الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (253) المعلومات الاختبارية

بشير الوندي

2021 / 2 / 15
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (253)
المعلومات الاختبارية
-----------
مدخل
-----------
في عالم الاستخبارات لا يترك شي للصدفة, فكل شي محسوب ومخطط له بشكل ذكي وحاذق , كما هو المفترض , كما لايوجد جهاز استخباري يحارب طواحين الهواء فهو يستهدِف ويُستهدَف , لذا فإن لكل جهاز استخباري هنالك جهاز لمكافحة التجسس مهمته كشف جواسيس وأذرع الاجهزة الاستخبارية المعادية ويوقع بعملائها , ومن اشهر طرق الايقاع بالعملاء هي طريقة إلقاء معلومات مموهة وانتظار من يلتقطها , وهو مايطلق عليه بالمعلومات الاختبارية .
----------------------------------------------
لا جبنةَ بالمجّان ..الا في المصيدة !!!!
----------------------------------------------
ان من اهم انجازات الاستخبارات , والذي يُعدُّ قمة النجاح , هو ان تتمكن من معرفة مايعرفه عنها العدو, اي حجم معلوماته عنها وكذلك اسماء جواسيسه وسط صفوفها , ومعرفة المعلومات التي يتلهف عليها , وهذه المعرفة صعبة ومعقدة ويستميت العدو لإخفائها ومنع الوصول اليها , وهنا يأتي دور المغريات التي تتم من خلال المعلومات التي تُلقى للاستخبارات المعادية .
وقد ذكرنا ذلك في عدة مباحث سابقة (انظر مباحث في الاستخبارات 67 المعلومات الموجهة) وأشرنا الى "صناعة الزيف" , وقلنا ان الدوائر الاستخبارية لا تنتج معلومات لقيادتها السياسية فقط , وانما تنتج كذلك كمّاً من المعلومات يجري تسويقها للعدو , وماتنتجه من معلومات للعدو يقع على اربعة اشكال :
1- معلومات ايهامية : وهي اما تكون ايهامية كاذبة تماماً تنتجها وتسوقها بطرق تجعلها تبدو ككنز من المعلومات , او ان تكون ايهامية صادقة لكنها تتيح في حبكتها ان يستنتج منها العدو استنتاجات زائفة توقعه في المصيدة.
2- معلومات استدراجية : وهي معلومات كاذبة تبثها الاجهزة الاستخبارية في الاعلام لإستدراج واستفزاز العدو كي يرد , مثاله أن تفقد الاستخبارات اثر قائد ارهابي مختفٍ عن الأنظار , فتبث خبر مقتله بقصة مختلقة لتربك بها اتباعه وليجبر تنظيمه على اصدار تكذيب وتصوير حديث للإرهابي , وبذلك تحرك المياه الراكدة لإستخبارات العدو , وهو امر كثيراً مااستخدمته الCIA مع بن لادن وغيره من قادة الارهاب , وشاهدناه مؤخراً حين اختفى رئيس كوريا الشمالية لمدة عشرة ايام .
3- معلومات مسيطر عليها (مقننة) : وهي معلومات بعضها صحيح وبعضها مزيف , وتلك المعلومات هي مايتم تزويد العميل المزدوج بها كي يكسب ثقة العدو .
4- معلومات اختبارية (وهي موضوعنا الحالي) وهي معلومات تبثها الاستخبارات , بشكل يبدو سرياً , على عدد محدد من كادرها لغرض التأكد من خيانة شخص ما , فحين تشك الاجهزة الاستخبارية بان احد ما يسرب معلومات سرية , تعمد الى ان تنتج معلومة وترصد عدد محدود للإطلاع على تلك المعلومة , وتعطيها صفة عالية من السرية , ثم ترصد من خلال جواسيسها هل ان تلك المعلومة قد وصلت للعدو , حينها سيسهل عليها تحديد الخائن (انظر ايضاً مبحث 39 مكافحة التجسس )
ونضيف هنا ان الاستخبارات تنتج على الدوام معلومات موجهة للعدو من قبيل ايجاد فوضى معلوماتية (انظرالمبحث السابق , مبحث 252 ) لارباك ذهن العدو , او التشويش على عيونه واذرعه , او للتغطيه على تسريب معلومات , او لفحص ما يعرف عنا العدو , او رد فعله , وهل سيؤكد او يكذب او يستثار او يرد او يسكت , ومنها لحرف تركيزة من مكان لاخر واشغاله بشي اخر لنعميه عمّا نفعل.
----------------------
معالجة التسريب
----------------------
ان المعلومات الاختبارية هي من اختصاص جهاز الأمن المكلف بحماية المعلومات في الاستخبارات او ما يعرف بالاستخبارات المضادة او أمن المعلومات او مكافحة التجسس او الامن الوقائي , ومن سياق الإسم , يعني ان تنظِّم معلومة وتنشرها او تبثها لغرض الاختبار .
فعندما تشعر الاستخبارات ان هنالك تسريب للمعلومات او من خلال معلومات اعتراضية تبين حجم اطلاع العدو او رصد اشارات او اتصالات هاتفية او ايميلات او اي طريق يبين ان هنالك تسريباً وتجسساً لصالح العدو (انظر مبحث 210 المعلومات الاعتراضية) , فإنها تستنفر جهودها لغلق التسريب وكشفه .
ولكي تقوم بذلك , فإنها تتخذ خطوات دقيقة ومقننة ضمن بروتوكول امني صارم عالي التصنيف والسرية بالتنسيق مع هيئة الاستخبارات الوطنية , ونشير هنا الى انَّ هناك تلازم بين الجهد الاستخباري والجهد المكافح للتجسس , فلكي تنجح في بث معلومات اختبارية , لابد من ان تكون متمكناً من اكتشاف وصولها للعدو , فإن لم تكن الاستخبارات قادرة على جمع معلومات عن مصادر العدو فلافائدة من اطلاق معلومة مزيفة له .
ففي حال اردنا اطلاق معلومات اختبارية يجب ان نتاكد اولا من امكانية معرفتنا بوصولها لاستخبارات العدو (انظر مبحث 122 امن المعلومة ) , فلافائدة من اجراء اختبار مالم تعرف كيف نقرأ نتائجه , فكذلك لامعنى لاطلاق اية معلومات اختبارية مالم تكون استخباراتنا قادرة على مشاهدة اثارها خلف خطوط العدو.
وقد يكون الامر سهلاً في ميدان المعركة والجبهة حيث يمكن ملاحظة ردود الافعال على معلوماتنا الاختبارية وملاحظتها من خلال رصد الحركة , ولكن في الجهد العميق يجب ان تكون هنالك شبكات سرية تراقب وتراجع فوائد الطعم الذي ينشر من خلال امن الاستخبارات في المعلومات الاختبارية (انظر مبحث 125 مكافحة التسريب ).
---------------------------------------
الخطوة الاولى : الاختبار العام
---------------------------------------
لكي يكشف تسريب المعلومات لديه , يقوم جهاز الاستخبارات بخطوات على مرحلتين , في المرحلة الاولى يستخدم طريقة النشر العام , فيقوم بنشر معلومات مفبركة – او مسيطر عليها او مضخمة - من خلال تعميم سري على الوحدات التي يتوقع ان التسريب يتم من احداها كإختبار بنطاق واسع لتحديد مكان الخرق .
ومثال الاطلاق العام هو , ان نعمم معلومات مسيطر عليها بتعميم عام , ولكن يأخذ التعميم (الوثيقة) رقم جانبي لكل وحدة دون ان يلتفت اليها احد , وهذا التجربة الغرض منها معرفة من اين تخرج المعلومات (من اية وحدة او دائرة ) من خلال رقم الوثيقة المسرب (وهو ترقيم يعرفه الاداريون في التعميمات ) , ولانتوقع النجاح من المرة الاولى لكن المهم هنا هو الصبر والرصد بإنتظار , فقد يفشل الاختبار نتيجة لعدة اسباب منها , ان ينقل الجاسوس الفحوى دون نقل ترقيم الوثيقة , ولكن في العموم فإن اي شخص يلاحظ كتاب معمم لا ينتبه للترقيم الذي يختلف من وحدة لأخرى , فالتوقع المعقول هو ان الجاسوس يشعر بالزهو وهو ينقل صورة الوثيقة ورقمها .
كما ان من الممكن ان يكون التعميم بتوقيتات مختلفة لنرى متى حصل التسريب للعدو لغرض حصر الوحدة او الوحدات التي يُتوقع ان التسريب تم من خلالها , او ان يتم تلاعب بنص البرقيات من وحدة الى اخرى ضمن عملية المعلومات الاختبارية كي نعرف من اية وحدة حصل التسريب للعدو , شريطة ان نكون في حالة مراقبة مستمرة للعدو لنرى هل وصله التسريب وبأية صيغة واي ترقيم ومتى , وحال تلقف الجاسوس للطعم (فرداً او شبكة ) تأتي الخطوة الحاسمة من خلال التسريب المُركَّز .
--------------------------------------------
الخطوة الحاسمة : التسريب المُركّز
--------------------------------------------
ويسمى بتسريب المصيدة والذي يمثل طريقة المعلومات الاختبارية الفردية (انظر مبحث 121 التسريب) , حيث يقوم به الجهاز الاستخباري المعني – بعد تحديد الوحدة او القسم الذي تم التسريب من خلاله كما اسلفنا - بتزويد شخص ما من الجهاز بمعلومة على انها سرية جداً وحصرية , ويراقب وصولها الى العدو (مثالها توقيت هجوم ) , فان وصلت المعلومة الى العدو فهذا يعني الايقاع بالخائن .
ففي حال تمكنت الاستخبارات من التيقن ان معلوماتها الاختبارية التي اطلقتها قد وصلت للعدو , وانها تشير الى ان مكان الخرق هو مقر الفوج الاول لواء 45 مثلاً , عندها يتم حصر مكان الذراع للعدو , والتدقيق في هذا الفوج , فتتم هنا عدة خطوات هي :
1- مسح امني دقيق على الوحدة المعنية , وتحديد من لهم امكانية الوصول او الاطلاع على المعلومة وعددهم .
2- تدقيق الاسماء ووضع الجميع تحت المراقبة , والبحث عن كل مايريب حول حياتهم (اموال مفاجئة , سفر خارجي متكرر , متزوج من اجنبية , وغير ذلك).
3- الخطوة الثالثة الحاسمة تتم من خلال اطلاق معلومات اختبارية خاصة او فردية ضمن هؤلاء العدد المحدود المشتبه بهم (شخص او اكثر ) ونراقب من سيوصل المعلومة منهم , ليتم ايقاعه في المصيدة .
--------------------
الصبغة الزرقاء
--------------------
كانت الاستخبارات البريطانية , خلال الحرب العالمية الثانية , لا تلقى القبض على من تتأكد من ان بحوزتهم اجهزة إرسال يبرقون بها البرقيات الى جهة العدو (اي الى الاستخبارات الالمانية ) , ويرون ان من الافضل ان يراقبونهم ويستمعون لارسالهم , والغريب ان اشهر هؤلاء كان يهودي صاحب متجر للاحجار الكريمة , رغم عداء الالمان لليهود.
وكانت وسيلة الاستخبارات البريطانيه في كشف هؤلاء هي المعلومات الاختبارية , ووضعت اسماً رمزياً لعملية المعلومات الاختبارية وهي "الصبغة الزرقاء" , ففي احدى القصص الشهيره والذكية , التي تم تجسيدها في فلم سينمائي , ان احدى عمليات المعلومات الاختبارية اشارت الى قاعدة جوية محددة يتم التسريب من خلالها , فتمت مراقبة الطيارين , وحُصِرَ الأمر بطيار بريطاني متزوج من اجنبية , فتمت مكاشفة الزوج من قبل الاستخبارات البريطانية واقنعوه بالايقاع بها , وهو ماتم بالفعل , حيث قاموا بعمل مكالمة مفبركة معه بوجود زوجته واملوه برقية واوصوه ان يتركها على الطاولة في شقته , فنقلتها الزوجة على الفور للالمان , وتبين انها لطالما سربت الكثير من المعلومات عن القوة الجوية البريطانية وطلعاتها .
-----------
خلاصة
-----------
عدا عن اهمية المعلومات الاختبارية في الايقاع بجواسيس وعيون العدو , فإن لها فوائد خطيرة ومهمة , منها ان تجعل استخبارات العدو تشك بجواسيسها , خاصة وان المعلومات قد تصل من عدة اماكن او جواسيس , فعندما تشاهد استخبارات الخصم برقية برقم مثلا 300 تتكلم عن هجوم , ونفس الرقم من تشكيل اخر تتكلم عن تحصين منطقه دفاعية , ونفس الرقم من تشكيل اخر تتكلم عن ضربة جوية , حتما سيكون ارباك في تقييم مصادرهم , كما ان عمليات المعلومات الاختبارية تثير رعباً لدى الجواسيس غير المكشوفين حتى انهم قد يشككون بما تحت ايديهم من وثائق قد تكون خطيرة , فالمعلومات الاختبارية هي بالونات تنفجر في وجه الجواسيس وترعب الاجهزة الاستخبارية المضادة وتشعرها بيقظة الخصم , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل