الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل إلى المنطلقات الإصلاحية الوطنية الكبرى

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 2 / 15
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


إن معيرة المقاربات الإصلاحية يخضع لمحددات و فرادات محلية تتباين تبعا للأنظمة الإقتصادية و السياسية , حيث من غير المنطقي تنزيل استراتجية تنموية فرنسية و إسقاطها على صعيد عربي شمال إفريقي ؛ مازال يشتغل باَليات و ميكانيزمات قرأوسطية . إن الأوضاع الإرتكاسية و الرجعية في العالم العربي, مردها إلى غياب الإستقلالية و الذاتية في صياغة الرؤى و اختيار المضامين التي تتماشى و الواقع الحاضر و تساير معدل التنمية في المستقبل؛ عطفا على قابلية الفرد للتكيف الإيجابي مع العولمة الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية المعرفية العابرة للقارات. الإشكال الثاني هو اجتماعي صرف , يتجلى في تدني أو غياب مستوى وعي على المستويين العمودي و الأفقي لدى مواطني المجتمعات العربية , التي تظل تركن و تستند إلى مرجعيات ماضوية و تبني قراراتها المصيرية استنادا إلى الكتب الصفراء و اَثار المحدثين و المتكلمين الذين عاشوا في سياقات اجتماعية و زمانية تختلف عن حاضرنا اَنيا , إنها أزمة وعي حادة وجب إعادة تأهيلها و إصلاحها لبناء مجتمعات قادرة على المضاربة في حسابات المستقبل .

يمتلك المغرب العربي موارد اقتصادية هائلة من النفط و الغاز الطبيعي و الفوسفاط و الحديد , و هي مقدرات كبيرة قياسا على المستوى العالمي , إلا أن الأوضاع الإقتصادية داخل هده البلدان تتهاوى بشكل ملحوظ , لتجتر معها ملف حقوق الإنسان الذي يضرب عرض الحائط بسبب الإعتقال التعسفي و المحاكمات الصورية التي تطال كل من طالب بحق مالي أو قانوني تضمنه نواميس الكون و دساتيره ؛ و كل هذه المخططات الإستعجالية تصطدم بنظام مكتبي و بيروقراطي و نظام جزائي فاسد , يحول دون تنزيل حقيقي لجوهر الرؤية ما يدل على أن المؤسسات الوطنية لا تفتقر إلى الكوادر و الرأسمال اللامادي و إنما تعوزها الإرادة الوطنية و الضمير الحي اللذان يكبحان جماح المرء في الإلتفاف على المخصصات و الأرصدة المالية التي هي ملك للدولة أي لخزينة الشعب .

إن من أهم ركائز الديمقراطية فصل السلط التقليدية عن بعضها ضمانا لقطع السبيل أمام استغلال النفوذ, لكن المسار التاريخي المبني على التجربة و العقل , يظهر أن الدول العربية تشهد فراغا مؤسساتيا كبيرا , نظرا لحجم الثغرات القانونية التي تقف سلبيا أمام متابعة المتهمين بإختلاس الأموال و استغلال النفوذ , ما يعني ضرورة إيجاد هيكلة جديدة لشبكة إدارات الدولة تهدف في مجموعها إلى تلافي قوة التحافات و الكيانات و الكمبرادورية الداخلية و المدعومة أجنبيا . مفاد القول أن الديمقراطية بشكلانيتها و بنيتها و فلسفتها الحالية , نجحت في دول أوروبية , لكن فشل إفراغ محتواها في عالمنا العربي؛ يعزى بالأساس إلى أن الديمقراطية لا يمكن استيرادها كما نفعل مع الوجبات السريعة . إن الديمقراطية تتطلب في باكورة الأمر وجود نظام شرعي و يتمتع بمشروعية في نفس الاَن , و شعبا مدركا للفكر السياسي ولو على مستوى أقل , لأن الأفراد الذين يجهلون ألفياء السياسة سيكونون مجرد موضوعات مستغلة و فاقدة لوعيها و ذاتها , ستفقد معها الديمقراطية ماهيتها و غايتها الأولى .

إننا بحاجة إلى تقوية دور السلطة القضائية و ضمان استقلاليتها , وهذا رهان صعب المنال في العالم العربي مادامت الأنظمة سلطوية و توليتارية تفتقد للشرعية القانونية . و هذه الأنظمة لا تنحصر في رئيس البلد كما كان الشأن مع الرئيس المصري حسني مبارك أو نظيره التونسي زين العابدين بن علي , فهذا ضرب من الإختزال , إن النظام ضارب في العمق من هذا المستوى بكثير , فهو يشمل كل شخص ذاتي أو معنوي كان مستفيدا في ظل النظام الديكتاتوري , و يظل مجهولا بعد سقوط النظام لأن عمله يشبه الخلايا النائمة و جماعات العمالة السرية التي تحقق خسارات مهولة في الطرف النقيض المستهدف دون أن تظهر على الواجهة و دون أن تُعرف . و تظل الكيانات الإقتصادية العارض و العنصر الأخطر في هذا السياق , و التي يمكنها تأليب الجماهير الشعبية في أية لحظة من خلال تهديد الإقتصاد الوطني و رفع العجز التجاري و تراجع مخزون العملة الصعبة و رفع الدين الخارجي و زيادة التضخم و تقليص فرص الإستثمار لاسيما في المجلات المهمة كالطاقة و الفلاحة .

و تقعيدا عليه تكون الدول العربية بحاجة في المقام الأول إلى تعزيز المؤسسات بأفراد مأمونين و صادقين و وطنيين , ثم بلورة إصلاحات سياسية متعددة الأوجه , من خلال تقوية دور البرلمان في التعبير عن إرادة الفئات الشعبية , و هذا لا يتأتى إلا في ظل ترسيخ ثقافة الإنتخابات و فعل التصويت لدى كل مواطن بلغ سن الترشح و التصويت, مع تمتعه بالشروط المنصوص عليها قانونا , و يبقى المطلب الملح في هذا الصدد , ضرورة اشتراط مستوى معرفي و دراسي محدد على كل شخص له نية الترشح للبرلمان و لقد كان هذا مطلب الجزائري رشيد نكاز أيضا , لأن فعل التشريع و صياغة موقف من السياسات العمومية يحتاج لرصيد ثقافي و معرفي كبير , كما أن المواطن الذي سيدلي بصوته وجب أن يكون ملما بالجوانب المحيطة بالعملية حتى نتفادى استغلاله من قبل الأحزاب السياسية التي تبحث عن ناخبين مقابل بعض القطع النقدية , و هذا مركز الإصلاح السياسي في تقديري الاَني . كما سبق أن نبهت إلى لزوم تخصيص مجلس برلماني جديد يخصص حصرا للنقابات العمالية , و إذا لم يتم إحداثه على المستوى المركزي فيمكن تأسيس لبِنات برلمانات جهوية أو إقليمية للتعبير عن حاجات المواطنين دون بيروقراطية أو تسويف أو إهمال , و هذه هي الصياغة الحقيقية و الواقعية لورش الجهوية و اللامركزية .

أما على المستوى المالي و الإقتصادي فهما لا ينفكان عن مطلب إصلاح المؤسسة القضائية , لأن البلاء العظيم الذي بليت به الأوطان العربية, هو حجم الفساد المالي الذي أصاب كل المؤسسات دون استثناء , ولعل الإستثناء تأكيد للقاعدة . في هذا السياق الإصلاحي حاول المغرب خلق مؤسسات تضطلع بمهام التتبع و المحاسبة , فأوجد المجلس الأعلى للحسابات , لكن هذا الأخير أضحى بدوره موضوعا للفساد و المحاباة , و بدل أن يكون اَلية لتوطيد القاعدة الدستورية ربط المسؤولية بالمحاسبة , أصبح بدوره متهما بالتورط في عمليات تبذير المال العام و غض الطرف عن المتورطين مقابل أرباح مادية أو غيرها .

صحة الأمر الواقع أن الأنظمة العربية قد لا تستطيع قطع أذرع أخطبوط المال و الكيانات العميقة داخل الدولة, و التي تخدم و ترعى مصالح الدول الخارجية خاصة التي كانت مُستعمِر فيما سبق و مازلت , لذلك لا مناص من توفير تعليم و تلقين جيد للمواطن و تمكينه من الإستفادة من بنية فكرية و معرفية موضوعية قادرة على جعله مواطنا فاعلا داخل المجتمع مدركا لحقوقه و واجباته . ما أقصده هنا هو ضرورة تأهيل الرأسمال البشري ليكون رافعة مهمة لنقل البلد من يد شبكات العمالة إلى يد المواطنين و الشعوب , دون الإقدام على أية أعمال دموية و تدميرية, لأن هذه الكيانات العميقة تمتلك نفوذا داخل مؤسسة الجيش و البوليس و لها من المرتزقة العدد الكبير . إننا بحاجة إلى التشبث بالنموذج التونسي الذي كان شرارة الربيع العربي, لكن دون خسائر كبيرة في الأرواح و الاموال , حيث أخطر الجيش الرئيس السابق بن علي أنه لا يستطيع حمايته, و عليه مغادرة البلد حالا , و قام الشعب بانتخاب رئيس ديمقراطي شعبي له من الإيجابيات الشيئ الكثير , فقط يجب على الشعب التونسي أن يحافظ على هذه المكتسبات و يزيد ثقته في مؤسساته و يمنع الطريق عن عملاء الدول الخارجية التي دمرت اليمن و سوريا , وهذا ما يفرض إعلاما وطنيا نزيها و تعلميا نظاميا جيدا لأبناء الشعب .

المطلب الإصلاحي المستعجل الاَخر هو اجتماعي , حيث ترتفع نسبة الطلاق و العزوبية – و لا أقول العنوسة - و هذه مؤشرات خطيرة لها مضاعفات عكسية على النسيج المجتمعي . حيث تنتشر في ظله ثقافة الإنحلال الأخلاقي و جرائم الإجهاض, و ترتفع نسبة الحنق لدى الفئات المعنية في ظل غياب استقرار أسري ثان – البيت الزوجي – ما ينتج اَثار وخيمة على مستوى الفرد و الجماعة و المجتمع . و الملاحظ أن عددا من الأزواج و رغم الضعف المادي يغامرون – بالأحرى يقامرون – في الزواج دون رؤية استراتجية متوسطة أو بعيدة الأفق , ما يجعلهم يصطدمون بواقع اقتصادي و معيشي أقل ما يقال عنه أنه كارثي .

قد يكون للحنابلة في هذا المقام , أقصد كل فرد أو جماعة دينية ذات مرجعية نقلية تعتمد الترجمة الحرفية للنصوص الشرعية , التي تستدل باَيات قراَنية و أحاديث نبوية تدعو للزواج تحت وكالة الله تعالى و سنده , و هذا سياق كلامي و سجال ديني له محدداته التي يطول الحديث عنها و سأحاول تجازوها حاليا .

إن الذي نلاحظه و نرصده أن عددا من الأزواج المغاربة لا يفهمون جوهر مؤسسة الزواج التي نصت عليها مدونة الأسرة المغربية لسنة 2004 م , حيث نصت في مادتها الرابعة , على ان الزواج هو ميثاق تراض و ترابط شرعي بين رجل و امرأة على وجه الدوام , غايته الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة , برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة .

و أمام حجم المشاكل الزوجية و التي تنتهي في الغالب بالطلاق و تضييع حق الأطفال في رعايتهم من طرف الأبوين, نكون بحاجة إلى فرض تكوين معرفي على كل شخصين – ذكر و أنثى – مقبلين على الزواج , يمَكنهم من التعرف على أسس بناء الأسرة المستقرة و السعيدة ماديا و روحيا .

المسألة الأخيرة في هذا الصدد , أستغرب حقيقة من التصور الذي يملكه عدد من الأزواج المغاربة الذين يباشرون الإنجاب منذ الوهلة الأولى , لتكون الحصيلة مهولة , خصوصا في ظل الفقر المدقع و ارتفاع مقابل التمدرس و الحاجات اليومية الأساسية من الملبس و المأكل و السكن . إنها دعوة صريحة للحكومات الوطنية لتقنين و تحديد النسل , لأن الإقتصاد المحلي لا يتحمل ارتفاع نسبة السكان الذي لا يوازيه ارتفاع اقتصادي .

هذه بعض النقاط التي أرى ضرورة للتطرق إليها , أملا في تحسين المستوى السياسي و الحياتي داخل الدول العربية , و إن كنت حقيقة لا أملك أية ثقة في الأنظمة و لا الشعوب العربية لاسيما في النزعة الإنسانية لديها , فإني ما زلت أرجح مصلحة الفرد – المواطن – على مصلحة الجماعة و الدولة . فالمواطن المتشرد الكث الشعر الرث الأسمال , أهم عندي ألف مرة من أي برلماني أو مسؤول حكومي أو رئيس بلد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام