا حتما مصيرا واحدا اذا تحركت عقارب الساعة ناحية الهاوية.

همس موجه لمن يٌـمسك اليوم بدفة العالم أو يتصور انه يمتلك بين أنامله ما يـُحرك الارادة الدولية، أن الأمن والأمان والسلام لن يستتبوا ابدا في أرجاء المعمورة قاطبة، طالما ليس هناك انصاف حقيقي لجميع البشر، وطالما أرواح الناس لها تسعيرات متفاوته. لن يتحقق السلام في هذا العالم بلا عدالة حقيقية لكافة شعوب الأرض..فهل سيختار قادة العالم اليوم النجاة برايات السلام المفعم بالحياة، أم الغرق ببيارق الحروب الملغمة بأبشع اشكال الموت؟؟

العالم بين مفترقين.. وطيات السنين ستكشف للبشر إلى أي منقلب سينقلبون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد.. إماراتي يسبح مع مئات الفقمات وسط البحر بجنوب إفريقيا


.. الأمن العام الأردني يعلن ضبط متفجرات داخل منزل قرب العاصمة ع




.. انتظار لقرار البرلمان الإثيوبي الموافقة على دخول الاستثمارات


.. وول ستريت جورنال: نفاد خيارات الولايات المتحدة في حرب غزة




.. كيف هو حال مستشفيات شمال قطاع غزة؟