الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء

شادي الشماوي

2021 / 2 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بوب أفاكيان ، جانفى 2021 - جريدة " الثورة " عدد 684 ، 25 جانفي 2012
https://revcom.us/avakian/new-years-statement-2021/bob-avakian-new-years-statement-2021-en.html


-1- في بيانى في غرّة أوت من السنة الماضية ، تقدّمت بتحليل أنّه في ظروف خاصة للإنتخابات الرئاسيّة و الرهانات الحقيقيّة العميقة ، إذا ظلّ نظام ترامب / بانس في السلطة إلى زمن هذه الانتخابات ، سيكون من الضروريّ و الهام التصويت لبيدن كي تتكبّد الفاشيّة التي يمثّلها هذا النظام هزيمة إنتخابيّة حيويّة . و في الوقت نفسه ، شدّدت على أنّ مجرّد التعويل على التصويت لطرد هذا النظام سيؤدّى تقريبا بالتأكيد إلى نتائج سيّئة جدّا ، و حتّى كارثيّة و أنّه كان من الأهمّية الحيويّة بالنسبة إلى الجماهير أن تنزل إلى الشوارع في تعبأة جماهيريّة غير عنيفة لكن مستمرّة مطالبة بوجوب ترحيل هذا النظام الفاشيّ ! كما دعت إلى ذلك منظّمة " لنرفض الفاشيّة " - RefuseFascism.org .
و كما تبيّن ، صوّتت الجماهير الشعبيّة بكثافة لت رحيل هذا النظام الفاشيّ – و بالقيام بذلك كبّدت نظام ترامب / بانس هزيمة إنتخابيّة كافية الحيويّة بحيث جعلت محاولته المتصاعدة و العنيفة جدّا للإنقلاب يُصبح تحقيقها أعسر و في نهاية المطاف ألحقت به هزيمة إضطرّت ترامب إلى المغادرة ( بينما لا زال يرفض الإعتراف بخسارته في الانتخابات )، حتّى و بيدن قد دشّن تسلّمه لمقاليد السلطة في العاصمة التي كانت ساحة مغلقة بقوّة السلاح .
بالمعنى المباشر ، بهامش ضيّق ، تمّ تجنّب ما كان سيفضى إليه الأمر إن وقعت إعادة إنتخاب هذا النظام الفاشيّ ( أو بطرق ما ظلّ في السلطة ) و على ذلك الأساس زاد تعزيز حكمه الفاشيّ و أصبح أكثر رسوخا و أطلق العنان لتكريس برنامجه الرهيب. واقع أنّ نظام ترامب / بانس أُجبِر على مغادرة الرئاسة أمر له أهمّية كُبرى وهو في حدّ ذاته يستحقّ الإحتفال به ! و مع ذلك، الواقع هو أنّه ليس في علاقة بهذه الانتخابات فقط بل طوال الأربع سنوات من حكم هذا النظام و فظائعه المتزايدة، لم توجد التعبأة الجماهيريّة غير العنيفة التي نادت بها منظّمة " لنرفض الفاشيّة " لترحيل هذا النظام – و غداة الانتخابات ن كانت الشوارع تحت سيطرة التحرّكات الفاشيّة و لم تكن تحت سيطرة معارضة الفاشيّة ما أدّى إلى وضع حيث بالرغم من خسارة نظام ترامب / بانس الانتخابات ، لا تزال القوى الفاشيّة بعديد الطرق تزداد قوّة، ظلّت معارضة هذا على درجة كبيرة سلبيّة و تعتمد على أفطار الذى حدّده الحزب الديمقراطي .
و يجب مواجهة هذا الواقع ن هذا الواقع الذى جرى التعبير عنه من خلال الإنتخابات و مفاده أنّ تقريبا نصف هذا البلد قد عانق بحماس و عدوانيّة كما فى حالة حرب ما يمثّله " فكر ترامب ". و الحقيقة التي لا يمكن تجنّبها هي أنّ هذه البلاد التي يزعم كثيرا أنّها " المدينة المتألّق على الجبل " ، تزخر بالفاشيّين ! – في الحكم على كافة الأصعدة و في أجزاء كبرى من المجتمع ككلّ ز و ميزة محدّدة لهؤلاء الفاشيّين هي ولاؤهم المتزمّت للتشويهات الجنونيّة للواقع و إنّه لفى منتهى الصعوبة ( و في عديد الحالات من غير الممكن ) تقبّلهم العقلانيّة و الوقائع ذلك أنّ هذه التشويهات تساهم فى تعزيز شعورهم بانّهم مهدّدون فى مكانتهم و تجعل الأفكار المسبٌّقة و الكره الراسخين لمدّة طويلة أعنف حتّى . هذه الفاشيّة متجذّرة بعمق فى الديناميكيّة الكامنة للنظام الرأسمالي - الإمبريالي الذى يحكم هذه البلاد و في كامل تاريخ هذه البلاد منذ تأسيسها على العبوديّة و الإبادة الجماعيّة . و في إرتباط بهذا ثمّة حقيقة حيويّة أخرى : سيخفق بيدن بشكل بائس في مساعيه ل" ترميم الصدع " و " توحيد البلاد ". و كما كتبت قبلا :
" لا يمكن لبيدن و الديمقراطيّين " توحيد البلاد " كما يزعمون زورا و بهتانا لأنّه لا يمكن أن يوجد " توافق " مع هؤلاء الفاشيّين – فكافة " مظالمهم " قائمة على الحقد المتعصّب ضد أيّة تغيّرات تقوّض حتّى أدنى تقويض تفوّق البيض و التفوّق الذكوري و رهاب الأجانب و الشوفينيّة الأمريكية المسعورة و النهب بلا حدود للبيئة ، وهي تجد التعبير عنها تماما بطرق جنونيّة . لا يمكن أن يوجد " توافق" مع هذا ، عدا ضمن الإطار الذى يحدّده هؤلاء الفاشيّين بكافة التبعات و الإنعكاسات الرهيبة لذلك ! "
لا شكّ في أنّ عديد سياسات إدارة بيدن / هاريس ستكون مختلفة عن الفظائع البارزة لنظام ترامب / بانس ، و سيوجد نهائيّا " شعور مختلف " مع بيدن و هاريس لكنّ الطريقة التي سيحاولان بها " توحيد البلاد " – في تناغم مع مصالح هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي و متطلّباته – شيء لا يتعيّن أن يرغب فيه أيّ شخص نزيه أو أن يسام فيه . ففي سياق بحثهم عن إعادة تركيز و توطيد " الاستقرار " في الداخل و الحفاظ على الولايات المتّحدة كقوّة إضطهاديّة رقم واحد في العالم ، بيدن و هاريس و الديمقراطيّون ( و كذلك المؤسّسات " السائدة " على غرار " النيويورك تايمز " و السى أن أن ) ، سيقومون بمساعى محدّدة لإبقاء الجماهير الشعبيّة التي كرهت عن حقّ و شرعيّا فاشيّة نظام ترامب / بانس و التي تطمح إلى عالم أكثر عدلا مغلولة الأيادى و مشدودة بصلابة إلى هذا النظام – مقلّصين نظرتها السياسيّة و نشاطها ضمن إطار هذا النظام و مانعينها من التحرّك من أجل مصالحها الجوهريّة الخاصة و المصالح الجوهريّة للإنسانيّة ككلّ . و إلى درجة بقاء الأشياء ضمن حدود هذا النظام ، ستكون تبعات ذلك عمليّا بالنسبة إلى الإنسانيّة مزيد الفظائع المبنيّة في أسس هذا النظام و كذلك تعزيز و إعطاء المزيد من الدفع إلى القوى الإقتصاديّة – و الإجتماعيّة و السياسيّة – الكامنة التي ستعزّز الفاشيّة التي قد أبانت بعدُ عن قوّة كبيرة في هذه البلاد ( و عدد من القوى الأخرى ).
-2- حتّى بينما كانت أهميّة التصويت في هذه الانتخابات التي أدّت إلى هزيمة حيويّة لنظام ترامب / بانس و محاولاته مزيد تعزيز أتمّ للحكم الفاشيّ حيويّة ، لا ينبغي أن نسمح بحجب هذه الحقيقة الحيويّة : الإستقطاب بين الديمقراطيّين و الجمهوريّين كما يتمّ التعبير عنه عبر السيرورة الإنتخابيّة في هذه البلاد ، يعنى النزاع حول كيفيّة الدفاع عن و التقدّم بمصالح النظام الرأسمالي – الإمبريالي و حكم الطبقة الرأسماليّة .إنّه لا يمثّل الإنقسامات الأساسيّة في المجتمع و العالم و لا المصالح الأساسيّة للجماهير الشعبيّة في هذه البلاد و في العالم ككلّ . و كذلك ليس بوسعه معالجة المشاكل العميقة التي تواجه الإنسانيّة – و في الواقع ، ليس بوسعها سوى أن تزيدها سوءا – ضمن إطار هذا النظام الإضطهادي والإستغلالي القاتل و الفوضى و الدمار الذين يواصل إطلاق العنان لهما على نطاق واسع ، طالما ظلّ يهيمن على العالم.
هذه حقيقة قائمة على الوقائع و راسخة علميّا . و تجاهل أو إنكار أو محاولة البحث عن مخرج فرديّ من هذا الواقع لن يفعلوا سوى جعل الأشياء أسوأ و التسريع في الكارثة .
إنّ الهزيمة الإنتخابيّة لنظام ترامب / بانس لا توفّر عدا " كسب بعض الوقت " – في كلّ من العلاقة بالخطر الذى تطرحه الفاشيّة التي يمثّلها هذا النظام و أكثر جوهريّة و بمعنى أزمة الوجود التي تواجهها بصفة متصاعدة الإنسانيّة بفعل ديناميكيّة هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي . لكن ، بالمعنى الأساسي ، ليس الوقت إلى جانب النضال من أجل مستقبل أفضل للإنسانيّة . لذا ، الوقت الذى لدينا لا يجب أن يضيع – لا يجب أن نبذّره في الأنانية الغافلة و الشلل السياسي أو أن نضيّعه في نشاط توجّهه سيّء و لا يفعل سوى تعزيز هذا النظام الذى يؤبّد فظائع لا نهاية لها بالنسبة إلى جماهير الإنسانيّة و قد أوصل الأمور إلى حافة كارثة حقيقيّة جدّا .
يجب إحداث إستقطاب عميق مغاير ينسجم مع إمكانية على مختلف و أفضل راديكاليّا ممثّلا للمصالح الفعليّة للجماهير الشعبيّة و في نهاية المطاف للإنسانيّة جمعاء . يجب تبنّى مقاربة مختلفة جذريّا لفهم و للتأثير في العلاقات و المشاكل الإجتماعيّة – منهج و مقاربة علميين صراحة و تماما .
-3- في صفوف العديد من الذين أغضبتهم الطريقة التي إعتمدها ترامب بإستمرار في كلّ من الكذب المرضيّ والمتعمّد، وُجد قدر كبير من التأكيد على أهمّية العلم و الحقيقة ، و على التفكير إنطلاقا من الوقائع و الأدلّة . و قد تركّز هذا إلى درجة لها دلالتها على المقاربة الإجراميّة غير العلميّة التي تبنّأها ترامب و بانس إزاء وباء كوفيد – 19 و تشجيعهما الجنونيّ لمعاداة العلم في صفوف " القاعدة " الفاشيّة في المجتمع الأشمل – و قد أفضى كلّ هذا على الأقلّ إلى عشرات الآلاف ( أو حتّى مئات الآلاف ) من الوفايات غير الضروريّة و كذلك إلى أوقات عصيبة و عذابات عرفتها الجماهير الشعبيّة . و هذا التشديد على العلم و المنهج العلمي ّله أهمّية حيويّة لكن من الضروريّ أيضا التأكيد على الحاجة الحقيقيّة و على الأهمّية الكبرى لأن نكون متّسقين مع هذا و تتبّع الحقيقة المحدّدة علميّا مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه لأجل أن نفهم فهما صحيحا الواقع في كلّ مجال من مجالات الحياة و المجتمع .
و يعنى هذا إحداث قطيعة مع و تجاوز مقاربة مجرّد معانقة الحقائق – أو المفترض أنّها حقائق – التي يشعر معها المرء بالراحة بينما يجرى نبذ و إستبعاد أو تجنّب الحقائق الفليّة التي يمكن أن تزعجنا . و بُعد هام من هذا هو التخطّى و النبذ المنهجيّين للنسبيّة الفلسفيّة ل " سياسات الهويّة " التي تتسبّب في ضرر كبير من خلال نسختها لتقليص " الحقيقة " إلى تجربة جزئيّة غير منهجيّة أو إلى شعور ذاتي ( " حقيقتى " ... " حقيقتنا "...) في تعارض مع الحقيقة الموضوعيّة الفعليّة التي نبلغها علميّا بواسطة سيرورة قائمة على الأدلّة لتعيين ما إذا كان أم لم يكن شيء ( فكرة ، نظريّة ، تـأكيد إلخ ) يتناسب مع الواقع المادي العمليّ . و بينما قد تنطلق " سياسات الهويّة " هذه من رغبة معارضة أشكال متنوّعة من الإضطهاد – حتّى و إن كان هذا متميّزا عادة و يخرّبه أناس من " هويّات " مختلفة يبحثون عن زعم " إمتلاك " معارضة الإضطهاد – بمعنى الأبستيمولوجيا ( مقاربة فهم الواقع و بلوغ حقيقة الأشياء ) ل " سياسات الهويّة " الكثير الذى تشترك فيه مع التعويل على " الوقائع البديلة " ( تأكيدات في تعارض مع الوقائع العمليّة ، وهي عادة كذلك بوحشيّة ) و هذه علامة من علامات الفاشيّة حتّى في حين أنّه من المهمّ الإعتراف بالإختلافات السياسيّة المعنيّة ، الوضع غاية في الجدّية و الرهانات كبيرة للغاية كي نسمح لأنفسنا بالسقوط أو التوفيق مع أيّ شكل من أشكال مناهضة للمنهج اللميّ و بحثه عن الحقيقة الموضوعيّة في الواقع الفعليّ .
لفهم لماذا نواجه الوضع الذ نحن فيه ، من الضروري ليس مجرّد الردّ على – و بالفعل مجرّد أن نحوم حول – ما يحدث على السطح في أيّ زمن معطى و إنّما من الضروريّ القيام بحفريّات إلى ما تحت السطح لإكتشاف التيّارات الأساسيّة و الأسباب الكامنة وراء الأشياء و بلوغ فهم للمشكل الأساسي و الحلّ العملي . و يعنى هذا بلوغ فهم علميّ بأنّنا نعيش في ظلّ نظام و ما هو هذا النظام عمليّا ( النظام الرأسمالي – الإمبريالي ) ، ساعين إلى إدراك العلاقات و الديناميكيّة الأعمق لهذا النظام و كيف يُحدّد هذا إطار مدى الإختلاف العفويّ في تفكير فئات المجتمع و تفاعلها مع الأحداث في المجتمع و العالم و ما هو السبيل الممكن لتغيير كلّ هذا في مصلحة جماهير الإنسانيّة و في نهاية المطاف الإنسانيّة ككلّ . و جزء حيويّ من هذا هو فهم علميّ للتغييرات الكبرى الناجمة عن ذات ديناميكية و سير هذا النظام و التي أفضت إلى الإضطراب في المجتمع و بطرق لها دلالتها غذّت هذه الفاشيّة : التغييرات في الإقتصاد الرأسمالي – الإمبريالي و ما يتناسب معها في البنية الإجتماعيّة و " المكوّنات الإجتماعيّة " لهذه البلاد و كذلك عالميّا ، التي قوّضت الأشكال " التقليديّة " للإضطهاد دون أن تؤدّي ، مع ذلك ، إلى وضع نهاية لهذا الإضطهاد و إنّما أرسته و عزّزته بأشكال جديدة فيما تحدث ما هو حقّا ردّ فعل مختلّ العقل و ساديّ و عادة عنيف لقطاعات من المجتمع حدّدت مصالحها و بالفعل وجودها ذاته بالأشكال التقليديّة للإضطهاد.
و كمدخل و نقطة في منتهى الأهميّة بالنظر إلى بعض هذه التغيّرات الهامّة ، من المهمّ التأكيد على أنّ هذه التغيّرات و خاصة تلك التي حصلت في العقود القليلة الأخيرة ، مرتبطة بطفيليّة شديدة للرأسماليّة – الإمبرياليّة في العالم المعاصر . و كما شلحت ذلك في كتاب " إختراقات : الإختراق التاريخيّ لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعيّة الجديدة ، خلاصة أساسيّة " تحيل الطفيليّة على واقع أنّ الرأسماليّة المتزايدة العولمة تعوّل إلى درجة كبيرة جدّا في الإنتاج و في الحفاظ على نسب الأرباح على شبكة واسعة من المعامل الهشّة لا سيما في ما يسمّى بالعالم الثالث لأمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و الشرق الأوسط و آسيا ، بينما يجرى النشاط في " المتروبولات " الرأسماليّة – الإمبرياليّة بصورة متنامية في مجال المال و المضاربة الماليّة و " غاية غايات " ( ليست إنتاج المواد الأساسيّة الماديّة ) للتقنية العالية و كذلك قطاع الخدمات و القطاع التجاري ( بما في ذلك الدور المتنامى للسوق على الأنترنت ).
+ منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية ( قبل 75 سنة )ن تغيّر وضع السود تغيّرا دراماتيكيّا . و كانت هذه التغيّرات في البدياة معتمدة على المكننة المتوسّعة و تغيّرات أخرى في الإنتاج الفلاحيّ وفى الإقتصاد ككلّ ؛ دفع إليها نهوض قويّ لنضال السود و الحصول على تنازلات من الطبقة الحاكمة لهذه البلاد التي كانت قلقة على الحفاظ على صورتها ك " بطلة الديمقراطيّة " و " قائدة العالم الحرّ " ، لا سيما في مواجهتها مع الإتّحاد السوفياتي لعدّة عقود عقب الحرب العالميّة الثانية. و نتيجة لهذه العوامل و غيرها لم يعد إضطهاد السود مرتكزا على الإستغلال العنيف في أرياف الجنوب في ظروف قريبة من العبوديّة ( و أحيانا عبوديّة فعليّة ) مسنودة بإرهاب الكلو كلوكس كلان ، لكن بدلا من ذلك صار يعنى وضعا حيث جماهير السود تتعرّض إلى الميز العنصري و تعيش أساسا في مناطق مدينيّة عبر البلاد وهي عُرضة للتمييز العنصري المنهجي و العنف المستمرّ و القتل على يد الشرطة . طوال عديد العقود الماضية ، نظرا لإشتداد العولمة و أتمتة الإنتاج ، متفاعلة مع التمييز العنصريّ المستمرّ ، حدث إغلاق باب قدر كبير من التشغيل في المصانع الذى وفّر للرجال السود ( و لبعض النساء ) مواطن شغل أفضل أجرا في المناطق المدينيّة . و في الوقت نفسه ، نتيجة نضالات الحقوق المدنيّة و تحرير السود في ستّينات / بداية سبعينات القرن العشرين و غيرها من العوامل ، شهدت الطبقة الوسطى من السود نموّا. لكن وُجد كذلك نموّ في ما يسمّى ب " ما تحت الطبقة " المركّز و المنحرص في الغيتوات المدينيّة و تقريبا بصفة دائمة مستبعدة من التشغيل النظاميّ في الاقتصاد " الرسميّ .
و غير قادرة على توفير حلّ إيجابيّ للتناقضات الحادة الناجمة عن هذه التغيّرات – غير قادرة على وضع نهاية للعنصريّة النظاميّة التي تعنى الإخضاع و التمييز العنصريّ ضد حتّى فئات السود الأفضل وضعا إقتصاديّا – غير قادرة على دمج عدد كبير من السود في الاقتصاد الرسميّ – كان ردّ القوى الحاكمة للمجتمع على هذا الوضع بالسجن الجماعي لملايين الذكور من السود ( و أعداد متزايدة من الإناث ) و بإيقافات و محاكمات و إصدار أحكام تجسّد بعدُ المزيد من التمييز العنصري و الحيف الاجتماعي ، و بإطلاق الإرهاب المنهجي للشرطة و دعمه و توجيهه بصورة خاصة ضد السود في أحياء داخل المدن لكنّه يمكن أن يستهدف أيّ شخص أسود في أي مكان و أي زمان . و محاولة الفرض العنيف ل " القانون و النظام " إعتبارا لكون حلّ أكثر عدالة غير ممكن في ظلّ هذا النظام ، تشدّد من جعل كامل هذا الوضع قابلا للإنفجار ما يخلّف المزيد من الإضطراب – بما في ذلك إحتجاجات و تمرّدات مبرّرة و شرعيّة تماما – و هذا بدوره تستغلّه القوى الفاشيّة للتشجيع على تصويرهم الفظّ التفوّقيّ للبيض للجماهير الشعبيّة من السود على أنّها " مجرمة " و " حيوانات خارج أقفاص " .
و واقع أنّه مع جميع هذه التغيّرات و بغضّ النظر عن من يحتلّ مقاعد السلطة ، تواصل التمييز العنصريّ المنهجيّ و الإضطهاد القاتل و أدّيا ببعض السود إلى إستنتاج أنّ الحزب الديمقراطي هو المشكل بما أنّه ما إنفكّ يعد بالوقوف على جانب السود إلاّ أنّه بصفة متكرّرة عمل ضد مصالحهم . و حتّى مع تحوّل الحزب الجمهوريّ إلى أداة لتفوّق البيض السافر و العدوانيّ ، يظلّ صحيحا أنّ الديمقراطيّين و ليس فقط الجمهوريّين قد تحمّلوا مسؤوليّة الرئاسة و قمع السود . لكن ما هو السبب العملي لهذا و ما هو الردّ الحقيقيّ عليه ؟ الواقع هو أنّ تفوّق البيض مبنيّ في أسس هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي و ما من حزب من أحزاب الطبقة الحاكمة كان بوسعه أن يضع نهاية لهذا حتّى لو أراد فعل ذلك . و الحلّ ليس الوحدة مع الحزب الجمهوريّ الفاشيّ أو محاولة جعل هذه الأحزاب البرجوازيّة تتصادم أو معانقة " رأسماليّة السود " و تسوّل" موقع أفضل على الطاولة " – فكلّ هذا لن يفعل غير تعزيز النظام الإضطهادي القائم و ربّما الإستفادة قليلا على حساب الكثيرين. الحلّ يكمن في الثورة و إرساء مجتمع مغاير راديكاليّا تكون له قاعدة و توجّه نحو إجتثاث تفوّق البيض و إلغائه و كافة العلاقات الإضطهادية .
+ لقد حدثت تغيّرات عميقة في الوضع و في الوقاع الاجتماعي لأعداد كبيرة من النساء في آن معا داخل البلاد و عالميّا . و لذكر بُعد هام من هذا ، معظم عمل المعامل الهشّة في العالم الثالث تنخرط فيه النساء و هنّ مجبرات على الإشتغال في ظروف رهيبة . و في هذه البلاد ، أفضت تغييرات في سير الاقتصاد و هيكلته ( كجزء من الاقتصاد المتزايد العولمة ) إلى تشغيل على نطاق واسع و إستغلال النساء السود ( و غيرهنّ من النساء اللاتى لهنّ بشرة ملوّنة ) في قطاعات الخدمات و البيع بالتفصيل بوجه خاص . و في الوقت نفسه ، لم توجد أكثر فرص لعدد كبير من النساء ( خاصة النساء البيض و كذلك بعض النساء الملوّنات البشرة ) للعثور على مواطن شغل في الحرف و التجارة فحسب و إنّما أيضا صار ذلك ضروريّا لأسرهنّ للحفاظ على " نمط حياة الطبقة الوسطى " . و جدّيا قد أرهق هذا الوضع الذى وقع فيه تشغيل أعداد اكبر من النساء في مواقع شغل طبقة وسطى أفضل أجراو قوّض بدرجة لها دلالتها الأسرة البطرياركيّة " التقليديّة " و العلاقات البطرياركية في المجتمع ككلّ .
و كلّ هذا قد وفّر ظروفا أكثر مواتاة و تأثّر بصورة هامة بالنضال ضد اضطهاد النساء الذى كان تعبيرا قويّا كجزء من النهوض الراديكالي العام لستّينات القرن العشرين و تواصل بأشكال متنوّعة مذّاك . و كما تحدّثت عن ذلك في كتاب " لنتخلّص من كافة الآلهة ! " :
" و مع ذلك ، إلغاء التفوّق الذكوريّ غير ممكن في إطار هذا النظام و هذا صحيح لأنّ التفوّق الذكوريّ كان متداخلا بعمق مع مصنع هذال المجتمع و لأنّ هذا النظام قائم على العلاقات السلعيّة الرأسماليّة و على الإستغلال – أشياء منتجة للتبادل ( للبيع ) ، من خلال سيرورة تشتغل فيها الجماهير الشعبيّة مقابل أجر كي تخلق ربحا يراكمه الرأسماليّون الذين يستغلّونهم و يتحكّمون في عملهم – نظام تظلّ فيه وحدة العائلة البطرياركيّة مكوّن و متطلّب من متطلّبات إقتصادية و إجتماعية أساسيّة حتّى وهي تتعرّض لضغط متصاعد . و القسم الفاشيّ من الطبقة الحاكمة قد شنّ طوال عقود عدّة الآن هجوما لا وادة فيه على الحقوق الدستوريّة و جيّش قاعدته الإجتماعيّة من المتزمّتين الأصوليّين الدينيّين ليؤكّد بقوّة و عادة بعنف الإضطهاد البطرياركي " التقليدي " – و الهجوم على حقّ الإجهاض و حتّى على التحكّم في الولادات بؤرة تركيز كُبرى لهذه المحاولة لإستعباد النساء في الأساس . و ما كتبته قبل 35 سنة أصحّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى :
" طوال العقود العديدة الماضية في الولايات المتّحدة ، حدثت تغيّرات عميقة في وضع النساء و في العلاقات صلب العائلة. في واحدة من عشرة عالات يُوجد الوضع " النموذجيّ " حيث الزوج هو " العائل الوحيد للأسرة " و الزوجة مرتبطة تماما ب " الشؤون المنزليّة ". و مع هذه التغيّرات الإقتصاديّة أتت تغيّرات ذات دلالة في المواقف و التوقّعات – و حدود هامة جدّا ليس فحسب بالنسبة إلى مصنع العائلة لكن أيضا بالنسبة إلى العلاقات الإجتماعيّة الأشمل ... باتت كامل مسألة موقع النساء و دورهنّ في المجتمع تطرح نفسها بحدّة في الظروف القصوى اليوم – إنّها برميل بارود اليوم في الولايات المتّحدة اليوم . لم يكن من المتصوّر أنّ كلّ هذا سيجد أيّ حلّ إلاّ بالمعنى الأكثر جذريّة و عبر وسائل في منتهى العنف . المسألة التي لم تحسم بعدُ هي : هل سيكون الحلّ حلاّ راديكاليّا رجعيّا أم حلاّ راديكاليّا ثوريّا ، هل سيعنى تعزيز سلاسل الإستعباد أم كسر الروابط الأكثر حيويّة في هذه السلاسل و فتح المجال لإمكانيّة تحقيق الإلغاء التام لكافة أشكال هكذا إستعباد ؟ "
و قد ترافق كلّ هذا بإمكانيّة و " مجال " متناميين لتأكيد " الهويّة " الجندريّة و العلاقات التي تمضى ضد العلاقات الجندريّة الإضطهاديّة التقليديّة – و مرّة أخرى ، حدثت المحاولة العنيفة العاديّة لإعادة تأكيد و إعادة تعزيز العلاقات التقليديّة و قمع أيّ شيء لا يتماشى مع هذا .
الدين خاصة الأصوليّة الدينيّة عامل قويّ في تشجيع و توطيد التبعيّة البطرياركيّة للنساء و كذلك أشكال " تقليديّة " أخرى من الإضطهاد . و إليكم وجهة نظر ثاقبة هامة لكريستين كوباز دى ماتز التي نشأت في مدينة في إيوا كانت تزخر بالأصوليّين المسيحيّين البيض ( الذين تحيل عليهم على أنّهم " إنجيليّون بيض " يمثّلون العامود الفقري للفاشيّة الأمريكيّة لومنا هذا . في كتابها " عيسى و جون وأين : كيف أفسد الإنجيليّون البيض إيمانا و قسّموا أمّة " ، كتبت :
" جمّع الإنجيليّون البيض معا هذه الحزمة من المواضيع و الإلتزام المتلهّف بفظاظة و عدوانيّة ذكوريّة البيض المناضلة التي تخدم كخيط ناظم لها في كلّ متناغم . حكم الأب في المنزل مرتبط إرتباطا لا تنفصم عراه بالقيادة البطوليّة على المستوى القومي و مصير الأمّة مرتهن بالإثنين ." [ التشديد مضاف هنا ]
و نظرا للعلاقة الوطيدة بين البطرياركيّة المناضلة و الفاشيّة ، ليس مفاجأ أنّ بعض ( على أنّهم أقلّية ) من الرجال السود و اللاتينو قد إنجذبوا إلى مساندة ترامب بالرغم من مناصرته السافرة لتفوّق البيض . ( و يشمل هذا بعض الذين هم أو كانوا بارزين في موسيقى الراب . فبينما وُجدت قوى و عناصر إيجابيّة في الراب و الهيب هوب عامة ، ما يتمّ تشجيعه بصورة متنامية هو ثقافة مليئة ب ، حتّى لا نقول يهيمن عليها ، إخضاع النساء و معاداة المرأة و كذلك إعجاب بنوع من دفع فكر العصابات و هذا من " المميّزات " التي يختصّ بها ترامب ). و كذلك ليس مفاجأ أنّ حتّى أعداد هامة من النساء ( لا سيما نساء بيض و أيضا بعض اللاتينيّات و نساء أخريات ذات بشرة ملوّنة ) إنجذبوا إلى هذه الفاشيّة ، كظاهرة تشبّث ب " سلاسل التقاليد " التي تضطهدهنّ و لسوء الحظّ هذه الظاهرة واسعة الإنتشار . ( فكّروا في الأمّهات في الوطن اللاتى تحدّثت عنهنّ كلوديا كوبز في كتابها الحامل لذلك العنوان – النساء اللاتى إشتغلن بنشاط من أجل التفوّق الذكوريّ العدواني لهتلر و النازيين في ألمانيا خلال فترة صعود الفاشيّة هناك في ثلاثينات القرن العشرين . أو إستمعوا إلى كلمات اليوم لإمرأة سوداء فاشيّة هي كنداس أوانس التي مدحت هتلر لبذله جهدا ل " جعل ألمانيا عظيمة " : " لا وجود لمجتمع يمكن أن يظلّ على قيد الحياة دون رجال أقوياء ... في الغرب ، نجد التأنيث الثابت لرجالنا فى الوقت الذى يقع فيه تدريس الماركسيّة لأطفالنا و هذا ليس صدفة . إنّه هجوم صريح . أعيدوا لنا الرجال الحقيقيّين ". طبعا ، بالنسبة للفاشيّين أمثال أوانس الرجال " الأقوياء " " الحقيقيّين " هم الذين يجسّدون و يعزّزون العلاقات الجندريّة التقليديّة و يمارسون الهيمنة على النساء اللاتى تخضعن إلى هذه الهيمنة – و الرجال الذين لا ينسجمون مع هذه الأدوار و العلاقات الجندريّة التقليديّة ، و الرجال الذين يساندون المساواة بين الرجال و النساء هم نوعا ما " ضعاف " و " متخنّثين " و " فاقدين للرجولة " ). و بالنسبة إلى النساء البيض المنتميات إلى هذه الظاهرة الفاشيّة التي كان فيها التفوّق الذكوريّ الخبيث عنصرا محدّدا و عنصر تماسك ، هناك أيضا واقع أنّ هذه النساء يمكن أن تلتحق بتفوّق البيض الذى هو خاصة في بلد مثل الولايات المتّحدة ، كذلك عنصرا محدّدا و عنصرا حيويّا في هذه الفاشيّة وهو متداخل تداخلا وثيقا مع التفوقّ الذكوريّ الخبيث – كما عكست ذلك صيغة كريستين كيبس دى ماز : ذكوريّة بيض مناضلة و عدوانيّة .
+ و نتيجة إحتدام الأزمة المناخيّة و الحرب و القمع – و كقوّة محرّكة لكلّ هذا ، تغيّرات كبرى في الاقتصاد العالمي الذى تهيمن عليه الرأسمالي- الإمبرياليّة بما في ذلك مزيد نموّ و تأثير متنامى عالميا للفلاحة التجاريّة المندمجة و تقنية نقل العمل ،و التحكّم المحتكر بصفة متصاعدة في البذور و المواد الكيميائيّة و إحتكار أكبر للتسويق و الإستثمارات الكبرى في إختطاف الأراضي – هناك تفكّك و غضطراب كبيرين مأثّرين بالخصوص في جنوب الكوكب ( بلدان أمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و الشرق الأوسط و آسيا – العالم الثالث ). و مظهر هام من كلّ هو التمدين على نطاق واسع : أكثر من نصف سكّان العالم يعيشون اليوم في المناطق المدينيّة ، بمدن صفيح ضخمة ، تشمل أكثر من مليار إنسان ، في المناطق المدينيّة للعالم الثالث، حتّى و قد إضطرّ عشرات ملايين الناس من العالم الثالث إلى الهجرة إلى الولايات المتّحدة و بلدان أوروبيّة . و قد تطوّر الوضع حيث في بعض هذه البلدان – و الولايات المتّحدة أبرز مثال على ذلك – لم يستطع الاقتصاد السير دون إستغلال أعداد كبرى من المهاجرين فيما يتعرّض العديد من هؤلاء المهاجرين إلى التهديد بلا توقّف بالترحيل و هذا يجعلهم أيضا أكثر عرضة لمنتهى الإستغلال .
إفلاس الكثير من الزراعة التقليديّة على نطاق صغير في بلدان العالم الثالث و النموّ الدراماتيكي لسكّان المدن هناك ( و كذلك في الولايات المتّحدة و بعض الدول الإمبرياليّة الأخرى ) أفرزا عددا هائلا من الذين لا يقدرون على إيجاد شغل ضمن " الاقتصاد الرسميّ " – و قد شجّع هذا أيضا نموّ الاقتصاد غير القانوني و العصابات ( لا سيما في بلدان العالم الثالث ، الكرتالات ) المعتمد على هذا الإقتصاد اللاقانوني خاصة تجارة المخدّرات و التجارة في البشر خاصة النساء و البنات ضحايا بخبث للدعارة ، " صناعة الجنس " و عبوديّة الجنس التامّة .
و قد غيّر هذا الوضع تغييرا دراماتيكيّا فعادة ما أضحى قابلا للإنفجار مثّل عاملا هاما في صعود الأصوليّة الدينيّة في العالم الثالث و بشكل ملحوظ في الولايات المتّحدة أين أضحت الأصوليّة المسيحيّة قوّة إجتماعيّة و سياسيّة سلبيّة عتيّة . و في ترابط مع و تأثير متبادل مع هذه التغيّرات الإقتصاديّة و ما صاحبها من تحوّلات إجتماعيّة ساهمت في نموّ تأثير الأصوليّة الدينيّة ، خاصة في العالم الثالث ، هناك هزيمة أو تفكّك الحركات في العالم الثالث التي كان يقودها الشيوعيّون أو القوميّون الثوريّون ضد المضطهِدين من الصنف القديم و ضد الإستعمار الجديد ، و فوق كلّ شيء ضد الولايات المتّحدة عقب الحرب العالميّة الثانية – و التراجع الأكبر نجم عن الإنقلاب على افشتراكية و إعادة تركيز الرأسماليّة في الصين في سبعينات القرن العشرين ما حوّل هذه الأخيرة من بلد إشتراكي قويّ و حصن دعم للنضال الثوريّ عبر العالم إلى قوّة إمبرياليّة صاعدة وهي نفسها مستغٍلّة للجماهير الشعبيّة في أفريقيا و غيرها من الأماكن في العالم الثالث .
و قد حدث صعود الأصوليّة الدينيّة معا مع و في تعارض مع نموّ العلمانيّة ( العلمانيّون ليسوا دينيّين أو على ألقلّ ليسوا جزءا من الديانات التقليديّة ) ، خاصة في صفوف السكّان المدنيّين ألعلى مستوى تعليميّا . و هذه العلمانيّة في حدّ ذاتها لم ترسم أو تستهدف الهجوم على الناس الذين يواصلون تبنّى عقائد دينيّة بيد أنّها موضوعيّا تقوّض الدين – و إعتبرها الأصوليّون الدينيّون الذين يرفضون حتّى محاولة التوفيق بين الإيمان الديني و نتائج البحث العلميّ هجوما على " كلّ ما هو مقدّس " و ينعكس هذا بقوّة في هجومهم اللاعقلانيّ على واقع أنّ نظريّة التطوّر العلميّة الراسخة بصلابة .
المعنى الأساسي في هذا التقسيم هو قبول أو عدم قبول و نبذ التفكير العقلانيّ المعتمد على ألدلّة بما فيه أهمّية التفكير النقديّ الذى كان بالمعنى الواسع إمتدادا للتنوير الذى ظهر في أوروبا ( خاصة فرنسا ) قبل عدّة قرون زمنها ، و مذّاك ، تقدّم العلم و مثّلت الإنكتشافات الهامة التي أنجزها حافزا لوضع الدين موضع تساؤل على نحو لم يكن ممكنا حقّا قبل ذلك بما أنّ عديد هذه الإكتشافات العلميّة تتناقض بوضوح مع الكتابات الدينيّة و الدوغما الدينيّة المتخندقة منذ زمن طويل و المنهج العلمي ينبذ الإقرار بأشياء على أنّها " واقعيّة " إذا لم يكن ممكنا توفير أدلّة ملموسة على وجودها في العالم الماديّ الحقيقي . و كما أكّدت على ذلك أرديا سكايبراك مؤلّفة الكتاب الغاية في الأهمّية ، " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق : معرفة ما هو واقعي و لماذا هو مهمّ " ، يوفّر العلم الكثير من الأدلّة على انّ البشر قد أوجدوا كافة الديانات القائمة في جميع أنحاء العالم ( و في كتاب مضمونه حوار صحفيّ مع سكايبراك ، كتاب " العلم و الثورة " أكّدت كذلك أنّه بالرغم من أنّه أحيانا يوجد " علم سيّئ " إستخدم لأهداف سيّئة جدّا بما فيها الترويج للعنصريّة، المنهج العلمي في حدّ ذاته يمكّن من وسائل دحض هذا: " بوسعنا إستخدام المناهج العلميّة الصارمة للتدليل على أنّ كلّ ذلك كان علما سيّئا " ).
صحيح أنّ العلم عينه لا يمكنه أن يضع نهاية للإيمان الدينيّ كما يُبيّن ذلك واقع أنّ هناك أعداد كبيرة من الناس المتديّنين الذين يعتبرون أنفسهم مدافعين عن التنوير و يقبلون بالإكتشافات و الإستنتاجات العلميّة ( إلى درجة معيّنة على الأقلّ ) ، يشدّدون أنّ هناك مجال وجود – يشمل كائنا أو كائنات ما فوق الطبيعة – و هذا يخرج عن نطاق العلم . و أمر واقع هو أنّ ممثّلو الطبقة الحاكمة في هذه البلاد بشكل عام ، سواء كانوا " ليبراليّين " أم " محافظين " – و سواء كانوا هم أنقسهم على المستوى الشخصيّ يؤمنون أم لا بالدين – فإنّهم نهائيّا ينظرون إلى الدين كجزء حيويّ من الحفاظ على " الوحدة الإجتماعيّة " للبلاد على أساس رأسمالي و يعملون بشكل أو آخر على تشجيع الدين و خاصة المسيحيّة .( غنّهم جميعا يمارسون الموقف المنسوب إلى نابليون و مفاده ك المجتمع غير ممكن دون لامساواة ؛ و اللامساواة غير ممكن الحفاظ عليها دون أخلاق تبرّرها ، و مثل هذه الأخلاق غير ممكنة دون دين ). و مع ذلك ، ( لنعيد تقريبا كلمات موقف هام لعالم الفيزياء ستفن واينبارغ ) على الرغم من أنّ العلم في حدّ ذاته لا يلغى الإيمان الدينيّ ، فإنّه يوفّر أساسا للناس لعدم الإيمان بإلاه ة لنبذ الدين . و هذا في نزاع مع الذين يعتقدون أنّ الدين ضروريّ لمجتمع منظّم و " أخلاقيّ" ن وهو كذلك بصورة أكبر للذين يؤكّدون على أصوليّة دينيّة هي بصفة وحشيّة خارج التعاطى مع الواقع و مع المقاربة العقلانيّة للواقع .
و مع ذلك ،بينما من الصحيح أنّه لأجل كسب تحرّرها التام ، تحتاج الجماهير الشعبيّة في العالم في نهاية المطاف إلى التخلّص من الإيمان الديني عامة ، من المهمّ التأكيد على انّه في عالم اليوم ، الإستقطاب لا يتأتّى ببساطة بين الذين لفظوا الدين باسم التنوير مقابل الذين يتمسّكون بالإيمان الديني . الإستقطاب الهام القائم الآن هو بين ما يمكن عن صواب تسميتهم بالناس النزهاء ( بمن فيهم أعداد كبيرة من المتديّنين ) المعارضين للظلم من جهة و من الجهة الأخرى ، أولئك المصمّمين على إعادة إحياء و فرض الأشكال التقليديّة للإضطهاد . و بالنظر إلى كلّ هذا ، من أهمّ المسائل مسألة ما إذا يتوصّل الناس إلى معانقة أو لفظ صفتين مميّزتين : الإنفتاح الذهنيّ و الكرم الروحيّ.
-4 - و كلّ هذا يمدّنا بأساس و " خلفيّة " هامين لفهم ما جدّ في الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة ن لماذا و ما هي تبعات ذلك، راهنا و مستقبلا . و التالى من مقال صدر بتاريخ 9 نوفمبر 2020 لليونارد بيتس الإبن ( " انتخابات 2020 إنتهت أخيرا لكن الإحتفال صدر بشأنه أمر إيقاف " ) يتضمّن بعض وجهات النظر الثاقبة . كتب أنّ نتيجة هذه الانتخابات : " تعرّت قشور المزاعم الملساء حول من نحن كبلد و تمّ تسجيل واقع بمعنى له دلالته أنّنا لم نعد بلدا بل صرنا بلدين يتقاسمان الحدود ذاتها ". و إسترسل :
" آخر مرّة حدث هذا [ مع الحرب الأهليّة ] إقتضى إجبارنا على العودة إلى شيء يشبه الوحدة سنوات أربع و وفاة 750 ألف شخص . و حتّى حينها ، ظلّت مظاهر التصدّع دائما مرئيّة .
و على خلاف ذلك الصدع ، ليس الصدع الراهن جغرافيّا بصفة بارزة : جنوب مقابل شمال . لا. هذا صدع مدينة مقابل مدينة ، صدع المتعلّمين في المعاهد مقابل المتعلّمين في الجامعات و أكثر دلالة هو صدع مستقبل مقابل ماضي . و هذا يعنى أنّه في الماضيّ ، كانت هذه أمّة يمثّل فيها البيض الأغلبيّة ،و في المستقبل ستكون أمّة لن يمثّل فيها البيض الأغلبيّة."
و رغم أنّ بيتس على صواب في ما يتّصل بأنّ التقسيم اليوم هو أكثر ريف مقابل مدينة منه بصرامة جنوب مقابل شمال ، فالحال هو أنّ الكنفدراليّة القديمة ( و الجديدة ) – و بخاصة الجنوبيّون البيض الريفيّون – تظلّ أساس محاولة سيّئة التأسيس و سيّئة الإخراج لإعادة تركيز الماضي ( باسم " إعادة عظمة أمريكا " ) . و كما أشرت إلى ذلك سنة 2017 في خطاب " يجب على نظام ترامب / بانس أن يرحل " :
" هناك خطّ مباشر من الكنفدراليّة إلى الفاشيّين اليوم ، و علاقة مباشرة بين تفوّق البيض لديهم ، و كرههم و إزدرائهم الجليّين للمتحوّلين جنسيّا و كذلك للنساء ، و نبذهم المتعمّد للعلم و المنهج العلمي ، ونعرتهم القوميّة الضارة " أمريكا أوّلا " و الزعيق ب " تفوّق الحضارة الغربيّة " و التصرّف العدواني للسلطة العسكريّة ، بما في ذلك تعبيرهم المتعمّد و تهديداتهم البارزة بإستخدام الأسلحة النوويّة بتحطيم بلدان ."
و في الوقت نفسه ، الإنقسام و الصدام بين الماضيّ و المستقبل يمضى أعمق من التغيّرات الديمغرافيّة و أفق أغلبيّة سكّان غير بيض في الولايات المتّحدة . فالقوى المقاتلة في سيبل الماضي تستهدف الإنقلاب بإنتقام على حتّى أدنى التنازلات التي حصلت أثناء النضال ( ضد الظلم الاجتماعي و اللامساواة الممأسسين ، و لفرض شكل من الدكتاتوريّة الرأسماليّة السافرة و اللامحدودة بدستور و حكم القانون ( أو الذى يحوّل الدستور وحكم القانون إلى مجرّد أدوات للطغيان و الفظائع الفاشيّة ).
و مثلما وضعت ذلك في بياني في غرّة أوت 2020 ، الفاشيّة " دكتاتوريّة عدوانيّة سافرة تدوس و تفسد حكم القانون ، و تعتمد على العنف و الإرهاب ، باسم النظام الرأسمالي المفترس و كمحاولة قصوى للتعاطى مع الإنقسام الاجتماعي العميق و الأزمات الحادة (فى كلّ من البلاد و في المجال العالمي ). " .
ما جرى التعبير عنه في هذه الانتخابات الحديثة - وفي الواقع في كافة الانتخابات في ظلّ هذا النظام - هو أنّ "الديمقراطيّة" و " إرادة الشعب " ببعض المعنى المجرّد لكن بصفة خاصة خيار بين مختلف ممثّلى هذا النظام الرأسمالي - الإمبريالي و هو الخيار " الواقعي" الوحيد أو الممكن الوحيد المتوفّر في ظلّ هذا النظام . و في هذا الوضع الخاص و الخارق للعادة ، هذا الخيار – بين الحكم الرأسمالي الفاشيّ و الديمقراطي البرجوازي – مثّل عمليّا إختلافا واقعيّا إلى درجة أنّه كان من الصائب دعم جانب ، الديمقراطيّين ، لأجل إلحاق الهزيمة بمحاولة مزيد تعزيز الفاشيّة تعزيزا تاما . لكن هذا لا يُغيّر واقع أنّ هذا كان تصويتا في إطار ذات النظام الذى أنتج هذه الفاشيّة و سيواصل توفير أرض خصبة لهذه الفاشيّة في نفس الوقت مع مواصلته إفراز الفظائع وراء الفظائع بالنسبة للإنسانيّة – فظائع مخفيّة فقط عن الذين لا يفتحون عيونهم أو لا ينوون فتح عيونهم للنظر أمامهم . إنّ النسخة " الليبراليّة " ( أو " السائدة " لحكم هذا النظام تشمل فرض إستغلال و إضطهاد الجماهير الشعبيّة في هذه البلاد و عبر العالم ( بما في ذلك أكثر من 150 مليون طفل في العالم الثالث الذين هم مضطهَدين منتهى الإضطهاد بقسوة في معامل هشّة و مناجم ). و فرض كلّ هذا و إلحاق الهزيمة بمحاولات المنافسين كسب حصّة أكبر من هذا النهب و للحلول محلّ الولايات المتّحدة كقوّة مهيمنة على العالم – هذا ما يعنيه الممثّلون ( و غيرهم ) " الليبراليّون " لهذا النظام حين يتكلّمون عن " المصالح القوميّة " لهذه البلاد . و هذا هو أساس المقاربة " التقدّميّة " للسماح بالمزيد من " تنوّع " و " إدماج " فئات مهمّشة سابقا من هذا المجتمع و تشجيع مظاهر معيّنة من العلم ، على أساس و خاصة بغرض النهب العالميّ ، للجماهير و للبيئة أيضا .
- 5 – للتشديد على هذه النقطة الحيويّة مرّة أخرى : من الضروريّ مواجهة الواقع الجوهريّ ، واقع أنّه لا مستقبل يستحقّ الحياة فيه بالنسبة للجماهير الشعبيّة و في نهاية المطاف للإنسانيّة ككلّ في ظلّ هذا النظام الذى أفرز فاشيّة قويّة وهو مصدر عذابات رهيبة و غير ضروريّة ليس فقط بالنسبة إلى الجماهير الشعبيّة في هذه البلاد و إنّما أيضا بالنسبة لمليارات الناس عبر العالم ؛ و هذا يضع تهديدا متزايدا على وجود الإنسانيّة ذاته بفعل تكدي كبير للأسلحة النوويّة و كذلك تسريعه في تدمير البيئة . لكن ديناميكيّة و متطلّبات هذا النظام تدفع أزمة المناخ بإتّجاه نقطة اللاعودة بصرف النظر عن من يكون الشخص المعنيّ أو النظام المعنيّ المتحرّك كممثّله السياسي المهيمن . و عادة ما تُمدح الرأسماليّة على انّها نظام " ديناميكيّ" ينتج تغيّرات بإستمرار . إلاّ أنّ هذه " ديناميكيّة " قائمة على الإستغلال من أجل التكديس الفرديّ للأرباح و تُحرّكها الفوضى ( و التنافس الفوضويّ بين الرأسماليّين ) ، و هذه الفوضى عينها تدفع بسرعة الأشياء نحو شفا وجوديّ – خطوة يمكن أن تقطعها الإنسانيّة بلا رجعة – في حال تواصلت هيمنة هذا النظام الرأسماليّ في تعبيرته الإمبرياليّة المعولمة المهيمنة على العالم .
و إعتبارا لكيفيّة تعويد قسم كبير من القاعدة الإجتماعيّة الفاشيّة على التشخيص الخاطئ و السخيف للديمقراطيّين ( حتّى ديمقراطيّين " وسطيّين " مثل بيدن ) على أنّهم " إشتراكيّين راديكاليّين " ( أو حتّى " شيوعيّين " ) و على كرههم كرها من الأحشاء على ذلك الأساس – إلى درجة كبيرة لتنازلات الديمقراطيّين أمام النضال ضد الإضطهاد العنصريّ و الجندريّ و إلى الإضطرار إلى معالجة الأزمة البيئيّة وإلى الخوض في التاريخ الحقيقي لهذه البلاد – عالى السخريّة ذلك أنّه وحدها حركة قويّة تهدف إلى تحقيق إشتراكيّة فعليّة كمجتمع جديد و تحريريّ تماما و الإنتقال إلى الهدف االجوهريّ للشيوعيّة على الصعيد العالمي ، قادرة على إنشاء قاعدة لأعداد لها دلالتها من ، و خاصة منهم الشباب ، الذين سقطوا في براثن هذه الفاشيّة كي يقطعوا معها و يصبحوا من المساهمين في النضال الهادف إلى معالجة إيجابيّة للتناقضات التي يجعلها هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي في إحتدام مستمرّ. ( و مثلما يمكن لإنسان عقلانيّ أن يحدّد على الفور العدد الصغير نسبيّا من " الإشتراكيّين الديمقراطيّين " الذين هم جزءا من الحزب الديمقراطي ليسوا بأيّة طريقة " إشتراكيّين راديكاليّين " – أو حقّا إشتراكيّين مطلقا . و إنّما هم ديمقراطيّون – إشتراكيّون لا يهدفون إلى إلغاء النظام الرأسمالي و تعويضه بنظام إشتراكي بل يهدفون إلى تحقيق إصلاحات صلب النظام الرأسمالي لن تغيّره أو لن تؤثّر بصفة لها أهمّيتها ، في طبيعته و سيره الأساسيّين ).
الواقع هو أنّه لا عودة ( أو بعث جديد ) لنمط حياة مثاليّة يفترض أنّه وُجد في أواخر القرن التاسع عشر و الجزء الأوّل من القرن العشرين في هذه البلاد ،و لا عودة إلى أمريكا يصوّرونها رائعة الجمال و تتميّز ب " قيم تقليديّة " على نحو ما تجازى جزاءا عادلا " الفضائل " كبذل الجهد و حيث يحتلّ الناس في المجتمع الموقع الذى يستحقّون ( أو أراد الإلاه أن يحتلّوا ) – و هذا شيء لم يوجد و لا يوجد فعلا إلاّ في مخيّلة الذين يبحثون عن " إعادة تركيز " وهميّة لهذا ،و الذين وقع تعويدهم على الكره اللاعقلاني لكلّ من و لكلّ شيء من المفترض أنّه قد دمّره . و لا عودة إلى الوضع الذى وُجد لعقود عدّة عقب الحرب الالميّة الثانية حيث عدد كبير من الناس ( لا سيما ،و إن لم يكن فقط ، الرجال البيض ) دون تعليم عالى إستطاعوا الحصول على مواطن شغل في صناعات كبرى كصناعة السيّارات و الفولاذ بأجر جعل من الممكن إيجاد " مستوى حياة طبقة وسطى " . لا أساس لأن يتحوّل هذا إلى حقيقة بسبب المؤامرات التي يحيكها " الشياطين الليبراليّون الذين يشربون دماء الأطفال المتاجر بهم " بل ، مرّة أخرى ، بسبب سير هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى قد أدّى إلى تشكّل هذا العالم كما هو ، و إلى توجّه سريع نحو كارثة بيئيّة إذا لم يتسّبب في المقام الأوّل في إضمحلال الإنسانيّة جرّاء حرب نوويّة يشنّها مالكون أقوياء لذخيرة نوويّة ضخمة .
و لا أحد يجب أن يرغب في العودة إلى الماضى الفعليّ : إلى عالم متميّز بالفقر و المرض المستشريين حتّى أبعد من المدى الرهيب الذى نشهده اليوم ، لا سيما في العالم الثالث ، و متميّز بالدمار و العذاب الرهيبين الناجمين عن الحربين العالميّتين في القرن العشرين و أثناءها وقع قتل عشرات الملايين من الناس و أطلقت الولايات المتحدة قنابلا نوويّة على مدينتين يابانيّتين مع نهاية الحرب العالميّة الثانية ما أسفر مباشرة عن حرق مئات آلاف اليابانيّين و دشّن " العصر النوويّ "؛ و متميّز بأنّ الولايات المتّحدة تمارس الفصل العنصريّ و الميز العنصري الممأسسين و بمكانة " صنف أدنى " من البشر فيها هم أولئك ذوى البشرة الملوّنة و النساء ، و بقمع المتحوّلين جنسيّا قمعا عنيفا و بتعرّض السود بصورة خاصة إلى الإرهاب المستمرّ الذى يبلغ القتل بوقا بصورة متكرّرة و غيرها من الأعمال الشنيعة المصاحبة لذلك. إنّ المستقبل لا يكمن في الماضى ( الواقعيّ أو المتخيّل ) و إنّما في التقدّم صوب مجتمع إشتراكي فعلا و في نهاية المطاف عالم شيوعي أين يتلاءم التوجّه الجوهريّ و تتلاءم السياسات العمليّة مع تلبية الحاجيات الماديّة و الفكريّة و الثقافيّة للناس بينما توفّر أفقا متناميا للمبادرة الفرديّة ، و على أساس و ضمن إطار الأساس و الأخلاق الجماعيّة و التعاونيّة للمجتمع ،و أين يتمّ تجاوز العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة الإستغلاليّة و اللامساواة و الإضطهاد الساحقين في القدم و تكفّ عن أن تكون سببا في رفاه البعض على حساب بؤس البقيّة .
يتعيّن أن يكون واضحا أنّ الإستقطاب الراهن و المشاكل العميقة التي يجب مواجهتها لا يمكن معالجتها بمحاولة " تعديل " الأشياء في إطار هذا النظام . فمثال حركة " إحتلال الشوارع " [ أوكوباي ] في العقد الماضي نموذج آخر عن هذا . لقد أخفقت هذه المحاولة الفعليّة لإعادة الإستقطاب ب 99 بالمائة ضد 1 بالمائة من فاحشي الغناء في جزء هام منه لأنّ العلاقات الإجتماعيّة ( من قبيل العلاقات الإضطهاديّة بين مختلف " الأجناس " و الجندر ) و ليس فحسب العلاقات الإقتصاديّة ، تمثّل قوى ماديّة عتيّة ، و جزء هام من ذلك ال" 99 بالمائة " مصمّم على الحفاظ على هذه العلاقات الإجتماعيّة اللامتساوية و الإضطهاديّة التي منها يستفيد ( أو يعتقد شديد الإعتقاد أنّه يستفيد منها )، خاصة في هذا المجتمع الرأسمالي الذى يعرّض الناس بعضهم ضد بعض في منافسة عاد لا رحمة فيها .
فقط على أساس نظام إقتصادي مغاير راديكاليّا – نظام إقتصادي ( نمط إنتاج ) إشتراكي حيث تكون موارد إنتاج المجتمع مشتركة و معبّأة و سمتخدمة بطريقة مخطّطة لتلبية الحاجيات الماديّة و الفكريّة و الثقافيّة للناس ، على قاعدة تواصل التوسّع – و يمكن أن توجد أرضيّة مواتية لإجتثاث و تغيير العلاقات الإجتماعيّة التي تجسّد الإضطهاد و طرق التفكير المتناسبة معها و التي تفرض ذلك الإضطهاد ، متحرّكة أبعد من الوضع أين ( كما وضع ذلك لينين بما يلائم جدّا الغرض ) لا يقع مجرّد تشجيع الناس بل يقع دفعهم دفعا ليقيموا حسابات بخل و شحّ لما هو وضعهم في علاقة بالآخرين .
- 6 - و يشير كلّ هذا بقوّة ، مرّة أخرى ، إلى الحاجة إلى ليس مجرّد " مواجهة الواقع " بل كذلك إلى التطبيق الصريح لمبدأ أنّ العلم هام و الحقيقة هامة و بالتالى التفاعل جدّيا مع التحليل العلميّ ( كلّ ما عرضته بصفة عامة هنا ) للمشكل الذى يواجه الإنسانيّة ، و للحلّ : إلى أين يمضى العالم الآن ، في ظلّ هيمنة هذا النظام و التوجّه المختلف راديكاليّا الذى نحتاج إليه ،و يمكن أن يتّخذه . و هذا يستدعى إرادة تطبيق المقاربة عينها – العلم و مسألة الحقيقة المحدّدة علميّا – على الشيوعيّة و التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة و خاصة على الشيوعيّة الجديدة التي أتت نتيجة عقود من العمل الذى أنجزته. و تمثّل هذه الشيوعيّة الجديدة مواصلة و لكن أيضا قفزة نوعيّة أبعد و بأشكال هامة قطيعة مع النظريّة الشيوعيّة كما تطوّرت سابقا . و على عكس أولئك الذين يشوّهون و يدينون أو ببساطة يتجاهلون الشيوعيّة و التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعية، أنجزت أنا نفسى و قُدت آخرين في إنجاز دراسة علميّة بعيدة المدى و جدّية – بحثا و تحليلا – لتاريخ الحركة الشيوعيّة و المجتمعات الإشتراكية التي أنشأتها ( و كذلك البلدان التي وسمت نفسها ب " الإشتراكية " وهي ليست كذلك في الواقع من مثل كوبا منذ 1959 و فنزويلا في العقود الحديثة و الإتّحاد السوفياتي و بلدان أوروبا الشرقيّة أين أعيد تركيز الرأسماليّة و سادت لأكثر من ستّين سنة ، قبل فترة طويلة من تحوّلها إلى بلدان رأسماليّة بشكل سافر قبل بضعة عقود ). و قد إنتهت هذه المقاربة العلميّة إلى إستخلاص أنّ المجتمعات الإشتراكية الفعليّة التي نشأت بقيادة الشيوعيّين أوّلا في الإتّحاد السوفياتي و تاليا في الصين ( قبل إعادة تركيز الرأسماليّة في الأوّل في خمسينات القرن العشرين و في الأخير عقب وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976) و هذه التجربة الإشتراكيّة كانتا في الأساس – و في حال الصين بصفة طاغية – إيجابيّة بينما ثانويّا تضمّنت كذلك على بعض الأخطاء المهمّة و أحيانا الجدّية و حتّى الباعثة على الأسى .
و مستخلصة الدروس من التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة و مروحة واسعة من النشاطات الإنسانيّة ، تشدّد الشيوعيّة الجديدة و منهجها و مقاربتها المحدّدين لها على الأهمّية الحيويّة للعلم و لتطبيق المنهج العلميّ فى كلّ شيء – فى المجتمع كما في الطبيعة . إنّها تنبذ بصرامة أيّة مقاربة تعنى تطبيق و تبرير المفهوم المفلس و الضار إلى أقصى الحدود بأنّ " الغاية تبرّر الوسيلة " ، و أنّ " الحقيقة " مجرّد " أداة " لتحقيق الأهداف المرجوّة ، بدلا ممّا هي فعلا : إنعكاس صحيح للواقع الموضوعي .
هذا المنهج و هذه المقاربة نفسهما المطبّقين للتعميق المستمرّ لفهم طبيعة و سير النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يواصل في هذه اللحظة هيمنته على العالم بتبعات و إنعكاسات رهيبة بالنسبة للإنسانيّة و مستقبلها . و هذا العمل هو جزء هام من مواصلة تطوير الحرة الثوريّة التي نحتاج لأجل القضاء النهائيّ على هذا النظام و إنشاء عالم مغاير راديكاليّا و أفضل بكثير. و بينما يظلّ هناك الكثير للقيام به و تظلّ عديد التحدّيات غير مواجهة ، يمكن أن نجد تحليلا و خلاصة علميين للمسائل الجوهريّة في إرتباط بالوضع الذى يواجه الإنسانيّة و إمكانيّة تحريرها – في كُلِّ من الأشكال المكثّفة و الشعبيّة و في أعمال عمقها معتبر- في خطاباتى و كتاباتى و في غيرهما من المواد الأخرى المتوفّرة على موقع revcom.us . و نظرة شاملة و مخطّط ملموس لمجتمع تحرّريّ و مختلف جذريّا على طريق الهدف النهائيّ لعالم شيوعي معروضين في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى ألّفته .
إنّه لأمر واقع أنّه لا وجود في أي موقع آخر ، في أيّة وثيقة تأسيسيّة أو مرشدة مقترحة من أيّة حكومة ، لأيّ شيء يُشبه ليس فحسب حماية المعارضة و الحثّ عليها و على الغليان الفكريّ و الثقافي المتجسدين في هذا الدستور ، بينما لهذا في نواته الصلبة أرضيّة من التغيير الإشتراكي للإقتصاد ، بهدف القضاء على كلّ الإستغلال و التغيير المناسب للعلاقات الإجتماعيّة و المؤسّسات السياسيّة و إجتثاث كافة الإضطهاد و التشجيع عبر النظام التعليمي و في المجتمع بأسره لمقاربة أنّ هذا " سيمكّن الناس من إتّباع الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه ، بروح الفكر النقديّ و الفضوليّة العلميّة ، و على هذا النحو التعلّم المستمرّ من العالم و القدرة على المساهمة بشكا أفضل في تغييره وفقا للمصالح الجوهريّة للإنسانيّة " . و كلّ هذا يفكّ أسر و يطلق العنان للقوّة الإنتاجيّة و الإجتماعيّة الهائلة للبشر المتسلّحين و الملهمين للعمل و النضال معا تلبية للحاجيات الأساسيّة للناس – مغيّرين المجتمع تغييرا جوهريّا و مساندين و داعمين النضال الثوريّ عبر العالم – و غايتهم الأسمى عالم شيوعيّ ، خالى من كلّ الإستغلال و الإضطهاد ، بينما في الوقت نسه نعالج الأزمة البيئيّة و الإيكولوجيّة الوجوديّة حقّا على نحو له مغزى و يكن شاملا وهو غير ممكن في ظلّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي .
و قد نبذ هذا عدد كبير بشكل مفرط – و في الغالب الأعمّ ، أخفقوا أو رفضوا حتّى التفاعل الجدّي معه – بسبب الجهل و الأفكار المسبّقة و منبعها في نهاية المطاف هو التشويه بلا هوادة الذى يذيعه حرّاس النظام القائم ، و الذى يخدم تعزيز هذا النظام القمعيّ بصفة عالية . هنا ، يجب أن نقول ( و يمكن أن ندلّل على ذلك في الحال ) إنّ الهجوم البرجوازي " الليبرالي " على الشيوعيّة هو بطريقته الخاصة سخيف و فاحش – إذ هو يدوس بفظاظة المنهج العلميّ وهو بشكل بارز في تعارض مع الوقائع الفعليّة – مثلما هو التمزيق الفاشيّ لما يندّد به " الليبراليّون " على الدوام . و هذا يلحق ضررا كبيرا بالإنسانيّة : رفض تطبيق و التحرّك في معارضة مقاربة نزيهة و علميّة للشيوعيّة و للتاريخ الفعليّ للحركة الشيوعيّة ؛ و يساهم تطوير الشيوعية الجديدة في تفتّح البديل الحقيقي الوحيد لهذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي الوحشيّ حقّا – البديل الوحيد القابل للتحقيق الذى يمثّل المصالح الأساسيّة و مستقبل يستحقّ الحياة فيه بالنسبة إلى جماهير الإنسانيّة و في نهاية المطاف الإنسانيّة ككلّ .
الطريق نحو عالم أفضل ليس و لن يكون طريقا سهلا – و سلوكه لا يمكن أن يتحقّق دون نضال مصمّم و أجل دون تضحيات جسام . بيد أنّ المثابرة على المسار الراهن في ظلّ هيمنة هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي يعنى تواصل الفظاعات التي المقترفة بعدُ اليوم و فظائع أسوأ حتّى تهدّد الإنسانيّة تهديدا مباشرا و الخطر الوجوديّ الحقيقي جدّا يلوح في الأفق بشكل متصاعد .
إزاء الطغيان الفاشيّ الذى لا يزال يهدّد و يكسب القوّة ، شعُر عدد كبير منّا شعورا عميقا بالقرف و الغضب و تطلّعوا إلى شيء أفضل بكثير . و قد رفعوا راية و توحّدوا حول نداء أنّ العلم و الحقيقة مهمّين و يجب أن يكونا مرشدنا . و الآن لنتحلّى بالجرأة و الجسارة بما فيه الكفاية لنطبّق هذا بلا تأخير ، مصمّمين على البحث عن الحقيقة و المضيّ إلى حيث تؤدّى مهما كان ما تؤدّى إليه ، و متخطّين كافة العوائق أمام هذا بما فيها أيّة أوهام عزيزة و أفكار مسبّقة راسخة تذهب ضد الواقع و ضد الحقيقة العلميّة . لنتجرّأ على العمل في سبيل تحقيق ما يكشف العلم إمكانيّة تحقيقه : عالم و مستقبل مغايرين راديكاليّا و أفضل للإنسانيّة .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا