الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورتان

فخرية صالح

2021 / 2 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


صورتان موجعتان مازالتا تنتصبان امام عينيي يوميا وكانها تحدث الان
في الرابع عشر من تموز 1958 حدث الزلزال في بغداد، وبدافع الرعب من القادم من الايام وفضول المعرفة ركضت الى شارع الرشيد وانا بعمر الثامنة لارى جثث عارية منتفخة تسحل في الشارع عبر حبال ومجموعة شباب ترتسم على وجوههم سمات جنون الانتقام المرعب الذي ارعبني وتعارض مع خجلي وخوفي من الجثث العارية وحرمة النظر التي تقاطعت مع تربيتي الاسلامية وكيفية التعامل البشع هذا مع الانسان ايا كان.
الصورة الثانية مركبة من صورتي مرتبطتين مع بعضهما والرابط الاول والاهم فيهما هو عبد الكريم قاسم الذي احببته لسماحة وجهه الجميل ورشاقته ببدلته العسكرية ولم اراه بغيرها وصوته الرحيم وطروحاته عندما كان يخطب من على مقصورته فوق بوابه وزارة الدفاع التي لم اكن افهمها لصغر سني وانشغالي بالحصول على مكان بين الجموع الغفيرة من بشر اكثر مني طولا وجسامة واندفاعا وحماسا لرؤيته، ربما كانت كل تلك المشاعر والاندفاعات لكسر المحرم من قيود العائلة الفقيرة بكل شيء حتى رأيت فيه الاب والصديق الذي كنت اتمناه.
ولكي تكتمل صور عذاباتي مع هذا الانسان الحلم اطل في فجر يوم شتائي بارد في خربة بيت سليمة الخبازة في احد افرع محلة جديد حسن باشا البائسة، وكنت مكورة ارتجف من البرد والنعاس كقطة مذعورة في احد زوايا مدخل دار الخبازة، واذا بصرير باب مدخل الدار ينتشلني رعبا من احلامي وصرخت حينها: الزعيم اجاااااااا
قفزت اليه واحتضنته وغبت في فرحي
تحدث مع الجميع وخرج، ولحقته واذا بمئات من البشر متجمهرين في تلك الدربونة ولم افهم كيف التم هذا العدد من البؤساء في لحضات قليلة كلمح البصر, وكطفلة تشبثت بساقيه وسمعت منه امره لمرافقه الانيق وصفي طاهر الذي اخرج قلما وورقة لتسجيل اسماء من يريد بيتا فحاولت ان اصرخ بصوتي الضعيف اسم والدي وسط ضجة وعلو صراخ العراقيين يومها فسجله ولكن والدي رفض بعدها الذهاب هناك فهو لم يتعود التوسل من احد ونالني منه عقاب وغضب.
سنوات مرت على ذلك الحلم الحقيقة, فكان الانقلاب الوحشي في الثامن من شباط سنة 1963 وفي الصف الثاني متوسط حضر الى مدرستنا ثلاثة اشخاص من الاذاعة العراقية لاختيار مجموعة من الطالبات لانشاد النشيد الوطني في التلفزيون العراقي وتم اختبار مجموعة من الطالبات ولم يكن اسمي بينهن, فحزنت جدا ببكاء مر في زاوية بعيدة من صالة الاختبار, فرق احد المختبرين لوضعي وضمني الى المجموعة.
لم يكن هدفي ان اظهر على التلفزيون ولا ان اغني للسفلة بل ما كان يطن في ذهني بقوة غطت على كل رغباتي المدفونة هو رؤية المكان الذي اعدم فية الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه في الاستوديو في مقر الاذاعة لاتأكد من بشاعتهم وفيما اذا كانت ماكنتهم الاعلامية المرعبة صادقة يومها.
دخلت مع المجموعة من الطالبات وفيما كان المخرج ينظم ترتيب وقوفنا متراصين كفيلق من الجنود صرخ بي احدهم ان انظرباتجاه الكاميرا، وليس الى الخلف، وبوعي طفولي برئ حزين سألته هل هذه دماء الزعيم فاجاب بغضب رادع نعم
كانت الدماء متناثرة على حيطان وارضية الاستوديو ولم يكلفوا انفسهم مسحها لكي لا يرعبونا وربما لتبقى شاهدا على بشاعتهم ومازالوا كما هم حتى الان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث