الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية التنمية البشرية في المغرب2

عبدالاله سطي

2006 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الفصل الأول: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خارطة طريق بدفتر تحملات (أسس ومقومات).

جاءت "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي أعلن عنها العاهل المغربي في خطابه السامي ب18 ماي 2005 كخطوة متقدمة في المنظور السياسي من أجل إيجاد حل للمعضلة الاجتماعية التي تتخبط فيها بلادنا. هذه المبادرة التي تعتبر في نظر العديد من المهتمين بمثابة خارطة طريق نحو الدفع بعجلة التنمية المستدامة الشاملة لكافة (أشكال العجز و الإقصاء والتهميش) و إرساء أسس الدولة الحكيمة، بإدماج كافة فعاليات المجتمع كعنصر و "دينامو" و فاعل اجتماعي وسياسي في المجهود التنموي.فما هو إذن السياق العام الذي ظهرت فيه هذه المبادرة؟ و ما هي الأسس و المرتكزات التي تقوم عليها؟ و أيضا ما هي الفلسفة العامة التي تتبناها في معالجة الآفة الاجتماعية؟ وعلى أية آليات ووسائل اعتمدت؟ وكيف كانت ردود ومواقف الفاعلين السياسيين جرائها؟

المبحث الأول : السياق العام.


إذا كانت كل مبادرة سياسية وليدة شروط و ظروف معينة، فإن الإعلان عن "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" لم يأتي اعتباطا أو عفويا بل جاء متفاعلا مع ظرفية سياسية واجتماعية(سواء على المستوى الوطني أو المستوى الدولي) متسمة بالعديد من التقلبات و التطورات المهمة نسوقها فيما يلي.


المطلب الأول : السياق الوطني.


جاء الخطاب الملكي المعلن عن " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" في مناخ وطني يعرف العديد من التطورات والتغيرات تبرز أهم مميزاتها وتجلياتها في:
1ـ مرور سنتين على أحداث 16 ماي الإرهابية التي هزت الدار البيضاء مخلفة وراءها العديد من الضحايا و الأبرياء. و التي كشفت من بين ما كشفت عليه في العمق، مدى العجز الكبير الحاصل على المستوى الاجتماعي، خصوصا و أن جل المنفذين لتلك العمليات الشنيعة ينحدرون من إحدى دور الصفيح البئيسة و المهمشة (حي سيدي مومن).
2ـ صدور التقرير السنوي للبرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة المتعلق بالتنمية البشرية لسنة 2005 واضعا المغرب في الرتبة 124 من بين 177 دولة شملها التصنيف المتعلق بالتنمية البشرية، وهي رتبة لا تشرف بلدا تواق إلى إرساء قوائم وقواعد الدولة الحديثة والديموقراطية، خصوصا و أن التصنيف يضعنا في خانة الثلث الأخير من دول العالم في التنمية البشرية.
3ـ صدور تقرير التنمية الانسانية العربية2004 غير بعيد عن التقرير السابق في تشخيص الهشاشة الاجتماعية بالمغرب. والذي وصف الدول العربية و من بينها المغرب "بالثقب الأسود"، في إحالة على الثقب الأسود الموجود في الفضاء.

4ـ صدور تقرير مكتب الدراسات الأمريكي "ماكنزي" بطلب من المغرب، "كاشف عن وجود عدة عراقيل مازالت تحول دون تطور النشاط الصناعي في
المغرب بصفة خاصة و لتطور الاقتصادي بصفة عامة"، حيث يحتل المغرب حسب التقرير على مستوى التنافسية مراتب جد متدنية مقارنة مع الدول التي لها نفس إمكانيات المغرب الاقتصادية مثل تونس والأردن والسنغال.
ليقر في الأخير أن على المغرب أن يعمل على تجاوز هذه العراقيل حتى لا يتجه نحو الإفلاس الكامل.
5ـ صدور تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني في مطلع شهر أبريل 2005، و الذي اعتبر المغرب مرتعا للإرهاب نتيجة تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد.
6ـ القرير الأمريكي الذي صدر هو الآخر في متم شهر أبريل 2005 و الذي حذر من تأثير عوامل الفقر و البطالة في انتشار ظاهرة > و مدى تأثيرها على استحقاقات 2007.
7ـ تحذيرات البنك الدولي المتتالية من حدوث توترات اجتماعية بسبب الفقر والتهميش، في حالة عدم تسريع النمو الاقتصادي و خلق مناصب شغل في غضون العشرية القادمة، كما أشاد التقرير على أن خلق مناصب الشغل للشباب والساكنة النشيطة يستدعي تسريع النمو الاقتصادي وتكثيف المجهودات من أجل تسهيل وصول الفقراء و المهمشين إلى الخدمات والفرص المتاحة. كما كشف التقرير على أن 15% من عدد السكان تعتبر من عداد الفقراء، مشيرا على أن الثلث منها يقبع بالعالم القروي، ومؤكدا على أن عدد الفقراء في تزايد مستمر، قد يصل مع متم 2011 إلى ضعف ما هو عليه الآن.
8ـ وفي ذات السياق دخلت على الخط العديد من الأحداث المتفرقة التي شهدتها عدة مناطق بالمملكة تتوزع مابين الشمال و الجنوب( تامسينت،طاطا،وسيدي إفني بالاضافة إلى بعض المداشر..) و التي عرفت احتجاجات وتظاهرات ضخمة للمطالبة بالماء الصالح للشرب و تحسين ظروف العيش. بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الطقوس الاحتجاجية اليومية للأطر المعطلة ، هذا فضلا عن الجفاف الذي ظرب كسادا على معظم مناطق المملكة، مما دفع إلى الرفع من درجة الانذار بالخطر.

9ـ كما أن المبادرة جاءت في سياق يكشف في العمق عن المكانة المتقدة للمسألة الاجتماعية في أجندة الحكم على اعتبار أنها أضحت منذ سنة1999 ضمن مجالات> إلى جانب المسألة الحقوقية و النهوض بأوضاع المرأة و تدبير مسألة التعدد الثقافي و اللغوي، بالإضافة إلى سلسلة الإصلاحات القانونية التي دشنها المغرب في السنتين الأخيرتين.

إذن كل هذه العوامل وعوامل أخرى ساهمت على المستوى الوطني من قريب ومن بعيد في دفع الدولة إلى إعادة النظر في سياستها التنموية وفي مقاربتها للوضعية الاجتماعية.فمحاربة الإرهاب و عوامله لا يمكن أن يقتصر فقط على المقاربة الأمنية وحدها، و الآفات الاجتماعية لا يمكن معالجتها إلا عبر تصحيح الاختلالت التي تطفو على المستوى الاجتماعي و اجتثاثها من جذورها، هذا بالنسبة للسياق الوطني.


المطلب الثاني : السياق الدولي.


أما على مستوى السياق الدولي فقد صادف الإعلان عن المبادرة مناخ دولي دولي من تحديداته وتجلياته:
1ـ التزام الدولي ببنود عدة اتفاقيات دولية ومصادقته عليها، والتي تحث في مجملها على دور التنمية على دور التنمية البشرية و التنمية البيئية في إحلال الاستقرار و إرساء دعائم الدولة الحديثة و المتقدمة.
2ـ بروز مفهوم "التنمية البشرية وهيمنة قيم التنمية والموارد البشرية على الخطاب العالمي"(1) و مدى انعكاسها على وتيرة تقدم المجتمعات ورقيها و معالجتها لإختلالاتها الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية.
3ـ صدور تقرير البنك الدولي عن التنمية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، و حثه على ترسيخ مفهوم الحكامة الجيدة لاعتباره أن "الحكم الجيد الذي تعمل المؤسسات العامة فيه بصورة متجاوزة وشفافة هو أساس التقليص من معدلات الفقر و حفز النمو وقد أظهرت دراسات عديدة أن الحكم الرديء يؤدي إلى تباطؤ النمو، و إلى خدمات قليلة الفعالية و إلى تفويت الفرص للتنمية البشرية بسبب مشاركة الموظفين المحدودة في صنع مستقبلهم".
4ـ اتجاه مجتمعات الألفية الثالثة التي عقدت مؤتمرها خلال السنة الماضية بنيويورك، نحو تشييد مجتمعات المعرفة والإعلام، من أبرز توصياته التي خلص إليها، تعميم التعليم و الإنقاص من حدة الأمية بالبلدان المتخلفة إضافة إلى نشر قيم المعرفة و التقنية المعلوميتين.
5ـ إنشاء منتدى المستقبل ـ الذي عقد مؤتمره الأول بالمغرب ـ من أبرز شعاراته" من أجل تنمية مستدامة و عادلة بمنطقة الشرق الأوسط الكبير"، وهو مشروع يهدف إلى ضخ دم التنمية ومحدداتها بشريين البلدان التي تندرج ضمن هذا الأخير، عن طريق تشجيع الاستثمارات و المنافسة الاقتصادية و توطيد دور فعاليات المجتمع المدني في عملية التنمية المحلية.
6ـ كما ساهمت تحديات الشراكة الاقتصادية والأسواق الحرة المقبل عليها المغرب مع العديد من التكتلات الاقتصادية، في التعجيل بالوقوف على الوضعية الاجتماعية و الاقتصادية حتى تكون بلادنا بمستوى هذه الرهانات و التحديات.
7ـ كما أن منطق العولمة و آلياتها التي أصبحت تتحكم في تسيير دواليب العالم على كافة مستوياته، أصبح يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى بناء دول ذي مقومات و ثوابت حديثة ومتينة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حتى يتسنى لها أن تكون فاعلة بدورها في هذه المنظومة الكونية التي لا ترحم أحدا من المتخلفين عن قوانينها.
كل هذه العوامل وتلك بدت واضحة و جلية في الخطاب الملكي ل18 ماي،2005 فمعالجة الأزمة الاجتماعية و القضاء على البطالة و التهميش و الفقر والحرمان و تبعاتهم، أكيد يحتاج إلى سياسة حكيمة و عزيمة مبيتة، منفتحة على كافة شرائح المجتمع بمختلف مستوياته، تأخذ في اعتبارها الإكراهات والتحديات و العوامل الداخلية والخارجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس