الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغز الحقيبة البنية

علي دريوسي

2021 / 2 / 10
الادب والفن


يُحكى أن شاباً سورياً بعمر الثلاثين قد وصل إلى ألمانيا عام 2016.
منذ الساعات الأولى حصل الشاب الملقب بين معارفه بالعصفور الحر على سرير ينام فيه وعلى ما يلزمه من طعام ومصاريف.

بعد انقضاء حوالي ستة أشهر على وصوله تم الاعتراف به كهارب من أتون الحرب في سوريا، رغم أنه قد شارك بها عن قناعة ورضا، وصار يتمتع بالعطايا المالية والمساعدات المجانية على كافة الصعد.

لكن المسكين بقي مقيماً في غرفة متواضعة ضمن أحد المعسكرات المخصصة للهاربين، والسبب يعود لعدم استطاعته كسب ثقة الألمان كمستأجر لديهم، مع العلم أنه حاول مراراً أن يلعب دور الشاب الحضاري الأخلاقي الخدوم ولا سيما لشريحة كبار العمر.
أخيراً وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على وضعه المذري تمكن من استئجار غرفة متواضعة في منزل قروي قديم جداً يسكنه رجل مسن ومريض بالكاد يقوى على الاستحمام.

فرح العصفور الهارب بالغرفة وانتقل إليها فوراً رغم ما تحتاجه من دهان وتنظيف.

منذ اليوم الأول استيقظ حسه البوليسي ـ خاصة بعد أن سمع عن الأحداث الغريبة التي صادفت بعض السوريين الهاربين من مثل: لقية خمسين ألف يورو في درج طاولة مستعملة أو مئة ألف يورو في جيب معطف مستعمل ـ وراح يبحث عن وسيلة لاستعطاف المؤجر المريض والذي لا عائلة له طمعاً بهداياه وعطاياه. فقد حدث أن سمع الهارب بطل حكايتنا هذه أن بعض الألمان المعمرين قد ورّث لبعض السوريين بيتاً.

بدأ عصفورنا هذا بحملة تنطيف شاملة للمنزل المؤلف من طابقين وقبو وحديقة كبيرة، لكنه تفاجأ بعد الأسبوع الأول من نشاطه البيئي بأن البيت أكثر من عتيق يملؤه العفن وتفوح منه رائحة الرطوبة والحفر الصحية، وقد أُهمل بشكل كامل بسبب مرض المالك وعجزه عن الاهتمام بأعمال النظافة والصيانة الواجبة.

وعليه طلب العصفور بأسلوب حضاري مفتعل من المالك السماح له بدعوة أصدقائه الهاربين لزيارته ومساعدته في أعمال التنظيف التي ينتويها طوعياً.
وافق المالك برحابة صدر شاكراً العصفور المستأجر عنده على مبادرته الراقية، ليس هذا كل شيء بل سمح لأصدقائه بالمبيت لمدة أيام ثلاثة.

في اليوم المحدد لوصول الأصدقاء الأربعة ـ ثلاثة ذكور وأنثى ـ غادر المالك بيته برفقة جيرانه لقضاء يومه على شاطىء البحيرة، تاركاً للعصفور وأصدقائه الأحرار حرية الحركة والتنقل أثناء تأدية عملهم.

منذ الصباح الباكر بدأ فريق العصفور التطوعي بحملة التطهير والتنظيف على أنغام أغاني "الثورة السورية"
جنة جنة جنة .. والله يا ألمانيا .. حتى نارك جنة ..

أحدهم جلب أربع ربطات خبز عربي وتفرغ لأعمال الطبخ والنفخ بينما دأب الآخرون على العمل حالمين بمكافأة من العيار الثقيل إضافة إلى احتمالية ظهور صورهم الجميلة في صحيفة المدينة كمدلول لوعي السوري الهارب بقضية التعاضد الاجتماعي.

بعد أن أكلوا وشبعوا وشربوا الشاي واستراحوا وناقشوا تطورات كفاح الفصائل العسكرية، بعد هذا كله استأنفوا عملهم، بحلول المساء لم تبق لديهم في الطابق الثاني إلا غرفة نوم المالك.

دخلوها برهبة ووقار.
كانت رائحتها مستهجنة وأقذر من رائحة غرف البيت القديم.
فتحوا النوافذ وأخذوا ينظفون الخزانة والمكتبة والسرير والكنبة، راحوا يعملون ويتضاحكون آملين بالمكافأة...
وبالفعل حدث معهم ما لم يكن بالحسبان حقاً.

وجدوا تحت السرير حقيبة سفر بنية اللون، حقيبة جلدية كبيرة، حقيبة عتيقة ومثيرة انبعثت منها رائحة لا تُطاق.
جلس الأصدقاء على السرير وحوله وهم في شوق لمعرفة لغز الحقيبة البنية.
أدلى كل منهم برأيه:
حقيبة مكدسة بالأوراق النقدية ..
بل مليئة بالمجوهرات ..
بل محشوة بالليرات الذهبية ...

بعد حوالي عشرين دقيقة من النقاشات والتكهنات والأحلام الثورية طلب العصفور الحر من الأصدقاء كتمان السر والوقوف إلى جانب بعضهم البعض وقفة رجل واحد كما هم في موقفهم من الثورة السورية.

سحب العصفور الحقيبة الغامضة من تحت السرير، اقتربوا منها، فتحوها مجتمعين، حاشرين رؤوسهم فيها من شدة الفضول.

فاحت الرائحة النتنة أقوى فأقوى ...
ابتعدوا عنها متعثرين بها وهم يتقيأون ...
تدحرجت الحقيبة وانسكبت محصلة خراء الرجل المريض في الأشهر الأخيرة في كل أرجاء الغرفة الموحشة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع