الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حريه الملبس في مرفق التعليم

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 2 / 13
دراسات وابحاث قانونية


لاشك ان لكل فرد حريه ارتداء الملابس التي تتناسب مع ذوقه ومعتقداته الشخصية ، الا ان هذه الحرية غير مطلقه من كل قيد فهي مقيدة في حدود القانون والتعاليم الدينية و الاعراف المجتمعية والاداب العامة ومدى انفتاح المجتمع وتقبله لبعض الظواهر الغريبه التي تطرأ على المظهر العام للفرد ، ويزداد الامر تعقيدأً عند ارتداء الملابس ذات دلالات معينه تعكس خلفية مرتديها الاجتماعية او السياسية او العرقية او الدينية في بعض الاماكن العامة او الدوائر الرسمية والمرافق العامة التي ممكن ان تثير نوعاً من التمايز بين عمال هذا المرفق او المنتفعين منه ، وهنا يمكن تتعارض الحرية في الملبس مع مبدأ حيادية المرفق العام ، سنحاول في هذه المقالة استعراض السياسة القضائية للقضاء الاداري الفرنسي والالماني والسويسري اتجاه حرية الملبس في المرافق العامة من خلال الاشارة لاهم القضايا المعروضه على هذين القضائين .
ففي فرنسا: اثارة قضية فصل الانسة مارتو (marteaux) من وظيفتها كمديرة لمدرسة ( jules ferry) الخارجية ضجه كبيرة في فرنسا ، وتتلخص وقائع هذه القضية انه في عام 1999 اصدر مدير اكاديمية (reims) قراراً بفصل الانسة ( مارتو) التي تعمل كمديرة لاحد المدارس الخارجية بحجة ارتدائها للحجاب الاسلامي في مؤسسة تعليمية معلنه جهاراً عن عقيدتها الدينية داخل مرفق تعليمي يضم العديد من العاملين والطلبة من خلفيات دينية مختلفه او حتى لادينية خارقه بذلك مبدأ علمانية الدولة و حيادية مرفق التعليم ، وقد طعنت الانسة (مارتو) بقرار الفصل امام المحكمة الادارية المختصه ، طالبة الغاء قرار الفصل وقد احالت المحكمة المذكورة القضية تطبيقاً للقانون رقم ( 87-1127) لسنة 1987 الى مجلس الدولة الفرنسي طالبه رأيه في عده مسائل منها ، ان من مقتضيات مبدأ علمانية الدولة وحيادية مرافقها توجب على العاملين فيها التحفظ فيما يرتدونه وهل هذا يختلف من مرفق لاخر حسب طبيعته؟ ، وهل من المناسب التمييز اذا كان الموظف يقوم بوظيفه التدريس داخل المرفق ام لا ؟ ، وهل يجب التمييز بين طبيعه الرموز والشارات الدينية ومدى علانيتها في الاعلان عن هويه مرتديها ؟ ، وقد احيل ملف هذه القضية الى الى مفوض الحكومه ريمي (remy Schwartz) وقد اعد الموما اليه اجابة مفصله عن هذه التساؤلات ويمكن ان نتناول اهم ما جاء بمطالعته ، ففي البداية اشار مفوض الحكومه ريمي الى ان حرية الاعتقاد لدى الموظف تجد اساسها القانوني ماورد في المادة (10) من اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي الصادر عام 1789م التي تنص على انه ( يجب ان الا يزعج احد بسبب ارائه ولو كانت دينية ، شريطه ان لايمس ابدائها النظام العام الذي انشأه القانون ) ، وايضاً جاءت مقدمة دستور فرنسا لعام 1946 لتؤكد في فقرتها (الخامسة ) على ذات المعنى حيث نصت على ( لايجوز ان يضار احد في عمله او وظيفته بسبب اصله او ارائه او اعتقاده ) ، واكد على ذات المبادىء دستور1958 ، فضلاً عن ذلك ان مجلس الدولة الفرنسي اكد سابقاً على حريه الاعتقاد الديني والسياسي للموظف وان هذا الاعتقاد لايكون سبباً لاقصائه من الوظيفه العامة او رفض ترشيحه لها او تعرضه للجزاء التاديبي بسبب هذا الانتماء ، وهذا ما ترشح عن قضية ترشيح السيد باريل (barel) لاحد الوظائف العامة ، وقضية جيَ (guile) ، الا انه اشار بان هذه الحرية تكون محددة بمبدأ حيادية المرفق العام الذي يوجب على الموظف بعض التحفظات ، فللدولة ان تلزم الموظف بان يمتنع عما كل من شانه الشك في حياده وولائه للمرفق الذي يعمل فيه ، فالموظف ملزم بان يكون سلوكه وتعبيراته ومظهره غير مثيراً للشك في حيادية خدمات المرفق العام اتجاه المنتفعين منه بما في ذلك ارتداء الشارات والرموز الدينية ، ومراعاة الطاعة الرئاسية اتجاه الحكومه ، وفي خارج نطاق الوظيفه يسترد الموظف العام كاصل عام حريته في التعبير عن ارائه ومعتقداته الدينية والسياسية ، وقد خلص مفوض الدولة الى رأي مفاده ان ارتداء الموظف اثناء ممارسته لوظيفته ما يشير او يبرز معتقداته الدينية وخصوصاً ارتداء الشارات التي تبرز انتماءه الديني يعد خطأ وظيفي يوجب المساءلة التاديبية التي تقدرها الادارة تحت رقابة القضاء الذي ياخذ بنظر الاعتبار طبيعه ودرجه العلانية ، فانظمام الشخص للمؤسسة التعليمية يقتضي التخلي عن بعض حرياته السياسية والدينية ويلزمه بمبدأ الحياد ، وهو مبدأ يحكم كافة المرافق العامة ومنها مرفق التعليم ، فهذا المبدأ يعد حقاً من جهة المستفيدين (الطلاب) وواجباً من جانب (هيئة التدريس) ، كما ان مبدأ حياد المرفق العام ذو علاقة وثيقه مع مبدأ المساوة ، اذ من حق الطلبه المستفيدين بخدمات المرفق التعليمي ان يتمتعوا بخدمات هذا المرفق دون اي تمييز بسبب انتمائاتهم السياسية او الدينية او الفلسفية ، وتجنب تعرضهم لاي موقف سياسي او ديني او فلسفي يجعل من مرفق التعليم وسيله تبشيرية او دفع الطلاب لاعتناق فكره او دين معين تخل بسير هذا المرفق ، كما فرق مفوض الدولة بين ارتداء الشارات الدينية ذات المظهر البسيط والتي لا تتصف بالعلانية وفي غير حضور المنتفعين بالمرفق وبين غيره من الشارات الواضحة التي يتم ارتدائها امام الجمهور كمبرر لاختلاف درجه الجزاء الذي يوقع على الموظف العام متى ما خالف مقتضيات الالتزام بمبدأ حيادية المرفق العام ، وعد مفوض الدولة كخلاصة لرأيه الاستشاري بان مبدأ علمانية الدولة وحياد مرافقها العامه يوجبان على الموظفين العموميين عدم التعبير عن عقائدهم الدينية بصورة علنية لان ذلك يعد انتهاكاً لمبدأ دستوري مما يشكك في ولائه للجهة التي يعمل فيها .
اما في المانيا: فأن القضاء الاداري اتخذ نفس المنهج الذي انتهجه مجلس الدولة الفرنسي حيث اكدت المحكمة الادارية العليا في حكم صدر عام 1985 على حضر ارتداء المدرسين في مدرسه عامة ، ملابس ملونه ذات دلالات للفكر الديني البهواني لان من شان ارتداء هذه الالوان دفع الطلاب للاهتمام بافكار دينية معينه والتاثير على حيرية التلاميذ في اختيار افكارهم وعقائدهم الدينية ، وكذلك ردت المحكمة الفيدرالية طعن السيدة (ليندا) بقرار مدير المدرسة الذي منع ارتدائها الحجاب الاسلامي اثناء التدريس مبررة ان الحجاب الاسلامي يعد شعاراً دينياً علنياً مما يكشف عن العقيدة الدينية لمن يرتديها ، وان هذا المنع لا يتعارض مع حريه الدين والعقيدة لان هذه الحريه تخضع للتنظيم داخل مرفق التعليم ، الا ان من الملاحظ ان بعض الولايات الالمانية اصدرت قوانين عام 2003 بحضر ارتداء المعلمات للشارات الدينية داخل مرفق التعليم ما عدا المسيحية وفي هذه القوانين اخلال كبير بمبدأ المساواة .
وفي سويسرا: تكرر هذا الموقف القضائي في قضية مدام (dahlab) وهي مواطنه سويسرية تمارس مهنه التدريس منذ عام 1989 في احد المدارس الابتدائية تحولت من الديانه الكاثوليكية الى الاسلام ورفضت الاداره طلبها بارتداء الحجاب الاسلامي ، ورفض مجلس الدولة في جنيف طلب الغاء قرار الاداره برفض طلبها ، مما دفعها الى استخدام حقها في الطعن امام المحكمة الاوربية لحقوق الانسان والتي انتهت في قرارها الصادر عام 2001 الى ان السلطه الادارية لم تتجاوز بحضرها ارتداء الحجاب هامش السلطه التقديرية الممنوحه لها مستندة الى الى ان ارتداء الحجاب الديني يضر بالشعور الديني لتلاميذ المدرسة ولابائهم ، فضلا عن مخالفه ذلك مبدأ الحياد الديني للدولة .
والحقيقه ان هذه السياسة القضائية يمكن تبريرها من ناحية كون ارتداء الشارات والملابس ذات المغزى الديني مخالفة لمبدأ حيادية مرفق التعليم اتجاه المستفيدين منه ، الا انه لايمكن تبريره من جانب التاثير على اختيار الاطلاب للافكار والعقائد الدينية طالما ان المدرس او المعلم لم يمارس دوراً تبشيرياً او ترويجياً لدينه وافكاره العقائدية ، او مارس التمييز في المعاملة او تقييم الطلبه على اساس خلفيتهم وانتمائم الديني او السياسي ، ولذلك نجد ان موقف مجلس الدولة الفرنسي خفف من تشدده عن مواجهة حالات ارتداء الطلبه للشارات ذات المغزى الديني ومنها قضيه الانسة ( ensieh naderan) التي تم استبعادها بقرار من مجلس ادارة مدرستها عام 1994 واكد قرار الاستبعاد رئيس الاكاديمية ، وطعنت الطالبة بقرار الاستبعاد امام المحكمة الاداريه في مدينه ( Clermont) ، الا ان المحكمة الادارية ردت الطعن ايضاً ، مما دفعها للطعن امام مجلس الدولة الفرنسي ، الذي اصدر بتاريخ 27/ نوفمبر/1996 قراره بالغاء قرار استبعادها من الدراسة مع التعويض مستندا في ذلك الى عدم ثبوت ان ارتداء الطالبه للحجاب يمثل ضغطاً على افكار زملائها التلاميذ او تبشيراً بالدين الاسلامي ، وان قرار الاستبعاد قد تاسس على وقائع مادية غير صحيحة موضحاً ان مدير الاكاديمية اعطى لقراره سبباً قانونياً غير موجود .
اما في العراق :فان دستور جمهوريه العراق لسنة 2005 قد نص في المادة (2) منه على ان الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساسي للتشريع ، كما كفل حريه الدين والعقيدة وممارسة الحقوق السياسية والمساواة امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الراي او الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المواد (14، 20، 43) من الدستور ، الا ان ممارسة الحريات الدينية والسياسية يجب ان تكون بمنأى عن المرافق العامة عموماً ومرفق التعليم خصوصاً تطبيقاً لمبدأ حياد المرفق العام في مواجهة المستفيدين والمنتفعين منه وتطبيقاً لمبدأ المساواة بالانتفاع بالمرافق العامة ، وهذا يقتضي من الموظفين العموميين عدم حمل وارتداء او تعليق الرموز التي تخل بمبدأ حيادية المرفق العام اتجاه المنتفعين ، وندعو مجلس الدولة الى تعزيز مبدأ حيادية المرافق العامة في تطبيقاتها القضائية د.احمد طلال البدري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر