الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


“الرأسمالية التقليدية تحتضر”: كوفيد-19 والركود وعودة الدولة (الجزء 1 من 2) *

سيد صديق

2021 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة سيد صديق
الرأسمالية وكوفيد-19
بقلم: جوردان هامفريز **

النيوليبرالية في حالةٍ من الفوضى (1). يُساق الاقتصاد العالمي، الذي كان يترنَّح بالفعل، نحو ركودٍ حاد، إن لم يكن كساد، بفعل تفشي كوفيد-19. أطلَقَ ذلك أزمةً تاريخيةً في النظام الرأسمالي هزَّت الدوجماوات الراسخة. الحكومات التي كانت في السابق تدافع عن السوق الحرة باعتبارها حلًّا لمظاهر الاعتلال الاجتماعي، صارت الآن تطبِّق مستوياتٍ فائقة من تدخُّل الدولة في الاقتصاد. لكن هذا ليس مجرد تكرارٍ للاستجابة الحكومية لأزمة 2008 المالية، حين كان تدخُّل الدولة لإنقاذ البنوك فاصلًا وجيزًا قبل أن تضاعِف الإجراءات النيوليبرالية. في المقابل، ستظل هناك حاجةٌ إلى مستوياتٍ عالية من تدخُّل الدولة في وجه الركود العالمي والتنافس الإمبريالي المتزايد، ولن تتراجع الدولة إلى الوراء بمجرد زوال تأثير الصدمة الأولى. وكما طَرَحَ المؤرِّخ الاقتصادي البريطاني آدم توز، فإن “الاقتصاد لن يعود مجدَّدًا كما كان” (2).

توشك الحقبة التاريخية للنيوليبرالية على نهايتها، لكن هذا لا يعني العودة ببساطة إلى الإجراءات الاقتصادية القومية من القرن الماضي -ناهيكم عن تدابير الاكتفاء الذاتي الصريحة. هناك سماتٌ هيكلية مُعيَّنة في الرأسمالية الحديثة تضع حدودًا لمدى تحوُّل الأمور، لذا فإن مدى عمق هذه التغييرات سيظل علامة استفهام مفتوحة في هذه المرحلة المبكِّرة من الأزمة. ومع ذلك، من الواضح أننا نخطو نحو فترةٍ تاريخيةٍ جديدة من الرأسمالية.

التحوُّلات السابقة في النظام الرأسمالي
“يتحرَّك التاريخ في مسارٍ من التناقضات. ويتطوَّر هيكل التاريخ برمته، ألا وهو البنية الاقتصادية للمجتمع، أيضًا في مسارٍ من التناقضات. أشكالٌ تتلو أخرى في منوالٍ لا ينتهي. بينما يُطوِّر مجتمع اليوم قوى إنتاجية إلى درجةٍ هائلة، وبينما يغزو بقوةٍ عوالم جديدة، وبينما يُخضِع الطبيعة لهيمنة الإنسان على نطاقٍ غير مسبوق، ينتهي به الحال إلى الاختناق في القبضة الرأسمالية. والتناقضات المتأصِّلة في جوهر الرأسمالية ذاتها، التي ظهرت في مراحل جنينية في بداية تطوُّر الرأسمالية، قد تنامَت وتمدَّدَت مع كلِّ مرحلةٍ من الرأسمالية” – نيقولاي بوخارين، الإمبريالية والاقتصاد العالمي (3).

لم يشهد أغلب قرَّاء هذه المقالة إلا الحقبة الراهنة من الرأسمالية في نسختها النيوليبرالية. قد يبدو إذًا أن سماتٍ مُعيَّنة من هذه الحقبة لهي أبعادٌ أبدية للنظام. غير أنه، بينما تظلُّ ركائز الرأسمالية -أي الانقسام الطبقي، والاستغلال، وتراكم رأس المال، من بين ركائز أخرى- ثابتة، فقد مرَّ النظام بالكثير من المراحل المتباينة من التطوُّر. وكما جادَلَ ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي، فإن “البرجوازية لا تستطيع أن تستمر في الوجود دون تثويرٍ مستمرٍ لأدوات الإنتاج، وبالتالي لعلاقات الإنتاج، ومعها كل العلاقات الاجتماعية” (4). يقترن هذا التوجُّه العام بأزماتٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية كبرى تجبر النظام الرأسمالي مرةً تلو الأخرى على إعادة هيكلة نفسه من أجل مواجهة التحديات الجديدة. وهناك ثلاثة أهداف أساسية تشكِّل عملية التكيُّف هذه، ألا وهي: تعظيم الأرباح في كلِّ مرحلة، وقدرة الدول الرأسمالية على حماية مصالحها الجيوسياسية، والأكثر جوهرية هو الحفاظ على السيطرة الرأسمالية على وسائل الإنتاج. قد ترشدنا نظرةٌ على التحوُّلات السابقة في النظام إلى فهم الأزمة الحالية.

تمحورت الرأسمالية في مراحلها المبكِّرة حول المتاجرة، وهي نظامٌ اقتصادي ركَّز على الصادرات واتَّسَم بمستوياتٍ منخفضةٍ نسبيًا من التصنيع والتمويل التجاري. وفي أواخر القرن التاسع عشر، أفسَحَ ذلك الطريق أمام بدايات الإمبريالية. وتلخَّصَت هذه الحقبة في نهوض دولٍ صناعية جديدة، مثل ألمانيا والولايات المتحدة واليابان. وتمثَّلَت السمات المهيمنة لتلك الحقبة في النمو السريع للتجارة الدولية -نمت التجارة الدولية تسع مرات بين عاميّ 1870 و1913- والصراع المتنامي بين القوى الإمبريالية القديمة، بريطانيا وفرنسا وروسيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، ومنافسيها الناشئين، الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. وفي الوقت نفسه، أدَّى التقسيم الاستعماري للعالم إلى تراجع الإمبراطوريات العتيدة سابقًا في الصين والهند، علاوة على الإمبراطورية الإسلامية التي تمركزت في تركيا.

فَتَحَ التنافس الإمبريالي الباب أمام الحرب العالمية الأولى، التي كشفت النقاب عن ضعف الاقتصادات والنُظُم القديمة. وفي أتون الحرب، انهارت روسيا القيصرية، وإمبراطورية النمسا-المجر، والإمبراطورية العثمانية، وتقلَّصَت التجارة العالمية. ثم سعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا سعيًا محمومًا من أجل إعادة تشكيل العالم من أجل مصالحها، بينما تصارعت هذه القوى فيما بينها على موقع الهيمنة العالمية. وما أربَكَ هذا الصراع بمزيدٍ من الفوضى كان الانفجار السياسي الهائل الذي اندلع في أعقاب الحرب والثورة في روسيا:

“في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، كانت الأيادي الحمراء واصلةً من بوسطن إلى برلين، ومن نيوزيلندا إلى نيويورك … مع بعض التباينات، كان من الممكن تكرار الأمر في الكثير من أرجاء العالم في أعقاب الحرب العالمية الأولى -شعورٌ بأن العالم يتفكَّك، وخيالاتٌ عن النفوذ الشيوعي التآمري، وأزمةٌ اقتصادية خانقة، وموجةٌ من الإضرابات والاضطرابات المصنعية، وتأجيجٌ للخطابات المتطرِّفة عن الصراع الطبقي والعنف من كلا الجانبين” (5).

كانت العشرينيات فترةً من التحوُّلات والتناقضات، مثلما يوضِّح آدم توز في دراسته المذهلة “الطوفان: الحرب العظمى وأمريكا وإعادة تشكيل النظام العالمي (1916-1931)” (6). بعد ركود 21-1920 وأزمة 1923، جاءت فترةٌ من التعافي الاقتصادي والاستقرار السياسي النسبي. تمكَّنَت بعض الدول من استخدام الاقتراض من الخارج في تمويل التنمية الاقتصادية (7). غير أن الانقسامات الاقتصادية والجيوسياسية، التي ظلَّت دون حلٍّ بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها استمرَّت في تقويض أيِّ أملٍ في سلامٍ ممتد. دَفَعَت الولايات المتحدة بمطالبها بسياسة “الباب المفتوح” مع الدول الأخرى، حيث يتمكَّن رأس المال الأمريكي، وكذلك البضائع الأمريكية، من التدفُّق بحريةٍ في حين تحتفظ الأمم الكبرى بوحدة أراضيها، على العكس من النظام الاستعماري للقوى الأوروبية. تكيَّفَت فرنسا وبريطانيا مع رغبات الولايات المتحدة، بينما سعت كلتاهما لتحقيق أجندتها الخاصة، لكن بعض الدول بدأت في مقاومة الأجندة الأمريكية. في العام 1928، لخَّصَ الديكتاتور الفاشي المستقبلي أدولف هتلر رؤاه حول التهديد المتنامي للولايات المتحدة على القوى الأوروبية على النحو التالي:

“نهضت الولايات المتحدة كقوةٍ جديدة ذات أبعادٍ كبرى تزعِج القوى السابقة برمتها وتربِك تراتب الدول … تنهض الولايات المتحدة في كلِّ المجالات باعتبارها المنافس الأشد للدول الأوروبية التي تكافح من أجل غزو أسواق العالم من خلال التصدير. ويسمح لها حجم وثروة سوقها المحلية بزيادة الإنتاج، وبالتالي معدَّات الإنتاج، التي تقلِّل تكلفة الصناعة، إلى درجة أنه -رغم الأجور الهائلة- لا يبدو من الممكن خفض أسعارها أكثر من ذلك” (8).

ومن هذا، استنتج هتلر أن أوروبا سوف تتحد ضد كلٍّ من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة -تحت قيادة وهيمنة ألمانيا. ولفترةٍ من الزمن، حاولت اليابان القفز فوق التناقض بين طموحاتها الإمبريالية المتنامية في آسيا والقوة المتصاعدة للولايات المتحدة. بيد أن التوتُّرات المتزايدة حول الصين جعلت ذلك عصيًّا على التحقيق. ومع حلول نهاية العشرينيات، صَعَدَ الاتجاه نحو تدخُّل الدولة والتأميم الاقتصادي كردِّ فعلٍ على هذه الديناميات المتغيِّرة للقوى العالمية وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

وطَّدَت بدايات الكساد الكبير بصورةٍ هائلة من هذا الاتجاه، وأسفرت عن سلسلةٍ من الكتل التجارية الحمائية التي ركَّزَت على التنمية بقيادة الدولة. وبينما تنامت التجارة الدولية بسرعةٍ في العقود السابقة على اندلاع الحرب العالمية الأولى، أدَّت الاضطرابات والارتباكات الناتجة عن الحربين العالميَّتين والكساد الكبير إلى تباطؤ التكامل الاقتصادي الدولي بشكلٍ كبير. وكما يوضِّح الاقتصادي البريطاني مارتن أبشيرش، فإن “التجارة العالمية نمت في الفترة من 1913 إلى 1950 بنصف وتيرة الإنتاج العالمي للبضائع والخدمات” (9)، بينما انخفض تدفُّق رأس المال، الذي تصاعَدَ لثلاثين عامًا قبل الحرب العالمية الأولى، من 6% من الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 2% حتى منتصف الثلاثينيات (10). كان هذا يعني أن نسبةً متناميةً من الإنتاج الاقتصادي تُنتَج وتُستَهلَك في إطار الحدود القومية. ظهرت الأشكال القصوى من تدخُّل الدولة في ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي، بينما كان هذا الاتجاه أضعف بكثير في الولايات المتحدة، لكن كان هناك توجُّهٌ عام في هذا المسار خلال تلك الفترة. ابتُكِرَ هذا التركيز على القومية الاقتصادية وآليات إدارة رأسمالية الدولة من أجل حماية مصالح دولٍ معيَّنة، بدلًا من إعادة تنشيط الاقتصاد العالمي ككل. وكان تدمير رأس المال نتيجة الحرب العالمية الثانية هو فقط ما نَجَحَ في إخراج النظام العالمي من ركوده.

وفي أعقاب الحرب، شهد النظام العالمي حالةً من الاستقطاب بين رأسمالية الدولة في أوروبا الشرقية والنظام الديمقراطي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة. وفي الغرب، كان من شأن إعادة الإعمار ما بعد الحرب، والازدهار الاقتصادي الطويل المدعوم باقتصاد السلاح الدائم، أن يفتح الباب أمام فترةٍ جديدة، يُطلَق عليها أحيانًا بشكلٍ مُضلِّل الحقبة الكينزية. كانت تلك حقبةً من ارتفاع معدَّلات التوظيف والتوسُّع في الرفاه وهيمنة الشركات الحكومية القوية. كان دور الدولة مركزيًا في التنمية الاقتصادية، ليس في الشرق الستاليني فحسب، بل في الغرب أيضًا. وكما طَرَحَ الاقتصادي الماركسي مايك كيدرون في ذلك الوقت، فإنه:

“لم يكن هناك شكٌّ في أن تدخُّل الدولة ومساعدتها قد فعلا الكثير لتغيير وجه الرأسمالية الغربية منذ الحرب. وأسفر ذلك عن قطاعاتٍ عامة كبيرة وحديثة، وازدهارٍ في الطاقة والنقل والاتصال والتمويل، تلك الأمور التي تمثِّل أساس التخطيط في معظم البلدان. وكان لذلك تأثيره أيضًا في القطاع الخاص” (11).

تدهوَرَ هذا الوضع ببطءٍ مع صعود الشركات مُتعدِّدة الجنسيات والموجة الجديدة من التجارة الدولية -التي بدأت قبل الحقبة النيوليبرالية.

هناك أربع نقاط جوهرية جديرة بأن نرسم لها مُخطَّطًا هنا.

أولًا أن التغيُّرات في النظام الرأسمالية ليست مدفوعة بصورةٍ حصرية بالاحتياجات الاقتصادية الضيِّقة للطبقة الحاكمة، فهي تعكس أيضًا الحاجة إلى التحكُّم في العمالة المنظَّمة وإنزال الهزيمة بها. لم تحدث التغيُّرات في الرأسمالية خلال الفترة بين الحربين ببساطة بسبب الفوضى التي نتجت عن الحرب والكساد الكبير، بل أيضًا كردِّ فعلٍ على الثورة الروسية وموجة الثورات التي تلتها. وكانت النازية في ألمانيا، و”الصفقة الجديدة” في الولايات المتحدة، والستالينية في روسيا، أساليب مختلفة في التعامل مع مشكلةٍ مشتركة، ألا وهي التهديدات الثورية للنظام الرأسمالي. وبالمثل، لم يكن التوسُّع في دولة الرفاه ما بعد الحرب ببساطة بواسطة الاحتياجات الاقتصادية الضيِّقة لرأس المال، بل أيضًا لترويض الطبقة العاملة التي كانت تتوق إلى الثأر من الرأسمالية بعد أربعة عقود من اللامساواة الفجَّة. وكان الهجوم النيوليبرالي في السبعينيات والثمانينيات مدفوعًا برغبةٍ في كسر شوكة النقابات، تمامًا كما كان مدفوعًا بالاتِّجاه نحو استعادة الربحية. وفي العموم، من المستحيل التوصُّل إلى فهمٍ شامل للاقتصاد دون فهمٍ متكاملٍ للاقتصاد والسياسة معًا.

ثانيًا، يُعَدُّ التنافس الإمبريالي بين كتل رأس المال عاملًا في تشكيل التغيُّرات في النظام الرأسمالي. يستخدم النظام الرأسمالي الصدمات الناتجة عن الحرب لخلق الظروف التي يمكن أن تحدث في ظلِّها تغيُّراتٌ كبرى في هيكل الرأسمالية. من الصعب تخيُّل تدخُّل الدولة في فترة ما بين الحربين، أو ما بعد الحرب العالمية الثانية، دون التوتُّرات المتصاعدة داخل النظام الرأسمالي، والتي تدفع كتلًا مختلفةً من رأس المال للاعتماد على المزيد من التدخُّل المباشر للدولة. وفي كثيرٍ من الأحيان، تُنشأ الأنظمة الاقتصادية المتنافسة من أجل دعم الأهداف الإمبريالية لكتلٍ مُحدَّدة من رأس المال المبني على أساس الدولة. ومن هنا أُنشِئت الكتل الاقتصادية الحمائية في أوروبا خلال سنوات ما بين الحربين من أجل الدفع ضد نظام “الباب المفتوح” للولايات المتحدة. وتؤدِّي الظروف القصوى للحرب أيضًا إلى تجميد العمليات الطبيعية للمجتمع، مِمَّا يمهِّد المجال لتغيُّراتٍ سياسية واقتصادية تبدو مُدمِّرةً للغاية في ظروفٍ أخرى.

ثالثًا أن التحوُّلات في النظام ليست كلُّها بنفس القدر من العمق والتأثير. كان بزوغ الإمبريالية في أوائل القرن العشرين ذا تأثيرٍ هائل، بل ويستمر في تشكيل الرأسمالية حتى يومنا هذا، لكن في أشكالٍ جديدة، ومساحاتٍ جديدة، ولاعبين جدد. وكلُّ تحوُّلٍ يمزج سمات الفترة السابقة عليه مع سماتٍ هامشيةٍ أو قديمة في تركيبةٍ جديدة (12).

وأخيرًا، لا تجري أيٌّ من هذه التحوُّلات بناءً على نمطٍ واعٍ أو مُنسَّق، ولا يُحدَّد بالضرورة تأثير أيٍّ منها إلا بعد سنواتٍ من حدوثها. ويجري كلُّ تحوُّلٍ على فتراتٍ متباعدة، بتنويعةٍ من الأفكار الجديدة التي تظهر خصيصًا من أجل تبرير هذه التغيُّرات. ويتسبَّب كلُّ تحوُّلٍ عادةً في أزماتٍ أيديولوجية، لدى اليسار واليمين على حدٍّ سواء. ومرةً بعد أخرى، تقود هذه التغيُّرات البعض إلى الجدال بأن الرأسمالية قد أجرت تحوُّلًا جوهريًا يجعل الركائز الأساسية للماركسية يعفى عليها الزمن. في فترة الإمبريالية الكلاسيكية، اعتقد كارل كاوتسكي أن نظامًا جديدًا من الإمبريالية المتطرِّفة قد بدأ للتو، ليصل فيه التنافس بين الدول القومية إلى نهايته الأخيرة وتحل محله حكومةٌ عالمية (13). ودَفَعَ التدخُّل المتزايد من جانب الدولة، من الثلاثينيات وما بعد ذلك، بعض المُنظِّرين، مثل التروتسكيَّين السابقين جيمس بيرنهام وبرونو ريزي (14)، إلى الاعتقاد بأن نظامًا جديدًا من الإدارة البيروقراطية قد صَعَدَ وهيمَنَ على العالم، وفيه حلَّت بيروقراطياتٌ جديدة محل البرجوازية وتولَّت زمام السيطرة على المجتمع. وفي أعقاب النيوليبرالية، جادَلَ المُنظِّران الماركسيان أنطوني نيجري وميخائيل هارت، مُردِّدين أصداء الحجج الأيديولوجية المؤيِّدة للرأسمالية، بأن العولمة تقضي على الطبقة العاملة الصناعية وترسم نهايةً للتنافس بين الدول القومية (15).

لذا، لابد أن نكون حذرين في استخلاص استنتاجاتٍ سابقة لأوانها من الوضع الذي لم تفت عليه سوى شهورٍ معدودة. بيد أنه من خلال وضع الأزمة الحالية في سياق الاتِّجاهات طويلة الأمد التي تفكِّك النيوليبرالية، يصبح من الواضح أننا نخطو صوب مرحلةٍ جديدة.

الحقبة النيوليبرالية
قبل أن نلقي نظرةً على العمليات التي تقوِّض النيوليبرالية، لابد أن نحدِّد أولًا ما هي النيوليبرالية. إنني أسير على خطى المؤرِّخ الماركسي نيل دافيدسون في الجدال بأن أفضل طريقة لفهم النيوليبرالية هي باعتبارها حقبةً في تاريخ الرأسمالية (16). لا يكفي ببساطة أن نختزلها في مجموعةٍ من السياسات أو وجهة نظر أيديولوجية إلى العالم، بل أنها في المقابل تمزج بين مجموعةٍ من العناصر المختلفة:

1- النمو الهائل في تدويل التمويل والتجارة والإنتاج.
2- صعود الشركات مُتعدِّدة الجنسيات.
3- الدور المتزايد للقطاع الخدمي والياقات البيضاء في البلدان الرأسمالية المتقدِّمة.
4- تحوُّل حاسم تجاه الخصخصة وتفكيك قطاعات الصناعة المملوكة للدولة.
5- الهجوم على الطبقة العاملة ومنظماتها.
6- التحوُّل إلى الأيديولوجيا الفردية النيوليبرالية للسوق الحرة.
7- اضمحلال، ومن ثم انهيار، معظم أنظمة رأسمالية الدولة الستالينية.

بعضٌ من هذه العناصر، مثل صعود الشركات مُتعدِّدة الجنسيات أو تنامي دور القطاع الخدمي والياقات البيضاء (17)، بدأت في الحقيقة كعملياتٍ أطول قبل الحقبة النيوليبرالية. وبصورةٍ مشابهة بدأ التوجُّه نحو تدويل الاقتصاد أيضًا قبل السبعينيات، مثلما أوضح كريس هارمان حين كَتَب:

“بدأت أنماط النشاط الاقتصادي التي ميَّزَت فترة رأسمالية الدولة في التغيُّر خلال فترة الرخاء الكبير في الخمسينيات والستينيات. كانت رؤوس الأموال التابعة للدول تتداول مع بعضها البعض -وبينما كانوا يقومون بذلك أُرسِيَ الأساس لتدويلٍ جديدٍ للإنتاج” (18).

لم تكن الأيديولوجيا النيوليبرالية، التي كانت الأكاديميا السائدة المُحبِّذة للكينزية الناعمة تدفعها إلى الهامش، جديدةً كليًّا. طوال فترة الرخاء الطويلة، كانت قطاعاتٌ من الطبقة الرأسمالية واليمين المحافظ لا تزال تتشبَّث بأساطير السوق الحرة، وشنَّت حملاتٍ من أجل التراجع عن سيطرة الدولة على الاقتصاد.

ما كان مميِّزًا للفترة النيوليبيرالية هو الطريقة التي تشابَكَ بها التدويل المتنامي للاقتصاد العالمي، مع التوجُّه نحو الخصخصة، مع تبني الأيديولوجيا النيوليبرالية، مع أزمة اقتصادات رأسمالية الدولة الستالينية. وكان كلُّ ذلك مدعومًا بهجماتٍ شرسة على العمال ومنظماتهم أضعفت قدرتهم على مقاومة التطوُّرات المستقبلية. ودشَّن الجمع بين هذه العوامل فترةً تاريخيةً جديدة في تطوُّر الرأسمالية الحديثة.

علينا أيضًا أن نفرِّق بين أيديولوجيا الفترة النيوليبرالية وواقعها. رغم الإجماع العام في الأكاديميا، وفي اليسار الواسع، لم تنسحب الدولة من الاقتصاد، إذ اضطلعت بدورٍ جوهري في تأسيس، ومن ثم تدعيم، المفاهيم والأطر التنظيمية لأصحاب الأعمال من أجل استغلال العمال وإعادة تنظيم مسارات الإنتاج على المستوى المحلي والعالمي. وفي الحقيقة، تدخَّلَت الدولة في الحقبة النيوليبرالية أكثر مِمَّا فعلت خلال فترة توسُّع الأسواق العالمية من 1870 إلى 1913 (19).

كما أشرنا في القسم السابق من هذه المقالة، لم تكن كلُّ التحوُّلات في ظلِّ الرأسمالية بنفس القدر من العمق والتأثير. وهكذا فإنه بينما مثَّلَت النيوليبرالية تحوُّلًا في توازن العلاقة بين الدولة ورأس المال، لم يكن ذلك تحوُّلًا رئيسيًا من شأنه أن يلغي الإطار الأساسي الذي أُرسِيَ خلال المرحلة الإمبريالية. استخلَصَ المنظِّر البلشفي نيقولاي بوخارين العمليَّتَين الرئيسيَّتين للحقبة الإمبريالية التي لا تزال تشكِّل النظام إلى يومنا هذا: تدويل رأس المال وإنماؤه على المستوى القومي (20).

افترض بوخارين أن هاتين العمليَّتين ليستا مستقلَّتين ومتمايزتين تمامًا عن بعضهما، بل تربطهما علاقةٌ ديناميكية متداخلة. لم يؤدِّ التوسُّع الهائل للاقتصاد العالمي إلى تقليص أهمية الدولة القومية، بل في المقابل أصبح قدرٌ متعاظم من رأس المال يتمركز في كتلٍ قومية معينة مع توسيع الروابط الدولية في الوقت نفسه بين تلك الكتل الرأسمالية إلى حدٍّ كبير.

وكما طَرَحَ كريس هارمان، أحد أهم المُعلِّقين على الفترة الحقبة النيوليبرالية، فإننا:

“لا نشهد نسخةً مُكرَّرة من نظام رأسمالية السوق الحرة الذي وصل إلى نهايته قبل أكثر من قرنٍ مضى، بل نحن بصدد نظامٍ يحاول التعامل مع مشكلاته من خلال إعادة تشكيل وحدات النظام على صعيدٍ دولي -تلك الوحدات التي أطلق عليها الماركسيون “الرأسماليات الاحتكارية” أو “رأسماليات الدولة الاحتكارية” أو “رأسماليات الدولة”. تواصل الدولة الاضطلاع بدورها المركزي في محاولة تسهيل أو تنظيم ذلك، حتى إن جَعَلَ تدويل الإنتاج الأمر أصعب كثيرًا مِمَّا كان عليه في العقود التي تلت الحرب مباشرةً” (21).

تأكَّدَ ذلك في كلِّ مرة ضربت فيها الأزمات النظام النيوليبرالي. استمرَّت الدولة في التدخُّل من أجل تعزيز النظام النيوليبرالي، بل وبصورةٍ أكبر كثيرًا خلال عملية الإنقاذ الهائلة للنظام المصرفي من قِبَلِ الحكومة الأمريكية في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2007-2008. بالنسبة للطبقة الرأسمالية، لم يكن الهدف من السياسات النيوليبرالية هو إلغاء الدولة القومية، بل استعادة الربحية، ومنع الأزمات اللامتناهية، ووضع حدٍّ للتجذير السياسي، وإيقاف الحرب الدولية المدمِّرة التي اندلعت في أوائل القرن العشرين.

بدا أن هذه الوصفة تحقِّق نجاحًا. نعم كانت هناك سلسلةٌ من أزمات الركود، وأزمات ديون في العالم النامي، وانهياراتٍ لفترات الازدهار، مثلما حدث في أزمة فقاعة الإنترنت وأزمة شرق آسيا عام 1997، لكن الاقتصاد العالمي تمكَّن من تجنُّب ذلك الانهيار الاقتصادي طويل الأمد على غرار الكساد الكبير. ورغم الجهود الوفيرة التي بذلوها، لم تخل تلك العقود من مقاومة، من أبرزها على الأخص إضرابات العمال الفرنسيين في التسعينيات، وانهيار نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، وحركة العمال الكوريين الجنوبيين. بيد أنه، باستثناء الفترة الوجيزة لحركة مناهضة الرأسمالية في نهاية التسعينيات، لم تتطوَّر أيٌّ من هذه الصراعات إلى موجةٍ ممتدة من النضال على المستوى الأممي. استمرَّت التوتُّرات العسكرية بين الغرب والاتحاد السوفييتي حتى عام 1990، وفي أعقاب ذلك كانت هناك سلسلةٌ من التدخُّلات الإمبريالية المتفرِّقة في البلقان ومناطق أخرى. لكن لم يحدث أن أدَّى أيٌّ من ذلك إلى تدميرٍ ما في المعاقل الرئيسية للرأسمالية العالمية. صارت الرأسمالية أقل استقرارًا مِمَّا كانت عليه في فترة الرخاء الطويل، وصحيحٌ أن الأحزاب السياسية التقليدية بدأت في التنازع، لكن ذلك كان على أطراف النظام، في حين ظلَّ القلب الأساسي متماسكًا.

ثم بدأ كلُّ شيءٍ في التراجع -ببطءٍ لكن بثبات. كُشِفَ ضعف الهيمنة العسكرية الأمريكية في الغزو الأخرق لأفغانستان والعراق، بينما صعدت الصين كخصمٍ اقتصادي وسياسي كبير. وبينما فضحت الأزمة المالية العالمية هشاشة الاقتصاد العالمي، هدَّدَت أزمة منطقة اليورو بنسف مشروع التكامل الأوروبي برمته.

جذور الأزمة الراهنة
“لعقودٍ عديدة كنَّا نعمل على إثراء الصناعة الأجنبية على حساب الصناعة الأمريكية؛ ندعم جيوش بلدانٍ أخرى بينما نسمح باستنزاف جيشنا؛ دافعنا عن حدود دولٍ أخرى بينما رفضنا الدفاع عن حدودنا؛ وأنفقنا تريليونات الدولارات بالخارج بينما تدهورت البنية التحتية الأمريكية وانهارت. لقد جعلنا بلدانًا أخرى غنية، بينما ثروة بلدنا وقوته وثقته تلاشت في الأفق. أُغلِقَت المصانع واحدًا تلو الآخر، دون حتى التفكير في ملايين وملايين العمال الأمريكيين الذين تُرِكوا دون عمل” – دونالد ترامب (22).

في القسم الأول من هذه المقالة، حدَّدتُ عددًا من العوامل التي شكَّلَت التحوُّلات الماضية في النظام الرأسمالي؛ حيث الركود الاقتصادي والأزمة، والتنافس بين الإمبرياليات والحرب، والاستقطاب السياسي والتمزُّق، وغضب الطبقة العاملة والمقاومة، والطبيعة غير المتكافئة والفوضوية لفترات التحوُّل. والآن، سألقي نظرةً على عودة هذه العوامل من جديد في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

في 2008 و2016، ظهر شبح أزمة العولمة، وطُرِحَت مسألة التحوُّل نحو تدخُّل الدولة. صارت هناك الكثير من المبالغة في أحاديث “العودة إلى كينز” في أعقاب الأزمة المالية العالمية مباشرةً (23). قوبِلَت الأزمة الأولى بـ”تعبئةٍ لتحرُّكات الدولة بصورةٍ لم يسبق لها مثيلٌ في تاريخ الرأسمالية” (24)، وانطوى ذلك على ضخِّ تريليونات الدولارات في عمليات إنقاذ بعض البنوك الكبرى. غير أنه بمجرد تجنُّب الانهيار التام، استقرَّت الحكومات الرأسمالية على توليفةٍ من التسهيل الكمي لاحتواء الأزمة، وإجراءاتٍ تقشُّفية لإرغام عمال العالم على تحمُّل مشكلات النظام. وكما أوضح الاقتصادي الأسترالي ريك كون، فإن “الأساس في العودة إلى السياسات النيوليبرالية هو حقيقة أن الرأسمالية تعتمد على الأرباح المُستخلَصة من العمال، وأن اعتصار المزيد من الأرباح من العمال لهو أمرٌ حاسمٌ في استعادة معدَّلات الربح التي يعتمد عليها النمو الرأسمالي” (25).

غير أنه بحلول 2016 بدأت هذه الإستراتيجية تصل إلى أقصى حدودها. استمرَّت شرعية الأجندة النيوليبرالية في التدهور حتى بعدما تجاوزت الأزمة المالية ذروتها. وكانت هناك تعبيراتٌ متنوِّعة عن ذلك؛ كلٌّ بديناميات سياسية خاصة به. على جانب اليسار، شهدنا الاحتجاجات الجماهيرية والإضرابات العامة ضد التقشُّف في أوروبا، وحركة الاحتجاجات الواسعة في إسبانيا، واحتلال الميادين في اليونان، واحتلال وول ستريت في الولايات المتحدة، والأبرز من ذلك كله كانت الانتفاضات البطولية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وبينما لاقت هذه الحركات مصير الهزيمة أو الاستنفاد أو الاحتواء، أصبح من الواضح أن اليمين المتطرِّف كان مقبلًا على جني أكبر المكاسب من الانهيار السياسي الناتج عن الأزمة المالية العالمية. وعبَّرَ هذا عن نفسه في تعزيز الأحزاب اليمينية المتطرِّفة وترسيخ اليمين التقليدي على السواء.

إن صعود الأحزاب اليمينية المتطرِّفة جَعَلَ من الصعب للغاية أن تستمر الأحزاب الوسطية في العمل سياسيًا كالمعتاد. فمن جانب، لم تكن هذه الأحزاب غريبةً عن الفترة النيوليبرالية، وعبر معظم أرجاء العالم الرأسمالي المتقدِّم، حافظت هذه الأحزاب على بقائها، وفي بعض الحالات انتعشت على الهوامش اليمينية للأحزاب اليمينية التقليدية، بل وشقَّت طريقها إلى السلطة في عددٍ من الدول.

غير أن الانهيار الذي تسبَّبَت فيه الأزمة المالية العالمية وطَّدَ صعود هذه الأحزاب بشكلٍ كبير. تكمن جذور الميلاد الجديد لليمين الأمريكي في ردِّ الفعل على إنقاذ البنوك في 2008 و2009. خلال الجدالات حول عمليات الإنقاذ “خسرت إدارة بوش الكثير من دعم الحزب الجمهوري في الكونغرس”، لذا كان بوش مضطرًا للاستناد إلى الديمقراطيين في مجلسيّ النوَّاب والشيوخ لتمرير حِزَم الإنقاذ حين تمرَّد الجناح اليميني المتطرِّف لحزبه ضده. لقد “قطعت هذه الأزمة الرابطة الهشَّة بين النخبة الإدارية من كبار رجال الأعمال في الحزب الجمهوري وقاعدتها اليمينية”، مِمَّا أرسى الأساس أولًا لحركة حزب الشاي في ظلِّ إدارة أوباما، ثم بشكلٍ كبير لصعود ترامب (26).

كان صعود اليمين المتطرِّف يعكس إلى حدٍّ ما الشعور واسع النطاق بأن “التعافي” بعد عام 2010 قد شهد ترسيخًا للامساواة بصورةٍ حادة على الرغم من انتعاش سوق الأسهم. وجاهد اليمين المتطرِّف من أجل ربط هذه اللامساواة بنخبة السوق الحرة الكوزموبوليتانية الليبرالية. وضد هذه النخبة، صاغ اليمين المتطرِّف بديلًا اقتصاديًا حمائيًا من شأنه أن يعيد الصناعة مجدَّدًا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. ولقد تأكَّد ضعف الوسط الليبرالي بصورةٍ جلية في ردِّ فعله على هذا التحدي في فوز ترامب على كلينتون، وكذلك في نتيجة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأظهَرَ التحوُّل في الحزب الجمهوري مدى التغيُّر الذي طرأ على مركز الجدال السياسي. في العام 2009، قال 57% من الناخبين الجمهوريين وذوي الميول الجمهورية إن اتفاقات التجارة الحرة جيِّدةٌ للولايات المتحدة، لكن بحلول العام 2016 انهارت هذه النسبة إلى 24% فقط (27).

فاز ترامب بالبيت الأبيض، وانتصر البريكست على آمال الطبقة الرأسمالية الغربية كلها تقريبًا. بدا كما لو أن عاصفةً جامحة قد هبَّت، وأن العولمة على وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.. ثم بدا كأن كلَّ شيءٍ قد تلاشى. أُقصِيَ ستيف بانون من البيت الأبيض، بينما اعتدل ترامب في أكثر سياساته الحمائية تطرُّفًا. تمتَّعَت حربه التجارية مع الصين بدعمٍ من الحزبين، لكنها كانت أقل حدةً مِمَّا كان مُتصوَّرًا في بادئ الأمر. زادت الرسوم الجمركية على التجارة الصينية من 3% إلى 30-50% في غضون 12 شهرًا، مِمَّا خفض الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة بعشرات المليارات من الدولارات. غير أنه بحلول 2019 بدأ ترامب في تهدئة الحرب التجارية، ودَفَعَ هذا كبار الديمقراطيين، بمن فيهم بيرني ساندرز، لمهاجمته لاتِّخاذه إجراءاتٍ معتدلة ضد الصناعة الصينية. أما في بريطانيا، بدا أن البريكست يمكن العدول عنه، أو على الأقل كان وهمًا آخر للسوق الحرة أن تكون العودة إلى السيادة الوطنية أكثر بريقًا من السياسات الاقتصادية الجادة. وفي الوقت الذي عانت فيه الاتفاقات التجارية، وسعت الحكومات إلى تنفيذ مشاريع مبنية على استخدام الوقود الأحفوري من أجل “أمن الطاقة”، عاد تدخُّل الدولة في العالم الغربي إلى الفساد المألوف للشراكات بين القطاعين العام والخاص. بدا أن شبح الحمائية قد تم احتواؤه بهذا القدر أو ذلك، والتحوُّلات التي أدَّى إليها لم تكن كبيرةً لتتسبَّب في تصدُّعاتٍ خطيرة في الطبقات الحاكمة.

كان الهجوم الذي تعرَّضَت له هذه اللحظة المعادية للعولمة يعكس الاتجاهات القوية داخل النظام المضادة للحمائية، فلقد ضخَّت الطبقة الرأسمالية تريليونات الدولارات في الاستثمار الدولي، وأمضت عقودًا في تأسيس شبكات إنتاجٍ عالمية والاسترباح منها.

في العام 2019، بينما أقرَّت منظمة التجارة العالمية بأن نمو سلاسل القيمة العالمية قد تباطأت مقارنةً بالسنوات السابقة، فقد وجدت أن “أكثر من ثلثيّ التجارة العالمية يجري عبر سلاسل القيمة العالمية، التي يعبر فيها الإنتاج حدود دولةٍ واحدة، أو أكثر من دولة، قبل التجميع النهائي” (28). تُجري أغلبية شركات قائمة فورتشين 500 (قائمة لأعلى الشركات المساهمة الأمريكية من حيث الإيرادات السنوية) عملياتٍ كبرى على المستوى الدولي؛ 120 من هذه العمليات تتم في 25 دولة أو أكثر (29). وحتى بعد انخفاضٍ بنسبة 13% في العام 2019، كان لا يزال هناك 1.3 تريليون دولار في الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يربط العالم النامي والمتقدِّم معًا.

لم تجبر الصين الولايات المتحدة على نقل كمياتٍ هائلة من تصنيعها خارج حدودها، بل كانت هذه هي الخطة المقصودة للطبقة الحاكمة الأمريكية في الأصل. ولم تكن الطبقة الحاكمة الأمريكية لتلقي بكلِّ ذلك في الجحيم. لقد شَعَرَ قادة العالم بأن إحياء الحمائية لن ينقذ النظام الاقتصادي -الضعيف في الأصل- بل سيجعل حاله أسوأ، وهكذا دقوا ناقوس الخطر ضد ترامب وزمرته.

حذَّرَ اجتماعٌ لوزراء مالية الدول العشرين في العام 2017 من مخاطر الانزلاق في القومية الاقتصادية. وبرزت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باعتبارهما أكبر المدافعين عن الوضع النيوليبرالي القائم. وفي العام 2018، حذَّرَ مدير منظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، من أن “المزيد من التصعيد سوف يعني تهديدًا حقيقيًا. إذا استمررنا على امتداد المسار الحالي، سوف تزيد المخاطر الاقتصادية، بتأثيراتٍ مُحتَمَلة على النمو والوظائف والأسعار الاستهلاكية حول العالم” (30).

كان تحذير أزيفيدو يعكس حقيقة أنه رغم الجهود التي بُذِلَت لاحتواء الحمائية، ظلَّت العمليات الاقتصادية والسياسية تقوِّض استقرار المشروع النيوليبرالي. وكما جادَلَ الاشتراكي الثوري الأسترالي توم برامبل، فإنه بينما كان الاقتصاد في العام 2018 في حالةٍ صحية أفضل من وقت ذروة الأزمة..

“إلا أن الرأسماليين الأكثر انتباهًا وفطنة وأولئك الذين يراقبون شؤون النظام ككل -مصرفيي البنوك المركزية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وصندوق النقد الدولي- كانوا يدركون جيِّدًا أن الأساليب المستخدمة لاستعادة استقرار الاقتصاد خلال الأزمة المالية العالمية وما بعدها -ضخ الأموال الحكومية وعمليات الإنقاذ، وما تلاها من برنامجٍ عملاق لطباعة النقود- لا يمكن أن تُستدام إلى أجلٍ غير مسمى. لكنهم كانوا يدركون أيضًا أن فطام الاقتصادات الغربية من مثل هذه الإجراءات التحفيزية ينطوي على مخاطر جمَّة” (31).

لم يعد الأمر في إطار الشعور الشعبي متنامي السخط ضد إخفاقات النموذج النيوليبرالي، بل امتدَّ أيضًا إلى شعورٍ متنامٍ هو الآخر لدى الأيديولوجيين البرجوازيين بأن النيوليبرالية بلغت منتهاها.

كان ذلك مدعومًا بعلاماتٍ قويةٍ على التراجع في الأسواق طوال فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية، كما أوضح مارتن أبشيرش، إذ كتب:

“منذ العام 2008، بدا أن عملية التوسُّع قد انقلبت في الاتجاه المعاكس. كان هناك صعودٌ في التجارة العالمية في العام 2010 حين بدأ العالم في التعافي، لكن مذاك الحين تباطأ نمو التجارة بشكلٍ كبير ليستقر عند حوالي 2.5% في السنة. تباطأت أيضًا أرقام الإنتاج العالمي، التي تُقاس بالناتج المحلي الإجمالي، منذ وقوع الأزمة، وصارت تستقر الآن أيضًا مع معدَّلات نمو تقل عن 3% في العام 2015، وأقل من 2% في الاقتصادات النامية. والأهم من ذلك أن البيانات تشير إلى استقرارٍ ثم هبوطٍ متقطِّع في كلٍّ من التجارة العالمية والأصول المالية الخارجية (للاقتصادات الكبرى) كنسبةٍ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ العام 2008. ويبدو أن هذا الانكماش نتج ليس فقط عن الانهيار المالي عام 2008، الذي جَعَلَ المستثمرين أكثر عزوفًا عن المخاطرة، بل أيضًا عن تباطؤ النمو الاقتصادي في شرق آسيا، وبالأخص الصين، التي كانت بمثابة محرِّكٍ للصادرات والواردات في الاقتصاد العالمي الأوسع” (32).

يدعم تقرير الاستثمار العالمي الصادر من الأمم المتحدة لعام 2019 هذا الاستنتاج. فقد توصَّل إلى أن التدفُّقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر قد انخفضت في ذلك العام بنسبة 13% إلى 1.3 تريليون دولار. يُعَدُّ هذا أقل مستوى منذ الأزمة المالية العالمية. وقد أثَّرَ ذلك على العالم الرأسمالي المتقدِّم على وجه الخصوص:

“بلغت تدفُّقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات المتقدِّمة أدنى نقطة لها منذ العام 2004، إذ انخفضت بنسبة 27%. وانخفضت التدفُّقات الوافدة إلى أوروبا إلى النصف؛ إلى حوالي 200 مليار دولار، بسبب التدفُّقات السلبية في عددٍ قليلٍ من الدول المضيفة الكبيرة نتيجةً لعودة الأموال إلى بلدانها الأصلية والتدهور الكبير في المملكة المتحدة. انخفضت التدفُّقات إلى الولايات المتحدة أيضًا بنسبة 9% إلى 252 مليار دولار” (33).

منذ العام 2018، بدأ ترامب حملةً حمائيةً أكثر جدية. وذَكَرَ تقرير الاستثمار العالمي أن الدافع الرئيسي وراء الانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر كان “عودة الأرباح الأجنبية المتراكمة على نطاقٍ واسعٍ إلى الشركات متعدِّدة الجنسيات في الولايات المتحدة في الربعين الأوَّلين من 2018، بعد الإصلاحات الضريبية المطروحة التي أُدخِلَت في نهاية عام 2017”. وبينما صارت هذه الحملة أكثر اعتدالًا في 2019، بدا أن ذلك كان بالأساس من أجل اعتباراتٍ سياسية. لم يرد ترامب أن يُلقى اللوم على هذه السياسات في حدوث ركودٍ في الفترة التي تسبق انتخابات 2020 الرئاسية.

لكن أيَّ فهمٍ لأزمة النيوليبرالية لن يكون ملائمًا على الإطلاق دون النظر إلى التغيُّرات الجيوسياسية الكبرى التي طرأت في أعقاب العام 2008. وأنا أتحدَّث هنا عن التغيُّرات الأكثر دراماتيكية في تاريخ العالم: صعود الصين لتصبح قوةً اقتصادية عظمى.

تضمَّن صعود الصين في طيَّاته الكثير من تناقضات الحقبة النيوليبرالية (34). وما مهَّدَ الطريق أمام نهوضها من بلدٍ يغلب عليه الاقتصاد الريفي إلى قوةٍ صناعية كان عولمة الاقتصاد العالمي، وبالأخص البحث الرأسمالي عن العمالة الرخيصة. تصاعَدَ النمو الصيني بشكلٍ كبيرٍ تحت رعاية الهياكل الاقتصادية والسياسية التي رسَّختها الولايات المتحدة لتأمين هيمنتها العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، ونظرت الطبقة الحاكمة الأمريكية إلى صعود الصين باعتباره ظاهرةً إيجابية يمكن لمؤسَّساتها أن تحتويها.

لكن الأزمة المالية العالمية كشفت خطأ ذلك. كان من المستحيل تجاهل الدور الأساسي الذي اضطلع به الإنفاق التحفيزي من جانب الصين في دعم النظام العالمي. وجرى الأمر على خلاف ما حدث في الولايات المتحدة، التي كانت بطيئةً في الوقوف على قدميها مُجدَّدًا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، الذي لم يصل إلى التعافي الكامل. وإدراكًا منه لهذا التحوُّل في ميزان القوى، زاد أوباما الرسوم الجمركية على الصلب الصيني، آملًا أن يعيد الصين اقتصاديًا إلى مكانها الأصلي. في الوقت نفسه، وَعَدَ بـ”محور آسيا”، الذي سعى من خلاله إلى إعادة توجيه القدرات العسكرية الأمريكية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والذي صُمِّمَ أيضًا لوقف الصعود العسكري الصيني. أما التحديات المتواصلة أمام الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهي تعني أن كلَّ هذا لم يحدث فعليًا، لكن الأهداف كانت واضحة.

كان التبرير الأساسي لتحوُّل ترامب إلى الحمائية هو الحاجة إلى دفع الصين إلى الوراء بقوةٍ أكبر. وفي وجه التخبُّطات المرتبكة لإدارة أوباما وحالة الشلل التي بدت عليها، كانت لدى ترامب رؤيةٌ جريئة -حتى وإن كانت رؤيةً ووجِهَت في البداية بتشكُّكٍ من جانب قطاعاتٍ كبيرة من الطبقة الحاكمة. لقد جادَلَ بأن اعتماد الولايات المتحدة على النمو الاقتصادي الصيني وسلاسل الإنتاج العالمية قد قوَّضَ المصالح الجيوسياسية طويلة الأمد للولايات المتحدة. وقد دَفَعَ التدخُّل السياسي الفج لترامب قضية الصين إلى قلب السياسة الأمريكية.

لكن بينما مثَّلَت الصين التهديد الأكبر على الهيمنة الأمريكية، لم تكن هي المشكلة الوحيدة التي برزت من الأزمة المالية العالمية. استخدمت روسيا، التي لطالما اعتُبِرَت قوةً شائخة، أزمة الولايات المتحدة لتذكير العالم بقوتها العسكرية الكبرى. مع تفجُّر أزمة الرهن العقاري، ضَغَطَ مسئولو الحكومة الروسية على الصينيين للتخلُّص من جميع أسهم الإسكان الأمريكية من أجل تعميق الأزمة. لكن الصين كانت تدرك أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تدمِّر النظام المالي الدولي برمته، فرفضت هذا الطرح. لكن روسيا باعت محفظتها الخاصة البالغة 100 مليار دولار من سندات شركتيّ فاني ماي وفريدي ماك، أملًا في تحطيم القطاع المالي الأمريكي. وعلَّق وزير الخزانة الأمريكي على هذا الوضع آنذاك قائلًا إنه “جعلني أشعر بمدى ضعفي” (35). والأمر المهم أيضًا كان تدخُّل روسيا في جورجيا في أغسطس 2008. فبينما ندَّدَت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بالجيش الروسي لسحقه القوات المسلحة الضئيلة لجورجيا، لم يكن بوسعهم شيءٌ لمنع ما حدث في المقام الأول. وقد كَشَفَ التدخُّل العسكري الروسي في أوكرانيا 2014 وسوريا 2015 مشكلاتٍ مشابهة لدى خصوم روسيا. فُرِضَت العقوبات، وتعرَّضَ بوتين لانتقاداتٍ واسعة، لكن روسيا شقَّت طريقها كما هو.

وخلف مظاهر الجهود الدولية الموحَّدة لمعالجة الأزمة الاقتصادية العالمية، تنامت التوتُّرات حتى بين حلفاء الولايات المتحدة. سرعان ما تهكَّمَ دونالد رامسفيلد من “أوروبا العجوز” لانتقادها الغزو الأمريكي للعراق، لكن الأزمة المالية العالمية أماطت اللثام عن توتُّراتٍ أعمق بين الولايات المتحدة وأوروبا. صُوِّرَت الرأسمالية المالية “المتوحِّشة” باعتبارها “جزءًا من بديلٍ أنجلو-أمريكي سام عن الحداثة” (36). كَتَبَ آدم توز:

“وَقَفَ بيير شتاينبروك، وزير المالية الألماني ذو الخطاب الحاد من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أمام البوندستاغ ليعلن أن النظام المالي العالمي واجَهَ أزمةً نشأت في الولايات المتحدة ونجت منها ألمانيا حتى وقتها. وقال في وقتٍ لاحق للبرلمانيين الألمان إن “أيديولوجية عدم التدخُّل الأمريكية”، مثلما مورِسَت خلال أزمة الرهن العقاري، كانت “مُبسَّطةً بقدر ما كانت خطيرة”. وتوقَّع بثقةٍ تامة أن الولايات المتحدة سرعان ما ستفقد دورها كقوةٍ ماليةٍ عظمى” (37).

بيد أن خطاب أوروبا المتعجرف تلقَّى ضربةً كبيرة خلال أزمة منطقة اليورو. وكما يشرح توز، لعب التمويل الأوروبي عبر الأطلسي دورًا كبيرًا في أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة وفي نشر هذه الأزمة عبر العالم، على السواء. وكشفت المعارك اللاحقة حول مستويات ديون الدولة أن أوروبا لا تزال مُمَزَّقة بالانقسامات الطبقية والوطنية.

عكست الانقسامات بين أوروبا والولايات المتحدة، جزئيًا، الطبيعة غير المتكافئة للتطوُّر الاقتصادي في عصر النيوليبرالية. تمثِّل أوروبا “المنطقة الأكثر تكاملًا داخليًا وترابطًا عالميًا على الإطلاق” (38). وحتى في ذروة أزمة منطقة اليورو، كان تراجعها عن الأسواق العالمية أكثر اعتدالًا من الولايات المتحدة أو الصين. فالسوق الداخلية لأوروبا أصغر من سوق الولايات المتحدة أو الصين، والقوة المالية لخزاناتها أضعف، واقتصادها أكثر اعتمادًا بكثير على السوق العالمية. هذه هي القاعدة المادية التي تقوم عليها رؤية النخبة الأوروبية باعتبارهم آخر المدافعين الحقيقيين عن النظام النيوليبرالي العالمي. وحتى نهج اليمين المتطرِّف في أوروبا يتشكَّل وفقًا لهذه الحقيقة. فبينما يستنكرون العولمة، تصبح مواقفهم أكثر برجماتية كلَّما اقتربوا من السلطة. خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، تخلَّت لوبان عن معارضتها للاتحاد الأوروبي، وعلى نحوٍ مشابه عدَّلَ اليمين الشعبوي في إيطاليا موقفه حين شكَّلَ حكومةً ائتلافية في 2018 -رغم أن ذلك لم يخلُ من صراعٍ داخليٍّ كبير.

وقد أدَّى ذلك إلى الموقف الذي يبدو غريبًا، والذي بَذَلَ فيه ترامب وبوريس جونسون -رغم أنهما في أحزابٍ تاريخية للبرجوازية- جهدًا كبيرًا لتقويض النيوليبرالية، أكثر حتى من الرموز الأوروبية الذين بنوا أحزابًا خارج نطاق السياسة التقليدية السائدة. وحتى أوروبا الشرقية -التي يشجب قادتها دور البنوك الأجنبية على نحوٍ لاذع- تعتمد بشكلٍ كبير على المعونات والاستثمار الدولي.

وبشكلٍ عام، كان الوضع بحلول نهاية 2019 متزعزعًا بشكلٍ كبير. تعثَّرَت النيوليبرالية، وكانت سلسلةٌ من نقاط التوتُّر المتداخلة تضغط على النظام. بدا الركود الصناعي وشيكًا، بينما عادت الاحتجاجات الجماهيرية إلى شوارع تشيلي وفرنسا ولبنان والعراق وهونج كونج، وغيرها من البلدان.

ثم جاءت الصدمة من حيث لا يتوقَّع أحد. في 17 نوفمبر 2019، دخل رجلٌ يبلغ من العمر 55 عامًا إلى المستشفى في مقاطعة هوبي الصينية لإجراء كشوفاتٍ طبية. والباقي معروف.

مراجع:
– Bramble, Tom, 2018, “The crisis in neoliberalism and its ramifications”, Marxist Left Review, 18, https://marxistleftreview.org/articles/the-crisis-in-neoliberalism-and-its-ramifications/– Braverman, Harry, 1974, Labor and Monopoly Capital (Monthly Review Press).
– Bukharin, Nikolai, 2010 [1929], Imperialism and World Economy (Aakar Books).
– Burnham, James, 1972 [1941], The Managerial Revolution: What is Happening in the World? (Praeger).
– CapRelo, 2019, “An Analysis of Fortune 500 Companies and International Expansion”, CapRelo Blog, https://info.caprelo.com/blog/fortune-500-companies-international-expansion
– Chuang, 2019, “Red Dust: the transition to capitalism in China”, Chuang (Issue 2), http://chuangcn.org/journal/two/red-dust/
– Davidson, Neil, 2013, “The neoliberal era in Britain: Historical developments and current perspectives”, International Socialism, 139, http://isj.org.uk/the-neoliberal-era-in-britain-historical-developments-and-current-perspectives/
– Harman, Chris, 1991, “The State and Capitalism Today”, International Socialism, 51, https://www.marxists.org/archive/harman/1991/xx/statcap.htm
– Harman, Chris, 1996, “Globalisation – Critique of a New Orthodoxy”, International Socialism, 73, https://www.marxists.org/archive/harman/1996/xx/global.htm
– Harman, Chris, 2008, “Theorising Neoliberalism”, International Socialism, 117, https://www.marxists.org/archive/harman/2008/xx/neolib.htm
– Hirst, Paul Q., Simon Bromley and Grahame Thompson 2009, Globalization in Question: Third Edition (Polity).
– Hitler, Adolf, 1928, Zweites Buch, unpublished, https://web.archive.org/web/20100613091247/http://www.jrbooksonline.com:80/PDF_Books/ZweitesBuch_wch7.pdf
– Kautsky, Karl, 1914, Ultra-Imperialism, https://www.marxists.org/archive/kautsky/1914/09/ultra-imp.htm
– Kuhn, Rick 2011, “Keynesian moment passes”, Counterpunch (February 11), https://www.counterpunch.org/2011/02/11/the-keynesian-moment-passes/
– Loong Yu, Au, 2012, China’s Rise: Strength and Fragility (Merlin Press).
– Marx and Engels, 2004 (1848), Manifesto of the Communist Party (Marxist Internet Archive), https://www.marxists.org/archive/marx/works/1848/communist-manifesto/index.htm
– Trump, Donald, 2017, The Inaugural Address, https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/the-inaugural-address/
– Tooze, Adam, 2017, “America’s Political Economy: Trump & the new protectionist alignment”, Adam Tooze’s blog, https://adamtooze.com/2017/03/17/americas-political-economy-trump-new-protectionist-alignment/
– Tooze, Adam, 2019, Crashed: How A Decade of Financial Crises Change the World (Penguin).
– Tooze, Adam, 2020a, “The Normal Economy is Never Coming Back”, Foreign Policy (April 9), https://foreignpolicy.com/2020/04/09/unemployment-coronavirus-pandemic-normal-economy-is-never-coming-back/
– Tooze, Adam, 2020b, “A crisis like no other”, Politics Theory Other, podcast, https://soundcloud.com/poltheoryother/83-a-crisis-like-no-other-w-adam-tooze
– UNCTAD (United Nations Conference on Trade and Development), 2019. World Investment Report 2019, https://unctad.org/en/pages/PublicationWebflyer.aspx?publicationid=2460
– Negri, Antonio and Michael Hardt, 2000, Empire (Harvard University Press).
– Upchurch, Martin, 2018, “Is globalisation finished?” International Socialism, 157, https://isj.org.uk/is-globalisation-finished/
– World Trade Organization, 2019, Global Value Chain Development Report 2019, https://www.oecd.org/dev/Global-Value-Chain-Development-Report-2019-Technological-Innovation-Supply-Chain-Trade-and-Workers-in-a-Globalized-World.pdf
هوامش:
* المقال مترجم من مجلة اليسار الماركسي الأسترالية.
** كاتب اشتراكي وعضو منظمة البديل الاشتراكي الأسترالية.

(1) أودُّ أن أشكر توم برامبل على تعليقاته المطوَّلة على المسودة الأولى من هذه المقالة. تظلُّ جميع الأخطاء مسئوليتي.
(2) Tooze 2020a.
(3) Bukharin 2010, p168.
(4) Marx and Engels 2004.
(5) Tooze 2014, chapter 19.
(6) القسم التالي عن عشرينيات القرن العشرين مُقتَبَس بغزارة من Tooze 2014.
(7) Macintyre 1998, p100.
(8) Hitler 1928, pp57-8.
(9) Upchurch 2018.
(10) Hirst, Bromley and Thompson 2009, p67.
(11) Kidron 1970, p17.
(12) يمكننا هنا رسم خط فاصل بين المراحل الأوسع في تطوُّر الرأسمالية؛ مثل مراحل المانيفاتورة والرأسمالية التجارية والصناعية التي ناقشها ماركس، ومرحلة الإمبريالية التي درسها لينين وبوخارين، في مقابل الفترات التاريخية داخل هذه المراحل؛ مثل الرخاء الكبير والنيوليبرالية، إلخ. وبشكلٍ عام، أرى أننا لازلنا في المرحلة الاحتكارية الإمبريالية من الرأسمالية، رغم أنها مرحلةٌ مرَّت بسلسلةٍ من الفترات المتعاقبة عبر تاريخها. ناقش بوخارين هذه المسألة بصورةٍ موجَزة في الفصل التاسع من كتابه المُشار إليه بعنوان “الإمبريالية كفئةٍ تاريخية”، وناقشها كريس هارمان كذلك في كتابه المذكور.
(13) Kautsky 1914.
(14) Burnham 1941 and Rizzi 1939.
(15) Negri and Hardt 2000.
(16) Davidson 2013.
(17) يناقش هارمان في كتابه عام 1991 صعود الشركات متعدِّدة الجنسيات خلال الخمسينيات والستينيات في كتابه المُشار إليه، بينما يناقش برافمان في كتابه ببعض الاستفاضة صعود عمال الخدمات والمكاتب والتجزئة في هيكل الطبقة العاملة الحديثة.
(18) Harman 1991.
(19) Harman 1996.
(20) Bukharin 2010.
(21) Harman 2008.
(22) Trump 2017.
(23) Kuhn 2011.
(24) Tooze 2018, p166.
(25) Kuhn 2011.
(26) اقتباسات من Tooze 2019, p170.
(27) Tooze 2017.
(28) World Trade Organization 2019, p1.
(29) CapRelo 2019.
(30) Mile 2018.
(31) Bramble 2018.
(32) Upchurch 2018.
(33) UNCTAD 2019.
(34) Loong Yu 2012 and Chuang 2019.
(35) Tooze 2019, p137.
(36) ibid., p72.
(37) ibid., p72.
(38) Ghemaway and Pisani 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في