الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدراك الطفل... إدراك الكبار

اسماعيل اشراع
(Ismail Chraa)

2021 / 2 / 10
الادب والفن


ينظر الطفل للعالم حوله بنظرة مفعمة بالذاتية، لا يتعلق الأمر بمجرد جهله بطبيعة الأشياء حوله بل بميله الطبيعي الى جعل العالم الخارجي خاضع لذاتيته، كل شيء يثير بهجته، التفاصيل الصغيرة التي تحدث خارجه وتمر الى وعيه عبر حواسه لتندمج بعدها في مسرح مخيلته خالقة ألوانا لا مثيل لها من البهجة والسرور، مشهد لفراشات وطيور ترفرف خارجا في فصل الربيع، صوت المطر وهبوب الرياح قوس قزح الذي ارتسم هناك لا يهم كيف أتت وتكونت هذه الأشياء ولا يهم لما تحصل لكن التأثير الذي تخلقه في نفسية الطفل لا يمكن تجاهله ولا تعويضه بأي ثمن، هذا التفاعل مع الموجودات بهذه الكيفية من خواص الطفولة، الطفل يتفاعل مع مثيرات العالم الخارجي ولا يستغني عن ذاتيه أمر لا يحصل مع الكبار الذين فقدو تأثير مخليتهم وتبدد عالمهم الداخلي وصار كل ما يقع خارجا هو المتحكم ولن يستطيعو بأي حال أن يتفاعلو مع ما يقع خارجا بنفس الطريقة التي يقوم بها الطفل. لن يستطيعو تجاهل المسؤوليات ولا حوداث العالم الخارجي من جرائم وتقلبات في الجو والمكان. الطفل يستطيع ذالك!
المتعة التي يختبرها الطفل عند مشاهدة الرسوم المتحركة التي تندمج بسلاسة داخل مسرح مخيلته فيسافر معها الى عوالم وأمكنة لذيذة وهو جالس مكانه، معتة قد يفشل الكبار في معاينتها حتى لو سافرو بجسدهم الى أزهى أماكن المعمورة،
بهجة الطفل تصنعها الكيفية التي يتفاعل بها مع الخارج بوجود مخيلته النشطة، قدرته على استخدام وجدانه الى أقصى حد، شخصنة الموجودات فتتحول الجمادات والنباتات والكائنات الصغيرة الى مثيلات لجوهر الطفل تحس ببهجته وحزنه وحماسه واندفاعه وراء مخليته، أسئلته البسيطة وقبوله بالأجوبة البسيطة على تساؤلاته، طاقته التي يستنزفها بالكلية باللعب والجري طوال النهار حتى يعود منهكا ليحط بعدها في نوم عميق ليختبر بعدها بألوان أخرى من السرور، فأحلام الطفل ليست كأحلام الكبار، ونوم الطفل ليس كنوم الكبار الذين يفعلون ذالك وهم على علم بالمسؤوليات التي تنتظرهم في اليوم التالي بينما ينام الطفل وهو مدرك أن نهاره التالي هو يوم آخر من أجل اختبار ألوان جديدة من المتع بحضور مخليته التي لا تستغني عنه في مرحلته هذه... سنة وراء سنة تودع المخيلة الطفل وترحل من عالمه ليحل إدراك من نوع آخر .. إنه إدراك الكبار والناضجين ، الذي يتجه نحو العالم الخارجي ويجعله هو الأساس على عكس الطفل الذي يوجهه عالمه الداخلي ومخليته التي عبرت عنها في البداية بالذاتية التي تحكم إدراك الطفل... يفقد الكبار مخيلة الطفل ثم يدخلون في طور جديد أقل بهجة من السابق، تصبح المسؤوليات والانتظارات والأوهام والمخاوف تلاحق الناضجين ما تبقى من عمرهم، يتأثرون بالقيل والقال وحوداث الخارج وقرارات الحكومة وتقلبات السوق والجو أشياء لم يكن يعيرها الطفل أي اهتمام وهو محدود في محيطه لكن بمخيلة غير محدودة تغنيه عن كل الأشياء الأخرى التي تقع خارجا والتي يقضي الكبار حياتهم في تحصيلها متوهمين بأنها ستعيد لهم بهجتهم التي رحلت ولن تكون كما كانت... اختلفت الظروف الموضوعية وما عاد قوس قزح يثير أي بهجة وما عادت الفراشات وأصوات العصافير تجذب انتباه الأذن، وحل الأرق ورحل النمو العميق وصار العالم الكبير محدودا ضيقا...ما عادت الأشياء الصغيرة تغني الوجدان كما كانت تفعل في السابق وليس هناك ما يعوضها ، إنها مرحلة حلت بكل ألوان السرور ورحلت مع الزمن لتترك القليل والقليل من البقايا في الذاكرة لثبت أنها كانت في أيام خلت.. رحلت ولن تعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا