الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية العمى بين الأدب والصحة العامة

حسين سليم
(Hussain Saleem)

2021 / 2 / 11
الادب والفن


تناول الأدباء والكتّاب مواضيع الأوبئة والصحة في نتاجاتهم الأدبية المختلفة كثيمة رئيسية أو فرعية عبر المجاز أو الواقع. ومن هذه الأعمال رواية العمى (1995) للكاتب البرتغالي خوزيه ساراماغو (1922-2010) موضوعها وباء العمى الذي انتشر بين أفراد المجتمع وأدّى فشل الدولة بنظاميها السياسي والصحي من احتواء الوباء إلى توقف الخدمات الحكومية وازدياد العزل الاجتماعي واتّخذت إجراءات القسوة.

الوباء على أرض الواقع حدث في فترات مختلفة في دول عديدة من العالم، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنها كوبا، التي تملك أفضل نظام صحي يستند إلى بنية اجتماعية واقتصادية تهتم بالصحة العامة والطب الاجتماعي ومحدّدات اجتماعية مجانية من تعليم وسكن إضافة إلى الصحة، وهي تواجه أطول حصار في التاريخ المعاصر من قبل أمريكا، أثر بأمنها الصحي والغذائي وخاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي الذي كان يقدم المساعدات الطبية والغذائية لها. لكنها تعرّ ضت إلى وباء” اعتلال العصب البصري” أو العمى في الفترة الممتدة 1991- 1993 وقد أصاب ما يقارب 50 ألف شخص.

تناولت إحدى الدراسات وبالعنوان نفسه "وباء اعتلال العصب البصري الكوبي (1991- 1993 ) ورواية العمى للكاتب البرتغالي خوزية ساراماغو (1995)"، نشرت في المجلة الأمريكية لطب العيون، أيلول 2018. لكنها لم تقدم أدلّة تثبت ارتباط العلاقة بين الوباء الحقيقي في كوبا والوباء المجازي في الرواية وإنما استندت إلى تخمينات ومعطيات قد يكون لها علاقة بالرواية خاصة للكاتب علاقة فكرية وسياسية متعاطفة مع الشعب الكوبي ونظامه السياسي، مثل الوباء مشترك في الواقع والرواية وأنه على علم بالمجاعة التي أصابت كوبا منذ عام 1989.

لكن كيف جاءت فكرة العمى؟ يقول الكاتب بينما كان ينتظر وجبته في أحد المطاعم، " جاء السؤال فجاءة في رأسي، ماذا لو كنّا مكفوفين جميعاً؟
ويتذكر، وبعد ذلك على الفور، "كما لو كنت أجيب عن نفسي، لكننا جميعاً عميان". ومن هذا جاءت روايته المجازية مدينة اجتاحها وباء العمى المفاجىء، بحسب جريدة نيويورك تايمز في 1998/12/3.

العمى الأبيض وباء مجازي في الرواية، ينطبق على أي وباء معدٍ في أرض الواقع ماعدا مرض العمى نفسه. تؤكّد الدراسات الطبية والصحية أن العمى مرض غير معدٍ، أسبابه متنوعة منها؛ سوء التغذية ونقص للفيتامينات، التدخين والكحول والعامل الوراثي، ونادراً ما يكون سببه فيروساً. يذكر أن منظمة الصحة العالمية تحتفل باليوم العالمي للإبصار منذ عام 1998، للحفاظ على البصر والتوعية من العمى، حيث يعاني 2,2 مليار شخص في العالم من ضعف البصر القريب والبعيد، منهم 36 مليون شخص يعاني العمى، بحسب بياناتها.

ينتقل وباء العمى من شخص إلى آخر في الرواية، لكن في الواقع الحياتي لا يحدث هذا الانتقال أو العدوى. الوباء مجازي في الرواية له تفسيرات مجازية متعددة حسب تنوع القراءات. ففي الرواية لا يحدّد المكان، فالمدينة غير معروفة وأشخاص الرواية لا اسماء لهم، بل صفات تتعلق بالبصر، كما لم يحدّد زمان حدوث الرواية وهو على خلاف واقع الوباء على الأرض، إذ يحدّد الوباء بالمكان والزمان والأشخاص المصابين، وكيف يكون رد السلطات الصحية والحكومية في اتّخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الوباء. عجز السلطات في الرواية عن مواجهة الوباء وانهيارها السريع أمام تداعيات الوباء الصحية والاقتصادية والاجتماعية، يختلف عمّا جرى في مناطق العالم التي أصابها العمى، ففي كوبا مثلا، بادرت السلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الوباء كما استدعت فرقاً صحية وطبية عالمية للمساعدة مع تقديم الأغذية الضرورية كمجموعة فيتامينات بي التي سارعت في شفاء 25 ألف شخص، في فترة قصيرة.

ومع اشتداد الوباء في الرواية يتم فقدان القيم الإنسانية، ويحل محلها الصراع من أجل البقاء، وانتشار العنف والخوف والسيطرة والانانية والعدوانية حتّى بين المصابين.
ليس هناك معالجة لوباء العمى في الرواية، كما لم يُبيّن سبب فقدان البصر، وعودته في نهاية الرواية. ولماذا بقيت زوجة الطبيب مبصرة، وهي تكافح للبقاء وحماية الآخرين؟ هل هي رمز لقوى الخير في الرواية؟

و إذا ذهبنا مع خيال الكاتب، فهل الخيال والمجاز الأدبي يأتي من العدم، أم له صلة بالواقع الزماني والمكاني؟ يلتقط الكاتب ما يشاء من بيئته وهو ابنها، يوظفه بما تجود مخيلته؟ يقول الكاتب " العمى هو ترميز لعمى العقلانية البشرية"، وهنا تكمن أهمية الرواية، إذ تتعدى فكرة العمى إلى كلّ الأوبئة التي تصيب مناحي حياتنا المتنوعة. وهي تلخيص لعمانا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي على أرض الواقع كأفراد ومجتمع ونظام سياسي. إنها تصلح لكل مكان وزمان في عالم يفتقد العدالة الاجتماعية، وفي عراقنا على سبيل المثال، مازال الفساد والمحاصصة هو وباء العمى الأكبر في حياتنا الذي سيقودنا إلى الخراب والدمار جميعاً ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب


.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً




.. عوام في بحر الكلام - الفن والتجارة .. أبنة الشاعر حسين السيد