الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقيه الطين ورحلة البحث عن الخلود

واثق الجلبي

2021 / 2 / 11
الادب والفن


أ.د. نجاح هادي كبة
فقيه الطين للروائي واثق الجلبي رواية صادرة عن دار الشؤون الثقافية / بغداد (2019) بحدود (191) صفحة من القطع المتوسط والرواية يستبطن الكاتب فيها الانسان الذي يبحث عن الخلود عن طريق الحكمة كالآتي
- العنوان : فقيه الطين ، من الفقه في اللغة ( الفهم للشيء والعلم به وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة وهو في الأصل مطلق الفهم وغلب إستعماله مخصوصا بعلم الشريعة ، عن (الوكيبيديا)
والروائي يضغط بعبارة (فقيه الطين) في أكثر من موضع في الرواية ومقصده أن يواري به عن الانسان الفاهم للشيء والعالم به والذي يعرف الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية بوصف الطين أساس خلق الانسان حسب التنزيل السماوي لكن السؤال الذي يطرح نفسه أين يجد فقيه الطين ولا سيما في مجتمعه العراقي ؟ الذي تناهبته شتى المحن والآلام ولا سيما بعد الاحتلال الامريكي لبلده العراق ، السارد يحمل مصباحه مثل ديوجين اليوناني في النهار باحثا عن فقيه الطين الذي يراه سيحقق الآمال ويعيد الحق الى نصابه ، إنه لا ييأس من أن يجده فقد وجده في آثار حضارة وادي الرافدين التي علمت البشرية القراءة والكتابة بلوحات الطين ووجده حين ( تذكر ديوجانس الرواقي البابلي الذي أصبح رئيس المدرسة الرواقية في أثينا وكان له حواريون ينقلون حكمته ، كانت هيروفيل الكلدانية إبنة برعوثا (بيروسس) النبية الأولى في العالم ترهق مغاراته وقرأ كيف أن طاليس كان تلميذا صغيرا لحكماء العراق من الكلدان ) ص53.
ثم يتساءل السارد عن واقعه المؤلم في عراق الرافدين اليوم ( أينك يا نور الطين وطين النور .. خذه بلا رحمة الى ذلك العالم .. اغسله من جديد على شاطئ الفرات .. ليعود بأعين جديدة) ص53، وبهذا الاسلوب الشائق يطوّح الروائي بواسطة الراوي الضمني او الذات الثانية التاريخ فلا يشعر المتلقي بفجوة بين المتخيل السردي والتاريخي ، بل يقرأ المتلقي التاريخ بسردٍ يوقظ حواسه ويجعله يتعاطف مع تاريخه ليغير واقعه الذي لا يرى فيه غير الآلام ( فقد رأى قبح النوارس وهي تلتهم ما يلقى إليها من فتات الخبز من البعض وهناك من يستجدي فوق هذا البحر ) ص9 . ( عراقه ركلة جزاء ضائعة بين أقدام الحيتان الناس فيه أيداي سبأ .. الضائع الأوحد هنا هو من .. يحب .. الناس تئن تحت وطأة الفقر والكبت ) ص28 .
ويستمر التداعي الحر لدى الروائي باسلوب لا يخلو من مسحة فلسفية ليختم الفصل الاول ( فقيه الطين) سبح بحمد الله فهو ( لم يصدقه أحد إلا صديقه أحمد الصوت الذي لكزه ليبحث عن فقيه الطين لم يتغير ولم يكبر بل كان صوتا واحدا ليكشف له عن بداية اسم فقيه الطين الذي لم يكن اسطورة ) ص 57-58
لكن ماذا يقصد الروائي بـ(أحمد الصوت الذي لكزه) ؟ انه النداء الذي يصدر من داخله ليواري هواجسه وقلقه وآماله وأفكاره في العثور على فقيه الطين فيقيم في الفصل الثاني الذب بعنوان ( مادبة بابلية) حوارا بينه وبين هذا الصوت لإستكناه الحقائق ومعرفة الوجود والآخر ( هو : ايها الصوت الذي لم يفارقني ..هل لآلامي من نهاية ؟ هل ستتركني يوما ؟ من أنا ومن أنت ومن هو ؟ إذا عرفت كأنني لم اعرف واذا لم أعرف وكأنني قد عرفت بأنني لم أعرف .. لم تعد الحقيقة تهمني أريد أن اطمئن) ص48
وهو .. يحمل الإنسان العراقي كاجداده في وادي الرافدين الإجابة عن اسئلة المعرفة واستبطان الحكمة ومعرفة الوجود حتى لو ضحى بنفسه كما ضحى آدابا الرافديني بالخلود وكسر جناح الريح وتحدى الآلهة ويبقى الانسان العراقي سعيدا فقد ( أحسّ بالظفر وهو يهم بطرح أسئلة جديدة ) ص102
ولكي يسلسل الروائي الوحدة الموضوعية جاء الفصل الثاني مترابطا بحلقات مع الفصل الأول فاذا كان السارد يبحث عن معرفة يراها مثلا أعلى للإنسان عن طريق فقيه الطين فإن الفصل الثاني أكد اهمية الحكمة من كل انواع المعرفة لتكون مثلا اعلى للانسان ( الصوت : ... ما جدوى بحثك عن الحكمة إذاً ؟ هو : لأرى ما بعدها .. ولأنها أعلى المراتب فلا بد من سلمٍ طويل بعدها ) ص108
ويستمر الروائي بالمحافظة على الوحدة الموضوعية بين الفصل الأول والثاني عن طريق الاسترجاع فيجعل النخلة بديلا للحوار عن فقيه الطين في البحث عن الحكمة ، ولكن تبين له خطاه ( ان تلك النخلة وهم .. وهل ما زلت تبحث عن فقيه الطين ؟ هو من .. يحمل الحكمة بأنامله وتدور حكاياتنا معه كالإسطوانة ) ص121
والنخلة ليست وحدها وهما وإنما الصوت والنخلة كلاهما وهم ( أراد منها الاستزادة واراد من الصوت الإجابة لكنه لم يظفر بشيء) ص123
وهكذا انتزع كوجيتو الذات ( الصوت) وكوجيتو الآخر ( النخلة) ليتعلق بفقيه الطين .
ويأتي الفصل الثالث بوحدة موضوعية مع الفصلين السابقين في بحث الراوي الضمني عن الحكمة في الوجود محاورا الروائي نفسه على لسان الراوي الضمني بدلا من التركيز على فقيه الطين والصوت كما في الفصلين السابقين ، ولم ينفعه البحث عن الحكمة عن طريق انكبابه في البحث عنها عن طريق الكتابة وبقيّ أسير منضدته وأوراقه وقلمه ( حياته عطاء من غير مقابل وبلا ثمن يستشعر خطر الإندحار الاخير ) ص159.
لكن امله وصراعه مع الحياة ظفر بمبتغاه وهو مكب على البحث والكتابة ( كأن الله أنبت له ذراعا فقام بتوزيع البحث حول الحرف الأخير كمجارف السيول .. حتى مات التعب ورحل الجهد فبرز الحرف شادخا قلبه ومالئا توابيت صدره بالهناء ) ص191
وهكذا تأتي خاتمة الرواية إنسيابية مع رحلته الكلكامشية في البحث عن الحكمة في الوجود فالخلود لا يكتشفه الا ذو البصيرة بالعلم طويلو الاناة في التفكير رغم المصاعب والعراقيل التي تواجههم كما جاء في مقصد الرواية ، ولا بد من أن أشير الى ان الرواية هي رواية نص ولا رواية اطروحة رغم انها رواية مونولوجية كان للسارد الضمني او الذات الثانية اليد الطولى في التحريك والاحداث وتوظيف التداعي الحر او المونولوج او الديالوج وباسلوب لا يخلو من ذات السارد وثقافته بالتراث الرافديني وبالفلسفة القديمة والحديثة كالفلسفلة اليونانية والاسلامية وفلسفة سارتر وكامو وديكارت ونيتشة وشوبنهاور والاساطير الرافدينية طعّم بها اسلوبه الذي يكثر فيه من التأمل بالوجود والانسان واستكناه الحقائق بانزياح أدبي جميل فقلما تجد في اسلوبه التقريرية وللسارد قدرة على الاطالة من دون تكلف او استخدام للزخارف اللفظية يتظافر في بناء اسلوبه المبنى مع المعنى بايجاز وتكثيف بخاصة توظيفية للجمل فعباراته وجمله قصيرة لكنها مضغوطة المعنى وان تجربته في توظيف الحوار تبتعد عن النمط التقليدي فكانت شخوصه / فقيه الطين / الصوت / النخلة ، موظفا إياها باسلوب الاليغوريا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?قوى مراجعة نهاي?ية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية الع


.. السجن 3 سنوات للفنان محمد غنيم في اتهامه بتهديد طليقته




.. إعلان صادم لمحبي الفنانة السورية كندة علوش و-ولاد رزق 3- يحط


.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -




.. حملها أمامهم.. شاهد كيف فاجأ صديق تايلور سويفت معجبيها على ا