الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبادة الجماعية في البوسنة من خلال عيون أم ومترجمة من الأمم المتحدة يجسدها فيلم - كو فاديس ، عايدة؟ -

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2021 / 2 / 13
الادب والفن


?Quo Vadis, Aida

علي المسعود

في الحادي عشر من يوليو/ تموز عام 1995، استولت وحدات من صرب البوسنة على منطقة سربرنيتسا في البوسنة والهرسك وفي أقل من أسبوعين، قامت هذه الوحدات بتصفية ممنهجة لأكثر من ثمانية آلاف شخص من مسلمي البوسنة (البوشناق)، في أبشع جرائم قتل جماعية في القارة الاوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . قبل المذبحة، أخبر قائد الوحدات الصربية الجنرال " راتكو ملاديتش المدنيين" المذعورين بألا يخافوا، ثم شرعت قواته في مذبحة لم تتوقف لعشرة أيام . وهناك على مقربة من موقع الجريمة، كانت تقف قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، ولم تحرّك ساكنا !! . وفي وقت لاحق، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إن "مأساة سربرنيتسا ستظل إلى الأبد وصمة في تاريخ الأمم المتحدة ". وكانت مذبحة سربرنيتسا جزءا من عملية تطهير عرقي استهدفت المسلمين على أيدي قوات صربية أثناء الحرب البوسنية، وهي إحدى الحروب العديدة التي اندلعت في حقبة التسعينيات مع تفتت يوغوسلافيا . جمهورية البوسنة والهرسك الاشتراكية - كما كانت تُعرف ضمن الاتحاد اليوغوسلافي - كانت تضم خليطا من الأعراق بينهم مسلمو البوشناق، وأرثوذكس صِرب، وكاثوليك كُروات . وأعلنت البوسنة والهرسك استقلالها في عام 1992 عقب إجراء استفتاء ، قبل أن تحظى باعتراف الولايات المتحدة وعدد من الحكومات الأوروبية. لكن صرب البوسنة قاطعوا الاستفتاء، ولم يمض وقت طويل حتى نفذت قوات تابعة لصرب البوسنة - مدعومة من الحكومة الصربية - هجوما على الدولة الوليدة . وشرع المهاجمون في إزالة مسلمي البوشناق من المنطقة في محاولة لإقامة "صربيا الكبرى" - في سياسةٍ عُرفت بالتطهير العِرقي . وفي السادس من يوليو/ تموز من عام 1995، نفذت قوات تابعة لصرب البوسنة هجوما عنيفا على سربرنيتسا. واستسلمت القوات التابعة للأمم المتحدة أو تقهقرت، ولم يُجدِ الاستنجاد بطائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) نفعًا في وقف زحف القوات المعتدية . وسقطت سربرنيتسا في غضون خمسة أيام، ليخطو الجنرال ملاديتش في شوارع المدينة مزهوا بانتصاره رِفْقة جنرالات آخرين، عندها لجأ نحو 30 ألف شخص إلى قاعدة الأمم المتحدة حيث يوجد الجنود الهولنديون ، وبدأت أعمال التصفية في اليوم التالي. ومع صعود اللاجئين المسلمين إلى حافلات الإجلاء ، بعد أن قامت قوات تابعة لصرب البوسنة بعزل الرجال والصبية عن غيرهم ثم ساقوهم بعيدا، حيث أُطلق عليهم الرصاص . وأُعدم الآلاف ودُفعت جثثهم إلى قبور جماعية باستخدام جرافات. وترجح تقارير أن البعض دُفن حيًا، بينما أُجبر آباء على مشاهدة أبنائهم وهم يُقتلون ، أما النساء والفتيات فقد أُخرجن من الصفوف ليُغتصبن. ويقول شهود إن الجثث كانت متناثرة في الشوارع . ولم يحرك الجنود الهولنديون ساكنا إزاء ما يشهدون من عدوان صربي، بل لقد سلّموا نحو خمسة آلاف مسلم التجأوا إلى قاعدتهم للاحتماء. وفي عام 2017، أدانت محكمة تابعة للأمم المتحدة في لاهاي الجنرال ملاديتش بارتكاب إبادة جماعية وجرائم أخرى الذي ظل مختبئا بعد نهاية الحرب في عام 1995 ولم يُعثر عليه إلا في عام 2011 في منزل أحد أقاربه شمالي صربيا ، وقدمت صربيا اعتذارا عن الجريمة لكنها لا تزال ترفض تسميتها عملية إبادة جماعية . المخرجة البوسنية الشهيرة " ياسميلا أوبانيك "، أعادت إحياء أحداث أجواء تلك المجزرة في فيلمها الاخير " كو فاديس ، عايدة ؟" والذي ترجم الى العربية " اين تذهيين ،عايدة؟" ، وهو أحد الأفلام تدور أحداثها عن تلك الإبادة الجماعية والتي تصور قصص إنسانية عميقة وسط الكارثة وتصوير أهوال لا يمكن تصورها. على الرغم من أن عنوان الفيلم يبدو في البداية عشوائيًا ، إلا أن الكلمة اللاتينية (كو فاديس ) والتي تعني ( الى اين انت ذاهب ؟) ، هي إعادة للمشهد التوراتي عندما التقى الرسول بطرس بالمسيح على الطريق ويسأله هذا السؤال ، ويجيب يسوع إنه ذاهب الى روما ليصلب من جديد ، أنه لمعان واضاءة مؤثرة للمشهد الختامي للفيلم !. فقد صلبت بطلة الفيلم عايدة نفسها مرتين ، مرة خلال المجزرة التي ارتكبت بحق أهلها وفي مدينتها "سريبرينيتشا " ، ومرة أخرى بعد المجزرة حيث بدأت في التعرف على جثث أهلها وسط المقابر الجماعية ، بقايا عظام وأشلاء . أعادني هذا المشهد الى وجع امي وأبي حين كانوا يبحثون عن بقايا عظام لأخوتي الصبية الصغار اللذان غيبتهم سجون الديكتاتور ، وبعد سقوط الديكتاتور في عام 2003 ، صلبا أبي وامي مرة أخرى حين لم يعثروا على رفات لابناءهم حتى يتم دفنهم !!.
من خلال عيون " عايدة " التي تقوم بدورها الممثلة القديرة " ياسنا دوريستش " تفضح الاحداث ، عايدة هي مدرسة لغة إنكليزية وتعمل مترجمة لقوات حفظ السلام الهولندية في قاعدة عسكرية للأمم المتحدة في "سريبرينيتشا " وفي يوليو من عام 1995 في مدينة سربرنيتسا ، بعد ثلاث سنوات ونصف من الحصار من قبل القوات الصربية بقيادة ميلاديش ، تم إعلان مدينة سريبرينيتشا، القريبة من الحدود الصربية الشمالية الشرقية ،"منطقة أمان" تابعة للأمم المتحدة في عام 1993 ووضعت تحت حماية كتيبة هولندية تعمل لصالح الأمم المتحدة ، يفتتح الفيلم بقيام عايدة بالترجمة لمفاوضات بين عمدة المدينة والجنرال الهولندي" قائد الأمم المتحدة الشخصية الضعيفة كارمانس (يوهان هيلدينبرج) " ، لكن المفاوضات تفشل حين يشعرون مسؤولي المدينة بعدم ارتياحهم لحديث مسؤول الكتيبة الهولندية التابعة للامم المتحدة . بعدها تنقل الكاميرا الى شقة متواضعة ، وهناك رجل وإبناه البالغون يخلون الشقة وهما زوج عايدة نهاد (إيزودين باكروفيتش) وهو مدير مدرسة ، ويشعرون أن ابنيهما حمديكا (بوريس لير) وسيكو (دينو باجروفيتش) يواجهان الآن خطر الانتقام من الجيش الصربي المنتصر وهم ويسرعون في الوصول الى قاعدة الامم المتحدة . على الرغم من وعود الأمم المتحدة ، يقوم سكان تلك المدينة باللجوء إلى تلك القاعدة العسكرية للقوات الهولندية التابعة للأمم المتحدة بهدف الاحتماء بها، ولأن القاعدة لا تتسع لكل هذا العدد ، يقوم الهولنديون باستيعاب عدد قليل من اللاجئين بينما ينتظر العدد الأكبر في الخارج، ، بدأت القنابل في النزول وإخلاء البلدة بأكملها إلى قاعدة الأمم المتحدة التي تسيطر عليها هولندا، ومع دخول الصرب المدينة ، يتوجه سكانها البالغ عددهم 30 ألف نسمة إلى مقر الكتيبة الهولندية التابعة للأمم المتحدة المحاطة بسياج . يسمح الحرس الهولندي بدخول 5000 فقط قبل إغلاق البوابة وحوالي 25 ألف شخص تقطعت بهم السبل وأصبحوا خارج السياج السلكي الذي يفصلهم عن ملجأهم الموعود . كانت الظروف في بوتوتشاري صعبة جدا بتوفُر "القليل من الطعام أو الماء" . أصيبوا بالذعر، وكانوا خائفين، وكانوا يضغطون على بعضهم البعض وعلى الجنود الأمم المتحدة الذين حاولوا تهدئتهم . تتوسل المترجمة عايدة في محاولة لادخال زوجها وولديها الى داخل القاعدة ، لكن قائد القوات الدولية في الكتيبة الهولندية يرد عليها بالسؤال: لماذا نحمي أسرتك فقط دون غيرهم؟، ولكنها لاتيأس وتستمر في محاولتها في الحفاظ على عائلتها ونفسها بأمان داخل القاعدة الهولندية. تركز المخرجة " زبانيتش " على محاولات الأم "عايدة" ، في البحث عن طوق نجاة لأبنائها ، وتركز على مأساة عايدة، الأم، التي تسعى جاهدة لإنقاذ ابنيها وزوجها من الهلاك المحدق . كاميرا المخرجة ياسميلا زبانيتش في أغلب أحداث الفيلم مركزة على وجه البطلة التي هي محور الاحداث من خلال لقطات قصيرة جدا على الوجه ومن خلال التركيز على نظرتها الحادة وحالة التوتر والريبة التي انتابتها في كل مرحلة تتعلق بشخصية عايدة، في البداية الاحساس بأنها في مهمة قومية من اجل مساعدة بلدتها، ثم محاولات انقاذ أسرتها، ثم المرحلة الأهم الخاصة بالشك في نوايا القوات الدولية أو قلة حيلتهم تجاه المسألة برمتها، والمرحلة الأخيرة الخاصة بالاستماتة في حماية أسرتها فقط دون غيرهم. سكان المدينة محاصرون بين نيران القوات الصربية وسياج قاعدة القوات الدولية ، حتى تلك القوات الدولية فهم أيضا محاصرون بين عدم وجود دور محدد لمهمتهم أو تواجدهم من الأساس في تلك المدينة وبين انتظار التعليمات من الأمم المتحدة ، فالجميع محاصرون ، الطريقة الوحيدة لدى عايدة لإدخال عائلتها هي تطوع زوجها نهاد ، عندما طالب جنرال جمهورية صربيا ملاديتش ويقوم بدوره الممثل (بوريس إيساكوفيتش) برصانة مخيفة ، لجنة مدنية من الاهالي للعمل كمفاوضين وتزج المترجمة عايدة باسم زوجها ، وكسبت له ولأبنائهم فرصة الدخول الى القاعدة . لقد نجحت المُخرجة "ياسميلا زبانيتش" في الإمساك بحالة الفزع التي كانت تنتاب عايدة في كل لحظة من لحظات الفيلم، وقد انتقل هذا الخوف إلى المشاهدين أنفسهم وكأنهم يواجهون مصيرهم المحتوم أيضا، استطاعت عايدة أن تُدخل زوجها في الوفد المفاوض، وبفضل الجهود الجبارة التي بذلتها مع العقيد كاريمان (يوهان هيلدينبيرج) والرائد فرانكن (ريموند تيري) تمكنت المترجمة عايدة من أدخال عائلتها الى مقر المفوضية هناك وخاصة بعد تطوع لزوجها كواحد من المتحدثين في قافلة للتفاوض مع القائد العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش (بوريس إيساكوفيتش) من أجل النقل الآمن لمسلمي البوسنة. لكن المفاوضات امتدت بضع ساعات متوترة حيث كشفت المفاوضات عن ضعف وعجز ممثلي الأمم المتحدة الهولنديين في الحيلولة دون حدوث المذبحة التي لا مفر منها ، لتصبح المفاوضات في نهاية المطاف حيلة واضحة لإخراج جميع اللاجئين من المجمع لأن قوات حفظ السلام الهولندية لم يُسمح لها باستخدام القوة ضد صرب البوسنة . بينما فشلت عايدة في أن تنقذ عائلتها من هذا المصير المفجع . وحطمت المخرجة" زبانيتش " التوتر الدراماتيكي في كفاح عايدة لإنقاذ زوجها وأبنائها بقوة تقشعر لها الأبدان . كانت المُخرجة مركزة على ظهور القائد "ريتكو ميلاديتش" المخادع وهو يداعب طفلة صغيرة لإظهار تعاطفه الزائف والذي يتظاهر بأنه محرر عادل و يقدم الخبز والحلويات لأولئك الذين يحتمون في المنطقة الآمنة قبل التنفيذ بينما كان جنوده يعدّون العُدّة للمجزرة الجماعية المروّعة التي لا تفارق ذاكرة الناس في البلقان وغيرها من دول العالم ، يُفصل الرجال والأولاد عن النساء والأطفال الصغار، ويتجمعون على الفور في مجمع ويُعدمون . قبل نهاية الفيلم، وفي مشهد المذبحة نفسه والذي صور بحساسية مُفرطة، لقطات على وجوه أناس مجمّعين في غرفة مُغلقة، ثم لقطة لشبابيك تدخل منها الاسلحة النارية الرشاشة (لا تظهر وجوه حامليها)، ثم يبدأ صوت رصاص مدوي لا ينتهي، وتُدفن جثثهم في مقابر جماعية. بعد سنوات ، تحاول نسائهم التعرف على العظام بينما يكافحون من أجل الاحتفاظ بالوصول إلى ممتلكاتهم التي يسكنها الآن السكان الصرب البوسنيون. بعد أعوام وأعوام من المأساة تعود عايدة إلى بلدتها، إلى بيتها الذي لم يعد بيتها، تعود في محاولة لتضميد جرح لا يندمل، تعود ليست عازمة على اجترار الأحزان والآلام، ولكن بحثا عن مستقبل يتجنب أخطاء وجراح الماضي. تختتم زبانيتش الفيلم ببصيص أمل في مستقبل يتجاوز المأساة ولكن لا ينساها، مستقبل يتذكر من قضوا غدرا، ولكنه لا يخلو من ضحكات الأطفال ولعبهم . تعود عايدة في الفيلم ، عادت إلى حياتها كمعلمة الآن بدون عائلتها ، وينتهي الفيلم بتكريسه الى 8372" شخصًا قتلوا: الآباء والإخوة والأبناء والجيران ". الفيلم يحميل الكثير من المواقف الصعبة و كذالك استذكار في زمن السلم و ايام جميلة مرت على عايدة ، هناك لحظة غير عادية عندما ترى ، وسط كل الخوف والملل والظروف الضيقة ، شابين يقبلانها وتبدأ في الضحك - ربما طغت على هذا الدليل على استمرار الحياة والإنسانية ، أو ربما من البراءة. وربما كان الزوجان يعتقدان أن كل شيء سيكون على ما يرام ، ويعطينا الفلاش باك شباب عايدة ، حيث تشارك في "مسابقة جمال" في حفلة صاخبة في حانة ، وفي تلك الأيام التي كان فيها الصرب والمسلمون والكروات لا يزالون أصدقاء وجيران. وهناك لحظات مؤلمة عندما تتعرف عايدة على تلاميذ سابقين لها الآن يرتدون الزي الصربي ، ويقتلون اهلها ويستباحون مدينتها .
حدثت المذبحة على مرأى من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ، الذين يفترض أنهم كانوا يحمون المدنيين البوسنيين. تلتقط المخرجة المولودة في سراييفو" ياسميلا زبانيك "رعب الإبادة الجماعية واللامبالاة والضعف من القوات الدولية التي سمحت بحدوثها ، وتقدم المخرجة زبانيتش مقاربة شخصية للغاية، وتتردد في الفيلم أصداء من فيلمها «غرابافيتشا: أرض أحلامي»، الذي فازت عنه بجائزة الدب الذهبي في برلين عام 2006، ولكن في حين ركزت في غرابافيتشا نظرتها على ما بعد الحرب، على النساء البوسنيات اللواتي اغتصبهن الصرب خلال الحرب، في حين تقذف بنا في فيلمها الاخير "إلى أين تذهبين، عايدة؟" مباشرة إلى آتون الألم والخوف من اللحظة نفسها، وينتزعنا الفيلم انتزاعا ليقذف بنا داخل الرعب والفزع لمذبحة سربرينيتشا التي قتل فيها الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك. ومن خلال من خلال التركيز على المعلمة التي تحولت إلى مترجمة عايدة (جاسنا دجوريتشيك) ، تستطيع زبانيك إضفاء الطابع الإنساني على الفظائع من خلال إظهار كيف أنها مجبرة على اتخاذ خيارات تؤثر على جيرانها من أجل حماية حياة زوجها وأبنائها البالغين . المثابرة الحكيمة التي أظهرتها عايدة تتناقض مع العجز الوظيفي الذي يستحقه القادة الهولنديون ، والتهكم الذي لا يرحم والذي يتسم بالأساطير الذاتية للجنرال الجزار "ملاديتش من بوريس إيساكوفيتش" ، الذي يتظاهر بأنه محرر عادل ويقدم الخبز والحلويات لأولئك الذين يحتمون في المنطقة الآمنة قبل تنفيذ سياسته القاسية في التطهير العرقي. ومع ذلك ، وعلى الرغم من الطبيعة المروعة للوضع المتدهور ، تتجنب المخرجة زبانيك اللجوء إلى الميلودراماتيكيين وتستخدم التفاصيل المرصودة بذكاء لتذكير الجمهور بأن غالبية الضحايا هم من الرجال كبارالسن والفتيان العاديين . وحكمت محكمة الجزاء الدولية في شباط/مارس 2016 على رادوفان كراديتش الذي عرف بـ "سفاح البوسنة" بالسجن 40 عاما بتهمة "الإبادة" وفقا للمحكمة. وكان الجنرال راتكو ملاديتش الملقب بـ "جزار البلقان" قد اعتقل في أيار/مايو 2011 . من جانبها، شددت السلطات الهولندية أكثر من مرة على أن كتيبة من قوات حفظ السلام الهولندية عجزت عن التحرك في سربرنيتشا لأن قيادة القوات الأممية تخلت عنها دون تقديم دعم جوي إليها. وكان أهالي الضحايا يحمّلون قوات السلام الهولندية مسؤولية الفشل في منع وقوع المأساة . الفيلم البوسني " كو فاديس ، عايدة ؟" أو (إلى أين تذهبين يا عايدة)، للمخرجة ياسميلا زبانيتش، والمأخوذ عن كتاب أصدرته المترجمة البوسنية التي عملت مع فريق الأمم المتحدة وقت الإبادة الصربية لشعب البوسنة وقُتل فيها زوجها وولداها ، هو إنتاج مشترك للبوسنة والهرسك، والنمسا، ورومانيا، وهولندا، وألمانيا، وبولندا، وفرنسا، والنرويج . فاز الفيلم بجائزة (النجمة الذهبية) لمهرجان الجونة السينمائي في دورته الرابعة ، وسبق للمخرجة البالغة الخامسة والأربعين وأن فازت بجائزة (الدب الذهبي) في مهرجان برلين عام 2006 عن فيلم (جربافيتسا، لاند أوف ماي دريمز) . لابد من اشاد في الأداء المبهر للبطلة "ياسنا دوريسيتش "خاصة في تطويعها لنظرات الأعين وتعبيرات الوجه لنقل مشاعر متباينة حول تلك الشخصية وتلك الحالة التي فرضت في هذا الفيلم الذي رشحته دولة البوسنة والهرسك ليمثلها في ترشيحات جائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بغلة أجنبية . وشخصية "عايدة" التى أدتها الممثلة البارزة ديوريسيتش كانت بمثابة النقطة المحورية الملتهبة ، كان أداء عايدة متفردا لدورها، بل إنها هيمنت على الجميع وخطفت في نهاية المطاف جائزة أحسن ممثلة في الدورة الرابعة لمهرجان الجونة السينمائي، كما نال الفيلم بجدارة جائزة أفضل فيلم في المهرجان ذاته ، كانت ياسنا مبهرة في الدور الرئيسي والقتال مثل اللبؤة من أجل أشبالها. والتي ابدعت المصورة السينمائية كريستين أ. ماير بنقله عن طريق كاميرتها واللقطات القريبة التي تزامنت مع حركة عايدة المحمومة على نحو متزايد حول القاعدة . تثير الحركة المترنحة للكاميرا إحساسًا زائلًا بالرعب ، ولقد برعت المصورة السينمائية كريستين إيه ماير فى إعادة النظر في الرعب التاريخي الحديث الذي لا يزال قاتله يعيشون فيه حيث حُكم على القائد العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش بالسجن المؤبد في عام 2017 . لم يطوي التاريخ صفحة مجزرة سريبرينيتشا في بوتوتشاري، وها هى السينما تعيده الينا بكل أوجاعه لتدين العالم وليس الصرب فقط فى ماحدث من مذابح للمسلمين وقف العالم أمامها مكتوفى الأيدى وكأنه مشارك فيها بتخاذله لذلك يجى أهمية فيلم "إلى أين تذهبين يا عايدة؟" كصرخة مدوية للمخرجة "ياسميلا زبانيتش " والذى يتناول قصةالمترجمة عايدة للأمم المتحدة في مدينتها الصغيرة سربينيتسا . على الرغم من وجود أفلام وثائقية خطيرة تم إنتاجها على مر السنين ومعارض فوتوغرافية ونصب تذكارية أخرى ، إلا أن سيناريو زبانيك االمؤثر والانساني يغرق المشاهد في كابوس سريبرينيتشا ، حيث يتمايل جنود ملاديتش القتلة منتصرين عبر بلدة مهجورة ويهرب السكان إلى ما يعتقدون أنه الأمان صوب مجمع الأمم المتحدة. الفيلم عبارة عن لائحة اتهام خطيرة للطريقة التي تنكرت بها قوات الأمم المتحدة لوعدها بقصف الصرب إذا هاجموا السكان. بعد أن أعاقتهم البيروقراطية وعدم الرغبة السياسية في إثارة غضب صربيا ، سمحوا بشكل غير مسؤول بتحميل الآلاف في الحافلات ونقلهم إلى حتفهم ، حدثت المذبحة على مرأى من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ، الذين يفترض أنهم كانوا يحمون المدنيين البوسنيين وفى الحقيقة أن "إلى أين تذهبين ياعايدة؟" ، للمخرجة ياسميلا زبانيتش يعد بمثابة صرخة ألم في طرحها الرائع لمذبحة سريبرينيتشا عام 1995 . حصل الفيلم ذاته، على جائزة الجمهور بمهرجان البندقية السينمائي حيث تم عرضه في افتتاح المسابقة الرسمية للمهرجان بشهر سبتمبر الماضي، وقد حصلت المخرجة البوسنية ياسميلا زبانيتش البالغة من العمر 45 عاما، على جائزة "الدب الذهبي" في مهرجان برلين عام 2006 عن فيلمها "غربافيتسا، لاند أوف ماي دريمز . وذالك فاز فيلم "كو فاديس، عايدة؟" بجائزة "السهم الكريستال" في الدورة الثانية عشرة لمهرجان "فيستيفال يزارك" في فرنسا، والمخصص منذ العام 2009 لتشجيع السينما الأوروبية المستقلة ، جسد الفيلم أسوأ إبادة جماعية أوروبية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وكشفت حالة الضعف والجمود السياسي والدبلوماسي في مواجهة المآسي الإنسانية العالمية المعاصرة ، وضعف الامم المتحدة ومؤسساتها . بالطبع الفيلم قدم بعضا من الصورة البشعة لما حدث هناك ولكن تظل المجموعة الأكبرمن الفظائع الأخرى محجوبة أو منسية أو مهملة ، وبالتالى يجب عدم نسيانها أبدًا؛ وخاصة فى ظل تصاعد موجة القومية والعنصريةالتي تجتاح العالم . وبحلول عام 2006، كُشف عن وجود 42 مقبرة جماعية في المناطق المُحيطة بسربرينيتسا، ويعتقد أهل الاختصاص تواجُد 22 مقبرة جماعية أخرى. وحُدد عدد الضحايا في 2,070 بينما لا يزال رُفات الضحايا في أكثر من 7,000 حقيبة لم تُحدد هوياتُهم بعد .
في الختام ، الفيلم هو تصويرواقعي ومؤثر للغاية لمذبحة سريبرينيتشا المروعة التي ذبح فيها أكثر من 8000 رجل وصبي ، فيلم هو تذكير صارخ آخر بقسوة الإنسانية التي لا هوادة فيها. في إطار كامل تقريبًا من منظور عايدة ، يضع النص المشاهدين في قلب الموقف حيث يتصاعد ببطء شديد. إلى جانب أداءالممثلة (ياسنا دجوريتشيك ) الرائع الذي يمنح المتفرج ارتباطًا وثيقًا بتلك الكارثة الانسانية .


-علي المسعود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا