الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تأسيس المسارح المدرسية في العراق وفق المعايير الدولية

سوسن شاكر مجيد
(Sawsan Shakir Majeed)

2021 / 2 / 15
الادب والفن


اكدت دراسات عراقية وعربية و أجنبية ان العراقيين القدامى الذين عاشوا قبل الميلاد قد عرفوا أشكالا ذات طابع مسرحي ، و قدمت تلك الدراسات شواهد ما زالت قائمة على وجود المسرح في العراق القديم كما في بابل و الوركاء . وفي المراحل التاريخية التالية و خاصة في العصر العباسي ، فقد شهدت هي الأخرى أعيادا و احتفالات و طقوسا وأنماطا من الألعاب ، لم يخلوا أي منها من المظاهر التمثيلية.
وان الأتفاق قائم الأن ، على ان مدينة الموصل في محافظة نينوى قد شهدت بدايات النشاط المسرحي في العراق ، وقد طبع اول كتاب مسرحي عام 1893 م ، احتوى مسرحية ( لطيف و خوشابا ) التي تولى ( نعوم فتح الله سحار ) ترجمة نصها عن اللغة الفرنسية وإسقاط موضوعها على واقع المجتمع العراقي وصوغ حوارها بلغة دارجة .
و ان ما حققه نعوم فتح الله سحار ( 1855 – 1900 ) نضجا في وعيه بأهمية المسرح كرسالة اجتماعية و شكلا فنيا جميلا ، كما ان الخوري هرمز نورسو الكلداني المارديني قد كتب مسرحية تاريخية عن ( نبوخذ نصر ) التي قدمها عام 1888 م على مسرح المدرسة الأكليركية في مدينة الموصل ، و من قبلها كانت هناك تمثيليات دينية تعرض داخل الأديرة ، مثل ( كوميديا ادم و حواء ) و ( يوسف الحسن ) و ( كوميديا طوبيا ) و التمثيليات الثلاث التي ارتبطت بأسم الشماس حنا حبش ، و التي عثر عليها عام 1966م، وقد ختمت بختم يشير الى سنة 1880م و شهد الربع الأخير من القرن التاسع عشر عروضا اخرى ، منها ( الأمير الأسير ) التي ترجمها عن الفرنسية ايضا و عرضها عام 1895م نعوم فتح الله سحار . و نذكر من هذه العروض مسرحية
( جان دارك ) التي قدمت باللغة الفرنسية عام 1898م في بغداد ، وهي شعرية ذات خمس فصول ، وهناك عروض عديدة ، قدمت في نينوى و بغداد خلال العقدين الأولين من القرن العشرين ، و كانت هذه العروض تقدم من قبل المدارس و يتولى المعلمون إخراجها و يقوم الطلبة بتمثيلها ، و في اطار هذه الفترة شاهد الجمهور عروضا باللغات العربية و الفرنسية و الأنكليزية .

و خلال هذه المرحلة التي سبقت عام 1921 صدرت بضع مسرحيات طبعت داخل العراق و خارجه ، نذكر منها المسرحية الشعرية ( لهجة الأبطال ) للدكتور سليمان غزالة ، و التي تمت طبعتها الثانية عام 1911م، ولم تظهر على مدى المرحلة نفسها اية فرقة تمثيلية ، فقد تبنت المدارس هذا النشاط و مارسته و عرضته للجمهور العام ، و شجعت طلابها فيى الأقبال عليه و الولع به . و من اقدم المدارس التي اشتهرت بنشاطها المسرحي في الموصل
( محافظة نينوى ) هي ( مدرسة القاصد الرسولي ) و ( المدرسة الأكليركية للأباء الدومينيكيين ) و ( مدرسة شمعون الصفا) .
وفي بغداد ايضا وجدت مدارس تابعة للمؤسسات الدينية ( المسيحية خاصة ) كانت تمارس النشاطات المسرحية ، التي كانت تشرف عليها لجان تضم الهواة من الطلبة و معلميهم ، مثل ( مدرسة الصنائع).
و الى جانب هذه المدارس ، كانت هناك مبادرات يقوم بها افراد من المستنيرين ، وذوي النفوذ لتشكيل جماعة من المقربين اليهم والاتفاق واياهم على تقديم عرض مسرحي ، فيه معالجة لقضية يتفقون عليها ( ويمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر عن المسرح العراقي في كتاب السيد فياض المفرجي).
وانطلاقا لأهمية ماتقدم فتعد الانشطة المسرحية المدرسية جزءا مهما من منهج المدرسة الحديثة فهو يساعد على تكوين العادات والمهارات والقيم والاساليب اللازمة لمواصلة التعليم والمشاركة في التنمية الشاملة فضلا عن فاعليته في رفع المستوى ألتحصيلي للطلاب. ويمكن تحديد اهداف المسرح المدرسي التعليمي بما يلي:
1- تعرف الطلاب الى العالم المحيط به
2- تنشئة الطلاب تنشئة وطنية
3- استثمار اوقات الفراغ وطاقات الطلاب
4- كشف المواهب الفنية والقدرات العقلية والاتجاهات الايجابية السليمة وتنميتها لدى الطلاب
5- تنمية القدرة على التعبير والألقاء بالأضافة الى علاج بعض جوانب القصور في النطق او مواجهة الجمهور
6- رفع المستوى المعرفي والثقافي والعلمي لدى الطلاب
7- بث روح التعاون بين الطلاب والعمل بروح الفريق
8- تدريب الطلاب على التحدث باللغة العربية الفصيحة
9- تنمية التوافق العضلي العصبي لدى الطلاب
10- تنمية القدرة لدى الطلاب على تنمية الابداع والانطلاق بالخيال
11- معالجة بعض المشكلات السلوكية والنفسية والاجتماعية لدى الطلاب سواء كانوا جمهورا او مشاركين
12- تمكين الطلاب من استيعاب المعلومات الدراسية عن طريق مسرح المناهج ليتفاعل معها التفاعل الايجابي المطلوب.
ورغم اهتمام العراق منذ القدم بأهمية المسرح التعليمي وانطلاقه نحو المجتمع الأ اننا نجد ان المسرح المدرسي قد اهمل منذ بدايات عام 1980 لأسباب عديدة منها الحروب، والحصار الأقتصادي، والنظرة السلبية لأولياء الأمور، وغيرها وقد لخصها الباحث ناجي جبار كاشي من جامعة القادسية في دراسته الموسومة ( المسرح المدرسي ... الآفاق والطموحات) الصادرة عام 2009 بما يلي:
1- عدم وجود الاستراتيجيات والأهداف التربوية ذات العلاقة بالمسرح المدرسي ادى الى ضعف اداء القائمين عليه.
2- النظرة السلبية للمجتمع تجاه المسرح المدرسي بسبب العروض المسرحية الهابطة فكريا وفنيا مما ادى الى اعتقاد الكثير من اولياء الامور ان المسرح المدرسي يسبب الانحراف الفكري والاجتماعي والقيمي
3- معظم النصوص المسرحية لا تعالج المشاكل التي تهم الطلبة والجمهور والتي تتوفر فيها المواصفات والخصائص التي تتناسب مع مطالب الجمهور.
4- وجود إشكالية في اختيار الممثلين والأدوار المنيطة بهم في المسرحية وتجسيد شخصياتهم في المسرح
5- عدم اهتمام المديريات العامة للتربية بالمسرح المدرسي وتخصيص الموارد المالية والمادية لنجاحه
6- عدم توفر المسارح في معظم المدارس العراقية والديكورات الخاصة بها والخطوط والالوان التي تمتع المتفرجين وتشبع حاجاتهم النفسية والفكرية وتحرك الخيال المبدع لديهم
7- عدم توفير الأزياء والمكياج الملائمة للممثلين والتي يمكن ان تلعب دورا مهما في تقريب ادوار الممثلين.
8- الإضاءة المسرحية غير الجيدة ولذلك نجد ان اغلب المسرحيات تعرض في ساحات المدارس او في المسارح المكشوفة خلال النهار ، او في المناطق الأثرية، علما ان الاضاءة الجيدة تساعد على التركيز والانتباه وتلعب دورا مهما في خدمة الحدث الدرامي
كما ان إستراتيجية التربية والتعليم العالي 2010-2020 شخصت المشكلة وحددت احد مشاريعها بإعادة بناء المسرح المدرسي لمدارس العراق
ومن اجل بناء المسارح التعليمية لابد من الاطلاع على التجارب الدولية والمعايير التي تسهم في تحقيق الأهداف ومنها:

جمعية المسرح التربوي The Educational Theatre Association EdT
وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 1929 وتضم ما يقارب من 90000 الف طالب وعضو مهني وحددت رسالتها بتجسيد فعاليات المجتمع من خلال المسرح التعليمي، وتكريم الانجازات التي يحققها الطلاب من خلال المسرح، ودعم المعلمين من خلال توفير التطوير المهني والفرص والموارد والاعتراف بالشبكات والتأثير على الرأي العام ويعد المسرح التعليمي مهم وضروري في بناء المهارات الحياتية.
تعمل مع الجمعية الدولية للمسرح ITS وهي المنظمة الفخرية التي ساهمت بدخول اكثر من مليوني طالب الى المسرح. وتنشر الجمعية التمثيل المسرحي، فضلا عن وجود مجلة متخصصة لطلاب المسرح في المدارس الثانوية ومجلة فصلية للمهنيين المختصين بالتعليم المسرحي.

المنظمة الدولية للمسرح المدرسي International School Theater Association ISIA
وهي منظمة دولية خيرية تقع جنوب غرب انكلترا وتضم الشباب والمعلمين والمدارس والفنانين وتتكون من 200 عضو من منظمي المهرجانات من جميع أنحاء أوروبا وآسيا مما يسمح للمشاركين معرفة المزيد عن الدراما والمسرح وإقامة الصداقات والتفاعل والتعاون وإقامة الاحتفالات واللعب.

مدرسة المسرح الوطني المدرسي في كندا National Theatre School of Canada NTS
وهي مؤسسة رائدة تأسست عام 1960 وتضم الأشخاص الراغبين في ممارسة مهنة الكتابة المسرحية ، والأخراج، والتمثيل، والانتاج المهني، وتصميم الأزياء.
وتقدم المؤسسة برامج تدريبية مهنية رفيعة المستوى من جميع الجوانب للفنون المسرحية باللغتين الفرنسية والانكليزية، وان أكثر خريجيها هم من الفنانين والمصممين الأكثر نشاطا وتنوعا في بلدان العالم.
وحددت رسالتها بالاعتراف والازدهار والتنمية لأعلى المعايير العالمية للفنون المسرحية والممارسات من خلال التدريب للمهنيين في جميع التخصصات في المدرسة الوطنية التي تشارك في اللغات والمتنوعة والمفتوحة أمام المجتمع الكندي والعالم.

التحالف الأمريكي للمسرح والتربية The American Alliance for Theatre and Education AATE
وهو مجموعة من الفنانين المسرحين والتربويين والعلماء الملتزمين في تحويل المجتمعات والشباب من خلال الفنون المسرحية.
ان قياس الحضارة من خلال تلبيتها لحاجات الشباب وان لكل طفل الحق في الوصول الى الدراما والمسرح وان يكون لكل مدينة مسرح للشباب ولكل مدرسة يكون لديها مناهج للفنون المسرحية ، وان الطيف المتكامل للفنون المسرحية يعد جزءا من المناظر الطبيعية المنتشرة لديهم.
ويقدم التحالف الدعم للفنانين والشباب المبدعين الذين يقومون بمهنتهم من خلال العمل المسرحي.
وانعقد مؤتمر مسرح الطفل التي دعت له جمعية Association of Junior Leagues of America عام 1932 وفي عام 1936 تم تأسيس جمعية المسرح التعليمي الأمريكية American Educational Theatre Association AETA كمنظمة غير ربحية وتشجع على تطوير المسرح التعليمي والاهتمام بأنشطة الأطفال الدراسية وتأسيس لجنة مسرح الطفل واعتبارها من لجانه الدائمة.
في عام 1944 تم تنظيم اللقاء الوطني الاول لمسرح الطفل من قبل جامعة نورث وسترن وفي عام 1952 حددت الأهداف ب:
-تشجيع اقامة انشطة مسرح الطفل في جميع المجتمعات من خلال التعليم والمجتمع والمجموعات الخاصة.
-المحافظة على المعايير العالية الجودة لجميع انواع الانشطة لمسرح الطفل ومن جميع انحاء اوروبا.
-توفير ارضية لعقد اجتماع لمسرح الاطفال ولجميع المستويات على المستوى الوطني والأقليمي
وفي عام 1971 تم تغيير اسم المنظمة الى جمعية مسرح الطفل Children s Theatre Association CTA وفي عام 1974 تم تأسيس المسرح الوطني للطفولة National Children s Theatre Association وفي عام 1987 اندمجت مع الجمعية الأمريكية للمسرح في التعليم الثانوي American Association for Theatre In secondary Education AATSE .
وللمحافظة على جودة تجربة المسرح المدرسي تم وضع المعايير الوطنية للمسرح التعليمي للمراحل من K-4,5-8,9-12 وتم اقامة ورش العمل والمؤتمرات والمسرحيات المدرسية، والكتاب المسرحيين، والمناهج الدراسية ، وبناء المسارح، وتقديم الجوائز.
المقترحات:
1- تشكيل لجنة عليا من المختصين بالمسرح التعليمي يقع على عاتقها مهمة وضع الأستراتيجيات والأهداف للمسارح التعليمية وبالتنسيق مع المنظمات الدولية.
2- ضرورة تطبيق المعايير الدولية على المسارح التربوية المزمع تأسيسها في المدارس العراقية ومحاولة تكييفها للبيئة العراقية.
3- اقامة ورش العمل والدورات التطويرية للمعلمين والفنانين المختصين بالمسرح المدرسي بالتنسيق مع اليونسكو.
4- تنظيم مؤتمر تربوي يناقش اهم المشكلات التي تواجه المسرح التربوي وابراز دوره في تنمية الجوانب القيمية والمعرفية والمهارية والوجدانية وبالتنسيق مع دائرة المسارح في وزارة الثقافة والاعلام والمنظمات الدولية
5- اتاحة الفرص للطلاب لمعرفة انواع المناشط المسرحية المدرسية واختيار ما يتناسب منها مع ميولهم واستعدادتهم من دون ان تفرض عليهم الوان معينة
6- ضرورة تغيير النظرة والفهم الخاطيء للنشاط المسرحي المدرسي على اعتبار انه نوع من الترويح ومضيعة للوقت وانه منفصل عن المنهاج الدراسي
7- ضرورة تخصيص ساعات في المنهج التربوي للمسرح المدرسي وبشكل اسبوعي
8- العمل على ادخال مادة التربية المسرحية في المقررات الدراسبة للمرحلتين الابتدائية والثانوية
9- الأستفادة من وسائل الاعلام في نشر الوعي حول اهمية المسرح التربوي
10- إقامة المهرجانات المسرحية المحلية والعربية واستثمارها في التطوير والارتقاء بالمسرح المدرسي.
10- بناء قاعات الافضية المسرحية بالمدارس واستغلالها مسرحيا وترك الحرية المطلقة للطلبة للتدرب فيها ولاكتشاف لغته الجمالية عبرها.
11- تأسيس الاندية المسرحية وتزويدها بالقاعات المسرحية وبالناشطين المسرحيين وبالتقنية المسرحية.
12- طبع واصدار النصوص والدراسات المسرحية والتى يضطلع بها الناشطون المسرحيون والطلبة.
13- إنشاء مكتبات مسرحية مقروءة وسمعية وبصرية.
14- تشجيع الطلبة على ارتياد المسارح الهادفة.
15- تنظيم المسابقات المسرحية في المدارس لتحفيز الطلبة على حب المسرح والتواصل مع فنونه.
16-تكثيف المشاركات المسرحية الخارجية, سواء عبر المهرجانات أو عبر الدورات التدريبية.
17-إنشاء إدارات مسرحية فاعلة ومتخصصة في مجال المسرح بوزارات التربية والتعليم والشباب وترك المجال حرا وواسعا أمامها للعمل.
18-تسخير المجال الإعلامي من اجل المسرح وتشجيع الطلبة على المشاركة في إعداده وتقديمه.
19- اصدار مجلة متخصصة تعنى بالمسرح المدرسي ويمكن الأستفادة منها من قبل الطلاب، والمهنيين، والمعلمين، والمسرحيين، وغيرهم.
20-تأسيس منظمة غير حكومية وغير ربحية تعنى بالمسرح المدرسي وتنظم اللقاءات والبرامج التي يمكن ان تسهم في تطوير المهارات المهنية للمختصين.
21-تعاون المدرسة مع المؤسسات المسرحية الاهلية في نشاطها المسرحي وتهيئة الطالب للمشاركة بشكل أوسع في المستقبل.
22-استثمار المراكز والمعاهد المسرحية في منطقة الخليج وفي بعض الدول العربية وإتاحة الفرصة أمام الطالب للالتحاق بها مستقبلاً.
23-استضافة فرق مسرحية مدرسية متميزة ومبدعة في عطائها المسرحي من الدول العربية والأجنبية والاستفادة من تجربتها المسرحية.
24-تأسيس مسارح متخصصة للأطفال الصغار من قبل منظمات المجتمع المدني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي