الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام الديني, أزمة الوظيفة والهدف

اسعد عبد الرزاق
كاتب وباحث

(Asaad Abdulrazzak)

2021 / 2 / 10
الصحافة والاعلام


من دون توهين للمحاسن والمساحات الإيجابية في الوظيفة الإعلامية التي تؤديها بعض مصادر الإعلام الديني, وبالأخص الفضائيات, لا مناص من متابعة مواطن الخلل, فثمة تحديات تواجه الإعلام الديني بنحو عام يمكن إجمالها بـ:
1- تحديد الأهداف, وهو ما يتمثل في مشكلات تحديد الهدف والمسار, إذ ما هو المطلوب من الإعلام الديني؟ وهل عليه أن يحاكي أزمات الفكر الديني المعاصرة أم يجتزئ وظيفته في جانب يحدده هو بعيدا عن الهم الديني العام؟
لا شك أن الإعلام الديني معني بهموم الدين, وعليه أن يعيشها ويتفاعل معها, وإذا لم يحدد هدفه في ضوء معطيات الواقع الديني سوف لن يكون إعلاما فاعلا بل من الممكن أن يكون موضوعا للنقد.
2- تحديد الوظائف, يختلف الهدف عن الوظيفة, فالأخيرة متمثلة بالفعل والوسائل التي تفضي إلى تحقيق الهدف, وغالبا ما تكون الوظيفة عشوائية وغير محددة, وتتعلق الوظيفة في الفاعلية, فمتى ما كانت الوظيفة محددة ومخطط لها كان الإعلام فاعلا ومؤثرا, وثمة نمطين للوظيفة التي يؤديها الإعلام الديني, الأول هو النمط الذي يحاكي مشاعر الناس وعواطفهم الدينية لا أكثر, والثاني هو الذي يتبع أهداف محددة ومدروسة, ويعمل على تغيير ملموس في المجتمع.
3- مشكلة إثبات الذات ومحاكاة الواقع, وهذه مشكلة معقدة بعض الشيء, فثمة هاجس في الخطاب الإعلامي الديني يتمثل بإثبات الهوية الدينية والحفاظ عليها من الزوال, تلك الهوية التي تتضمن جانبا كبيرا من التراث والماضي الذي يتداخل مع المقدس الديني, وهذا الهاجس يتقاطع نوعا ما مع محاكاة الواقع والمعاصرة ومعالم الحياة العصرية, وحتى بعض القيم الحضارية الجديدة, إذ تنسحب أزمات الفكر الديني المعاصر على الواقع الإعلامي بنحو قسري سواء كان ملاحظاً أم غير ملاحظ, وهنا تبرز مشكلة الارتباك في الخطاب, فالرسالة التي يحاول الإعلام الديني إيصالها إلى المجتمع غير مكتملة ومرتبكة وغير متناسقة, فهي مترددة بين تخليد الماضي من جهة, واللحاق بالحاضر المتغير من جهة أخرى.. وهو ما يمكن تسميته بارتباك المسار بين الهدف والوظيفة وعدم التناسق بينهما.
لا يمكن أن تتبدد مشكلات الإعلام الديني من دون معالجة التحديات الثلاث في أعلاه, ومن دون تحديد الهدف من الإعلام الديني لا يمكن النجاح في تحديد الوظيفة الإعلامية, وكلا التحديين (تحديد الهدف والوظيفة) مرتبطان كليا بأزمة الهوية والواقع (المسار).
ربما من الصعب تلمس الحلول السريعة لتلك التحديات, فالمعترك الفكري الحالي يعقد المهمة الإعلامية, مع أنه في بعض الأحيان يثريها من ناحية المحتوى واستغلال مساحات الحوار الإعلامي لكن ذلك لم يحض باهتمام جاد في الإعلام الديني بل نلاحظ أن الحوارات الجادة التي تتناول مشكلات الدين المعاصرة إنما تتوفر في الإعلام غير الديني بل في الإعلام المقابل سواء كان علمانيا أو تحت أي مسمى آخر.. في حين يرقد الإعلام الديني بعيدا عن المحك المعاصر, وكانه خجل من الخوض في مساحات الجدل الديني التي تشهد ذروة الخلاف والاختلاف.
إذن لنا الحق في السؤال عن ماهية الهدف الذي يريده الإعلام الديني, وإذا كان الإطار المهني/الإعلامي هو الذي يؤثر في تحديد الهدف فإن المتلقي عنصر هام في ذلك الهدف, ولا يمكن أن يكون المتلقي خارج ماكنة الفعل الإعلامي, بل عنصر أساس في خطابها, وفلسفة المتلقي في الخطاب الإعلامي الديني تأخذ منحيين:
المنحى الأول: أن يكون المتلقي عنصرا متفاعلا مع المحتوى الإعلامي, تفاعل رمزي فحسب, وهنا يكون المتلقي وسيلة للأداة الإعلامية لا غاية لها.
المنحى الثاني: أن يكون المتلقي عنصرا متفاعلا ومستفيدا في الوقت نفسه, تفاعل عملي, يكشف عن كون المتلقي غاية للخطاب الإعلامي.
إن المؤسسات الإعلامية الكبرى تدرس المتلقي دراسة دقيقة وتكشف عن حقائق تتعلق به, وتوظف اللاوعي في ترويض وعي المتلقي, في حين يكتفي الإعلام الديني في استحضار العاطفة الدينية أنى وجدت, ويستغل وجودها المرحلي المؤقت, ليثري ساحته وينمي وجوده.
إن أهمية الإعلام الديني اليوم تكمن في تحمله الخطاب الديني, فهو الوعاء الذي يقدم فيه الدين, وشاشة العرض الكبرى التي تصل إلى مختلف العقول والمعتقدات والأمزجة والاتجاهات, إنه وسيلة عرض الدين للأجيال الجديدة التي لم تولد لتقرآ وإنما ولدت لتشاهد, وتسمع, في خضم فوضى معلومات هائلة تهيمن على مساحات الإعلام الديني ذاته.
والتحدي الكبير الذي يواجه الإعلام الديني اليوم هو أن الاديان والثقافات ومختلف مصادر واتجاهات الوعي والقيم على اتفاقها واختلافها وتضادها وتناقضها تشترك في أداة واحدة للتسويق وهي المنصات الإعلامية ويختلفون في أسلوب العرض وأدوات الجذب الإعلامي التي يفتقر إليها الإعلام الديني بنحو واضح.
فالخطاب اللاديني مثلا يتم تسويقه بأساليب ناعمة تستهدف اللاوعي وبأنماط متجددة في حين أن الخطاب الديني والإعلام الديني في علاقة جدلية إذ أحدهما يتوكأ على الآخر, من دون تقدم واضح, ونفس أدوات الإعلام متوفرة في الخطابين لكن الأسلوب يختلف, والوسائل في تفاوت..
يمكن أن يكون معيار ضمور اي خطاب إعلامي هو مدى تأثيره في الواقع, ومدى استجابة المتلقي, وها هو الواقع الراهن اليوم الذي يعاني أزمة القيم في مختلف المجالات والمستويات, مما ينبئ عن تفاوت بين واقع القيم في المجتمع وحجم الماكنة الإعلامية الدينية من ناحية تعددها (الجانب الكمي لا النوعي), ولنا أن نفعّل هذا المعيار اليوم بكل وضوح وشفافية ونلاحظ مدى التغيير الذي ينتجه الخطاب الإعلامي الديني.
وما الإطار الذي يحاول الإعلام الديني إيصاله إلى المجتمع؟ ما دام الواقع الإلكتروني قد جعل من العام قرية كونية صغيرة, هل هو الإطار المذهبي فقط؟ أم الديني العام؟ وهل هناك مراعاة لنوع الفئة المستهدفة في الخطاب الإعلامي؟ مع وجود خطاب إعلامي يستقطب القيم الإنسانية العامة محاولا استجلاب وعي الناس من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. أترك هذه التساؤلات للقارئ العزيز عسى أن يقدم رأيه في التعليق على هذا المقال..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة